الأحد، 31 مارس 2013

لعن رسول الله المصورين قبل مئات السنين


بسم الله الرحمَن الرحيم

تقديم

قال تعالى: {المص 1} سورة الأعراف.
نقرأُها هكذا: {ألِفْ, لام, مِيم, صاد}.
ونُعَرف دلالاتها هكذا:
(ألِف): نُسَكِن آلام اللام المكسورة في (ألِف) بالسكون فتصبح (ألْف) 1000.
(لام): إذا أضفنا السين إلى (لام) فإنها تصبح (سلام).
(ميم): إن لفظ الحرف الثالث (ميمٌ) أوله وثالثه (م), وهذا يُطابق اسم (محمد) خير المرسلين الذي أولهُ وثالثهُ (م).
ورابع حرف (ص): هو أول حرفٍ من الكلمة الرباعية (صلاة) ويدلُ عليها.
وهكذا فإن: {المص} = {ألْف سلام محمد صلاة}, وعند إعادة ترتيب هذه الكلمات, فإننا نصلُ إلى بيت القصيد وهو:
(ألْفُ) (صلاةٍ ) و(سلام) على خير الأنام (محمد) وآله وصحابتهِ الكِرام.

وحتى لا يظُن البعض أن هذا الاستنباط (المُحمدي) أعلاه مجرد صدفة وتحوير لغوي يفتقر للمنهجية, فإن ثمة قاعدة تجمع بين هذه الدلالات التي تم استخراجها, وهي أنهُ باستثناء الحرف الثالث {م} الدال على اسم العلم (مُحمد), فإن دلالات الحروف الثلاثة المتبقية من آية {المص} - وهي:{ال ص} - تنطوي في حروف الآية نفسها منقوصة حرف واحد منها, على النحو التالي:
{ا}: والدلالة المستنبطة منه هي (ألْف), وباستثناء حرف (ف) فإن أول حرفين من (ألف) وهما (أل) موجودان في أول حرفين من الآية {(ال)مص}.
{ل}: والدلالة المُستنبطة منه هي (سلام), وباستثناء حرف (س) فإن آخر ثلاثة حروف من (سلام) وهم (لام) نجدهم في أول ثلاثة حروف من الآية {(الم)ص}.
{ص}: والدلالة المُستنبطة منه هي (صلاة), وباستثناء حرف (ة) فإن أول ثلاثة حروف من (صلاة) وهم (صلا) نجدهم في الحروف: الأول والثاني والرابع من الآية {(ال)م(ص)}.

وفيما عدا السهو والنسيان, وفيما يخص حروف المستثناة من الدلالات الثلاثة والتي لم تجد لها مكاناً في حروف آية {المص}, وهي الحروف الثلاثة على الترتيب (ف س ة), (ف) من ألْف, و (س) من سلام, و (ة) من صلاة, فإليكم ما جاء عن حَبر الأُمة ابن عباس – رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا}, قال ابن كثير: [والصحيح أنه علمه أسماء الأشياء كلها : ذواتها وأفعالها ؛ كما قال ابن عباس: حتى الفسوة والفُسَية. يعني أسماء الذوات والأفعال المكبر والمصغر].
  
