السبت، 9 مارس 2013

الوليد بن عمران موسى عليه السلام (ج2)

بسم الله الرحمَن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمُرسلين سيدنا مُحَمد وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين.

أما بعد ؛ كان من قولهِ عليه الصلاة والسلام: {أنا دعوة إبراهيم ونبوءة موسى وبشرى عيسى} أو كما قال.

قبل أن أبدأ في إضافة الفقرات الجديدة لهذا البحث, أقدم فيما يلي ملخص قصير للأفكار الأساسية التي قام عليها هذا البحث والواردة بشكل مُفصل في الجزء الأول منه:

قال تعالى : {قال ألم نُرَبِك فينا وليداً ولبِثتَ فينا من عُمُرك سنين 18} سورة الشُعراء.
ثم قال تعالى في سورة القصص : {وقالت امرأتُ فرعون قُرَةُ عين ٍ لي ولك , لا تقتلوهُ عسى أن ينفعنا أو نتخذهُ ولداً وهم لا يشعرون 9}.

إذاً فقد جاء ذكرُ موسى عليه السلام في الآيتان السابقتان مرةً بصفة (وليد) وهو اسمي, وفي المرة الثانية بصفة (قرة عين) وهو اسم جدي الأكبر, وقد ذكرتُ نبذة عن تاريخ عائلة القراعين وسر تسميتها في إدراجات سابقة أوجزها فيما يلي : [وقد جاء اسم عائلة القراعين من أن الجد الأكبر لهذه القبيلة كان عزيزاً جداً على والده فأسماهُ قرة عين, وبمرور الزمن ونتيجةً لعادة الناس في الميل لتسهيل لفظ الأسماء , تطرق الحذف والإضافة إلى الاسم ليصبح اسم الجد قراعين بدلاً من قرة عين] (1).
ويُقال هاشميين نسبة على رجل اسمهُ هاشم, وكنعانيين نسبةً إلى رجل اسمهُ كنعان, وهكذا.

وبحسب ترتيب سور القرآن الكريم فقد ورد لفظ (وليد) أولاً في سورة الشُعراء وترتيبها 26, ثُم لفظ (قرة عين) ثانياً في سورة القَصَص وترتيبها 28, وهذا الترتيب موافق لتسلسل ترتيب اسمي حيثُ أن العربي عادةً عندما يُعَرِف بنفسهِ فإنهُ يذكر اسمهُ أولاً ثم اسم قبيلته (فلان بن فلان).

ما معنى اسم كليم الله موسى عليه السلام؟
(موسى) لفظة في المصرية القديمة منحوتة من جذر في تلك اللغة، هو (م / س / ى)، فعل بمعنى ولد / يلد / ولادة . ولفظة (موسى) اسم مشتق منه على زنة المفعول ، فمعناها (ولد) أو (وليد), فإن سألت أي الصيغتين (الولد) أو (الوليد) أقرب ؟ .. قلت لك : معنى (الولد) أقرب لاسم موسى في لغته ، ولعل هذا هو السبب أن القرآن أتى بها على لسان امرأة فرعون {عسى أن ينفعنا أو نتخذهُ ولداً} آية 9,القصص. لكن معنى (الوليد) أقرب في لغة العرب ، إذ أن العرب لم تسمى علماً قط (الولد) لكن الشائع عندهم (الوليد) وهو كثير ، يدلك على اعتداد القرآن بهذه الصيغة ـ وهى المعتبرة عند التعريب والترجمة ـ أن لفظة (وليد) لن تجدها في القرآن كله إلا في هذه الآية فقط, قال تعالى : {ألم نربك فينا وليداً} آية 18, الشعراء] (2).

بداية الجزء الثاني

الوليد فرعون
جاء في كتاب مختصر تفسير ابن كثير, الآية 49 من سورة البقرة ما نصه: [(فرعون) علمٌ على كل من ملك مصر كافراً من العماليق وغيرهم, كما أن (قيصر) علمٌ على كل من مَلك الروم مع الشام كافراً, و(كسرى) لمن ملك الفرس. ويقال: كان اسم فرعون الذي كان في زمن موسى عليه السلام (الوليد ابن مصعب بن الريان) فكان من سلالة عمليق, وكنيتهُ أبو مرة, وأصلهُ فارسي من اصطخر].

ويقودني هذا التفسير إلى فهمٍ أعمق لغرض الوليد فرعون من قوله للوليد موسى عليه السلام : {ألم نربك فينا وليداً} [الشعراء 18], وكأن فرعون يريد بقولهِ هذا أن يَمُنَ على موسى عليه السلام ليس فقط في تربيته في قصره, ولكن أيضاً بتسميتهِ باسمه (الوليد), وهو الاسم الذي اختارتهُ لهُ ابنة فرعون بعد أن التقطته من الماء, وسواءً صَحت هذه الرواية أو لم تصح فإن الفرق بين الوليدين كالفرق بين آية الليل وآية النهار, فقد كان فرعون عليه لعنة الله وليد حقدٍ وجهلٍ وكفر, بينما كان موسى عليه السلام وليد محبةٍ وحكمة ونبوة, وقد فَرَقَ اللهُ بينهما تصديقاً لهذا الفرق الشاسع في الإيمان فجاوز بموسى عليه السلام البحر وأغرق فرعون. 

محبة موسى عليه السلام في وليد  
قال تعالى : {وألقيتُ عليك محبةً مني ولتُصنعَ على عيني} [39 طه].
لقد مَنَ الله على موسى عليه السلام بمحبتهِ منذ ولادته وكان كل من يرى وجههُ المُنير يُحبه ويتعلق قلبهُ به ومن يُعاشرهُ كان يحزِن على فراقهُ, وكانت جواري قصر فرعون وبناتهُ يتنافسن على حملهِ والعناية به, واتخذتهُ زوجة فرعون ولداً وحرصت على استبقائه في قصرها, وأما فرعون فرغم أنهُ لم يُحب موسى عليه السلام إلا أنهُ رضي ببقائه في قصره ولم يؤذيه.

وقد كُتبت هذه المحبة في اسم موسى عليه السلام بمعناه المصري القديم (وليد), فالمحبة هي المودة والحب معناهُ الود, والود كلمة مأخوذة من الولد بحذف اللام منه, وذلك لأن الولد هو نتاج الحب والمودة بين الرجل والمرأة, سواءً كان حبُ شهوة أو حُب فؤاد, وقد كُتب الود في أول وآخر حرف من اسم (وليد).
فإذا كان اسمي (وليد) واسم جدي الأكبر (قرة عين) كاملين قد ذُكرا في آيتين منفصلتين متتابعتين – حسب ترتيب سور القرآن الكريم – بمعيية ذكر موسى عليه السلام, فإن نصف اسمي وليد (ود), ونصف اسم جدي قرة عين (عين) , قد ورد ذكرهما في آيةٍ واحدة - الآية أعلاه - على الترتيب بمعيية ذكر موسى عليه السلام أيضاً, حيثُ انطوت كلمة (ود) في كلمة (محبة) , كما انطوت كلمة (عين) في كلمة (عيني).

وحسابياً فإن ناتج ضرب عددي الآية أعلاه التي فيها نصف اسمي واسم جدي مجتمعين, يساوي مجموع رقمي الآيتين السابقتين اللتان فيهما اسمي واسم جدي كاملين, كما يلي:
* الآية 39 من سورة طه (محبةً: ود, عيني: عين): 9 * 3 = 27.
* الآية 18 الشُعراء (وليداً) + الآية 9 القصص (قرة عين): 18 + 9 = 27.

قال الشاعر: أين من عيني حبيبا ساحراً   فيه عزٌ و جلالٌ و حياء

لطيفة: الخليل .. وليد
قال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ( 88 )} سورة مريم.
كما قلت فإن أول وآخر حرف من اسم (وليد) هما (ود), وفي قاموس مختار الصحاح للغة العربية فإن (الخِلَ) هو (الود), وهذا هو ما يجعل كلاً من اسمي (وليد) و (خليل) متشابهين ومُتكافئين على الرغم من الاختلاف الظاهر بينهما في اللفظ والمعنى, وكما في الشرح التالي:

إن الحرفين الأوسطين في اسميْ (وليد) و (خليل) مُتشابهين تماماً, وهما على الترتيب: اللام والياء (لي).
وكذلك فإن أول وآخر حرف من اسميْ (وليد) و (خليل) مُتشابهين ولكن من حيث المعنى فقط.
حيث أن أول وآخر حرف من اسم (وليد) هما (ود), وكما ذكرت فإن (الخِلَ) هو (الود), وحرفي كلمة خل (الخاء واللام) هما أول وآخر حرف من اسم (خليل).
فإذا استبدلنا حرفي الواو والدال (ود) من اسم (وليد) بما يُعادلهما في المعنى, وهما حرفي كلمة (خِل) الخاء واللام على الترتيب, فإن اسم (وليد) يصبح (خليل), والعكس صحيح, فإن اسم (خليل) باستبدال حرفي (خل) بحرفيْ (ود) يصبح (وليد).

والخليل هو الصديق والحبيب وهو لقب سيدنا إبراهيم عليه السلام, قال تعالى : {.واتخذ الله إبراهيم خليلاً} [النساء, 125].
عن عبد الله بن عباس قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ينتظرونه ، قال : فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، فسمع حديثهم . فقال بعضهم : عجبا ! إن الله اتخذ من خلقه خليلا ، اتخذ من إبراهيم خليلا . وقال آخر : ماذا بأعجب من كلام موسى ، كلمه تكليما . وقال آخر : فعيسى كلمة الله وروحه . وقال آخر : آدم اصطفاه الله . فخرج عليهم فسلم وقال : {قد سمعت كلامكم وعجبكم ، إن إبراهيم خليل الله ، وهو كذلك ، وموسى نجي الله ، وهو كذلك ، وعيسى روحه وكلمته ، وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك . ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول شافع ، وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلق الجنة ، فيفتح الله لي فيدخلنيها ، ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر} سنن الترمذي.

موسى وهارون عليهما السلام
سمعتُ في بعض دروس العلم أن هارون كان يكبرُ موسى عليهما الصلاة والسلام بسبع سنوات, وهارون هو أخو موسى ورفيقه في دعوة فرعون وملأهِ إلى دين الله الإسلام لما كان يتمتع به من فصاحة وطلاقة لسان، حيثُ جعلَ اللهُ تبارك وتعالى البركة لموسى عليه السلام في حركتهِ وأفعالهِ, فكان جسده قوياً ربانياً يبطشُ بيد الله فيُهلك عدوه ويمشي برجل الله فلا يدركهُ لاحق, بينما كانت البركة لهارون عليه السلام في أقواله فكان مسموع الحديث مفهوم المنطق لبق في كلامه, قال تعالى : {قال ربِ إني قتلتُ منهم نفساً فأخافُ أن يقتلون 33 وأخي هارون هو أفصحُ مني لساناً فأرسلهُ معي ردءاً يصدقني إني أخافُ أن يُكذبون 34} القصص.

ومن المصادفات الجميلة أن الفرق في العُمر بين الوليد موسى وأخاهُ هارون عليهما السلام, هو نفس الفرق بيني وبين أخي الأكبر (وائل) الذي يكبُرني بسبع سنوات. والمصادفة الأخرى هي أن أخي وائل يعمل مُحامي, والمُحاماة كما هو معلوم هي مهنة اللباقة وطلاقة اللسان وتزيين الكلام, ولو أردنا أن نضيف إلى هارون عليه السلام مهنة لقلنا أنهُ كان مُحامي أخيه موسى عليه السلام في حضرة القاضي الكافر فرعون عليه لعنة الله,  وموسى عليه السلام كان مُتهماً عند فرعون بقضية قتل ثابتة عليه بالشهود وباعتراف موسى نفسه في حضرة هذا القاضي الظالم, لكن مع ذلك أفلت موسى عليه السلام من العقوبة بفضل ما أيدهُ اللهُ به من كلامه ورسالاته ومعجزاته المُخيفة والرهيبة, والتي جعلت كلام محامي موسى الفصيح هارون عليهما السلام مسموعاً في أُذني فرعون ووزيرهُ هامان. قال تعالى: {ولا وصيلةٍ ولا حام} [المائدة,103].

موسى بن عمران و مريم ابنت عمران عليهما السلام
هناك إشارات عديدة تدل على الأُخوة المجازية بين مريم أم المسيح وموسى عليهما الصلاة والسلام وهي أُخوة ربانية, قال تعالى :{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} [التوبة 71]
- فكلاهُما أبوهُ المُباشر اسمهُ عمران.
-  كما أن لموسى عليه السلام أخت في الحقيقة اسمها مريم, وهي التي قال الله تعالى فيها : {وقالت لأُختهِ قُصيه فبصُرت بهِ عن جُنُبٍ وهم لا يشعرون 11} القصص. وهي مذكورة في كتب التفسير وأسفار أهل الكتاب.
- وقد نادى أحبار بني إسرائيل مريم عندما أتتهم بوليدها عيسى عليهما السلام ڊ (أخت هارون), وهارون هو اسم أخو موسى عليهما السلام ورفيقه في رسالته ودعوته, قال تعالى :{يا أخت هارون ما كان أبوك امرأَ سوْءٍ وما كانت أُمكِ بغياً 28} سورة مريم.
ولعل الأحبار الذين نادوها بأخت هارون كانوا يعطفون بهذا النداء على سَميتها مريم ابنت عمران أخت نبيي الله هارون وموسى عليهما السلام, لتذكيرها بمنزلتها العظيمة وإنما هي عندهم بزهدها وتقواها بمنزلة الأخت لأنبيائهم العُظماء موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام, وليس من المعقول والمقبول أن تأتي امرأة بمثل شرفها ونسبها ومكانتها في قومها بفاحشةٍ مبينة.
- ومن ناحيةٍ ثانية فإن بني إسرائيل ربما أرادوا من قولهم لمريم {يا أخت هارون} هو أن تتشبه مريم بهارون عليهما السلام وتدافع عن نفسها وتفسر لهم ما جرى بلسانٍ فصيح, حيثُ كان هارون عليه السلام مشهوراً بفصاحة اللسان وطلاقته, لذلك انتدبه موسى عليه السلام لمجادلة فرعون وهامان, إلا أن الذي نطق وأفصح كان وليدها عيسى عليه السلام الذي أطلق الله لسانه ببركة نار الجمرة التي لعقها موسى عليه السلام وهو طفل رضيع في قصر فرعون, وقد كان لعق موسى عليه السلام للجمرة التي عُقِدَ بها لِسانهُ وخبا نور نبوته الساطع من مخيلة فرعون أولى لهُ لينجو من قبضة ذلك المجرم المتربص لقتله, بينما كان انطلاق لسان عيسى عليه السلام وهو طفل رضيعٌ في مهده لا يُعرف له والد ولا لأمه زوج أولى لهُ وهو في حضرة كهنة اليهود المُستنكرين, لأن في ذلك أعلاناً لنبوتهِ وبراءة أمه وعجيب صُنع الله بهما وبالتالي نجاتهُما من سِياط القوم اللاذعة.    
وقد ضرب الله مثلاً للمؤمنين في كتابه الكريم في أواخر سورة التحريم في خير نساء العالمين مريم ابنة عمران وآسيا امرأت فرعون, قال تعالى : {وضرب اللهُ مثلاً للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابني لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين 11 ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدَقت بكلمات ربها وكُتبه وكانت من القانتين 12}.

عسى الله أن يُبدل آسيا بنت مزاحم عليها السلام عن حظها العاثر في الدنيا بزواجها من الملك الظالم وولي السوء فرعون, ولياً صالحاً وأميراً عادلاً وسيداً من سادات أهل الجنة, كما عسى سبحانهُ أن يجمع الطاهرة البتول مريم ابنة عمران عليهما السلام في الجٍنان بنصفها الآخر الذي افتقدتهُ من الرجال, والأب الغائب لابنها المسيح عيسى – عليه السلام – قاتل الدجال.

لطيفة: من أسرار سورة يس
 كما هو معلوم فإن مريم ابنة عمران هي أم عيسى عليهم السلام, وكذلك فإن امرأة فرعون آسيا بنت مزاحم هي بمنزلة الأم من موسى عليه السلام حتى وإن لم تكن هي التي ولدته, فهي التي أحبتهُ وآوتهُ وتلمست لهُ الرحمة عند الفرعون لئلا يقتله, وطلبت منهُ أن يُبقيه عندها لتُربيه في قصرها, وآمنت برسالتهِ وصدقت بنبوتهِ حتى هلكت على ذلك.
والمُصادفة الغريبة هي أن الحرف الثالث من اسمي مريم و آسيا متشابه وهو حرف الياء, كذلك فإن الحرف الثالث من اسمي أبنيهما عيسى و موسى -عليهم السلام- مُتشابه وهو حرف السين, وإذا جمعنا حرف الياء المتشابه في أسماء الأمهات مع حرف السين المتشابه في أسماء الأبناء فإننا نحصل على كلمة ياسين (يس), وهي اسم سورة عظيمة من سور القرآن الكريم قال عنها سيد المرسلين عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم: {إن لكل شيءٍ قلباً, وقلب القرآن يس, ومن قرأ يس كتب الله لهُ بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات} أخرجهُ الترمذي, وقال :حديث غريب. 

ومن اللطائف المُشتركة بين السيدتين آسيا ومريم اللتان جعلهما الله أُمين لأعظم نبيين من أنبياء بني إسرائيل وهما موسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام أجمعين, أن كلاً منهما كانت أماً لابنها دون زوجٍ يُشاركها في تربية أو إنجاب هذا الابن.
فقد وهب اللهُ موسى لآسيا بنت مُزاحم عليهما السلام لترعاهُ وتُربيهِ عندها في قصر فرعون, فقبلت هذه الهِبة الربانية وفرحت بها أشد الفرح, بينما تنكر زوجها الفرعون لهذا الوليد وكاد أن يفتك بهِ وتحفظ على بقائه في قصره لولا أن زوجتهُ آسيا ألحت عليه ببقائه عندها لتربيه كأحد أبناءها, وهكذا كان مقام الأبوة لموسى عليه السلام في قصر فرعون فارغاً بعدما رفضهُ صاحب القصر الذي لم تألف نفسهُ الخبيثة روحاً طيبة مُباركة كروح موسى عليه السلام.
وأما مريم ابنة عمران عليهما السلام فقد وهب اللهُ لها عيسى عليه السلام بكلمةٍ منهُ فحملت بهِ دون زوج وأنجبتهُ دون أبٍ يُنسب إليه, وهكذا كان مقام الأبوة في حياة عيسى عليه السلام الأولى فارغاً بعدما جعل الله مولدهُ آيةً للناس ودلالة على قدرتهِ, وقد قسم اللهُ بحكمتهِ ومشيئتهِ نصيب عيسى عليه السلام من الأبوين ومن السوادين العظيمين أمة موسى وأمة محمد عليهم الصلاة والسلام, فجعل لهُ في حياتهِ الأولى مريم ابنة عمران أُماً وبني إسرائيل أُمةً, بينما سيكون لهُ في حياتهِ الأُخرى بعد نزوله من السماء المهدي عليه السلام أباً والمسلمين أُمةً, فنعم الابن البار وخير المرسلين عيسى ابن مريم عليهم الصلاة والسلام أجمعين.

معجزة مُجاوزة البحر بموسى وبني إسرائيل في مريم:
قال تعالى : {ولقد أوحينا إلى موسى أن أسرِ بعبادي فاضرب لهم طريقاً في البحرِ يبساً لا تخافُ دركاً ولا تخشى 77 فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم 78 وأضلَ فرعون قومهُ وما هدى 78} طه.
وقال جل شأنهُ : {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر} [138 الأعراف].
لقد تجسدت معجزة شق البحر إلى نصفين ليمُرَ موسى ومن معهُ من بني إسرائيل من خلاله ويجتازوهُ إلى الجانب الآخر في اسم مريم , وذلك على النحو التالي:
نقسم اسم مريم إلى قسمين: مر + يم.
مَر : من مرور وتعني اجتاز.
يم : بحر.

إذن فإن ترجمة اسم مريم بتقسيمه إلى كلمتين تعني: اجتاز البحر.
ومجاوزة البحر هي أعظم معجزة في مسيرة بني إسرائيل على مر التاريخ, وقد كانت مريم عليها السلام ذاتها معجزة وقد تجلت معجزتها في ولادتها الفريدة والعجيبة لعيسى عليه السلام.

مريم وقرة العين وآل عمران والكراعين:
* قال سبحانهُ وتعالى لمريم : {فكلي واشربي وقري عيناً} [الآية 26 مريم].
قري عيناً : هو فعل مأخوذ من الاسم (قرة عين), وقرة عين كما ذكرتُ سابقاً هو اسم جدي الأكبر ومنهُ جاءت تسمية عائلتي (القراعين), وهكذا فإن دلالة اسم عائلتي (القراعين) قد انطوت بمعيية ذكر مريم عليها السلام في السورة التي تحمل اسمها (سورة مريم).

* قال تعالى :{يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين 43} سورة آل عمران.
إذا قمنا بنقل حرف الكاف من وسط كلمة (الراكعين) إلى أولها – دون أل التعريف- فأنها تصير (الكراعين), والكراعين هو اللفظ العامي القروي لاسم عائلتي القراعين, وبالتالي فإن دلالة اسم عائلتي (الكراعين) قد انطوت بمعيية ذكر مريم عليها السلام في السورة التي تحمل اسم عائلة مريم عليها السلام (سورة آل عمران).

ومن اللطائف القرآنية أن الآية رقم (43) أيضاً من سورة البقرة تنتهي بكلمة (الراكعين), قال تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين 43}, والخطاب والأمر في هذه الآية موجه إلى بني إسرائيل, وتندرج هذه الآية ضمن أوائل الآيات التي يُخاطب فيها الباري عز وجل بني إسرائيل  بحسب ترتيب سور القرآن.

وختاماً أود أن أُشير إلى أن مريم هو اسم جدتي -أم والدي- المرأة الصالحة (مريم ابنت عيسى) رحمهما الله, وهي من سكان بيت المقدس وخُدامه أسوةً بسَمِيتها خادمة بيت المقدس السيدة مريم عليها السلام, وقد خرجت رحمها الله في العقد الخمسين من القرن الماضي برفقة زوجها (محمد) من القدس الشريف إلى مدينة عمان شرقي فلسطين, وبقيت تتنقل بينهما إلى أن وافتها المنية في مدينة عمان في نهاية عام 2004م , قال تعالى : {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً 16 فاتخذت من دونهم حجاباً فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً 17 قالت إني أعوذ بالرحمَن منك إن كنت تقياً 18 قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً 19 قالت أني يكون لي غلاماً ولم يمسسني بشر ولم أكُ بغياً 20 قال كذلك قال ربك هو علي هين, ولنجعلهُ آيةً للناس ورحمةً منا. وكان أمراً مقضياً 21} مريم.


في فضل موسى عليه السلام:
عن أبي سعيد, رضي الله عنهُ قال : ذكر يهودي موسى فكأنه فضله على نبينا صلى الله عليه وسلم فلطمه أنصاري فجاء اليهودي إلى النبي يشكوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم :{ لا تخيروا بين الأنبياء أنا أول من تنشق عنه الأرض فإذا موسى متعلق بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفي الصعقة الأولى بُعث أم بعدي} صحيح.

وعن أبي هريرة رضي الله عنهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {كان ملك الموت يأتي الناس عيانا فأتى موسى عليه السلام فلطمه فذهب بعينه فعرج إلى ربه عز وجل فقال: يا رب بعثتني إلى موسى فلطمني فذهب بعيني ولولا كرامته عليك لشققت عليه . قال ارجع إلى عبدي فقل له : فليضع يده على ثور فله بكل شعرة وارت كفه سنة يعيشها فأتاه فبلغه ما أمره فقال: ثم ماذا بعد ذلك ؟ قال الموت قال الآن فشمه شمة قبض فيها روحه ورد الله على ملك الموت بصره }.
وفي لفظ : ( فلطم عينه ففقأها فرجع فقال: أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد الموت فرد الله عليه عينه وقال: ارجع إلى عبدي فقل له إن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور وفيه قال – أي موسى- : يا رب فالآن, وقال: رب أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر) صحيح.

لعل الحكمة من إبقاء النبي عليه الصلاة والسلام مقام أخيهِ نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام غير معروف على وجه التأكيد, هي أن لا يتخذ الناس من من أتباع الديانات الثلاثة قبرهُ مزاراً ويتداعون عليه ويتنازعون ويُحدثون عندهُ ما لا يليق بصاحب المقام من الأفعال والسلوكيات, وعلى سبيل المثال فإن الكثيب الأحمر الذي أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام يظهرُ لنا جلياً في منطقة البتراء ووادي موسى وسلسلة جبال وادي رم في جنوب الأردن عند مقام نبي الله هارون عليه السلام, وهي من المناطق القريبة والمُتاخمة لأرض فلسطين.

وآخر دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين, وصلى الله على مُحمد وعلى آله وصحبهِ أجمعين. 
 
الهوامش:
(1) كما هو معلوم فإن أهالي قرى القُدس يلفظون القاف (كاف), لذا فإن اسم العائلة الشائع بين عامة الناس في فلسطين هو كراعين, وفي السجلات المدنية الرسمية للمملكة الأردنية الهاشمية فإن بعض الأخوة وأبناء العمومة من أفراد القبيلة مُسجل تحت اسم (القراعين) والبعض الآخر تحت اسم (الكراعين), لذا فقد طلبت السُلطُات الرسمية في الأردن قبل نحو 13 سنة توحيد تسمية العائلة وخيرتهم بين اسمي كراعين أو قراعين, ونتيجةً لطغيان اللكنة العامية على اللغة الفُصحى وسهولتها على ألسنة الناس فقد اختار كبار العائلة تسمية (كراعين) لتكون هي الاسم الرسمي المُوحد لأبناء العائلة.
(2) قراءة البحث كاملاً ومعرفة المزيد من التفاصيل على العنوان التالي: 
         http://www.haridy.com/ib/showthread.php?t=30016


مواضيع ذات صلة على الروابط التالية:

الوليد بن عمران موسى عليه السلام (ج1)


* نُشر لأول مرة على مدونة المسبار السحري بتاريخ 7-6-2009
فكرة وإعداد: وليد القراعين.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق