الأحد، 31 مارس 2013

لعن رسول الله المصورين قبل مئات السنين


بسم الله الرحمَن الرحيم

تقديم

قال تعالى: {المص 1} سورة الأعراف.
نقرأُها هكذا: {ألِفْ, لام, مِيم, صاد}.
ونُعَرف دلالاتها هكذا:
(ألِف): نُسَكِن آلام اللام المكسورة في (ألِف) بالسكون فتصبح (ألْف) 1000.
(لام): إذا أضفنا السين إلى (لام) فإنها تصبح (سلام).
(ميم): إن لفظ الحرف الثالث (ميمٌ) أوله وثالثه (م), وهذا يُطابق اسم (محمد) خير المرسلين الذي أولهُ وثالثهُ (م).
ورابع حرف (ص): هو أول حرفٍ من الكلمة الرباعية (صلاة) ويدلُ عليها.
وهكذا فإن: {المص} = {ألْف سلام محمد صلاة}, وعند إعادة ترتيب هذه الكلمات, فإننا نصلُ إلى بيت القصيد وهو:
(ألْفُ) (صلاةٍ ) و(سلام) على خير الأنام (محمد) وآله وصحابتهِ الكِرام.

وحتى لا يظُن البعض أن هذا الاستنباط (المُحمدي) أعلاه مجرد صدفة وتحوير لغوي يفتقر للمنهجية, فإن ثمة قاعدة تجمع بين هذه الدلالات التي تم استخراجها, وهي أنهُ باستثناء الحرف الثالث {م} الدال على اسم العلم (مُحمد), فإن دلالات الحروف الثلاثة المتبقية من آية {المص} - وهي:{ال ص} - تنطوي في حروف الآية نفسها منقوصة حرف واحد منها, على النحو التالي:
{ا}: والدلالة المستنبطة منه هي (ألْف), وباستثناء حرف (ف) فإن أول حرفين من (ألف) وهما (أل) موجودان في أول حرفين من الآية {(ال)مص}.
{ل}: والدلالة المُستنبطة منه هي (سلام), وباستثناء حرف (س) فإن آخر ثلاثة حروف من (سلام) وهم (لام) نجدهم في أول ثلاثة حروف من الآية {(الم)ص}.
{ص}: والدلالة المُستنبطة منه هي (صلاة), وباستثناء حرف (ة) فإن أول ثلاثة حروف من (صلاة) وهم (صلا) نجدهم في الحروف: الأول والثاني والرابع من الآية {(ال)م(ص)}.

وفيما عدا السهو والنسيان, وفيما يخص حروف المستثناة من الدلالات الثلاثة والتي لم تجد لها مكاناً في حروف آية {المص}, وهي الحروف الثلاثة على الترتيب (ف س ة), (ف) من ألْف, و (س) من سلام, و (ة) من صلاة, فإليكم ما جاء عن حَبر الأُمة ابن عباس – رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا}, قال ابن كثير: [والصحيح أنه علمه أسماء الأشياء كلها : ذواتها وأفعالها ؛ كما قال ابن عباس: حتى الفسوة والفُسَية. يعني أسماء الذوات والأفعال المكبر والمصغر].
  
 أما بعد ؛ قال اللهُ تعالى : {إن اللهَ وملائكتهُ يُصَلون على النبي. يا أيُها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً 56 إن الذين يؤذون اللهَ ورسولهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدنيا والآخرة وأعدَ لهم عذاباً مُهيناً 57 والذين يؤذُونَ المؤمنين والمؤمناتِ بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بُهتاناً وإثماً مُبيناً 58} (سورة الأحزاب).
إن الله تعالى يصلي على نبيه , أي يرحمهُ ويُعظم شأنهُ , ويرفع مقامهُ , وملائكتهُ الأبرار , وجُندهُ الأطهار , يدعون للنبي ويستغفرون لهُ ويطلبون لهُ البركة والمجد والظهور في الأرض , فيا أيها المؤمنون : صلوا أنتم عليه وسلموا تسليماً كثيراً , وعظموا أمرهُ , واتبعوا شرعهُ , وأدوهُ حقهُ العظيم عليكم.
ثمَ أخبر تعالى أن الذين يؤذون الله بوصفه بما لا يليق به جل وعلا, ورسولهُ كقولهم عنه مجنون, ساحر, كذاب, أو بما كان يلحقهُ به المنافقون والكفار من الاذى الحسي والمعنوي, فإنهم بذلك قد استحقوا غضب الله ولعنتهُ عليهم في دنياهم وآخرتهم , وأن الله أعدَ لهم عذاباً شديداً لا يُدرك كنههُ ولا يُعرف هولهُ , وكذلك الذين آذوا المؤمنين والمؤمنات بالبهتان , وهو الفعل الشنيع أو الكذب الفظيع والافتراء الواضح الذي يثيرُ الحيرةَ من بُطلانهُ.

قال الترمذي, عن ابن عمر - رضي الله عنهما-, عن النبي (صلى الله عليه وسلم), قال: {إن لجهنم سبعة أبواب, بابٌ منها لمن سل السيف على أمتي- أو قال على أمة محمد-}.
وقد جاء في تفسير قَوْلِهِ تَعَالَى : {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ} : إِنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ أَصْحَاب التَّصَاوِير {ورسولهُ} : نزلت في الذين طعنوا على النبي في نِكاحهِ صفية بنت حُيي (تفسير الطبري).
وَقَالَ عِكْرِمَة: {إن الذين يؤذون  الله}: مَعْنَاهُ بِالتَّصْوِيرِ وَالتَّعَرُّض لِفِعْلِ مَا لَا يَفْعَلهُ إِلَّا اللَّه بِنَحْتِ الصُّوَر وَغَيْرهَا,وَقَدْ قَالَ الرَسُول -عليه الصلاة والسلام-:(لَعَنَ اللَّه الْمُصَوِّرِينَ)(تفسير القرطبي).

وما أشبه اليوم بالأمس على الرغم من القرون الطويلة التي تفصل بينهم , فالذين آذوا الله جل وعلا بالأمس من مُصوري التماثيل والأوثان, مثلهم كمثل من يؤذون رسوله -عليه الصلاة والسلام- اليوم في رسومهم ومشاهدهم التمثيلية المُصورة, لأن الذي لا يستحي أن يؤذي ربهُ سبحانهُ وتعالى ولا يخشاه , لن يستحي أو يخشى من أن يؤذي أنبيائه ورسله -عليهم السلام جميعاً- , ولقد كرمَ الله رسولهُ فجعل عقوبة من آذاهُ سبحانهُ وتعالى سواءً مع عقوبة من آذى رسولهُ, وهي اللعن والعذاب المُهين في الدنيا والآخرة وهي عقوبة المصورين.

 روى البخاري في صحيحه عن أبي جحيفة السوائي -رضي الله عنه- , قال : رأيت أبي اشترى حجاماً فأمر بمحاجمهِ فكسرت ، فسألته عن ذلك ، قال : {إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب ، وكسب الأمة ، ولعن الواشمة والمستوشمة ، وآكل الربا وموكله ، ولعن المُصور}.

وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أن رجلاً قال له : إني أصور هذه الصور فأفتني فيها , فقال له : ادنُ مني فدنا , ثم قال لهُ : ادنُ مني فدنا , حتى وضع يدهُ على رأسه وقال : أنبئك بما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- , سمعتهُ يقول : {كل مُصَور في النار , يُجعل لهُ بكل صورة صورها نفس فيعذبهُ في جهنم}.
قال ابن عباس : (فإن كنت لا بد فاعلاً فصور الشجر , وما لا روح فيه.
وفي رواية أخرى عنهُ: سمعتهُ يقول: (من صور صورة فإن الله يعذبهُ حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبداً).

قال القُرطبي : [لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- المصورين ولم يستثن ِ , وقال: (إن أصحاب هذه الصور يُعذبون يوم القيامة يُقال لهم أحيوا ما خلقتم) .
وفي الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنهُ- , قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: {يخرج عنق من النار يوم القيامة , له عينان تبصران , وأذنان تسمعان , ولسان ينطق يقول : إني وكلت بثلاث : بكل جبارٍ عنيد , وبكل من دعا مع الله إلهاً غيره , وبالمصورين} (1).
وفي البخاري {أشد الناسِ عذاباً يوم القيامة المُصورون} وهذا يدل على المنع من تصوير أي شيء كان] (2).  

فما هو التصوير ؟!
التصوير: هو التمثيل والنقل والتعبير, والتصوير قد يكون لصورة ذهنية وخيالية, أو تقليد لصورة واقعية وحقيقية, أو دمج بين الواقع والخيال, وقد يكون لشيء مُفرد, أو لعدة أشياء تُشكل مع بعضها مضموناً مُتكاملاً.
والتصوير له عدة أنواع, أيسرها هو التصوير الشفوي, وهو أن يُخرج الإنسان تصوراً ما في ذهنه وينقلهُ ويشرحهُ للآخرين بلسانه, ومثلهُ التصوير الإنشائي, وهو أن ينقل الإنسان تصوراته وأفكاره وخواطره للآخرين عن طريق كتابتها.
والتصوير يكون كذلك باستخدام الحواس جميعاً من نُطق وإيحاء جسدي وحركات تمثيلية, وهذا التصوير شأنهُ شأن التمثيل المسرحي والتلفزيوني ونحوه.
ومن أنواع التصوير الأخرى, التصوير بالرسم والنحت وصناعة القوالب والدُمى.
ويُطلق مُصطلح التصوير كذلك على الصور التي يتم التقاطها أو المشاهد التي يتم تسجيلها باستخدام الكاميرات الإلكترونية, إلا أن هذا النوع من التصوير لا يعدو كونهُ مجرد نقل لصورة الشيء الحي والواقع على حقيقته ودون تكَلُف وزيادة أو تنقيص عليه, على عكس أنواع التصوير الأخرى المذكورة أعلاه, والتي يمكن التكلفُ بها والإدخال عليها.

وجميع أنواع التصوير المذكورة أعلاه هي على مما أحلهُ الله, أو مما حَرَمه, أو مما استحبتهُ الشريعة السمحة, أو مما كرهته, وكل ذلك مقترن بضوابط أخلاقية وشرعية واقتصادية تحدد حُكمهُ ومدى قبولهُ أو رفضهُ, وإن بعض الحلال أحياناً يصبح مكروهاً أو مُحرماً في حال أُسِيء استخدامه وأُخرج عن طوره المعقول, كما أن بعض الحرام قد يصبح مُستحباً أو حلالاً في حال دعت الضرورة إلى استخدامه والإفادة منه.
فعلى سبيل المثال, فإن الذي يكتب كتاباً أو يتحدث حديثاً يُصور فيها الأشياء على غير حقيقتها وصِفَتها بُغية الإفساد وإثارة الفتن, فبئْس الكتاب وبئس الحديث ذاك, وصاحبهُ ملعون عند الله, منبوذٌ عند الناس, ولهُ عذابٌ أليم.
وكذلك من يرسم صورة أو يُمَثل مشهد فيه استهزاء بقوم ٍ من الأقوام, أو انتقاص من شخصية أو دين ٍ أو مذهب بغرض الاستفزاز والإساءة, فإن أصحاب هذه الصور ومُمثلي هذه المشاهد ملعونين عند الله, منبوذين عند الناس, ولهم عذابٌ أليم.
وأخيراً, من استعمل آلة تصوير في تتبُع عورات الناس وكشفها وتسجيل عثراتهم خلسة ً دون إذنهم, أو قام بتصوير الفواحش وإخراجها للناس ليروها, فإنهُ ملعونٌ عند الله, منبوذٌ مَهينٌ عند الناس, ولهُ عذابٌ أليم.

وفيما يلي موجز قصير عن أشكال التصوير, وما أجمع عليه فقهاء المسلمين من تحريمه وإباحته:
[قسم العلماء الصور إلى قسمين (بناءً على الأحاديث النبوية القاطعة الواردة فيها):
1- الصور التي لها ظل, وتسمى (التماثيل).
2- الصور التي ليس لها ظل , وهي المرسومة على الورق , أو المنقوشة على الجدار , أو المصورة على البساط والوسادة ونحوها وتسمى (الصور).
فكل تمثال صورة , وليس كل صورة تمثال , ولقد أجْمعَ العلماء على حُرمة تصوير كل ذي روح من إنسان أو حيوان مُجسماً كان أو مرسوماً , ولبعض العلماء استثناء في شيء من الصور كأن تكون غير متصلة الهيئة بقطع رأسها أو بعض أجزاءها , وأن تكون مما يُمتهن ويُداس كالوسائد , ولُعب البنات والصغار.
وأما عن حُكم الشريعة في التصوير الفوتوغرافي (ومثلهُ من أنواع التصوير باستخدام الأجهزة الإلكترونية الحديثة),  فينبغي أن يقتصر في الإباحة على حد الضرورة وما تتحقق به المصلحة, وأن لا يُصاحبهُ مفسدة أو حرام ] (3).
         
وبعيداً عن الخوض في أحكام التصوير وحيثياتهُ في شريعة الله, فإن خُلاصة ما أود تِبيانهُ من جملة هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة في شأن المصورين , هو أن الله وملائكتهُ ورسولهُ يلعنون من صَوَر صُورة يُريد بها إيذاء المسلمين, فيا أيها الذين آمنوا العنوا من لعنهُ اللهُ ورسولهُ.

وإن هذه الرسوم الكاريكاتورية والأفلام المُسيئة إلى الذات النبوية الساكنة في السماوات العَلية , هجمة تصدى لها رسول الإنسانية محمد -عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم- , وفتنة طبَ لها قبل وقوعها بمئات السنين. قال تعالى : {أم حَسِب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا. ساء ما يحكمون 4} سورة العنكبوت.
حيثُ أطلع الله علام الغيوب نبيه -عليه الصلاة والسلام- على ما كان وما سيكون , قال تعالى : {وما ينطقُ عن الهوى 3 إن هو إلا وحيٌ يُوحى 4 علَمَهُ شديدُ القُوى 5} سورة النجم.
فهو الشمس التي  سيعمُ نورها ودفئها جميع الخلق في هذا الكون , بمن فيهم  أولئك الغرُ المجانين من المُصورين الذين  تطاولوا على سيد ولد آدم أجمعين , فحقت عليهم لعنة الله وغضبهِ في آياتهِ, ولعنة رسولهِ وتشنيعهُ عليهم في أحاديثه, والتي نقلها أصحابهُ وأتباعهُ وحفظوها بإذن الله عن التحريف والتدليس, ليرددها أبناء الأمُة في كل زمانِ ومكان كأن قائلها المبعوث رحمةً للأنام قد قالها الآن , يُجيب بها المتسائلين ويهدي الضالين , ويُثني على المؤمنين والمُحسنين , ويزجُر العُصاة والظالمين من أمثال أولئك المصورين أعداء الدين , الذين جسدوا صورته ورسموها زوراً وبهتاناً دون أن يروهُ أو يعرفوهُ , بهيئات ودلالات هو منها براء براءة الذئب من دم  يوسف ابن يعقوب -عليهما السلام -.
عن أبي شُريح قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{إن أغنى الناس على الله عز وجل, رجل قتل غير قاتله أو طلب بدم الجاهلية من أهل الإسلام ، ومن بصَرَ عينيه في المنام ما لم تُبْصِرا‏} رواهُ الطبراني في الكبير‏‏.

‏وكما تعلمون فإن نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- قد اختار الرفيق الأعلى وفارق الحياة , فلا يُرى بعد ذلك إلا في المنام , عن عبد الله ابن مسعود قال ‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ {من رآني في المنام فقد رآني , فان الشيطان لا يُتبغى له أن يتمثل بمثلي‏} رواه أحمد‏‏.‏
وأنهُ لا يُبتغى لمثل هؤلاء المصورون الغافلون أن تصل مداركهم إلى رؤية الرسول في منامهم, لذا فما صُوَرهم هذه التي رسموها لشخص النبي –عليه الصلاة والسلام إلا اختلاقاً من نسج خيالهم وأوهامهم ووحي شيطانهم.

كما أنهُ لا ينبغي لهم أن يؤذوا من توفاهُ الله قبل 14 قرناً بذنب ارتكبه الأحياء في هذه الأوقات , وذلك إذا ما سَلَمنا حقاً بأن هؤلاء الرسامين قد ارتكبوا فعلهم المشين بحق نبينا العظيم على حد زعمهم, تحت وطأة أعمال التفجير والقتل والتخريب المنسوبة إلى جماعات من أبناء العرب والمسلمين.
وفي الوقت ذاته أود أن أسأل هؤلاء المصورين لماذا لا نجدُ بالمقابل رسوماً في صحف العرب والمسلمين وأفلامهم تسخر من موسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام, رغم كل ما يلحق بالمسلمين من أذىً كبير وظلماً شديداً تمارسهُ عليهم وفي عقر دارهم جيوش جرارة تخرج من بلاد أولئك المصورين وتَدعي الانتساب إلى اليهودية والنصرانية وترفع راياتها؟
الإجابة هي : أننا نحنُ أهل الإسلام حَمَلة الرسالة السماوية إلى آخر الزمان , نؤمن بجميع الأنبياء -عليهم السلام- وكتبهم ونوقرهم ونحبهم كتوقيرنا ومحبتنا لخاتم النبيين رسولنا محمد -عليه الصلاة والسلام- , أما أهل الكتاب من اليهود والنصارى فقد توقف علمهم وإيمانهم بآيات الله ورسله عند حدود أزمنة بعث أنبيائهم ونزول كتبهم , وأعرضوا عما نزل بعدهم من النور رغم معرفتهم بأنهُ الحق الذي بشر به أنبيائهم , وأن ما جاء بهِ موسى وعيسى ومحمد -عليهم الصلاة والسلام- يخرج من مشكاةٍ واحدة.
قال تعالى :{قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ 97 مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ 98} سورة البقرة.

إن التفريق بين الملائكة والأنبياء وعداوتهم هي من العقائد الزائفة لكفار اليهود عليهم لعنة الله , والذين أشارات عدة تقارير صحفية وتلفزيونية إلى وقوفهم وراء هذه الحملة البشعة ضد المسلمين ومُساندتها (4) , من خلال نشاط الموساد ونفوذ اللوبي الصهيوني في أوروبا وأمريكا , وكيف لا وهم سَبَاقين إلى نشر صور تُسيء إلى النبي الكريم في طرق فلسطين عجل الله خلاصها من أيدي المحتلين , وتاريخهم القديم في أذى الله وأنبيائه والمؤمنين وقتلهم والسخرية منهم خير شاهد على هذا , قال تعالى : {لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ 181} سورة آل عمران.
           
وعن ابن مسعود - رضي الله عنهُ- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : {إن أشد أهل النار عذاباً يوم القيامة من قتل نبيا أو قتله نبي ، وإمام جائر، وهؤلاء المصورون} رواهُ الطبراني في الكبير.
ولقد جمع الرسول -عليه الصلاة والسلام- في حديثٍ واحد بين قتلة الأنبياء وأكثرهم من اليهود , وبين من يسخرون  منه اليوم وهم المصورون, وتوعدهم بالعذاب الشديد, وهذا من دلائل نبوتهِ -عليه الصلاة والسلام- ونفاذ بصيرته , فهو بما نبأهُ بهِ العليم الخبير وأطلعهُ عليهِ من أخبار الغيب , قد سبق كل التحليلات والتقارير الصحفية التي أشارات إلى هذا الاحتمال.
                 
ولقد جاء في الآيات التي تَبِعت ذكر أذى الله ورسولهُ محمد وأتباعهُ المؤمنين في سورة الأحزاب, ذِكر أذى بني إسرائيل لنبيهم موسى -عليه السلام- وقد برأهُ اللهُ مما رموهُ بهِ من العيوب , وذلك ليحْذر المؤمنين من مُشابهة اليهود في أذى نبيهم أو حتى التسبب في أذاه , ويعلموا أن الذي برأ موسى -عليه السلام- قادر أن يُبرأ رسولهُ وينتقم له ممن يؤذيه , قال الباري عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا 69} سورة الأحزاب.

 أقول: ولله الحمدُ والمِنة أن جعل أذى نبي هذه الأمة في غالب الأحيان من غيرها وممن ليس منها, بينما كان أذى موسى -عليه السلام- كثيراً ما يقع من أمتهِ وأتباعه , فكيف بهم إذا كان النبي من غيرهم أتراهم يتورعون عن أذيته ومن اتبعهُ.
روى الإمام أحمد , عن عبد الله بن مسعود قال : قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ذات يوم قسما فقال رجل من الأنصار : إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله , قال, فقلتُ : يا عدو الله أما لأخبرن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بما قلت , فذكرتُ ذلك للنبي -عليه الصلاة والسلام- فاحمر وجههُ ثم قال: {رحمة الله على موسى ,لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر} (5). 
الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس, وإن سكوت الدول والقيادات عن رعاياها من المصورين والصحف والمواقع الناشرة للرسوم المُعادية للإسلام ونبينا محمد  -عليه الصلاة والسلام- وتسامُحها معهم , هو في ظاهره رحمة لهم, وفي باطنهِ عذابٌ شديد, حيثُ سيتحول تسامح قادتهم معهم في يوم الحساب إلى كابوس ثقيل على الرؤوس , وسيتمنى عندها المصورون لو أن حكوماتهم قيدت أيديهم بالسلاسل قبل أن تصنع ما صنعت بحق الرسول , قال تعالى : {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا 66 وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا 67 رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا 68} سورة الأحزاب.          
وأما عن تذَرُع المصورين وحكوماتهم غير المُبين باستباحة نشر الصور المُسيئة بدعوى حُرية التعبير , فما هو سوى كلمة حق أُريد بها باطل , وهي أشبه ما يكون إلى رجل خرج في قومه فقال لهم : أريد أن أقتل نفسي وأموت , فقالوا لهُ : أنت حُر بما تصنع بنفسك , فما كان منهُ إلا أن جاء بقنبلة وفجر بها جسمه , فقتل نفسهُ وقتل من حولهُ معهُ , فكان وبالهُ على نفسهِ وقومهِ وهم لا يشعرون, فبئْست الحرية ما عَمَ شرها الناس ولم يقتصر على مُتخذها.
وإن هؤلاء القوم أخذوا الحرية بمفهومها الإنساني القاصر , لا بمفهومها الكامل الرفيع الذي شرعهُ الله للناس في رسالاته للبشر , والصحيح أنهُ كان يجب على قوم ذلك الرجل الذي هم بقتل نفسهِ أن يمنعوهُ ويحبسوهُ عن هذا الفعل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً , لأن الله حرمَ قتل النفس وتوعد المُنتحر بدخول النار أو الحرمان من الجنة, فيكونوا بذلك قد استبرؤا لأنفسهم من شرور هذا الإنسان وحموها من عدوانه, لو كانوا يعلمون. 
وإن من شأن مثل هذه الحرية العاجزة الخداعة أن تتحول إلى طوفان يُغرق كل القيم والاعتقادات لدى مثل هؤلاء الأقوام , ويجرفها إلى بحر التشتت والوهن والضياع وانعدام الغيرة على الذات.
قال تعالى: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم بل هم عن ذكرهم معرضون 71} سورة المؤمنون.   
لو أن الهوى والرأي ينقذ الناس ويُخرجهم مما هم فيه من الضياع والضلالة , لما أرسل اللهُ رُسله وأنزل عليهم شريعتهُ وكُتبه , ولو أجاب اللهُ عبادهُ إلى ما في أنفسهم من الهوى وشرع الأمور على وفق ذلك , لصارت أمورهم فوضى وفساد , لأن كل فرد لهُ رأي ومِزاج مختلف يريد أن يستقل بهِ عن الآخر ويكون به متبوعاً , فتغيب الحكمة ويحل النفور ويطغى بعضهم على بعض. وإذا كان أهل الكتاب قد ولوا أدبارهم لهذا النبي , وأعرضوا عما جاء بهِ من الشريعة السماوية الحق الواجبة الإتباع , فقد فعلوا هذا من قبل مع أنبيائهم وكتبهم , وأعرضوا عما جاءوا بهِ من الحق في التوراة والأناجيل وحرفوها فليس لهم عن أهوائهم بديل , وإذا كان فريقٌ من شِرار أهل الكتاب قد صوروا محمد – عليه الصلاة والسلام- يُريدون به سوءاً, فقد سبق وأن فعلوا مثل ذلك من قبل مع أنبياءهم وصالحيهم سخرية ً منهم وامتهاناً لقداستهم.
وإن من تناقض مُعتَقد مُشركي أهل الكتاب أنك تجدهم يرفعون بعض أنبياءهم إلى مقام الآلهة – تعالى عن الشريك علواً كبيراً-, وفي الوقت ذاته تجدُ قلوبهم مُنصرفة عن إتباع طريق هذا النبي والإقتداء بأفعاله, فتراهم يخالفون أوامره ويُعرضون عن نُصحه ويتنكرون له, رغم أنهُ كان من الأولى بهم إذ رفعوهُ إلى مقام الإله أن يكونوا أشد حرصاً على إتباعه  والعمل بسُنته.
عن مسلم بن صبيح قال ‏:‏ كنت مع مسروق في بيت فيه تمثال مريم فقال مسروق ‏:‏ هذا تمثال كسرى فقلت‏:‏ لا ولكن تمثال مريم فقال مسروق‏:‏ أما إني سمعت عبد الله بن مسعود يقول ‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم‏-:‏ {إن اشد الناس عذابا يوم القيامة  المصورون‏} (6).
وروى الشيخان عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: لما اشتكى النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر بعض نسائه كنيسة يُقال لها (مارية) وكانت أم سَلَمة , وأم حبيبة أتتا أرض الحبشة , فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها , فرفع - صلى الله عليه وسلم- رأسه فقال :{ أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح , بنوا على قبرهِ مسجداً , ثم صوروا فيه تلك الصُور, أولئك شرار خلق الله}.

لطائف من الإعجاز القرآني ودلائل النبوة في الآيات والأحاديث:
قال تعالى :  {ما فرطنا في الكتاب من شيء} [ الأنعام : 38] , قال القرطبي في تفسير هذه الآية : أي ما تركنا شيئاً من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن ، إما دلالة مبينة مشروحة ، وإما مجملة يُتلقى بيانها من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو من الإجماع أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب .
ومن هنا فإننا نلاحظ هذا التوازن والانسجام النادر بين الخطابين القرآني والنبوي في التصدي لمن آذى الله ورسولهُ , فنجدُ في الكتاب الكريم الآية رقم 57 من (سورة الأحزاب) والتي جاء فيها اللعن والعذاب المُهين لمن يؤذي الله ورسوله الأمين , قال تعالى :{إن الذين يؤذون اللهَ ورسولهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدنيا والآخرة وأعدَ لهم عذاباً مُهيناً 57} , ونجدُ في سنة الحبيب -عليه الصلاة والسلام- كذلك تخصيص اللعن وشدة العذاب على المصورين , وبمُجمل نص الآية مع نص الأحاديث فإن اللعنة والعذاب حاقوا بالذين آذوا النبي الكريم من المصورين مرتين , مرةً في الدنيا وأخُرى في الآخرة.
وإن من صُور الانسجام والتكامل القرآني النبوي, أن نجدُ هذا الضِعْف من اللعن والعذاب مذكوراً في نفس السورة التي لُعِنَ فيها من آذى اللهَ ورسوله وهي (سورة الأحزاب) , قال تعالى : {ربنا آتهم ضِعْفين من العذاب والعنهُم لعناً كبيراً 68} , قَالَ قَتَادَة : عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة (تفسير القرطبي).
وإننا نجدُ الإشارة إلى هذا المعنى في الآية رقم (57) نفسها بقولهِ تعالى : {في الدنيا والآخرة} , أي لعنة وعذاب في الدنيا ولعنة وعذاب في الآخرة فيكون المجموع ضِعْفيْن , وهذه بشارة لنا بأن عذاب الله وانتقامهُ لا بد أن يدرك هؤلاء الساخرين المستكبرين ومن أيدهم وتعاطف معهم في الدنيا قبل الآخرة.

 وأخيراً وليس آخراً, فإن باب التوبة مفتوح حتى غرغرة الروح , وأن الله لا يطرد أحداً من رحمته إلا إذا أصرَ على ذنبهِ ومعصيته المستوجبة لهذا الطرد , فإذا اعترف أصحاب هذا الفعل الشنيع  بذنبهِم وأقلعوا عنهُ وعزموا أن لا يعودوا إليه أبداً , فعندها يرفع اللهُ عنهُم اللعنة والعذاب عن اقترافهِم الأذى بحق النبي -عليه الصلاة والسلام- , ويبقى عليهمِ وِزر ما كان منهُم قبل انتهائهم عن هذا الفعل , فإن شاء عز وجل عذبهُم عليه وإن شاء رحِمهم , ولن يقبلهُم اللهُ ويغفر لهُم جميع ذنوبهمُ حتى يدخلوا في هذا الدين, دين الأنبياء أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
المراجع والهوامش:
* تمت الاستعانة بموقعي (المكتبة الإسلامية و الدرر السنية) في الوصول إلى بعض الأحاديث وتخريجها , إضافة إلى كتب التفسير المشهورة مثل ابن كثير والطبري والقرطبي.
(1) رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب صحيح.
(2) انظر القرطبي ج 14 ص 274.
(3) نقلاً عن كتاب روائع البيان تفسير آيات الأحكام , المحاضرة الثامنة عشر.
(4) بحث عودة الإساءة الدانمركية .. الدوافع الحقيقية وسبل الرد , بقلم الأستاذ هشام طلبة , منشور في موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. 
(5) أخرجاهُ في الصحيحين واللفظ لأحمد.
(6) رواهُ أحمد في مسنده.‏

* ملاحظة : تم إرسال نسخة من هذا الموضوع إلى أحد المواقع الإسلامية المتخصصة بنشر البحوث العلمية , لكن مدير الموقع رد عليَ بأنهُ لم يقتنع بالموضوع, وبرأيه فإن فتنة الصور المُسيئة قد هدأت ولا يريد إثارتها من جديد

فكرة وإعداد: م. وليد القراعين
نُشر لأول مرة في مدونة ولي الدين والمسبار السحري بتاريخ 28-4-2008 


السبت، 30 مارس 2013

الأكبر والعظيم والمقدس


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وآله وأصحابهِ ومن والاه.
أما بعد ؛ خلق الله تعالى الأرض وسخرها لخليفته آدم عليه السلام وذريتهُ من بعده, وقد فضل الله آدم وذريتهُ بعضهم على بعض فجعل منهم الصالحون ومنهم الفاسقون, كما فضل الله الصالحين بعضهم على بعض ورفع بعضهم درجات وجعل لكلٍ منهم مقاماً معلوماً, وما يجري على الخلفاء من تباين وتفضيل يجري بطبيعة الحال على مقام الاستخلاف وهو الأرض. فمن الأرض ما هو خصب ورطب ومنها ما هو أجدب وجاف, ومنها ما هو منخفض وسحيق كالوديان, ومنها ما هو مرتفع وشامخ كالجبال, وقد فضل الله بقاع الأرض ونواحيها بعضها على بعض واتخذ له فيها سبحانهُ بيوت ومساجد وجعلها مقاماتٍ معلومة لعباده على مر السنين والأيام, عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه- قال: قلت : يا رسول الله ، أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال : {المسجد الحرام} . قال: قلت : ثم أي ؟ قال : {المسجد الأقصى}. قلت: كم كان بينهما ؟ قال : {أربعون سنة ، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصله ، فإن الفضل فيه} صحيح البخاري.
وعلى الطريق بين هاذين المسجدين وعلى مقربة من المسجد الحرام يقع مسجد النبي محمد -عليه الصلاة والسلام-, عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): {صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة} صحيح البخاري. وفي روايةٍ أخرى عنهُ {إلا المسجد الأقصى} (1).

وتعتبر هذه المساجد الثلاثة هي أعظم بيوت الله في الأرض وهي مقصد المتعبدين من عباد الله الصالحين, روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه-, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : {لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام, ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم, ومسجد الأقصى}.

لطيفة: [إن شد الرحال في أي وقتٍ إلى المسجدين النبوي والأقصى هو سنة ونافلة للمسلم, بينما شد الرحال إلى المسجد الحرام في موسم الحج هو فرض على كل مسلمٍ قادر ولو مرة واحدة في عمره.
ولقد جاء لفظ الحديث أعلاه في روايات أخرى (تصح) بتقديم المسجد الأقصى على المسجد النبوي, ولعل العلة في ذلك هي أن شد الرحال إنما يكون إلى الأمكنة البعيدة عن مكان الخروج, فمن كان مجاوراً للمسجد النبوي وقريباً إليه كان شد رحاله إلى المسجد الأقصى والعكس صحيح.
كذلك فإن أجر الحاجين والقاصدين أحد هاذين المسجدين يزداد كلما زادت المشقة والتكلفة, فمن كان مُقامهُ قريب إلى مسجد النبي (عليه الصلاة والسلام) كان شد رحالهُ إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه أعظم أجراً وفضلاً لهُ والعكس صحيح. وكذلك فإن شد المسلمين رحالهم إلى أحد المساجد الثلاثة مقرونٌ بالمناسبة والضرورة, ففي وقت الشدائد والمحن يكون شد الرحال لنُصرة أحد هذه البيوت الثلاثة العظيمة واجباً لا مفر منهُ على المسلمين, وأيُها كان عُرضةً للعدوان والامتهان كان أولى بأن تُشد الرحال إليه دفعاً للأذى عنه.
 فعن أبي ذر - رضي الله عنه- قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أيما أفضل, مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بيت المقدس؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: {صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى هُوَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ وَلَقَيْدُ سَوْطٍ- أَوْ قَالَ- قَوْسُ الرَّجُلِ؛ حَيْثُ يُرَى مِنْهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ أَوْ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا جَمِيعًا} رواه البيهقي في شُعب الإيمان.
وقد جاء هذا الزمانُ الذي انطلقت فيه سهام الشوق من أعين جنود وأبناء الإسلام صوب بيت المقدس من قبل مرتان, المرة الأولى قبل أن يدخلهُ الفاروق عمر بن الخطاب فاتحاً, والمرة الثانية قبل أن يدخلهُ السلطان صلاح الدين الأيوبي غازياً وفاتحاً, ونحن بانتظار فتح ٍ ثالثٍ وجديد بإذن الله تعالى لهذا الحصن العتيد] انتهى.

وتتباين المساجد الثلاثة الكبرى في ما حَبَاها الله به من خصائص وقدرهُ لها من عمارةٍ ورعايةً على مر الزمان, فقد جعل الله الكعبة البيت الحرام أول وأكبر بيوته في الأرض وأعظمها حُرمة, وأقام عندها خليلهُ إبراهيم وذبيحه إسماعيل وحبيبهُ محمد -عليهم وآلهم الصلاة والسلام أجمعين-, وقد تخلل هذه العناية الربانية والرعاية النبوية للكعبة والمسجد الحرام فترات من الشرك والجاهلية كانت قبل عهد الإسلام.
ومن ناحيةٍ ثانية جعل الله -عز وجل- بيت المقدس ثاني وأقدس بيوته في الأرض وأعظمها بركة, وجعل رعايتهُ وإحياء عبادتهُ فيه قسمةً بين أنبياء بني إسرائيل -عليهم الصلاة والسلام- وملوكهم, ومن بعدهم نبي هذه الأمة -عليه الصلاة والسلام- وخلفاءه, وقد تخلل هذه العناية الربانية والرعاية النبوية لبيت المقدس فترات من السقوط والانحلال في عهد أنبياء بني إسرائيل وملوكهم, وفي عهد النبوة المحمدية والخلافة الإسلامية على حدٍ سواء.

وأخيراً وليس آخراً, فقد خص الله نبي آخر الزمان محمد -عليه الصلاة والسلام- بأن جعل لهُ ولأصحاب دعوة الإسلام مسجداً ومقاماً خاصاً, هو وإن كان بُني وعُرف بعد المسجدين العظيمين المسجد الحرام والمسجد الأقصى بوقتٍ طويل, إلا أن فضلهُ عليهم أن أسسهُ اللهُ على التقوى من أول يوم إلى آخر زمان هذه الأمة المباركة, فلا صنم يُعبد عنده كالمسجد الحرام ولا تفريطٍ وفسادٍ وخراب يصيبه كالمسجد الأقصى, وفي الوقت الذي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يوحدون الله ولا يشركون به شيئاً في مسجد المدينة, كانت قريش تعبد الأصنام وتشرك بالله عند الكعبة البيت الحرام, وفي الوقت الذي كان المسلمون يعبدون الله حق عبادته بالشريعة التي لا زيغ فيها وكتابه القرآن في مسجد المدينة, كان النصارى يقيمون عبادة الله وشريعته في بيت المقدس على ما اختلط عندهم من التوراة والإنجيل, والتي حُرفت وانقطع مددها من السماء, ورِفدها من الأنبياء والأولياء, وذلك لحكمةٍ أرادها رب العالمين في بعث خاتم المرسلين -عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم- بالدين الكامل المحفوظ للناس أجمعين, وقد جعل الله المدينة المنورة ومسجدها منطلق لتطهير مكة ومسجدها من الأوثان, ومن بعدها بيت المقدس الذي ساد به نور وشريعة الإسلام بعد الخراب والامتهان. 

في حُرمة بيوت الله
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تُحِلوا شعائر الله ولا الشهرَ الحرام ولا الهَديَ ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً. وإذا حللتم فاصطادوا. ولا يجرمنكم شنأنُ قومٍ أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا. وتعاونوا على البر والتقوى , ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. واتقوا الله. إن الله شديد العقاب 2} سورة المائدة.

عن علي - رضي الله عنه- قال: ما كتبنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا القرآن وما في هذه الصحيفة, قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور, فمن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه عدل ولا صرف, وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم, فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه عدل ولا صرف, ومن والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه عدل ولا صرف} أخرجه البخاري ومسلم وجماعة من أئمة الحديث.
- أخفر: نقض عهد الأمان.

وعن أبي حسان الأعرج أن عليا - رضي الله عنه- كان يأمر بالأمر فيؤتى فيقال : قد فعلنا كذا وكذا فيقول : صدق الله ورسوله قال : فقال له الأشتر : إن هذا الذي تقول قد تفشغ في الناس أفي شيء عهده إليك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال علي -رضي الله عنه- : ما عهد إلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا خاصة دون الناس إلا شيء سمعته منه فهو في صحيفة في قراب سيفي قال : فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة قال : فإذا فيها {من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل} قال : وإذا فيها {إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم المدينة حرام ما بين حرتيها وحماها كله لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشار بها ولا تقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره ولا يحمل فيها السلاح لقتال} قال : وإذا فيها {المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده} إسنادهُ صحيح.
- (لا يختلى خلاها ) : أي لا يقطع كلؤها, رطبه ويابسه.
- التنفير: وهو الإزعاج وتنحيته من موضعه فإن نفره عصى سواء تلف أم لا.   

وروى مسلم في "صحيحه"، عن جابر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: {إن إبراهيم حَرَمَ مكة، وإني حَرَمتُ المدينة ـ ما بين لابتيها ـ لا يقطع عِضاها، ولا يُصاد صيدها}. حَرَمها: أي لا يُصطاد ولا يُقتل فيها حيوانٌ ولا طير, ولا يُقطع شجرها الذي نبت من غير زرع.
اللابة: هي الحرة, والحرة الحجارة السود ، وللمدينة لابتان شرقية وغربية وهي بينهما .

وقد ألحق النبي -عليه الصلاة والسلام- حرمة مدينته بحرمة مكة البيت الحرام, وذلك لكونهما داري بعثته الشريفة وهجرته المباركة, حيثُ أن المدينة هي بمثابة الامتداد الجغرافي والاجتماعي والروحي لمكة المكرمة, وهذا يجعل من تطبيق شريعة التحريم فيها والالتزام بها من السُكان والحُجاج والزوار أكثر يُسراً وسهولة, وإن حُرمة المدينة من حُرمة ساكِنها – عليه وآله الصلاة والسلام- (2).

وقد انتهى المطاف بنبي الإسلام -عليه الصلاة والسلام- وهو ينتقل ما بين حرمي مكة والمدينة, ولم يتم فتح بيت المقدس لأبناء الإسلام إلا بعد وفاته ببضعة سنوات.
وبالرغم من مشابهة بيت المقدس بالمقام والحُرمة للحرمين الشريفين, إلا أنه ثمة أسباب ودواعي تحول دون أن تثبُت له من الحُرمة عن النبي – عليه الصلاة والسلام- مثلما ثبت للحرمين المكي والمدني, ومن ضمن ذلك أن نبي هذه الأمة –عليه الصلاة والسلام- لم ينزل أرضها ويبني مسجدها ويستقر بها فتصير أرض بيت المقدس حرماً له, وأيضاً بسبب بُعدهُ وانقطاعه الجغرافي والاجتماعي عن حرمي مكة والمدينة, وقد سمي مسجد بيت المقدس بالأقصى لأنهُ قَصِيْ وبعيد عن الحرمين الشريفين, وكما جاء في حديث سيد المرسلين فإن: (الذئبُ لا يأكل إلا القاصية), وقد أُكِلت هذه الأمة في بيت المقدس وأقصاها مرتين كُبريين, تماماً كما أُكلت أمة موسى (عليه السلام) من قبل مرتين كُبريين فيه, ومجموع هذا السقوط لأمة موسى وأمة محمد (عليهما الصلاة والسلام) في بيت المقدس هو أربعة (4), وهو رقم الآية التي ذكر الله فيها خبر ما قضاه على أمة الكليم موسى من السقوط العظيم في بيت المقدس مرتين, وهذا القضاء نفسه هو ما تكرر وسرى على أمة محمد (عليهما أفضل الصلاة والتسليم), قال تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلُن علواً كبيراً 4} الإسراء. (3)

ولعل من أسباب عدم تحريم  بيت المقدس هو ارتباطه بالكثير من الأنبياء الذين أموهُ واجتمعوا عنده على مر القرون والسنين, ولكون أرضهُ مُباركة ومحفوفة بالينابيع والأنهار والأشجار والثمار, مما يجعله بؤرة للصراع بين الأمم من أتباع الديانات السماوية وأصحاب المطامع الدنيوية, ومن الصعب حِمايته وإخراجهُ من حسابات النزاع والاقتتال بشكل دائم فيكون حرماً آمناً للناسكين.

وإنَ من حُرمة بيت المقدس أن جعلَ الله فتحهُ ودخول المسلمين إليه برفقة الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- تتم بلا قتالٍ أو إراقة دماءٍ فيه, أُسوةً بفتح مكة المكرمة التي دخلها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بلا قتالٍ أو إراقة دماء فيها.
عن العرباض بن سارية قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فوعظنا موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقيل يا رسول الله وعظتنا موعظة مودع فاعهد إلينا بعهد فقال: {عليكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا وسترون من بعدي اختلافا شديدا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم والأمور المحدثات فإن كل بدعة ضلالة} رواه ابن ماجة في صحيحه.

هذا وتُعتبر الوثيقة أو العُهدة العمرية التي كُتبها ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- لأهل القدس بعد دخولها في عهد المسلمين, هي أشبه ما تكون بالصحيفة التي كتبها علي عن النبي  –عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم- في شريعة مدينته وحُرمتها.
وفيما يلي بعضاً من نص هذه العُهدة: [هذا ما أعطى عبد الله، عمر، أمير المؤمنين، أهل إيلياء من الأمان.. أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقمها وبريئها وسائر ملتها.. أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود.
وعلى أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن. وعليهم أن يُخرِجوا منها الروم واللصوص. فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا أمنهم. ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية.] (4).

وإن من عظمة حُرمة المساجد الثلاثة أن حَرَمَ الله على الأعور الدجال دخولها والمكث فيها, فعن جنادة بن أبي أمية قال: {أتينا رجلا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فقال: أنذرتكم المسيح أنذرتكم المسيح, إنه رجل ممسوح, قال: أظنه أنه قال اليسرى, يمكث في الأرض أربعين صباحا, معه جبال خبز وأنهار ماء, يبلغ سلطانه كل منهل, لا يأتي أربعة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد الطور ومسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم-, غير أن ما كان من ذلك فاعلموا أن الله ليس بأعور قالها ثلاثا} حديث صحيح.

ما بين السياحة الدينية والسياحة الدنيوية:
وإذا كانت هذه المساجد الثلاثة وُمدنها هي قبلةً وحَرمٌ لهُ احترام وأهمية عُظمى عند المؤمنين وسُياح الله في الأرض, فإن الأهرامات الثلاثة في منطقة الجيزة في مصر تحظى باهتمام وتعظيم سُياح الآثار والحضارات القديمة, ونجدُ ثمة نقاط تقاطع وتداخُلات غريبة بين المساجد الثلاثة الكُبرى في الأرض, وبين الأهرامات الثلاثة الكُبرى الشهيرة في أرض مصر, وهي: (خوفو, خفرع, منقرع), ولنبدأ بألطف هذه التداخُلات, وبابها هو التشابه اللفظي بين كلمتي (حَرَم) و (هرم).

أولاً: حرم وهرم
الحَرَم: هو ما شرحتُ أعلاه في مقدمة البحث وهو المكان الذي لهُ حُرمَة لا يحلُ انتهاكها وشريعة وشعائر مُعتبرة في الدين.
الهرم: هو بناء هندسي قاعدتهُ مُضلعة على شكل مُربع على الأغلب, وجوانبه الأربعة تأخذ شكل المثلث وتلتقي نهاياتها بنقطة واحدة في قمة الهرم العلوية. 
وإن (حرم) و(هرم) كلمتان مفردتان مُختلفتان في المعنى ومُتشابهتان في اللفظ, وبالقليل من التصريف اللغوي من الممكن أن تصير الكلمتان مُتطابقتان.
 فإذا طلبنا على سبيل المثال من أحد الحُجاج والعُمَار المتواجدين في الحرم المكي من غير الناطقين للغة العربية أن يلفظ لنا كلمة (حرم), فإنه سوف يرددها على النحو التالي: (هَرم), حيثُ أن معظم الناطقين بغير اللغة العربية يلفظون حرف (الحاء) العربي (هاء), وكما ذكرتُ سابقاً فإن في الأرض ثلاثة مدائن ومساجد مُتشابهة في الحُرمة والقداسة, وثلاثة أهرامات مُتشابهة في العظمة والبُنيان.

وفيما يتعلق بلفظ الأجانب لحرف (هاء) بدلاً من حرف (الحاء), يحضُرني موقف طريف من مسرحية (البغبغان) للفنان المصري (محمد صبحي), وذلك عندما قام بالإلحاح على أحد الضيوف الأجانب وإحراجهِ ليقوم بلفظ اسم (حلمبوحة) بالحاء, بدلاً من (هلمبوهة) بالهاء.

ثانياً: أبنية سُلالة الملوك وأبنية سُلالة الأنبياء    
لقد تم بناء الأهرامات الثلاثة بأمرٍ من ملوك مصر الذين كانوا يدَعون الإلوهية ويزعمون أنهم من نسل الآلهة, وأما المساجد الثلاثة فقد تم بناءها بأمرٍ من الملك الحق سبحانهُ وتعالى, وقد بناها وساهم في عمرانها الملائكة والأنبياء وأعاد عمارتها الملوك والخلفاء.
وكما أن الأهرامات الثلاثة قد تم بناءها من قِبَل ثلاثة ملوك من نسلٍ واحد, بدايةً بالجد (خوفو) ثم ولده (خفرع) ثم حفيدهُ (مُنقرع), فقد تم بناء المساجد الثلاثة من قِبَل أنبياء الله تعالى وعلى رأسهم أبوهم الأكبر آدم أبو البشر الذي وضع البيتين في مكة وبيت المقدس, ثم ولده الأوسط إبراهيم أبو المسلمين الذي أعاد بناء الكعبة المشرفة, ثُم حفيد إبراهيم الأوسط داود بن إسحاق الذي أعاد بناء بيت المقدس, ثم حفيده الأصغر محمد بن إسماعيل الذي ساهم في إعادة بناء الكعبة, ثم بنى بعد بعثه وهجرته مسجدهُ الشريف, عليهم صلوات الله وسلامهِ أجمعين. 

ثالثاً: مقابر الأنبياء والأولياء ومقابر الملوك والوُجهاء
إن الأهرامات الثلاثة الشهيرة هي عبارة عن صروح وثنية فرعونية تحوي مقابر ومقامات ملوك مصر القُدامى وعُظمائها (خوفو وخفرع ومنقرع).
وعلى صعيد المساجد الكُبرى الثلاثة, فإنها صروح إيمانية تحوي فيها وحولها مقامات ومقابر للأنبياء والصالحين.
ففي الكعبة البيت الحرام هناك حِجر إسماعيل -عليه السلام- ويُسمى أيضاً بالحطيم, وقد ذكرت بعض الأخبار أن إسماعيل وأمه مدفونان في مكان الحِجر, كما روي عن عبد الله بن صفوان الجمحي قال: (حفر ابن الزبير الحجر، فوجد فيه سفطًا من حجارة خضر؛ فسأل قريشًا عنه فلم يجد عند أحد منهم فيه علمًا، قال: فأرسل إلى عبد الله بن صفوان فسأله فقال: هذا قبر إسماعيل -عليه السلام- فلا تحركه قال: فتركه).
وفي المدينة النبوية والحرم الشريف هناك ثلاثة قبور لثلاثة رجال هم خيرة أهل الأرض [محمد وأبي بكر وعمر (عليهم صلاة الله وسلامه)].
وإذا كانت الأهرامات الثلاثة العظيمة هي قبور لملوك وسَادات مصر الكافرين, فإن الحرم النبوي الشريف فيه ثلاثة قبور لثلاثة رجال هم أعظم الناس عند رب العالمين.

وأخيراً وليس آخراً, فقد دُفن في بيت المقدس وحولهُ الكثير من أنبياء بني إسحاق وغيرهم من الصحابة والأولياء الصالحين, وذكر القرطبي عن بركة المسجد الأقصى أنها بمن دفن حوله من الأنبياء والصالحين؛ وبهذا جعله مُقدسًا.

رابعاً: الأهرامات والمساجد..الموت والحياة..حفرة النار وروضة الجنة 
لقد صمم المصريين القُدامى الأهرامات لتكون مقابر ودُوراً للموتى مُجهزة بجميع الاحتياجات التي سوف تلزم الأموات المدفونين فيها لحياتهم الجديدة في القبر على حد اعتقادهم, فجعلوا يُحنطون أمواتهم ويدفنون معهم طعامهم وشرابهم ولباسهم وحُليهم وخَدَمَهم وفُرُشهم وغيرها.
وبالنسبة للمسلمين فإنهم قد بنو المساجد لتكون دور عبادة لإحياء الأرواح والأنفُس وللتزود بجميع احتياجاتها من الطاعات والأنوار والأخلاق, فجعلوا يُصَلون فيها ويذكرون الله ويتعلمون أمور دينهم وينطلقون منها لتعليم الناس ودعوتهم إلى دين الله الحق, وإن هذا لهو بحق نِعمَ الزاد الذي سوف ينفعهم في قبورهم بعد الموت, عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه أنه قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصلاه فرأى ناسا كأنهم يكتشرون (يعني يضحكون) قال : {أما إنكم لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات لشغلكم عما أرى, فأكثروا من ذكر هاذم اللذات (الموت) فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه فيقول: أنا بيت الغربة وأنا بيت الوحدة وأنا بيت التراب وأنا بيت الدود, فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر مرحبا وأهلا أما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلي فإذا وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك, قال: فيتسع له مد بصره ويفتح له باب إلى الجنة, وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر لا مرحبا ولا أهلا أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلي فإذ وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك . قال : فيلتئم عليه حتى يلتقي عليه وتختلف أضلاعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعه فأدخل بعضها في جوف بعض, قال: ويقيض الله له سبعين تنينا لو أن واحدا منها نفخ في الأرض ما أنبتت شيئا ما بقيت الدنيا, فينهشنه ويخدشنه حتى يفضى به إلى الحساب, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار} سنن الترمذي.
روى البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: {ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي}. وروي هذا الحديث بطُرق ٍ أخرى منها: {ما بين قبري ومنبري..}
وإن قبره -عليه الصلاة والسلام- في بيته في حجرة عائشة –رضي الله عنها-, فإن الأنبياء يدفنون حيث يموتون, وقد أُدخِلت الحُجرة النبوية التي فيها قبره –عليه وآله الصلاة والسلام- وقبر صاحبيه في المسجد, في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك, فكان الوليد أول الخلفاء الذي أدخل الحُجرة الشريفة في المسجد, وكان واليه على المدينة آنذاك الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز, وقد عاصر إدخال قبور النبي وأبي بكر وعمر في المسجد النبوي عدد من الصحابة الكرام.

وفي المساجد الثلاثة الكُبرى خيرُ زادٍ للمسلمين في دنياهم وقبورهم وآخرتهم, وذلك لأن أجور الطاعات والعبادات فيها تتضاعف عن غيرها من الأماكن, فعن أنس بن مالك - رضي الله عنهُ- قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): {صلاة الرجل في بيته بصلاة, وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة, وصلاة في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة, وصلاة في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة, وصلاة في مسجدي بخمسين ألف صلاة, وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة} رواتهُ ثقات.

خامساً: مُقاربة بين المساجد الثلاثة والأهرامات الثلاثة
* إن أول الأهرامات الثلاثة بناءً وأعظمها هو الهرم (خوفو) الذي يُعتبر إحدى عجائب الدنيا السبع, ويُطلق عليه اسم الهرم (الأكبر).
- ويُقابل هذا الهرم من المساجد الثلاثة الحرم المكي الشريف, الذي ثبت بالنصوص الدينية أنهُ أول بيتٍ وضع للناس في الأرض, وأنهُ البيت الأعظم حُرمةً عند الله, وبُناة هذا البيت المُحرم هما الأبوان الأكبران آدم وإبراهيم -عليهما السلام-, ولهُ يشد المسلمين رحالهم في كل عامٍ لأداء فريضة الحج, وهي أكبر وأهم تظاهرة دينية وتجَمُع للمسلمين والمتعبدين على وجه المعمورة, والمسجد الحرام في هذا الزمان هو أعظم مساجد الأرض سِعةً وبناءً.
* وأما الهرم الثاني بناءً وعظمةً فهو هرم الملك (خفرع) ابن خوفو, وقد أطلق على هذا الهرم اسم (العظيم).
- ويُقابل هذا الهرم من المساجد الثلاثة حرم النبي (صاحب الخلق العظيم) محمد -عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم-, قال تعالى : {وإنك لعلى خُلق ٍ عظيم 4} سورة القلم.
فالحرم المدني هو الجار المباشر والقريب للحرم المكي الأكبر ومنهُ يستمد حرمتهُ, وهو المدرسة التي تربى فيها أصحاب النبي وأبنائهم حتى صاروا قدوةً وشامةً بين الأمم, وهو البيت الذي انطلقت منه جيوش الدعوة والفتوحات الإسلامية لتدك حصون الكفر في كافة بقاع الأرض.
* وأما الهرم الثالث والأخير فهو هرم الملك (منقرع) ابن خفرع, وقد أطلق على هرمهِ اسم (المُقدَس).
ومثل هذا الهرم من المساجد الثلاثة وشبيهه بالاسم هو حرم (بيت المقدس) المبارك, وهو أقدسُ بقاع الأرض وأعظمها بركة لكثرة ما أمَهُ من الأنبياء والأولياء والصالحين.
وبيت المقدس هو قِبلة المسلمين الوجدانية في هذا الزمان لِما لهم فيه من مُصابٍ أليم, حيثُ وقع هذا البيت العظيم في أسر أصحاب الدولة الإسرائيليين. وسوف يبعث الله لهذا الأمر العظيم الإمام المُبين المهدي من ولد سيد المرسلين محمد -عليه وآله أزكى الصلاة وأتم التسليم-, عن كعب الأحبار, قال: {ينزل رجل من بني هاشم بيت المقدس، حرسه اثنا عشر ألفاً}.
وفي رواية عنه أيضاً قال: {حرسه ستة وثلاثون ألفاً، على كل طريق لبيت المقدس اثنا عشر ألفاً} (5).
وسوف ينزل عند بيت المقدس في إثرهِ المسيح عيسى ابن مريم – عليهما السلام- آيةً للعالمين, ويبلُغ فيه حينذاك من الخلقِ حشدٌ العظيم, قال حذيفة -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُحدثاً عن قوم يأجوج ومأجوج:  {يكون جمع منهم بالشام، وساقتهم بخراسان، فيشربون أنهار المشرق حتى تيبس، فيحلون بيت المقدس، وعيسى والمسلمون بالطور، فيبعث عيسى طليعة، فيشرفون على بيت المقدس، فيرجعون إليه، فيخبرونه أنه ليس ترى الأرض من كثرتهم}... قال:  {فيبعث الله عز وجل عليهم مطراً وابلاً أربعين صباحاً، فيغرقهم في البحر، ويرجع عيسى إلى بيت المقدس، والمؤمنون معه} (6).

لطيفة: مُنقرع المُقدس .. وقراعين القدس
ومن اللطائف الشخصية, أن لفظ اسم هرم (مُنقرع) المُقدس الذي يوازيه حرمُ بيت المقدس, يُواطئ لفظ اسم عائلتي (القراعين) التي سكنت (بيت المقدس) في عهد المسلمين منذ فتوحات السلطان صلاح الدين وحتى يومنا هذا.
ومن ناحيةٍ أُخرى فإن اسم الملك (مُنقرع) –بالقاف كما يُلفظ حالياً- هو في الأصل (منكاورع) –بالكاف- وتعني (طويل العُمر).
وبالنسبة لاسم عائلتي (القراعين) يتمتع بنفس الميزة التي يتمتع بها اسم الملك (منقرع), وذلك من حيث لفظه باستخدام كُلاً من حرفي (الكاف والقاف), حيثُ أن اسم عائلتي في الأصل هو (القراعين) نسبةً إلى جدها الأكبر (قرة عين), قال تعالى: {وقالت امرأت فرعون قرة عين لي ولك, لا تقتلوه عسى أن ينفعنا او نتخذه ولداً وهم لا يشعرون 9} سورة القصص.
وأما اللفظ الدارج لاسم عائلة القراعين في الوقت الراهن فهو (الكراعين), وهو الاسم الذي اعتادت عليه ألسن سكان قُرى القدس وفلسطين, والذين اعتادوا لفظ حرف (الكاف) بدلاً من (القاف).
ومن اللطائف اللفظية التي تربط بين اسم عائلتي (القراعين) وبين الفراعنة, هي أن اسم (قراعين) بحذف نقطة عن حرف (ق) يصبح (فراعين) وهي جمع (فرعون), وهناك محطة فضائية مصرية اسمها (الفراعين).

عجيبة: ميلاد الملك منقرع.. وميلاد وليد القراعين
إن من عجائب هرم الفرعون (مُنقرع) الملقب ڊ(المُقدس)، أنه يحوي فجوة دائرية صغيرة لا يتجاوز قطرها 20 سم وتمكن علماء الآثار من معرفة سر وجود تلك الفجوة بعد ملاحظة دقيقة للغاية، إذ تبين أن أشعة الشمس تدخل من خلال تلك الفجوة يوما واحد فقط في السنة على قبر الفرعون (من كاورع) تماما, والأعجب من ذلك أن هذا اليوم يتفق مع عيد ميلاد الفرعون نفسه. (7).

وعلى غِرار هذه العجيبة التي تجمع بين يوم ميلاد الفرعون مُنقرع ودخول الشمس إلى هرمهِ المُقدس, فإن ثمة َ عجيبة قرآنية تجمع بين اسمي وليد وسنة ميلادي وبين دخول مسجد بيت المقدس (المسجد الأقصى الشريف).
قال تعالى:{إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها. فإذا جآء وعد الآخرة ليسُؤُا وجوهكم (وليدخلوا) المسجد كما دخلوهُ أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً 7} سورة بني إسرائيل.
فمن الناحية اللفظية فإن أول أربعة أحرف من كلمة (وليدخلوا) تُمثل أول أربعة أحرف من اسمي (وليد) على الترتيب.
ومن الناحية الرقمية فإن ترتيب كلمة (وليدخلوا) في سورة بني إسرائيل بدايةً من الحديث عنهم في الآية الثانية هو ستة وسبعين (76), وهذا العدد نفسهُ يُمثل تاريخ السنة الميلادية التي وُلدت فيها (1976). (8)

* ومن العجائب الشخصية الأخرى المشتركة بين ميلادي وبين دخول الشمس إلى قبر الفرعون منقرع المُقدس في يوم ميلاده, هي أن يوم (الجمعة) الذي هو يوم ولادتي وخير يوم طلعت عليه الشمس, له ارتباط وثيق بفتح بيت المقدس للمرة الأولى في عهد التوراة, كما أن له علاقة عجيبة بغروب الشمس, حيث جاء في تفسير الآيات من 20 إلى 26 من سورة المائدة: [أن يوشع بن نون عليه السلام أقام في بني إسرائيل نبياً خليفةً لموسى بن عمران , وخرج بمن كان معهُ من بني إسرائيل فقصد بيت المقدس وحاصرها , فكان فتحها يوم الجمعة بعد العصر. فلما تضيقت الشمس للغروب وخشي دخول السبت عليهم قال : إنك مأمورة وأنا مأمور , اللهم احبسها علي , فحبسها الله تعالى حتى فتحها] مختصر تفسير ابن كثير.

وأخيراً وليس آخراً, فإذا كان (مُنقرع) هو اسم أحد ملوك وفراعنة مصر, فإن (وليد) هو كذلك اسم أحد أهم ملوك وفراعنة مصر, حيثُ جاء في كتاب مختصر تفسير ابن كثير, الآية 49 من سورة البقرة ما نصه: [(فرعون) علمٌ على كل من ملك مصر كافراً من العماليق وغيرهم, كما أن (قيصر) علمٌ على كل من مَلك الروم مع الشام كافراً, و(كسرى) لمن ملك الفرس. ويقال: كان اسم فرعون الذي كان في زمن موسى عليه السلام (الوليد ابن مصعب بن الريان) فكان من سلالة عمليق, وكنيتهُ أبو مرة, وأصلهُ فارسي من اصطخر].

سادساً: أساطير الأهرامات الفرعونية وحقائق المساجد النبوية:
تعتبر الحضارة الفرعونية القديمة عامةً والأهرامات خاصةً لغُزاً مثيراً للفضول ومنجماً للقصص والأساطير عند جميع الشعوب, وغالبية الحكايات المنسوجة حول أهرامات وقبور الفراعنة تفترض أنها مساكن لمردة الشياطين والأرواح الشريرة التي تحرس ملوك الفراعنة وحاشيتهم وكنوزهم المدفونة معهم, ويُعتَقَد وجود كنوز وأشياء ذات قيمة مخبأة في أماكن محكمة الإغلاق ويصعب الوصول إليها إلا عن طريق حل لغز التعاويذ والكتابات المنقوشة على الحجارة والجدران وقبور ملوك الفراعنة, وكل من تسول له نفسه استخراج هذا الخبأ المدفون سوف يُعرض نفسه لوابل من اللعنات والهجمات من حراس قبور وكنوز الأهرامات, وهناك نماذج كثيرة جداً من الروايات والأفلام السينمائية وأفلام الكارتون وقصص الألغاز وغيرها تجسد هذه الأساطير والخرافات, وعلى سبيل المثال لا الحصر فيلم الرعب الأميركي الشهير (المومياء) من إنتاج سنة 1999م.
   
ورغم صحة بعض هذه المعتقدات من جهة أن ملوك الفراعنة كانوا يدعون الإلوهية ويعملون بالسحر والكهانة وعلى رأسهم فرعون موسى عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لذا فإن مُجاورة الشياطين لأهرامات كفار الفراعنة والإيواء إليها وسكنها أمراً وارداً وطبيعياً لأنهم مُشتركين بالطرد من رحمة رب العالمين, ومن اللطائف اللفظية أن آخر ثلاثة حروف من اسم (فراعنة) هي أيضاً آخر ثلاثة حروف من كلمة (لعنة).
وإذا كانت الشياطين تنتشر في بيوت المسلمين الغافلين وتسكنها فكيف الحال ببيوت وقبور الكافرين, لذلك فقد أمرنا رسولنا الكريم بضرورة البسملة وذكر الله عند دخولنا بيوتنا والبيوت المهجورة بشكل خاص لطرد من فيها من الجن الكافر وتجنب أذيتهم, روى الشعبي عن عبد الله بن مسعود قال : {خرج رجل من الإنس فلقيه رجل من الجن ، فقال : هل لك أن تصارعني ، فإن صرعتني علمتك آية إذا قرأتها حين تدخل بيتك لم يدخله شيطان ؟ فصارعه ، فصرعه ، فقال : إني أراك ضئيلا شخيتا كأن ذراعيك ذراعا كلب ، أفهكذا أنتم أيها الجن . كلكم . أم أنت من بينهم ؟ فقال : إني بينهم لضليع ، فعاودني ، فصارعه ، فصرعه الإنسي . فقال : تقرأ آية الكرسي ، فإنه لا يقرؤها أحد إذا دخل بيته إلا خرج الشيطان ، وله خيخ كخيخ الحمار . فقيل لابن مسعود : أهو عمر ؟ فقال : من عسى أن يكون إلا عمر ؟} إسناده صحيح.

ومن ناحيةٍ أخرى فإنه من المأثور عن الفراعنة أنهم كانوا يدفنون مع موتاهم حليهم وأمتعتهم, ولعل اتجاه ملوك الفراعنة إلى بناء هذه الحجارة المرصوصة المحكمة التي تحتوي بداخلها حُجر وسراديب ومداخل عديدة شديدة التعقيد تحتاج إلى خارطة لتحديد نقطة بداية ونهاية لها, يخفي وراءه رغبة الملوك والعائلات الحاكمة إخفاء ميراثهم وثرواتهم  المتراكمة على مر عهود دولتهم, ولم يجدوا سبيلاً لذلك أفضل من الاستفادة من تقديس الناس وخضوعهم لهم وخوفهم المفرط منهم, واعتقادهم بأن أبناء العائلات الحاكمة هم أبناء ألِهتهم والتعرض لهم بسوء سواءً كانوا أحياءً أو أموات يوجب اللعنة والهلاك, وقد عمل كهنة الفراعنة على تغذية هذا الاعتقاد فكتبوا الكتابات التي تحذر الناس وتخوفهم من مغبة الوصول إلى قبور ملوكهم ومحاولة دخولها ومساس ما فيها, وهكذا فإن الأهرامات قد تكون أشبه ببنوك ومصارف سِرية - بنك القاهرة- يُحَول إليها ملوك وأمراء الفراعنة أرصدتهم من الأموال والثروات, لتبقى بمنأى عن اللصوص والمتطفلين والهجمات المفاجئة على بلادهم, وليبقى لديهم بصيص من الأمل بحفظ كنوزهم واستعادتها فيما لو نجح جيوش الغزاة بالاستيلاء على بلادهم.

وعلى الجهة المقابلة وعلى النقيض تماماً فإنه من الثابت بالشريعة والتجربة أن المساجد مهبط الملائكة ومأوى الأرواح الطيبة, وأن السكينة والرحمة تتنزل من رب العالمين على من فيها من المتعبدين والذاكرين ومن كان في معيتهم, وأنها أماكن طاهرة عامرة لا يدخلها إلا المتطهرين ولا تقربها الشياطين, فعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: { ما جلس قومٌ مجلسا يذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده } أخرجه مسلم.
وذِكُر الله كنوزٌ وجواهر ادخرها سبحانه لعباده في آخرتهم وحياتهم الخالدة في جناتٍ عرضها كعرض السماوات والأرض أعدت للمتقين, وإن ياقوتةً أو زمردة واحدة يترصع بها جبين المؤمن يوم القيامة لهي أشد ضياءً من الشمس وأجمل نوراً من القمر, وجاء في الأثر أن من أماط الأذى والأوساخ عن المساجد كانت له مهراً للحور العين.
وفي المأثورات الدينية والإسلامية الكثير من القصص عن معجزات وكرامات الأنبياء والأولياء الصالحين عند المساجد الثلاثة العظيمة وغيرها, وأشهر هذه المعجزات على الإطلاق هي حادثة (أصحاب الفيل), وهم أبرهة الأشرم وقومه الأحباش, الذين سولت لهم أنفسهم المريضة أن يخرجوا لهدم البيت العتيق الذي تُقدسهُ العرب في مكة, فلما وصلوا مكة وهموا بهدم البيت وفي مقدمتهم الفيل الذي أُعِد لهذه المَهمة, افترش الفيل (المحمود) الأرض وامتنع عن طاعة مروضيه, وفي غضون ذلك أرسل الله عليهم أسراباً من طيور تحمل حجارة مُلتهبة تُلقيها عليهم, فاحترقوا جميعاً وهلكوا إلا قليلاً منهم, وصاروا عبرةً بين العُربان, ومثلاً على عظمة حُرمة الكعبة البيت الحرام.

ومن ضمن هذه المعجزات المشهورة أيضاً, إسراء الله بنبيه محمد -عليه الصلاة والسلام- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى, وكذلك فيما أُثر من أنه صلى فيه وصلى خلفهُ الأنبياء -صلوات الله وسلامه ورحمته عليهم أجمعين-.
وأما تاج كرامات الأولياء ومعجزات الإنبياء فهي إخراج النبي –عليه وآله الصلاة والسلام- يده الشريفة من قبره لمصافحة ولده أحمد الرفاعي ومبايعته, وحديثه معه على مرأىً ومسمع من الحضور والشاهدين وذلك في عام 555 هجرية. (9)
     
هذا غيض من فيض من ذكر فضائل المساجد والذكر والمعجزات والكرامات التي سجلتها ساحاتها, ولذكر الله والرواح إلى بيوته ورجاء آخرته خيرٌ وأكبر للعباد من اللهاث وراء كنوز الدنيا وأوهامها ونعيمها البائد.  

لطيفة كلامية: الأهرامات اسم على مسمى
والآن سأعمل على الاستفادة من تقنية (الديجيتال) في استكشاف وتحليل سر (الأهرامات) الخطير, وتقنية الديجيتال في هذا المقام لا يُراد بها تقطيع الإشارة الكهربائية إلى قيم محددة ومنفصلة كما هي في الحقيقة, ولكن المراد بها هو تقطيع الإشارة اللفظية إلى كلمات ومعاني محددة ومنفصلة.
فإذا قمنا بتقطيع لفظ (الأهرامات) إلى ثلاثة مقاطع على عدد الأهرامات الثلاثة الشهيرة في مصر, فإننا نحصل على معان ٍ لطيفة ومتجانسة, على النحو التالي:
 الأهرامات = الأهر + ا + مات.
- الأهر: استناداً إلى عادة أهل مصر وهي بلاد (الأهرامات) في تأليف القاف -أي لفظ حرف الألف بدلاً عن حرف القاف- فإن كلمة (الأهر) تصير (القهر), والقهر هو أصل تسمية عاصمة مصر (القاهرة).
وإن منتهى القهر هو الموت, لأن الإنسان مقهورٌ عليه لا يستطيع دفعه ولا يملك إرادة في صرفه إذا جاءت سَكرتهُ, قال تعالى: { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 8 } سورة الجمعة.
- ا: حرف الألف, والألْف بتسكين اللام (ألْف),عدد يساوي عشر مئات (1000), وقد جاء في كتاب الله الكريم عن حب اليهود للحياة وكراهيتهم للموت, قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ (1000) سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ 96} سورة البقرة.
ولعل الفضلَ في تفوق اليهود على غالبية البشر بحبهم للحياة ورغبتهم في البقاء وكراهيتهم للموت والفناء, يرجع إلى عدوهم القديم الفراعنة المصريين, الذين كانوا من شدة حبهم للحياة والتعلق بما فيها من ملاذ, يهمشون الموت ويخرقون الصمت ويحملون معهم الأمتعة والطعام والشراب والجواري والخدم إلى قبور موتاهم ويدفنوها معهم, ظناً أنهم سوف يستيقظون ويتمتعون بها كما الأحياء . 
- مات: يعني توفي وانتهت حياته وانقضى أجله وعمره.

(الأهرامات = الأهر + ا + مات = القهر + 1000 سنة حياة + مات = قاهر مُحبي الحياة هو الموت).

ومع نهاية هذا التقطيع والتحليل الحرفي للفظ (الأهرامات), نجد أن الحس الهندسي للذين اختاروا الشكل الهرمي لبناء قبور الفراعنة بداخله كان صائباً, لأن كلمة (الأهرامات) في آخرها (مات), وفي أولها وأوسطها بعض الدلالات المرتبطة بالموت.

وختاماً لهذه الفقرة أقول: إن الحرص على المال والحياة هو شيء مشترك لبني البشر كما قال سيدهم -عليه الصلاة والسلام-: { يهرم ابن ادم و يشب معه اثنتان: الحرص على المال والحرص على العمر} رواه مسلم.
وإن من كان مطيلاً للأمل, ومحب للحياة والمال, وشديد الحرص عليهم مثل كفار اليهود ومعلميهم الفراعنة فلا شفاء له من هذا الداء إلا بالموت, وأما من كان من محبي الحياة والمال ليزداد علماً بالله وطاعةً له وإنفاقاً في سبيله فطوبى لهُ وحسن مآب.   

 لطيفة سينمائية: أمر أكبر أنتوني
بعد أن تعرفنا على بعض أسرار وحقائق المساجد والأهرامات الثلاثة, ننتقل إلى إماطة اللثام عن الوجه الحقيقي للأخوة الثلاثة, والأخوة الثلاثة هم أبطال الفيلم الهندي الشهير الذي سمي على أسمائهم (أمر أكبر أنتوني).
ولنبدأ ڊِ (أمر), وهو الأخ الأكبر ويلعب في الفيلم دور مفتش شرطة حاذق وقوي.
وأما (أكبر), فهو الأخ الأصغر ويلعب دور مُغني مرهف الحس.
وأخيراً النجم المحبوب أميت بتشان (أنتوني), وهو أوسط أخوته يُربيه كاهن في كنيسة مسيحية, ودوره في أحداث الفيلم متذبذب بين أبوة الكاهن وتربية الكنيسة وبين الضياع وتربية الشوارع.
تدور قصة الفيلم حول تشرد الأخوة الثلاثة وافتراقهم عن بعضهم منذ طفولتهم وحتى رجولتهم, ثم تشاء الصدفة في نهاية الفيلم أن يلتقوا ويجتمعوا مع بعضهم من جديد, وعند اجتماعهم الثلاثة تدور معركة حاسمة مع عصابة الأشرار ويكون في نزول أنتوني من الطابق الثاني الحرب والقتال,
ويستعمل الأخَوان (أمر وأنتوني) سواعدهم القوية في دحر عدوهم وإخراجه من وكره مهزوماً.
قال تعالى: {لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ 22} سورة ق. 
ولننتقل الآن من أحداث الفيلم الحقيقية وأدوار أبطاله الأساسية التي نشاهدها ونعقلها بعين البصر, إلى أحداث أخرى خيالية وأدوارٍ ثانوية نشاهدها ونعقلها بعين البصيرة أو عين (الكراعين) إن جاز القول.
فمن الإيحاءات والصور الخلفية التي تجلت لي من هذه الحكاية الهندية, أنني وجدتُ أن الأخوة الثلاثة يرمزون إلى علامات الساعة الثلاثة الكبرى الأولى على التوالي وهي: (ظهور المهدي وخروج الدجال ونزول المسيح), وبحسب اسم الفيلم فإن:
* أمَر: وعلى قول المصريين (أمر 14), وعند التحويل من اللهجة المصرية التي تُألف القاف إلى الفُصحى فإن: (أمر = قمر), ويمثل (المفتش قمر) العلامة الأولى من العلامات الكبرى وهي بدر التمام الإمام المهدي -عليه السلام- الذي يخرج بعد مرور (1400) عام على قيام دولة الإسلام, وهو -عليه السلام- مفتش أهل الإسلام ومُخرج الخبء بإذن الله.
عن كعبٍ الأحبار - رضي الله عنه-, قال: {إنما سُمي المهدي لأنه يُهدى إلى أمرٍ خفي, ويستخرج التوراة والإنجيل من أرض يُقال لها أنطاكية} (10).

- وفيما يتعلق بإخراج الخبء والسر الدفين, فإننا نشاهد في آخر الفيلم كيف يستخرج (أمَر) بعد أكثر من 20 عام مُسدس كان قد خبأه ودفنه في جدار بيتهم القديم وهو طفل صغير, وقد كان استخراجهُ لهذا المُسدس سبباً في تَعَرُف والده عليه بعد فراق طويل.
- عن عبد الله بن مسعود , رضي اللهُ عنهُ , قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : {لو لم يبقى من الدنيا إلا يوم , لطولَ اللهُ ذلك اليوم , حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي , يواطىءُ اسمهُ اسمي , واسم أبيه اسم أبي , يملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً} أخرجه الترمذي في (الجامع).
وفيما يتعلق بدور المفتش (أمَر) بالفيلم وهذا الحديث الشريف, فقد شاهدنا كيف تمكن (أمر) بحكمته وجَلَدهِ من تغيير حياة فتاة تمتهن السرقة والخِداع وتحويلها إلى امرأة صالحة في المجتمع.

* أكبر: المُغني, ومن خلال لفظ اسمه فإن (أكبر) يُمثل العلامة الكبرى الثانية وهي (الدجال الأكبر), عن عمران بن حصين قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: {ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمرٌ أكبر من الدجال} رواه مسلم.
- وفيما يتعلق بشخصية (أكبر), فإنه يلعب في الفيلم دور المُغني, وإن الغناء كما أكد على ذلك الرعيل الأول من الصحابة والعلماء هو باب الفتن وصاحب المِحن, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {في هذه الأمة خسفٌ ومسخٌ وقذف, فقال رجل يا رسول الله ومتى ذلك ؟ قال : إذا ظهرت القيان والمعازف وشُربت الخمر}. {القيان}: الإماء المغنيات وغير المغنيات.
وقد قال ابن مسعود –رضي الله عنه- في تفسيره لقوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}. بأنهُ الغناء.
وإن الدجال إنما يخرج لنشر الضلالة والجهالة بين الناس, وليصرفهم عن عبادة الله وذكره ويشغلهم عنها, وفي وقت خروجه تظهر الفواحش ويكثُر أولاد الزنا, وإن الغناء كما تبدو صورته جلية لنا اليوم في وسائل الإعلام, فيه إظهارٌ للفواحش ودعوةٌ إلى الزنا والانحلال الأخلاقي والاجتماعي.
قال الخليفة يزيد بن الوليد : (يا بني أمية إياكم والغناء ، فإنه يُنقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم المروءة ، وإنه لينوب عن الخمر ، ويفعل ما يفعل السُكر ، فإن كنتم لا بُدّ فاعلين فجنبوه النساء ؛ إن الغناء داعية الزنا). رواه البيهقي في شُعب الإيمان .

- ومن ضمن المشاهد التي تربط ذهنياً بين دور (أكبر) في الفيلم وبين (الدجال الأكبر), قيام أكبر بالغناء والتقرب في معبد فيه تمثال لرجل دين هندي مشهور متوفي, ثم قدمت امرأة ضريرة إلى المعبد, فرُدَ إليها بصرها ببركة الرجل الصالح صاحب التمثال.
وبصرف النظر عن دين هذا الرجل وصلاحه, فإن بناء التماثيل والأصنام هو من أعمال الجاهلية والوثنية, وهو مفتاح الشرك بالله وعبادة معه سواه, وهو مما نهانا عنه نبينا الكريم أشد النهي.
[روى الشيخان عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: لما اشتكى النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر بعض نسائه كنيسة يُقال لها (مارية) وكانت أم سَلَمة , وأم حبيبة أتتا أرض الحبشة , فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها –يعني تماثيل- , فرفع - صلى الله عليه وسلم- رأسه فقال :{ أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح , بنوا على قبرهِ مسجداً , ثم صوروا فيه تلك الصُور, أولئك شرار خلق الله}.

وذكر الثعلبي عن ابن عباس: في قوله تعالى: {وقالوا لا تذرُن آلهتكم, ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً 23} نوح.
أنه قال: (هذه الأصنام أسماء رجال صالحين من قوم نوح, فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم, أن أنصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً –أصناماً-, وسموهم بأسمائهم تذكروهم بها, ففعلوا, فلم تُعبد حتى إذا هلك أولئك – أي الذين بنواْ الأصنام-, ونُسخ العلم عُبدت من دون الله) القرطبي ج18 ص 308.
قال أبو بكر ابن العربي: (والذي أوجب النهي في شريعتنا – والله أعلم- ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان والأصنام, فكانوا يصورون ويعبدون, فقطع الله الذريعة, وحمى الباب).
قال ابن العربي: (وقد شاهدتُ بثغر الإسكندرية, إذا مات ميت صوروه من خشب في أحسن صورة, وأجلسوه في موضعه من بيته, وكسوه بزيهِ إن كان رجلاً, وحليتها إن كانت امرأة, وأغلقوا عليه الباب, فإذا أصاب واحد منهم كرب أو تجدد له مكروه, فتح الباب عليه وجلس عنده يبكي ويُناجيه, حتى يكسر سورة حُزنه بإهراق دموعه, ثم يُغلق الباب عليه وينصرف, وإن تمادى بهم الزمان تعبدوها من جملة الأصنام) أحكام القرآن لابن عربي الجزء الثالث] (11).

وفي بلاد الهند حَدِثْ ولا حرج, فهي بلاد شاسعة لم يُغنها دخول كثير من أبناءها وقراها في دين الإسلام, إذ بقيت الوثنية مُسيطرة هناك على فكر ومُعتقد الكثير من القبائل والمجتمعات الهندية. وإن كثيراً من أهل الهند بطبيعتهم أُناسٌ بُسطاء ينزعون إلى توقير وتقديس عظماءهم وكُبراءهم وأبطالهم, فإذا مات أحدهم بنوا له تمثالاً للذكرى, ثم مع تقادم الزمان صار هذا التمثال والرمز صنماً يُعبد وآلهة تُذكر, سبحانهُ وتعالى عما يشركون علواً كبيراً.

ويحضرني هنا طُرفة عن أحد القبائل التي تسكن في مناطق نائية, حيث هبطت اضطرارياً فوق أراضيها طائرة ركاب, فلما رأواْ تلك الطائرة الضخمة تهبط ظنوا أن الله نزل من السماء.
  
* أنتوني: ابن الكنيسة دار عبادة المسيحيين, ولابس عباءة الأب القسيس الذي رباه,  ويُمثل أنتوني العلامة الثالثة الكبرى, وهي رسول السلام المسيح عيسى ابن مريم -عليهما السلام- الذي ينزل من السماء غوثاً لأهل الإسلام.
روى الإمام أبو داود عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : { ليس بيني وبينه نبي - يعني عيسى - ، وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه ، رجل مربوع إلى الحُمرة والبياض ، بين ممصرتين ، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل ، فيقاتل الناس على الإسلام ، فيدُق الصليب، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، ويُهلك المسيح الدجال ، فيمكث في الأرض أربعين سنة ، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون} .

- وفيما يتعلق بالنزول من مكان ٍ عال, فإننا نُشاهد في آخر الفيلم كيف ينزل (أنتوني) ويقفز بطريقة فنية مُلفتة من الطابق الثاني , ويكون نزولهُ الرائع هذا إيذاناً ببدء المعركة الفاصلة مع الأعداء.
ومن المُفارقات الغريبة أن مُستقر عيسى –عليه السلام- هو في السماء الثانية ومنها ينزل إلى الأرض إيذاناً ببدء المعركة الفاصلة مع الأعداء.
عن أنس بن مالك, أن مالك بن صعصعة حدثهُ أن النبي حدثهم ليلة أُسري بهِ قال : {… ثم صعد حتى أتى بي السماء الثانية فاستفتح, فقيل من هذا, قال: جبريل, قيل ومن معك قال: محمد, قيل أو قد أرسل إليه , قال: نعم, قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء, قال: ففتح فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة, قال: هذا يحيى وعيسى فسلمَ عليهما, ..} رواه الإمام أحمد في مسنده.

وفيما يلي فقرة مُنتقاة من الحديث الطويل الذي رُوي عن أبي أُمامة الباهلي, تروي لنا جانباً من تفاصيل هذه الأحداث الفاصلة في تاريخ البشرية والأمة الإسلامية.
{… فقالت أم شريك بنت أبي العَكر : يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟
قال : هم يومئذٍ قليل , وجُلُهم ببيت المقدس , وإمامُهم رجل صالح (المهدي) , فبينما إمَامُهم قد تقدم يصلي الصبح , فيرجعُ ذلك الإمام ينكُصُ , يمشي القهقرى , ليتقدم عيسى ابن مريم ليصلي بالناس , فيضعُ عيسى يدهُ بين كتفيه , ثُم يقول : تقدم فَصَلي فإنها لك أُقيمت , فيُصَلي بهم إمامُهم.
فإذا انصرف قال عيسى : افتحوا الباب. فيُفتح ووراءهُ الدجال , معهُ سبعون ألف يهودي , كُلُهم ذو سيفٍ مُحلىً وساج (*) , فإذا نظرَ إليه الدجال ذابَ كما يذوب الملح  في الماء , وانطلق هارباً.
فيقول عيسى إن لي بك ضربة لن تسبقني بها. فيُدركهُ عند باب لُدٍ الشرقي فيقتُلُه. ويهزم اللهُ اليهود , فلا يبقى شيءٌ مما خلقهُ الله يتوارى به يهودي إلا أنطقَ اللهُ ذلك الشيء , ولا حَجَرَ , ولا شجرَ , ولا حائط – إلا الغرقدة (*) فإنها من شجرهم لا تنطق – إلا قال : يا عبد الله المسلم , هذا يهودي , فتعالَ اقتُلهُ} إلى نهاية الحديث. (12).
(*) ساج : الطيلسان الأخضر.
(*) الغرقدة : ضرب من شجر العضاه وشجر الشوك.

وهكذا فإن المهدي والمسيح عيسى –عليهما السلام- يتشاركان في قتال الدجال وأتباعه ودحرهم.
- وفيما يتعلق بأحداث الفيلم, فإننا نُلاحظ أن (أمر وأنتوني) اللذان يرمزان إلى (المهدي والمسيح) هما من يتصديان لقتال الأعداء في المعركة, بينما يكتفي الأخ الأصغر (أكبر) الذي يرمز إلى (الدجال) بالفُرجة والعزف دون أن يُشارك في القتال إلى جانب أخويه.

- ومن الإشارات الأخرى, أن الأخوة الثلاثة: (أمر, أكبر, أنتوني) يجتمعون في آخر الفيلم بعد فراق طويل, وعلى الجانب الآخر فإن العلامات الثلاثة الكبرى: (المهدي, الدجال, المسيح عيسى) يجتمعون في آخر الزمان بعد انتظار طويل.

وتعقيباً على هذه الفقرة السينمائية, فقد بدأت منذ فترة بنشر بعض مشاهد الفيديو التي أقوم بصناعتها وتوليفها بنفسي على صفحتي الخاصة في موقع (Facebook) وعنوانها: (waleed Ahmed karaeen), وأسفل مشهد الفيديو أدون تعليقي وخواطري الخاصة المستوحاة من المشهد والمرتبطة به بشكل غير مباشر.

وختاماً لمادة بحثنا الأساسية والدسمة والثرية وهي المساجد والأهرامات الثلاثة, فإنه لا يزال بالإمكان ذكر وبيان عديد المزايا والمفارقات بين المساجد والأهرامات, إلا أن المقام لا يتسع للإطالة, وذلك لكثرة أشغالي وضيق الوقت المتاح لي للكتابة والتحري, إضافة إلى وجود مواضيع أخرى متنوعة أود كتابتها, وفي القدر كفاية.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, 

فكرة وإعداد: المهندس وليد أحمد الكراعين
نشر لأول مرة في مدونة المسبار السحري بتاريخ: 2-11-2009م
        
المراجع:
- المعلومات التاريخية حول الأهرامات الثلاثة, معظمها من (موقع ويكيبديا).

الهوامش:
1- كتاب الترغيب والترهيب, للألباني.
2- روي عن الزبير بن العوام عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنهُ قال: {إن صيد وج وعضاهه حرام, محرم الله عز وجل} الألباني في التعليقات الرضية.
(وج أو وُجاء) وادٍ بأرض الطائف.
إن أغلب هذه الروايات التي جاءت بتحريم هذا الوادِ أما أنها لم تصح أو أنها ضعيفة, ولو افترضنا صحة هذه الروايات فإن تحريم هذه البقعة من أرض الطائف إنما هو لاتصال أرض الطائف بمكة وقربها منها, أو لعلةٍ أخرى ليس هذا محل بيانها.
3- للمزيد من التفاصيل راجع بحث: قضاء الله على بني إسرائيل بأقوال الأئمة والدليل بأجزاءه الثلاثة المنشورة.
4- موقع ويكيبديا, الموسوعة الميسرة فى التاريخ الإسلامى - د. راغب السرجانى.
5- أخرجهما الحافظ أبو عبد الله نعيم بن حماد، في كتاب الفتن.
6- كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر, الفصل الخامس:'' في خروج يأجوج ومأجوج وكيفية فتحهم للسد في أصناف خرجت عن الحصر وأنواع أربت على العد ''.
7- موقع ويكيبديا.
8- للتفاصيل الدقيقة حول هذه العجيبة راجع بحث "دخول القراعين أرض فلسطين بالوعد المبين".
9- للمزيد من التفاصيل حول هذه الكرامة العظيمة, راجع إدراج: كرامة سلام الإمام الرفاعي على خير الأنام.
10- أخرجهُ الإمام الحافظ في كتاب (الفتن).
11- روائع البيان تفسير آيات الأحكام, محمد علي الصابوني.
12- أخرجهُ الحافظُ أبو عبد الله ابن ماجة في (سُننه).