 أما بعد ؛ قال اللهُ تعالى : {إن اللهَ وملائكتهُ يُصَلون على النبي. يا أيُها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً 56 إن الذين يؤذون اللهَ ورسولهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدنيا والآخرة وأعدَ لهم عذاباً مُهيناً 57 والذين يؤذُونَ المؤمنين والمؤمناتِ بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بُهتاناً وإثماً مُبيناً 58} (سورة الأحزاب).
إن الله تعالى يصلي على نبيه , أي يرحمهُ ويُعظم شأنهُ , ويرفع مقامهُ , وملائكتهُ الأبرار , وجُندهُ الأطهار , يدعون للنبي ويستغفرون لهُ ويطلبون لهُ البركة والمجد والظهور في الأرض , فيا أيها المؤمنون : صلوا أنتم عليه وسلموا تسليماً كثيراً , وعظموا أمرهُ , واتبعوا شرعهُ , وأدوهُ حقهُ العظيم عليكم.
ثمَ أخبر تعالى أن الذين يؤذون الله بوصفه بما لا يليق به جل وعلا, ورسولهُ كقولهم عنه مجنون, ساحر, كذاب, أو بما كان يلحقهُ به المنافقون والكفار من الاذى الحسي والمعنوي, فإنهم بذلك قد استحقوا غضب الله ولعنتهُ عليهم في دنياهم وآخرتهم , وأن الله أعدَ لهم عذاباً شديداً لا يُدرك كنههُ ولا يُعرف هولهُ , وكذلك الذين آذوا المؤمنين والمؤمنات بالبهتان , وهو الفعل الشنيع أو الكذب الفظيع والافتراء الواضح الذي يثيرُ الحيرةَ من بُطلانهُ.

قال الترمذي, عن ابن عمر - رضي الله عنهما-, عن النبي (صلى الله عليه وسلم), قال: {إن لجهنم سبعة أبواب, بابٌ منها لمن سل السيف على أمتي- أو قال على أمة محمد-}.
وقد جاء في تفسير قَوْلِهِ تَعَالَى : {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ} : إِنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ أَصْحَاب التَّصَاوِير {ورسولهُ} : نزلت في الذين طعنوا على النبي في نِكاحهِ صفية بنت حُيي (تفسير الطبري).
وَقَالَ عِكْرِمَة: {إن الذين يؤذون  الله}: مَعْنَاهُ بِالتَّصْوِيرِ وَالتَّعَرُّض لِفِعْلِ مَا لَا يَفْعَلهُ إِلَّا اللَّه بِنَحْتِ الصُّوَر وَغَيْرهَا,وَقَدْ قَالَ الرَسُول -عليه الصلاة والسلام-:(لَعَنَ اللَّه الْمُصَوِّرِينَ)(تفسير القرطبي).

وما أشبه اليوم بالأمس على الرغم من القرون الطويلة التي تفصل بينهم , فالذين آذوا الله جل وعلا بالأمس من مُصوري التماثيل والأوثان, مثلهم كمثل من يؤذون رسوله -عليه الصلاة والسلام- اليوم في رسومهم ومشاهدهم التمثيلية المُصورة, لأن الذي لا يستحي أن يؤذي ربهُ سبحانهُ وتعالى ولا يخشاه , لن يستحي أو يخشى من أن يؤذي أنبيائه ورسله -عليهم السلام جميعاً- , ولقد كرمَ الله رسولهُ فجعل عقوبة من آذاهُ سبحانهُ وتعالى سواءً مع عقوبة من آذى رسولهُ, وهي اللعن والعذاب المُهين في الدنيا والآخرة وهي عقوبة المصورين.

 روى البخاري في صحيحه عن أبي جحيفة السوائي -رضي الله عنه- , قال : رأيت أبي اشترى حجاماً فأمر بمحاجمهِ فكسرت ، فسألته عن ذلك ، قال : {إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب ، وكسب الأمة ، ولعن الواشمة والمستوشمة ، وآكل الربا وموكله ، ولعن المُصور}.

وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أن رجلاً قال له : إني أصور هذه الصور فأفتني فيها , فقال له : ادنُ مني فدنا , ثم قال لهُ : ادنُ مني فدنا , حتى وضع يدهُ على رأسه وقال : أنبئك بما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- , سمعتهُ يقول : {كل مُصَور في النار , يُجعل لهُ بكل صورة صورها نفس فيعذبهُ في جهنم}.
قال ابن عباس : (فإن كنت لا بد فاعلاً فصور الشجر , وما لا روح فيه.
وفي رواية أخرى عنهُ: سمعتهُ يقول: (من صور صورة فإن الله يعذبهُ حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبداً).

قال القُرطبي : [لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- المصورين ولم يستثن ِ , وقال: (إن أصحاب هذه الصور يُعذبون يوم القيامة يُقال لهم أحيوا ما خلقتم) .
وفي الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنهُ- , قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: {يخرج عنق من النار يوم القيامة , له عينان تبصران , وأذنان تسمعان , ولسان ينطق يقول : إني وكلت بثلاث : بكل جبارٍ عنيد , وبكل من دعا مع الله إلهاً غيره , وبالمصورين} (1).
وفي البخاري {أشد الناسِ عذاباً يوم القيامة المُصورون} وهذا يدل على المنع من تصوير أي شيء كان] (2).  

فما هو التصوير ؟!
التصوير: هو التمثيل والنقل والتعبير, والتصوير قد يكون لصورة ذهنية وخيالية, أو تقليد لصورة واقعية وحقيقية, أو دمج بين الواقع والخيال, وقد يكون لشيء مُفرد, أو لعدة أشياء تُشكل مع بعضها مضموناً مُتكاملاً.
والتصوير له عدة أنواع, أيسرها هو التصوير الشفوي, وهو أن يُخرج الإنسان تصوراً ما في ذهنه وينقلهُ ويشرحهُ للآخرين بلسانه, ومثلهُ التصوير الإنشائي, وهو أن ينقل الإنسان تصوراته وأفكاره وخواطره للآخرين عن طريق كتابتها.
والتصوير يكون كذلك باستخدام الحواس جميعاً من نُطق وإيحاء جسدي وحركات تمثيلية, وهذا التصوير شأنهُ شأن التمثيل المسرحي والتلفزيوني ونحوه.
ومن أنواع التصوير الأخرى, التصوير بالرسم والنحت وصناعة القوالب والدُمى.
ويُطلق مُصطلح التصوير كذلك على الصور التي يتم التقاطها أو المشاهد التي يتم تسجيلها باستخدام الكاميرات الإلكترونية, إلا أن هذا النوع من التصوير لا يعدو كونهُ مجرد نقل لصورة الشيء الحي والواقع على حقيقته ودون تكَلُف وزيادة أو تنقيص عليه, على عكس أنواع التصوير الأخرى المذكورة أعلاه, والتي يمكن التكلفُ بها والإدخال عليها.

وجميع أنواع التصوير المذكورة أعلاه هي على مما أحلهُ الله, أو مما حَرَمه, أو مما استحبتهُ الشريعة السمحة, أو مما كرهته, وكل ذلك مقترن بضوابط أخلاقية وشرعية واقتصادية تحدد حُكمهُ ومدى قبولهُ أو رفضهُ, وإن بعض الحلال أحياناً يصبح مكروهاً أو مُحرماً في حال أُسِيء استخدامه وأُخرج عن طوره المعقول, كما أن بعض الحرام قد يصبح مُستحباً أو حلالاً في حال دعت الضرورة إلى استخدامه والإفادة منه.
فعلى سبيل المثال, فإن الذي يكتب كتاباً أو يتحدث حديثاً يُصور فيها الأشياء على غير حقيقتها وصِفَتها بُغية الإفساد وإثارة الفتن, فبئْس الكتاب وبئس الحديث ذاك, وصاحبهُ ملعون عند الله, منبوذٌ عند الناس, ولهُ عذابٌ أليم.
وكذلك من يرسم صورة أو يُمَثل مشهد فيه استهزاء بقوم ٍ من الأقوام, أو انتقاص من شخصية أو دين ٍ أو مذهب بغرض الاستفزاز والإساءة, فإن أصحاب هذه الصور ومُمثلي هذه المشاهد ملعونين عند الله, منبوذين عند الناس, ولهم عذابٌ أليم.
وأخيراً, من استعمل آلة تصوير في تتبُع عورات الناس وكشفها وتسجيل عثراتهم خلسة ً دون إذنهم, أو قام بتصوير الفواحش وإخراجها للناس ليروها, فإنهُ ملعونٌ عند الله, منبوذٌ مَهينٌ عند الناس, ولهُ عذابٌ أليم.

وفيما يلي موجز قصير عن أشكال التصوير, وما أجمع عليه فقهاء المسلمين من تحريمه وإباحته:
[قسم العلماء الصور إلى قسمين (بناءً على الأحاديث النبوية القاطعة الواردة فيها):
1- الصور التي لها ظل, وتسمى (التماثيل).
2- الصور التي ليس لها ظل , وهي المرسومة على الورق , أو المنقوشة على الجدار , أو المصورة على البساط والوسادة ونحوها وتسمى (الصور).
فكل تمثال صورة , وليس كل صورة تمثال , ولقد أجْمعَ العلماء على حُرمة تصوير كل ذي روح من إنسان أو حيوان مُجسماً كان أو مرسوماً , ولبعض العلماء استثناء في شيء من الصور كأن تكون غير متصلة الهيئة بقطع رأسها أو بعض أجزاءها , وأن تكون مما يُمتهن ويُداس كالوسائد , ولُعب البنات والصغار.
وأما عن حُكم الشريعة في التصوير الفوتوغرافي (ومثلهُ من أنواع التصوير باستخدام الأجهزة الإلكترونية الحديثة),  فينبغي أن يقتصر في الإباحة على حد الضرورة وما تتحقق به المصلحة, وأن لا يُصاحبهُ مفسدة أو حرام ] (3).
         
وبعيداً عن الخوض في أحكام التصوير وحيثياتهُ في شريعة الله, فإن خُلاصة ما أود تِبيانهُ من جملة هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة في شأن المصورين , هو أن الله وملائكتهُ ورسولهُ يلعنون من صَوَر صُورة يُريد بها إيذاء المسلمين, فيا أيها الذين آمنوا العنوا من لعنهُ اللهُ ورسولهُ.

وإن هذه الرسوم الكاريكاتورية والأفلام المُسيئة إلى الذات النبوية الساكنة في السماوات العَلية , هجمة تصدى لها رسول الإنسانية محمد -عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم- , وفتنة طبَ لها قبل وقوعها بمئات السنين. قال تعالى : {أم حَسِب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا. ساء ما يحكمون 4} سورة العنكبوت.
حيثُ أطلع الله علام الغيوب نبيه -عليه الصلاة والسلام- على ما كان وما سيكون , قال تعالى : {وما ينطقُ عن الهوى 3 إن هو إلا وحيٌ يُوحى 4 علَمَهُ شديدُ القُوى 5} سورة النجم.
فهو الشمس التي  سيعمُ نورها ودفئها جميع الخلق في هذا الكون , بمن فيهم  أولئك الغرُ المجانين من المُصورين الذين  تطاولوا على سيد ولد آدم أجمعين , فحقت عليهم لعنة الله وغضبهِ في آياتهِ, ولعنة رسولهِ وتشنيعهُ عليهم في أحاديثه, والتي نقلها أصحابهُ وأتباعهُ وحفظوها بإذن الله عن التحريف والتدليس, ليرددها أبناء الأمُة في كل زمانِ ومكان كأن قائلها المبعوث رحمةً للأنام قد قالها الآن , يُجيب بها المتسائلين ويهدي الضالين , ويُثني على المؤمنين والمُحسنين , ويزجُر العُصاة والظالمين من أمثال أولئك المصورين أعداء الدين , الذين جسدوا صورته ورسموها زوراً وبهتاناً دون أن يروهُ أو يعرفوهُ , بهيئات ودلالات هو منها براء براءة الذئب من دم  يوسف ابن يعقوب -عليهما السلام -.
عن أبي شُريح قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{إن أغنى الناس على الله عز وجل, رجل قتل غير قاتله أو طلب بدم الجاهلية من أهل الإسلام ، ومن بصَرَ عينيه في المنام ما لم تُبْصِرا‏} رواهُ الطبراني في الكبير‏‏.

‏وكما تعلمون فإن نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- قد اختار الرفيق الأعلى وفارق الحياة , فلا يُرى بعد ذلك إلا في المنام , عن عبد الله ابن مسعود قال ‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ {من رآني في المنام فقد رآني , فان الشيطان لا يُتبغى له أن يتمثل بمثلي‏} رواه أحمد‏‏.‏
وأنهُ لا يُبتغى لمثل هؤلاء المصورون الغافلون أن تصل مداركهم إلى رؤية الرسول في منامهم, لذا فما صُوَرهم هذه التي رسموها لشخص النبي –عليه الصلاة والسلام إلا اختلاقاً من نسج خيالهم وأوهامهم ووحي شيطانهم.

كما أنهُ لا ينبغي لهم أن يؤذوا من توفاهُ الله قبل 14 قرناً بذنب ارتكبه الأحياء في هذه الأوقات , وذلك إذا ما سَلَمنا حقاً بأن هؤلاء الرسامين قد ارتكبوا فعلهم المشين بحق نبينا العظيم على حد زعمهم, تحت وطأة أعمال التفجير والقتل والتخريب المنسوبة إلى جماعات من أبناء العرب والمسلمين.
وفي الوقت ذاته أود أن أسأل هؤلاء المصورين لماذا لا نجدُ بالمقابل رسوماً في صحف العرب والمسلمين وأفلامهم تسخر من موسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام, رغم كل ما يلحق بالمسلمين من أذىً كبير وظلماً شديداً تمارسهُ عليهم وفي عقر دارهم جيوش جرارة تخرج من بلاد أولئك المصورين وتَدعي الانتساب إلى اليهودية والنصرانية وترفع راياتها؟
الإجابة هي : أننا نحنُ أهل الإسلام حَمَلة الرسالة السماوية إلى آخر الزمان , نؤمن بجميع الأنبياء -عليهم السلام- وكتبهم ونوقرهم ونحبهم كتوقيرنا ومحبتنا لخاتم النبيين رسولنا محمد -عليه الصلاة والسلام- , أما أهل الكتاب من اليهود والنصارى فقد توقف علمهم وإيمانهم بآيات الله ورسله عند حدود أزمنة بعث أنبيائهم ونزول كتبهم , وأعرضوا عما نزل بعدهم من النور رغم معرفتهم بأنهُ الحق الذي بشر به أنبيائهم , وأن ما جاء بهِ موسى وعيسى ومحمد -عليهم الصلاة والسلام- يخرج من مشكاةٍ واحدة.
قال تعالى :{قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ 97 مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ 98} سورة البقرة.

إن التفريق بين الملائكة والأنبياء وعداوتهم هي من العقائد الزائفة لكفار اليهود عليهم لعنة الله , والذين أشارات عدة تقارير صحفية وتلفزيونية إلى وقوفهم وراء هذه الحملة البشعة ضد المسلمين ومُساندتها (4) , من خلال نشاط الموساد ونفوذ اللوبي الصهيوني في أوروبا وأمريكا , وكيف لا وهم سَبَاقين إلى نشر صور تُسيء إلى النبي الكريم في طرق فلسطين عجل الله خلاصها من أيدي المحتلين , وتاريخهم القديم في أذى الله وأنبيائه والمؤمنين وقتلهم والسخرية منهم خير شاهد على هذا , قال تعالى : {لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ 181} سورة آل عمران.
           
وعن ابن مسعود - رضي الله عنهُ- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : {إن أشد أهل النار عذاباً يوم القيامة من قتل نبيا أو قتله نبي ، وإمام جائر، وهؤلاء المصورون} رواهُ الطبراني في الكبير.
ولقد جمع الرسول -عليه الصلاة والسلام- في حديثٍ واحد بين قتلة الأنبياء وأكثرهم من اليهود , وبين من يسخرون  منه اليوم وهم المصورون, وتوعدهم بالعذاب الشديد, وهذا من دلائل نبوتهِ -عليه الصلاة والسلام- ونفاذ بصيرته , فهو بما نبأهُ بهِ العليم الخبير وأطلعهُ عليهِ من أخبار الغيب , قد سبق كل التحليلات والتقارير الصحفية التي أشارات إلى هذا الاحتمال.
                 
ولقد جاء في الآيات التي تَبِعت ذكر أذى الله ورسولهُ محمد وأتباعهُ المؤمنين في سورة الأحزاب, ذِكر أذى بني إسرائيل لنبيهم موسى -عليه السلام- وقد برأهُ اللهُ مما رموهُ بهِ من العيوب , وذلك ليحْذر المؤمنين من مُشابهة اليهود في أذى نبيهم أو حتى التسبب في أذاه , ويعلموا أن الذي برأ موسى -عليه السلام- قادر أن يُبرأ رسولهُ وينتقم له ممن يؤذيه , قال الباري عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا 69} سورة الأحزاب.

 أقول: ولله الحمدُ والمِنة أن جعل أذى نبي هذه الأمة في غالب الأحيان من غيرها وممن ليس منها, بينما كان أذى موسى -عليه السلام- كثيراً ما يقع من أمتهِ وأتباعه , فكيف بهم إذا كان النبي من غيرهم أتراهم يتورعون عن أذيته ومن اتبعهُ.
روى الإمام أحمد , عن عبد الله بن مسعود قال : قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ذات يوم قسما فقال رجل من الأنصار : إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله , قال, فقلتُ : يا عدو الله أما لأخبرن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بما قلت , فذكرتُ ذلك للنبي -عليه الصلاة والسلام- فاحمر وجههُ ثم قال: {رحمة الله على موسى ,لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر} (5). 
الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس, وإن سكوت الدول والقيادات عن رعاياها من المصورين والصحف والمواقع الناشرة للرسوم المُعادية للإسلام ونبينا محمد  -عليه الصلاة والسلام- وتسامُحها معهم , هو في ظاهره رحمة لهم, وفي باطنهِ عذابٌ شديد, حيثُ سيتحول تسامح قادتهم معهم في يوم الحساب إلى كابوس ثقيل على الرؤوس , وسيتمنى عندها المصورون لو أن حكوماتهم قيدت أيديهم بالسلاسل قبل أن تصنع ما صنعت بحق الرسول , قال تعالى : {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا 66 وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا 67 رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا 68} سورة الأحزاب.          
وأما عن تذَرُع المصورين وحكوماتهم غير المُبين باستباحة نشر الصور المُسيئة بدعوى حُرية التعبير , فما هو سوى كلمة حق أُريد بها باطل , وهي أشبه ما يكون إلى رجل خرج في قومه فقال لهم : أريد أن أقتل نفسي وأموت , فقالوا لهُ : أنت حُر بما تصنع بنفسك , فما كان منهُ إلا أن جاء بقنبلة وفجر بها جسمه , فقتل نفسهُ وقتل من حولهُ معهُ , فكان وبالهُ على نفسهِ وقومهِ وهم لا يشعرون, فبئْست الحرية ما عَمَ شرها الناس ولم يقتصر على مُتخذها.
وإن هؤلاء القوم أخذوا الحرية بمفهومها الإنساني القاصر , لا بمفهومها الكامل الرفيع الذي شرعهُ الله للناس في رسالاته للبشر , والصحيح أنهُ كان يجب على قوم ذلك الرجل الذي هم بقتل نفسهِ أن يمنعوهُ ويحبسوهُ عن هذا الفعل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً , لأن الله حرمَ قتل النفس وتوعد المُنتحر بدخول النار أو الحرمان من الجنة, فيكونوا بذلك قد استبرؤا لأنفسهم من شرور هذا الإنسان وحموها من عدوانه, لو كانوا يعلمون. 
وإن من شأن مثل هذه الحرية العاجزة الخداعة أن تتحول إلى طوفان يُغرق كل القيم والاعتقادات لدى مثل هؤلاء الأقوام , ويجرفها إلى بحر التشتت والوهن والضياع وانعدام الغيرة على الذات.
قال تعالى: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم بل هم عن ذكرهم معرضون 71} سورة المؤمنون.   
لو أن الهوى والرأي ينقذ الناس ويُخرجهم مما هم فيه من الضياع والضلالة , لما أرسل اللهُ رُسله وأنزل عليهم شريعتهُ وكُتبه , ولو أجاب اللهُ عبادهُ إلى ما في أنفسهم من الهوى وشرع الأمور على وفق ذلك , لصارت أمورهم فوضى وفساد , لأن كل فرد لهُ رأي ومِزاج مختلف يريد أن يستقل بهِ عن الآخر ويكون به متبوعاً , فتغيب الحكمة ويحل النفور ويطغى بعضهم على بعض. وإذا كان أهل الكتاب قد ولوا أدبارهم لهذا النبي , وأعرضوا عما جاء بهِ من الشريعة السماوية الحق الواجبة الإتباع , فقد فعلوا هذا من قبل مع أنبيائهم وكتبهم , وأعرضوا عما جاءوا بهِ من الحق في التوراة والأناجيل وحرفوها فليس لهم عن أهوائهم بديل , وإذا كان فريقٌ من شِرار أهل الكتاب قد صوروا محمد – عليه الصلاة والسلام- يُريدون به سوءاً, فقد سبق وأن فعلوا مثل ذلك من قبل مع أنبياءهم وصالحيهم سخرية ً منهم وامتهاناً لقداستهم.
وإن من تناقض مُعتَقد مُشركي أهل الكتاب أنك تجدهم يرفعون بعض أنبياءهم إلى مقام الآلهة – تعالى عن الشريك علواً كبيراً-, وفي الوقت ذاته تجدُ قلوبهم مُنصرفة عن إتباع طريق هذا النبي والإقتداء بأفعاله, فتراهم يخالفون أوامره ويُعرضون عن نُصحه ويتنكرون له, رغم أنهُ كان من الأولى بهم إذ رفعوهُ إلى مقام الإله أن يكونوا أشد حرصاً على إتباعه  والعمل بسُنته.
عن مسلم بن صبيح قال ‏:‏ كنت مع مسروق في بيت فيه تمثال مريم فقال مسروق ‏:‏ هذا تمثال كسرى فقلت‏:‏ لا ولكن تمثال مريم فقال مسروق‏:‏ أما إني سمعت عبد الله بن مسعود يقول ‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم‏-:‏ {إن اشد الناس عذابا يوم القيامة  المصورون‏} (6).
وروى الشيخان عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: لما اشتكى النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر بعض نسائه كنيسة يُقال لها (مارية) وكانت أم سَلَمة , وأم حبيبة أتتا أرض الحبشة , فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها , فرفع - صلى الله عليه وسلم- رأسه فقال :{ أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح , بنوا على قبرهِ مسجداً , ثم صوروا فيه تلك الصُور, أولئك شرار خلق الله}.

لطائف من الإعجاز القرآني ودلائل النبوة في الآيات والأحاديث:
قال تعالى :  {ما فرطنا في الكتاب من شيء} [ الأنعام : 38] , قال القرطبي في تفسير هذه الآية : أي ما تركنا شيئاً من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن ، إما دلالة مبينة مشروحة ، وإما مجملة يُتلقى بيانها من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو من الإجماع أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب .
ومن هنا فإننا نلاحظ هذا التوازن والانسجام النادر بين الخطابين القرآني والنبوي في التصدي لمن آذى الله ورسولهُ , فنجدُ في الكتاب الكريم الآية رقم 57 من (سورة الأحزاب) والتي جاء فيها اللعن والعذاب المُهين لمن يؤذي الله ورسوله الأمين , قال تعالى :{إن الذين يؤذون اللهَ ورسولهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدنيا والآخرة وأعدَ لهم عذاباً مُهيناً 57} , ونجدُ في سنة الحبيب -عليه الصلاة والسلام- كذلك تخصيص اللعن وشدة العذاب على المصورين , وبمُجمل نص الآية مع نص الأحاديث فإن اللعنة والعذاب حاقوا بالذين آذوا النبي الكريم من المصورين مرتين , مرةً في الدنيا وأخُرى في الآخرة.
وإن من صُور الانسجام والتكامل القرآني النبوي, أن نجدُ هذا الضِعْف من اللعن والعذاب مذكوراً في نفس السورة التي لُعِنَ فيها من آذى اللهَ ورسوله وهي (سورة الأحزاب) , قال تعالى : {ربنا آتهم ضِعْفين من العذاب والعنهُم لعناً كبيراً 68} , قَالَ قَتَادَة : عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة (تفسير القرطبي).
وإننا نجدُ الإشارة إلى هذا المعنى في الآية رقم (57) نفسها بقولهِ تعالى : {في الدنيا والآخرة} , أي لعنة وعذاب في الدنيا ولعنة وعذاب في الآخرة فيكون المجموع ضِعْفيْن , وهذه بشارة لنا بأن عذاب الله وانتقامهُ لا بد أن يدرك هؤلاء الساخرين المستكبرين ومن أيدهم وتعاطف معهم في الدنيا قبل الآخرة.

 وأخيراً وليس آخراً, فإن باب التوبة مفتوح حتى غرغرة الروح , وأن الله لا يطرد أحداً من رحمته إلا إذا أصرَ على ذنبهِ ومعصيته المستوجبة لهذا الطرد , فإذا اعترف أصحاب هذا الفعل الشنيع  بذنبهِم وأقلعوا عنهُ وعزموا أن لا يعودوا إليه أبداً , فعندها يرفع اللهُ عنهُم اللعنة والعذاب عن اقترافهِم الأذى بحق النبي -عليه الصلاة والسلام- , ويبقى عليهمِ وِزر ما كان منهُم قبل انتهائهم عن هذا الفعل , فإن شاء عز وجل عذبهُم عليه وإن شاء رحِمهم , ولن يقبلهُم اللهُ ويغفر لهُم جميع ذنوبهمُ حتى يدخلوا في هذا الدين, دين الأنبياء أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
المراجع والهوامش:
* تمت الاستعانة بموقعي (المكتبة الإسلامية و الدرر السنية) في الوصول إلى بعض الأحاديث وتخريجها , إضافة إلى كتب التفسير المشهورة مثل ابن كثير والطبري والقرطبي.
(1) رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب صحيح.
(2) انظر القرطبي ج 14 ص 274.
(3) نقلاً عن كتاب روائع البيان تفسير آيات الأحكام , المحاضرة الثامنة عشر.
(4) بحث عودة الإساءة الدانمركية .. الدوافع الحقيقية وسبل الرد , بقلم الأستاذ هشام طلبة , منشور في موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. 
(5) أخرجاهُ في الصحيحين واللفظ لأحمد.
(6) رواهُ أحمد في مسنده.‏

* ملاحظة : تم إرسال نسخة من هذا الموضوع إلى أحد المواقع الإسلامية المتخصصة بنشر البحوث العلمية , لكن مدير الموقع رد عليَ بأنهُ لم يقتنع بالموضوع, وبرأيه فإن فتنة الصور المُسيئة قد هدأت ولا يريد إثارتها من جديد

فكرة وإعداد: م. وليد القراعين
نُشر لأول مرة في مدونة ولي الدين والمسبار السحري بتاريخ 28-4-2008 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق