السبت، 16 مارس 2013

إمام الشهداء الحسين ابن فاطمة الزهراء


بسم الله الرحمَن الرحيم

قال تعالى: {الم 1}سورة البقرة.
تُقرأ هذه الآية بألفاظ حروفها متقطعة:{ألِفْ, لام, مِيم}.
ونُعَرف دلالاتها هكذا:
(ألِف): نُسَكِن آلام اللام المكسورة في (ألِف) بالسكون فتصبح (ألْف) 1000.
(لام): إذا أضفنا السين إلى (لام) فإنها تصبح (سلام).
(ميم): إن لفظ الحرف الثالث (ميمٌ) أوله وثالثه (م), وهذا يُطابق اسم (محمد) خير المرسلين الذي أولهُ وثالثهُ (م).
وعليه فإن قولهِ تعالى: {الم} في مطلع السورة بعد بسم الله الرحمن الرحيم يعني:
(ألفُ) (سلام) على خير الأنام (محمد) وعلى آله وصحابتهِ الكِرام.

وأخيراً فقد بقي عندنا من حروف (ألف, لام, ميم) حرف (الياء) الذي في وسط (ميم) الدالة على اسم سيد المرسلين, وسرُ حرف (الياء) الذي في وسط (ميم) يكمُن في الرمز العددي لهُ وهو عشرة (10) بحسب قاعدة حساب الجُمل المشهورة, ونميط اللثام عن هذا السر من قول نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): {من صلى عليَ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً} حديث صحيح. 
  
أما بعد؛ [هذا هو مسك الختام لمقالات ومواضيع مدونة (ولي الدين والمسبار السحري), وذلك قبل خروجي لأداء خامس فريضة من فرائض الإسلام] (1), ويتجدد موعدنا في هذا المقال مع أئمة آل البيت الكرام عليهم وعلى جدهم النبي الكريم أفضل الصلاة وأتم التسليم, وذلك بعد أن كنت قد تحدثتُ في مقالين سابقين عن الفرع الهاشمي وارف الظلال الإمام أحمد الرفاعي بن الحسين بن فاطمة الزهراء عليهم صلوات الله وسلامه جميعاً:
نسبٌ إذا ذُكر الرجال فأصلهُ   طه وسيدنا الرفاعي فرعهُ
شملتهُ روح المصطفى بعنايةٍ   هي فرقُ هيكلهِ المنيع وجمعه

وفي هذا المقال سأنتقل من الحديث عن فروع شجرة آل البيت الطيبة الكريمة ممثلةً بالإمام الثالث عشر أحمد الرفاعي المُتوج بالكرامة, إلى الحديث عن أصولها ممثلةً في الإمام الثالث الشهيد الحسين بن علي المُشَفعِ بالقيامة,عليه وآل بيتهِ صلوات الله وسلامه ورضوانه.

ورغم مقامه العظيم من جده الكريم عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين إلا أن كثيراً من الناس عن مآثره وفضله لغافلين, بل إن بعض الناس في زماننا هذا ربما لا يعرف حتى من هو الحسين, إذ أن معارف غالبية المسلمين تتوقف عند حد معرفة النبي الكريم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين, وذلك لارتباط عهدهم بتنَزُل القرآن والشرائع والسنن الواجب على كل مسلم معرفتها, وأما معرفة أبناء وأتباع هذه القافلة المُباركة من السابقين الأوليين وسيرتهم فإنها تكاد تقتصر على طلاب العلم والمتزودين منه, وأما عامة المسلمين فإنما هم متلقين لثقافة وعلوم مجتمعاتهم الشعبية والرسمية, ممثلةً بالمناهج الدراسية ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية, وهذه الوسائل رغم فاعليتها إلا أنها محدودة ومُسيسة ولا تتسع لاستيعاب الإرث الكبير لهذه الأمة, ولكن بعد ظهور القنوات الفضائية الخاصة وتوالي الأعمال والإنتاجات الفنية, وكذلك بزوغ نجم شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت), ازدادت رقعة معارف المسلمين بسير التابعين والأئمة المهديين, وقد نال الإمام الحسين عليه السلام سهمٌ عظيم في إظهار فضله وسيرته وجهاده عبر الكثير من هذه القنوات والمواقع الإلكترونية التي يملكها أتباع وأنصار آل بيت النبوة الكرام.

 عن أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام, قال: {إذا هُدم حائط مسجد الكوفة، مما يلي دار عبد الله بن مسعود، فعند ذلك زوال ملك القوم، وعند زواله خروج المهدي} (2).
ولقد نما ذكر الإمام الحسين عليه السلام وازداد ظهوره بعد زوال نظام الرئيس العراقي صدام حسين, إذ أن غالبية شيعة الإمام الحسين هم من بلاد الرافدين, تلك البلاد التي شهدت نهاية مسيرته البطولية وكذلك أبوه الفتى عَلي وغيرهم من الأئمة أصحاب السيرة المهدية, حيثُ برزت التظاهرات والتجمعات الشيعية في الساحة العراقية, والتي أصبحت مدعومة من أكبر المناصب السياسية, ومع مرور السنوات وتكرار مشاهد ومظاهر إحياء شيعة أهل العراق للمناسبات المرتبطة بمولد أو وفاة أحد أئمة وسادات آل البيت عليهم أفضل الصلوات, وبشكلٍ خاص الشهيد ذو الصولات والجولات الإمام الحسين بن فاطمة الزهراء, صار الناس على درايةٍ بسيرة الإمام الحسين وجهاده واستشهاده وحفظوها عن ظهر قلب, وقد عززت أعمال العنف التي كانت تصاحب إحياء الشيعة لهذه الذكريات والمناسبات من معرفة الناس ودرايتهم بها, لأن أنظار الناس وأسماعهم وللأسف أصبحت لا يشبعها ويسد ظمأها سوى مشاهدة الكوارث والمصائب وأنهار الدم, وهكذا فإن وسائل الإعلام أضحت تهتم بمتابعة هذه المناسبات وإعداد العدة لتغطيتها يوماً بعد يوم, عن حذيفة، رضي عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {تكون وقعة بالزوراء. قالوا: يا رسول الله، وما الزوراء؟ قال: مدينة بالمشرق، بين أنهار، يسكنها شرار خلق الله، وجبابرة من أمتي، تقذف بأربعة أصناف من العذاب، بالسيف، والخسف، والقذف، والمسخ } (3).  
[ الزوراء: هو اسم مدينة بغداد عاصمة العراق, والزوراء في هذا الحديث كنايةً عن مزارات الأئمة في أرض العراق عامة وأوقات زيارتها. شرار خلق الله: هم من دخلها من جيوش المرتزقة الذين جاؤوا ليملئوا بطونهم من لحوم ودماء أبناء العراق. جبابرة من أمتي: هم الظالمين لأنفسهم من هذه الأمة, المنتهكين حرمة الناس دماءهم وأموالهم. وقد أضحت أرض العراق ساحةً للمُراق وشرار الخلق من شياطين الإنس والجن الذين يعيثون فيها الفساد, وتتكرر المشاهد الدامية وصور الجثث المحترقة والأشلاء في سائر أرض العراق منذ أن دخلتها القوات الدولية, وخاصةً خلال المناسبات الشيعية وقرب مزارات الأئمة الكرام وعندها وفيها. السيف, في هذا الزمان يشبهه (الرشاش والبندقية), والخسف, يكون بالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة, والقذفُ, بالمدافع وأسلحة (آر بي جي), والمسخُ, هو الإنسان الملغوم الذي ينسل بين جموع البشر ويُفجر نفسهُ, وكل هذه الوسائل تستخدم يومياً وعلى نطاقٍ واسع في أرض العراق, عافاها الله وحمى المسلمين فيها من تبعة المُراق].  
   
وإن ظهور ذكر الإمام الحسين عليه السلام وسائر أئمة آل البيت الكرام في هذه الأيام ليس محض صدفة, ولكنهُ تمهيداً من الله الرحمَن إيذاناً بظهور أمر الإمام المهدي عليه السلام, عن أبي جعفر عليه السلام قال: {يظهر المهدي في يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي، عليهما السلام، وكأني به يوم السبت العاشر من المحرم، قائم بين الركن والمقام، وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وتصير إليه شيعته من أطراف الأرض، تطوي لهم طياً، حتى يبايعوه، فيملأ بهم الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً} (4).
إن قول أبي جعفر عليه السلام: {يظهر المهدي في يوم عاشوراء}, فيه بِشارة عظيمة لأبناء الإسلام, لأن كلمة ظهور في لغة العرب لها مَعانٍ أخرى غير معنى (التبيُن), ومن ضمنها (الغلبة والانتصار), كقولهم: ظَهرَ محمد على قريش, أي غلبها وأخضعها, وكما في قوله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهرهُ على الدين كله ولو كره المشركون 9} سورة الصف, ولقد ورث أبناء الإسلام حسرةً وحزناً في يوم عاشوراء الذي قُتل في الحسين وأصحابه الأبرار, لن يخرج من قلوبهم إلا بيومٍ كيوم موسى بن عمران عليه السلام, ولعل الحسين وأصحابه (رحمة الله وسلامه عليهم) قد آثروا إخوانهم المهدي وأصحابه بالنصرة الربانية وادخروها لهم ليحصدوها في يومٍ أصعب من يومهم, وفي قتال قومٍ أكثر شراً على الأمة من القوم الذين قاتلوهم, ولعلمهم ودرايتهم بأن من سيخلفونهم وراءهم من أبناء أمة الإسلام في آخر الزمان هم أكثر قلةً وأشد احتياجاً منهم لتدُخل يد ومشيئة الرحمَن, وذلك لعظيم الفتن وكثرتها وشدة الأهوال والبلاء, عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: {يا جابر، إلزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً، حتى ترى علامات أذكرها لك، إن أدركتها؛ أولها اختلاف بني العباس، وما أراك تدرك ذلك، ولكن حدث به بعدي، وينادي مناد من السماء، يحكم الصوت من ناحية دمشق الأيمن، ومارقة تمرق من ناحية الترك، ويعقبها هرج الروم، وتنزل الترك الجزيرة، وتنزل الروم الرملة، فتلك السنة يا جابر فيها اختلاف كثير في كل أرض.ويختلف في أرض الشام ثلاث رايات، راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني فيلقى الأبقع فيقتتلون، فيقتله السفياني ومن معه، ثم يقتل الأصهب. ثم لا يكون لهم هَم إلا الإقبال نحو العراق، وتمر جيوشه بقرقيسيا، فيقتتلون بها، فيقتل من الجبارين مائة ألف. ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة، وعدتهم سبعون ألفاً، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً.
فبينما هم كذلك إذ أقبلت رايات من خراسان، تطوي المنازل طياً حثيثاً، وهم نفر من أًصحاب المهدي، عليه السلام، فيخرج رجل من موالي أهل الكوفة، في ضعفتها فيقتله أمير جيش السفياني بين الكوفة والحيرة. ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة، فينفر المهدي منها إلى مكة فيبلغ أمير جيشه السفياني أن المهدي قد خرج إلى مكة، فيبعث جيشاً على أثره، فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفاً يترقب، على سنة موسى بن عمران، عليهما السلام. وينزل أمير جيش السفياني بالبيداء، فينادي منادٍ من السماء: يا بيداء أبيدي القوم. فيخسف بهم، فلا يفلت منهم إلا ثلاث نفر، يحول الله تعالى وجوههم إلى أقفيتهم، وهم كلب.قال: فيجمع الله تعالى للمهدي أصحابه، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، يجمعهم الله تعالى على غير ميعاد وقزع كقزع الخريف، فيبايعونه بين الركن والمقام.قال: والمهدي، يا جابر، رجل من ولد الحسين، يصلح الله له أمره في ليلة واحدة} (5).

وقد أراد الحسين عليه السلام من خروجه وأهله وأصحابه واحدة من اثنتان, إما أن يكيفه الله شر القوم وينصرهُ ويُعينهُ على تقويم الاعوجاج وإقامة خلافة عادلة على سُنة جَدِه المصطفى ومحَجَته البيضاء التي ترك الناس عليها, وإما أن يستشهد في سبيل ما خرج من أجلهِ غير متأسفٍ على دنيا يفارقها, ولو أن الحسين لم يبادر بالخروج لمَا أمن أن يبادِرَهُ جنود الخليفة وأمراءه ويحاصروه يستخرجوه وهو قاعداً بين أهله, ولو أن الحسين رضي بمبايعة يزيد على الخلافة وهو يعلم أنهُ ليس كفؤاً لولاية أمر المسلمين, لكان كمن يخون نفسه وقومه وأمته , ولحَمَل رضاه الخليفة يزيد وأمراءه على الاستبداد واستمراء الرعية بمن فيهم من بقي من الصحابة الكرام.
وما الحسين عليه السلام ممن قتلوهُ من أخوة الإسلام إلا كمثل هابيل المَرْضي طيب النفس من قاتله أخيه قابيل المُعاند خبيث النفس, وكما أن قابيل كان أول من سن سُنة القتل لجميع ولد آدم, فإن هؤلاء القتلة الخائبين كانوا أول من يستبيح دماء أحفاد النبي عليه الصلاة والسلام وخلفاءه في أمة الإسلام ويهتكوا حرمتهم في وضح النهار, وإثمُ كل من حمل سيفاً ظُلماً وعدواناً في وجه إمامٍ أو فردٍ من آل بيت النبي (عليه الصلاة والسلام) بعدهم يُكتب في صحائفهم لا يُنتقص من إثم فاعله شيء, لأن من سيجترئ على مثل هذا الفعل بعدهم سوف يستأنس بجريمتهم العظيمة ويبني جُرمهُ عليها. وإن قصة جهاد الحسين واستشهاده الأليم هي إيذاناً بأن الخبيث قد بدأ يطغى على الطيب في هذه الأمة, وأن خلافة النبي عليه الصلاة والسلام وحُرمتهُ وآل بيته قد وهنت وخَبت في نفوس أبناء الإسلام بانتهاكها من جهة, أو في عدم الحمل على من ينتهكها وإيقافه من الجهة الأخرى.

 والحسين عليه السلام كما سائر الشهداء حيٌ عند العزيز الرحمَن, ولا يزال عمله وعلمه وبره وإحسانه كالنهر الجاري لا ينقطع, ولا تزال دماءهُ الزكية تفور وروحه النقية تثور كلما تكاثر الباطل وأهلهُ في هذه الأمة, وها نحنُ في هذه السنوات الأليمة نعيش واحدة من انتفاضات الحسين عليه السلام لتطهير أمة الإسلام من الرجس والدنس الذي أصابها, وها هي العراق أرضُ الشهيد الحسين تتخضب بدماء الشُهداء, شاهدةً على حالة التخبط والفساد والضياع الذي تعيشه الأمة جمعاء, و ستبقى دماء الحسين عليه السلام وروحه يثوران, وستبقى العراق تحت وطأة الكرب والبلاء والخُذلان, وسوف تستمر هذه الأمة في شُرب كؤوس الفتنِ والذِلةِ والمهانة, إلى أن يأذن الله بخروج من تسكن ثائرة الفتن على يديه وهو الإمام المهدي, فعن أمير المؤمنين علي عليه السلام، أنهُ قال: قلت يا رسول الله، أمنا آل محمد المهدي، أو من غيرنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بل منا، يختم الله به الدين، كما فتحه بنا، وبنا ينقذون من الفتن، كما أنقذوا من الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخواناً، كما ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك، وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً، كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخواناً في دينهم} (6).
وعن أبي عبد الله الحسيين بن علي عليه السلام قال: {لا يكون الأمر الذي ينتظرون – يعني ظهور المهدي عليه السلام - حتى يتبرأ بعضكم من بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً. فقلت: ما في ذلك الزمان من خير. فقال عليه السلام الخير كله في ذلك الزمان، يخرج المهدي، فيرفع ذلك كله} (7).

وفيما يلي نبذة قصيرة مُنتقاة عن الإمام الحسين أبي عبد الله, يليها ذكر بعض اللطائف والنفحات من مسيرة الإمام الحسين وقصة استشهاده العظيم, مستشهداً على ذلك ببعض آيات الكتاب الحكيم, ومهما قلنا في حق أبي عبد الله عليه السلام فنحن مقصرين, لأنه لم يبلغ ولن يبلغ شابٌ من شباب هذه الأمة مقامهُ وخُلقهُ الكريم.  
        
سيد شهداء أئمة آل البيت الكرام الحسين عليه السلام
الحسين بن علي بن أبي طالب، كنيته أبو عبد الله، حفيد رسول الإسلام محمد بن عبد الله ومن أهل بيته، أبوه علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين بعد أبو بكر وعمر وعثمان في الإسلام ، أمه فاطمة بنت محمد بن عبد الله، أخوته كثيرون وأشهرهم الحسن بن علي بن أبي طالب، واستشهد الحسين في معركة كربلاء المفجعة، يوم العاشر من محرم سنة 61 هـجري المسمى بعاشوراء، وهو الشهر الذي فيه يحيي ملايين الشيعة ذكرى استشهاد الحسين وأصحابه.

ميلاده ونشأته
وُلد ثالث أئمة آل البيت الكرام الحسين عليه السلام في الثالث من شعبان في السنة الرابعة للهجرة في المدينة المنورة, روي أن الحسين عندما ولد سر به جده الرسول سروراً عظيماً وذهب إلى بيت فاطمة و حمل الطفل ثم قال : {ماذا سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً فسماه الرسول حسيناً، وعق عنه بكبش وأمر فاطمة أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة كما فعلت بأخيه الحسن}.
وإن كانت هذه الرواية موضع نظر لوجود ما يخالفها، فقد ورد في بعض المصادر أن علياً قال: لم أكن لأسبق رسول الإسلام في تسميته، إلا أن الثابت أن النبي هو من سماه و سمى أخوه الحسن.
أدرك الحسين ست سنوات و سبعة أشهر و سبعة أيام (76) من عصر النبوة حيث كان فيها موضع الحب والحنان من جده النبي العدنان عليه الصلاة والسلام فكان كثيراً ما يداعبه و يضمه و يقبله.

 فضله ومكانته
عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة}. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ، وقال أيضاً: {إن الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا} أخرجه البخاري، وقال: {حسين مني وأنا منه, أحب الله من أحب حسيناً، الحسن و الحسين من الأسباط} ، قال: {من أحبهما -أي الحسن والحسين - فقد أحبني}.
ومن معاني قولهُ عليه الصلاة والسلام {حسينٌ مني وأنا منه}, أي أن الحسين هو من ولد النبي محمد بن عبد الله, وسيكون من ولد الحسين الولي محمد بن عبد الله المهدي, عليهم صلوات الله وسلامهُ أجمعين.
ومن دلائل محبة النبي لحفيدهُ الحسين بن علي أنهُ كان يدخل في صلاته حتى إذا سجد جاء الحسين فركب ظهره و كان يطيل السجدة فيسأله بعض أصحابه انك يا رسول الإسلام سجدت سجدة بين ظهراني صلاتك أطلتها حتى ظننا انه قد حدث أمر أو انه يوحى إليك فيقول النبي :{كل ذلك لم يكن و لكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته}. 

 حياته وجهاده بعد وفاة النبي
كان الحسين مازال صغيراً عندما توفي رسول الإسلام ثم ماتت أمه فاطمة, وعندما بويع عثمان بن عفان بالخلافة كان الحسين قد تجاوز العشرين من عمره, و قد كان عابداً, زاهداً, عالماً, شجاعاً و حكيماً و سخياً , كان الإمام الحسين في طليعة الجيش الذي سار لفتح طبرستان بقيادة سعد بن أبي وقاص و قاتل في موقعة الجمل كما قاتل معاوية وجيشه في موقعة صفين و قاتل الخوارج و تنقل مع جيوش المسلمين لفتح أفريقيا و غزو جرجان و قسطنطينية و يؤكد بعض المؤرخين أن الإمام الحسين زار مصر في عهد عمر بن الخطاب مع جيش الفتح الإسلامي.
وقد كَرسَ الحسين حياته وجهاده في خدمة الدين الذي بدايته جده النبي ونهايته الإمام المهدي عليهم الصلاة والسلام على مر السنين والأيام, وقد قال الحسين عليه السلام، عندما سئل: {هل ولد المهدي، عليه السلام؟ قال لا، ولو أدركته لخدمته أيام حياتي} (8).
    
نحلة آل بيت النبوة
قال تعالى: {وأوحى ربُك إلى النحلِ أن اتخذي من الجبالِ بيوتاً ومن الشجرِ ومما يَعرِشون 68 ثم كُلي من كل الثمرات فاسلُكي سُبلَ ربكِ ذُللا ً. يُخرجُ من بُطونها شرابٌ مُختلفٌ ألوانُهُ فيهِ شِفاءٌ للناس. إن في ذلك لآيةً لقومٍ يتفكرون 69} سورة النحل.
إن مجموع أعداد حروف اسم (حسين) بحسب قاعدة حساب الجُمل المشهورة هو (128), [ح = 8, س = 60, ي = 10, ن = 50], والعدد (128) هو عدد آيات سورة (النحل), وتأتي سورة النحل في الترتيب رقم ستة عشر (16) بين سور القرآن الحكيم, والتكرار الثامن للعدد (16) هو (128), [16 * 8 = 128], والرقم ثمانية هو عدد حرف (الحاء), وحرف الحاء هو أول حرف من اسم (حسين).
وعند قيامنا بعكس حروف كلمة (نحل) فإنها تصبح (لحن), ونتذوق من كلمة (لحن) اللحن العذب الجميل التالي:
لحن = ل + حن = لام + حن.
1- لام = لا + ميم, وبعكس أحرف (لا) نحصل على (آل).
لام = آل + ميم, إن أول وثالث حرف من (ميم) هما أول وثالث حرف من اسم (محمد), وبالتالي فإن لام تصبح:
لام = آل + محمد = آل محمد.
2- حن: إن أول حرف من (حن) وهو حرف (الحاء) هو أول حرف من اسم (حسين), وآخر حرفٍ منها وهو حرف (النون) هو آخر حرف من (حسين), والحسين عليه السلام هو إمام آل بيت محمدٍ الكرام, وأما حرفي (السين والياء ) الغائبان من قلب اسم الحسين عليه السلام, فإن لهما قصةً قرآنية أخرى سأذكرها في الفقرة التالية.

وإذا كانت كان القرآن مُقسمٌ إلى ثلاثين جُزءً على عدد أيام الشهر, وكان اليوم مُقسمٌ إلى نهارٍ تُضيئهُ الشمس وليلٍ يُنيرهُ القمر, فإن سورتي الجزء الرابع عشر من القرآن وهما (الحجر والنحل) على التوالي يشكلون شمس وقمر هذا الجزء, وكما هو معلوم فإن القمر يكتمل ويصيرُ بدراً في اليوم الرابع عشر (ليلة الخامس عشر) من الشهر القمري, وهذا يعني أن سورة النحل هي (بدرُ) القرآن الكريم.

وإذا كانت غزوة بدرٍ الكُبرى التي قادها الجدُ محمد (عليه وآله الصلاة والسلام) هي بدرُ انتصار وإنصافُ هذه الأمة, فإن وقعة كربلاء العُظمى التي قادها الحفيد الحسين عليه السلام هي بدرُ شَهادة وظُلم هذه الأمة.
ولقد شاءت إرادة المولى عز وجل أن يُولد انتصار محمد وأصحابه في يوم بدر من رَحِمِ شهادة الذبيح الحُسين وآلهِ في يوم كربلاء, وإنهُ سبحانهُ قد سقى محمد وأصحابه في يوم بدر الماء من عَطشِ الحسين وآله في يوم كربلاء, علماً بأن معركة بدر قد وقعت قبل معركة كربلاء بنحو58 عام, وذلك مصداقاً لقول النبي عليه وآله وأصحابه الصلاة والسلام: {حُسينٌ مني وأنا من حُسين}.
{حسينٌ مني}: حسينٌ رجلٌ من ولدي اتبع هَديِ وبذل دُنياهُ ونفسهُ وأهلهُ في سبيل الحفاظ على ديني وشريعتي بيضاء نقية.
{وأنا من حُسين}: وإن الله أرسلني بالهُدى ودين الحق ونصرني على أعدائي من أجل نشوء جيلٍ مؤمنٍ من أمثال الحسين وأصحابه, يشبون على محبة الله ويحملون أعباء الدين ويُقيمون شريعة الله في الأرض.   
إن عشرات السيوف والرماح والسهام الحاقدة التي طاشت عن إصابة محمد (عليه وآله الصلاة والسلام) خلالها مسيرته المُظفرة بالنصر, قد وجدت طريقها أخيراً إلى أصابته في أجساد أحفاده وفلذات أكباده في مسيرة كربلاء المُتوجة بالشهادة.
وإذا كان الجدُ محمد (عليه وآله الصلاة والسلام) قد نجح في حَمْلِ الجدُ أبي سفيان على دخول الإسلام عسى أن يكون من الفائزين بالجنان, فإني أخشى أن يكون الحفيد الحسين قد حَمل حفيد آكلة الأكباد (يزيد) على الخروج من الإسلام وتعريض نفسهُ للعذاب والنيران, قال تعالى: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعدِ قوةٍ أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أُمةٌ هي أربى من أُمة. إنما يبلوكم الله به. وليُبيننَ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون 92} سورة النحل.
ولا بُد ليزيد أن يقع بالعذاب الشديد لنقضه غزلَ الإسلام وعهد محمد (عليه وآله الصلاة والسلام) طمعاً أن يفوزَ وأهلهُ بالمُلكِ والسُلطان, إلا أن تسَعهُ رحمة المَليك المُقتدر وعفو الحسين وآله في يوم الوعيد, وما ذلك على الكُرماء ببعيد, قال تعالى:{خذ العفوَ وأمر بالعُرفِ وأعرض عن الجاهلين 199} الأعراف.

 قلب القرآن في قلب الحسين عليه السلام:
قال تعالى: {يس 1 والقرآن الحكيم 2 إنك لمن المرسلين3 على صراطٍ مستقيم 4 تنزيل العزيز الرحيم 5} سورة يس.

عن معقل بن يسار المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {البقرة سنام القرآن وذروته ، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا ، واستُخرجت (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) من تحت العرش فوصلت بها ، أو فوصلت بسورة البقرة ، و يس قلب القرآن ؛ لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له} (9).
وعن أبي بن كعب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): {إن لكل شيء قلبا ، وإن قلب القرآن {يس} ، ومن قرأ {يس} وهو يريد بها الله عز وجل ؛ غفر الله له ، وأعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتي عشرة مرة ، وأيما مسلم قرئ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة { يس} ؛ نزل بكل حرف من سورة {يس} عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا ويستغفرون له ، ويشهدون غسله ، ويشيعون جنازته ، ويصلون عليه ، ويشهدون دفنه ...} (10).

ولقد انطوت قلب القرآن (يس) في قلب ووسط اسم الإمام الحسين عليه السلام, (حسين = ح + سي + ن). والآن نقلب الحرفين اللذان في قلب اسم الإمام (سي = يس) فنحصل على {يس} وهي قلب القرآن. قال تعالى: {إنا نحنُ نُحي الموتى ونكتبُ ما قدموا وآثارهم. وكل شيءٍ أحصيناهُ في إمامٍ مُبين 12} سورة يس.
وإن جميع حروف اسم (الحسين) هي من الحروف المتقطعة التي تبدأ بها بعض سور القرآن الكريم, ح (حم), سي (يس), ن (ن. والقلم).

اسم الله الحسيب
قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ 79} آل عمران.
يتجلى الخالق سبحانهُ وتعالى على خَلقهِ وعبادهِ بأسمائه الحُسنى وصفاتهِ العُليا, ويكون تجلي بعض الأسماء والصفات على العباد أقوى وأظهر من الأسماء الأخُرى, بحيث يختص الله بعض عبادهِ ببعض أسمائه وصفاتهِ, فعلى سبيل المثال فقد اختص الله خاتم المرسلين محمد باسمه (الحميد), واختص نبيهُ موسى بأسمائه (القوي والقهار), واختص نبيهُ عيسى بأسمائه (الخالق البارئ المُصور), واختص نبيه سليمان بأسمائه (المَلك والسلام), واختص نبيهُ أيوب باسمه (الصبور), واختص علي بن أبي طالب باسمه (علي).
ومن الأسماء التي اختص اللهُ بها الإمام الحسين صاحب الحسب والنسب الشريف اسمهُ (الحسيب), ونستطيع بحركةٍ بسيطة استنباط دلالة اسم الله (الحسيب) من اسم (الحسين), فإذا قمنا بوضع النقطة التي تعلو صحن النون في اسم (الحسين) تحته,ُ فإنه يصير (الحسيب), قال تعالى: {وكفى بالله حسيباً}, وقال: {وهو أسرع الحاسبين}.
وبحسب كتاب (في ملكوت الله مع أسماء الله) للشيخ عبد المقصود سالم, فإن معنى اسم الله (حسيب) هو: [المُحاسب عبادهُ على أعمالهم, يُحاسب الطائعين فيجزيهم على طاعتهم, والعاصين فيُجازيهم على معصيتهم. وهو جلَ شأنهُ حسيب كل إنسان وكافيه, فمن عَلم أن الله كافيه لا يستوحش من إعْراضِ الخَلقِ عنهُ, ثقةً بأن الذي قُسِمَ لهُ لا يفوتهُ, والذي لم يُقسم لهُ لا يصِلُ إليه وإن أقبلَ الناسُ عليه, ومن خاف من ظالم وتلاهُ وهو يقول: حسبي الله الحسيب (92) مرة – وهو مجموع أعداد حروف اسم محمد- كفاهُ اللهُ شرهُ].

قال تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا 39} سورة الأحزاب.
وكفى بالله حسيباً للحسين -عليه السلام- الذي خرج طالباً الحكم بشريعة الله وسُنة جده رسول الله, لا يخشى في سبيل هذه الغاية أحداً إلا الله.     
وكفى بالله حسيباً للحسين عليه السلام وأولياءه الكرام, وإن فضل جهادهم وصبرهم لتطيش به كفة الميزان, وكفى به سبحانه حسيباً على أعداء الحسين الأشقياء اللئام, وإن فُحش فِعالهم لتهوي بهم في قيعان النيران.

الله الحي والمُبدئ
علاقة عكسية نجدها بين اسمي الله (الحي والمُبدئ) وبين موت النبي محمد ونهاية حياة حفيده الحسين, فقد توفي النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عُمرٍ يُناهز (63) عاماً, والعدد (63) هو ترتيب اسم الله (حي) بين الأسماء الحُسنى التسعة والتسعون المشهورة بحسب رواية الإمام الترمذي, ومن الأقوال الخالدة في مُصيبة موت النبي (عليه الصلاة والسلام), قول أبي بكرٍ الصديق للصحابة عليهم الرضوان: (من كان يعبدُ محمداً فإن محمداً قد مات, ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت).
قال تعالى: {تُولج الليل في النهار وتُولج النهار في الليل, وتُخرجُ الحيَ من الميت وتُخرجُ الميتَ من الحي, وترزقُ من تشاءُ بغير حساب 27} سورة آل عمران.

وعلى الناحية الأُخرى فقد استُشهد الحسين عليه السلام وانتهت حياتهُ عن عُمرٍ يُناهز (56) عام, والعدد (56) هو مجموع أعداد أحرف اسم الله (مُبدئ), وبحسب كتاب (في ملكوت الله مع أسماء الله), فإن حساب اسم الله (مُبدئ) هو على النحو التالي: [م = 40, ب = 2, د = 4, ئ = 10], حيث أن الألف المكسورة المهموزة (ئ) تَعدلُ بحسابها حرف الياء (ي) وكلاهما يحمل العدد (10).
قال تعالى: {ويقولُ الإنسانُ أئِذا ما مِتُ لسوف أُخرجُ حياً 66} سورة مريم.
لا جَرَمَ أن رسول الله محمد حيٌ يُرزق عند ربه مع إخوانهِ الأنبياء والأولياء (عليهم الصلاة والسلام), ولا جَرَمَ أن الحُسين عليه السلام قد بدأ بمقتَلهِ حياةً جديدة سعيدة في رَوضات الجِنان مع إخوانهِ الأئمة والشُهداء الكِرام.

بين بحر يونس وحرب الحسين
قال تعالى : {وذا النون إذ ذهب مُغاضباً فظنَ أن لن نقدرَ عليه فنادى في الظُلمات أن لا إلهَ إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين 87} سورة الأنبياء.
خرج نبي الله يونس -صاحب الحوت- عليه السلام من عند القوم العُصاة اللئام, راجياً أن ينزل بهم عذاب الرحمَن, فأحاطت به مشيئة الله وقُدرته وجعل البحار مآلهُ وفي بطون الحيتان مُستقرهُ ومُقامهُ.
ولقد خرجَ ولي الله الحسين عليه السلام على القوم العُصاة اللئام, وحذرهم من عذابٍ من عند الرحَمن يُصيب من يُؤذي آل بيت النبي الكِرام من أبناء فاطمة وعلي (عليهم الصلاة والسلام), ويُخالفُ أمرهم ويتعامى عن نورهم, فكانت ساحة الحرب هي كلمة الفصل بينهُ وبينهم, وجعل الله الشهادةُ قدَرهُ المقدور وبطن الأرض مُستقر بدنهُ المبتور.
وإذا كان يونس عليه السلام قد خرج مُغاضباً لقومه من مدينة نينوى في أرض العراق, فإن الحسين عليه السلام قد خرج مُغاضباً لنفرٍ من أُمتهِ قاصداً مدينة الكوفة في أرض العراق, وقد ذُكِرَ أن الحسين وأصحابه قد مروا قبل وصولهم إلى كربلاء على نينوى ونزلوا عندها قليلاً .
ولقد ناجى يونس عليه السلام ربه بعد دخولهُ بطن الحوت قائلاً: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين}, راجياً أن يُخرجهُ الله مما أحاطهُ من ظُلمات البحر والحيتان.
ولعل الحُسين عليه السلام قد ناجى ربهُ بعد دخوله بطن الأرض قائلاً: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من المظلومين}, طالباً من العزيز الحكيم أن ينتصر لهُ ولآل بيت النبي (عليهم الصلاة والسلام) من ظُلم شِرار الخَلق والأنام.

قال تعالى: {فلولا أنهُ كان من المُسبحين 143 للبث في بطنهِ إلى يوم يبعثون 144} سورة الصافات.
فلولا أن يونس عليه السلام كان من عباد الله المُسبحين والذاكرين لهُ في كل حين, لجعل الله بطن الحوت سجناً لهُ حتى يموت, ولصار بطن الحوت قبراً لجسده إلى يوم البعث والنشور, فإن معاشر الأنبياء يدفنون حيث يموتون, ولا تبلى أجسادهم حتى يقُمون. 
ولولا أن الحسين عليه السلام كان من عباد الله المُجاهدين الذين هم على الحق ثابتين, لما فُتحت أبواب السماء لروحه لِتحلَ ضيفةً على العزيز المتين في أعلى عِليين, شهيداً حياً يُمَتَع ويُرزق عند ربهِ إلى يوم الدين.   

قال تعالى: {فنبذناهُ بالعراءِ وهو سقيم 145 وأنبتنا عليه شجرةً من يقطين 146 وأرسلناهُ إلى مِئة إلفٍ أو يزيدون 147 فآمنوا فمتعناهم إلى حين 149} الصافات.
لقد كان خروج يونس عليه السلام من بطن الحوت بجسده حياً سليماً بمثابةِ ولادةٍ جديدة له, ولقد فتحت هذه الولادة والحياة الجديدة الطريق أمام يونس عليه السلام لإكمال رسالته في الدعوة إلى العزيز المنان.

وأما الحسين عليه السلام فإن حياتهُ تتجدد وروحهُ تتجسد بسيرة وسريرة الأئمة الذين خَلَفوه في إكمال أعظم مسيرة, فهو عليه الرضوان الأرض الخصبة الغنية التي سقُيت بدمائه الزكية فنبتت عليها بإذن ربها شجرة الأئمة ويقطينة الأمة, التي كان فرعها وقَرْعُها الأول ثمرة فؤاده وولده زين العابدين علي, وخِتامها وفرعها الآخر هو قرة العين الإمام الحُجة المهدي, صلوات الله وسلامه وبركاتهُ ورضوانهُ عليهم أجمعين في كلِ زمانٍ ومكانٍ إلى يوم الدين.

قراءة قصة يونس في اسم الحسين (عليهما السلام)
وفي مقام ذكرنا لقصة يونس عليه السلام ومشاركة ما فيها من معاني ومُعاناة وآلام مع مسيرة الحسين عليه الرضوان, فإنني أذكر فيما يلي بعض اللطائف الحرفية من اسم (الحسين) والمتضمنة لأوجهٍ خفية من قصة يونس (عليهما السلام):
حسين = ح + سي + ن = سي + حن.
سي = س + ي, نعوض لفظي الحرفين مكانهما, سي = سين + ياء.
سين: نقسمها إلى قسمين (سي + ن), سي: هو لفظ كلمة إنجليزية معناها بحر (Sea), ن: نون, وهو من أسماء الحوت, وهكذا فإن حرف السين = (سي + ن) = (بحر + حوت), وقد ألقى يونس عليه السلام بنفسه من على السفينة إلى البحر, فأرسل الله حوتاً فابتلعه في بطنه.
ياء: حرف نداء, وبعد أن وجد يونس عليه السلام نفسهُ مسجوناً في بطن الحوت في أعماق البحار في العتمات {فنادى في الظُلمات}, نادى ربهُ داعياً ومُستغفراً ونادماً {لا إلهَ إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين}.
حن: (ح + ن) = (ح + نون) = (حنون). وقد ابتلى الله يونس عليه السلام بعد أن خرج مُغاضباً لقومه بدخول بطن الحوت والمكث فيه, وذلك ليتعلم أن يكون حنوناً على قومه الذين أرسلهُ اللهُ لدعوتهم, وأن يصبر عليهم ولا يتركهم ويخرج مُستعجلاً لهم العذاب, وبعد أن شعر يونس عليه السلام بخطئهِ وحَنَ إلى قومه, حَنَ الله عليه فأخرجهُ وأنعم عليه, عن أنس بن مالك رضي الله عنهُ قال: {إن يونس النبي عليه الصلاة والسلام حين بدا لهُ أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت, فقال: اللهم لا إلهَ إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين, فأقبلت الدعوة تحن بالعرش, قالت الملائكة: يا رب هذا صوت ضعيف معروف من بلاد بعيدة غريبة, فقال الله تعالى: أما تعرفون ذلك ؟ قالوا: يا رب ومن هو ؟ قال عز وجل: عبدي يونس, قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل مُتَقبَل ودعوة مستجابة, قالوا: يا رب أو لا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه في البلاء ؟ قال: بلى, فأمر الحوت فطرحهُ بالعراء} (11).

الديجيتال القرآني
وفيما يتعلق بتقطيع حروف الأسماء وتعويض لفظ الحرف مكانه على نحو ما فعلت مع اسم (حسين), فإننا نجد مثالاً مُشابهاً لهُ في آيات الكتاب المُبين, وتحديداً في قصة (إلياس) عليه السلام, حيثُ ذكر الله تعالى اسم رسولهُ (إلياس) في بداية القصة صحيحاً مُتصلاً: {وإن إلياس لمن المُرسلين 123} الصافات, وفي آخر القصة ذكر عز وجل اسم (إلياس) مُقطعاً مُنفصل الحروف: {سلامٌ على إلْ يا سين 130}, ونُلاحظ أن اسم (إلياس) قد تم تقطيعهُ على النحو التالي: إلياس = إلْ + يا + س.
ثُم تم تعويض لفظ حرف السين مكانهُ:
(إلْ + يا + س = إلْ + يا + سين = إلْ يا سين).

وفي نهاية هذا المقال أرجو أن أكون قد غطيتُ جانباً من شخصية وسيرة هذا الإمام الهُمام الحسين عليه وآله أفضل الصلاة والسلام, وبإذن الله سيكون لي وقفةٌ أخرى بعد عودتي من رحلة الحج مع سيرة ومسيرة هذا الإمام, وإن بدا أن هناك بعض القصور أو التقصير في مضمون هذا المقال ومعلوماته, فإن ذلك يرجع إلى الوقت المحدود الذي أُتيح لي للتحضير الجيد لهُ قبل كتابتهِ ونشره في الحال, إذ أنني وبفضل الله ورضاه سأخرج لأداء فريضة الحج إنشاء الله للمرة الأولى في حياتي بصحبة أمي وخالتي بعد نحو سبعة أيام.  

وسأتوقف بشكل مؤكد خلال فترة أداء مناسك الحج عن التدوين, على أن أُعاود نشاطي في كتابة المقالات الجديدة أو تعديل المقالات المُدرجة بعد عودتي من الحج بإذن الله, وللأمانة فإن هناك الكثير من المقالات التي كتبتها سواء الجديدة أو القديمة من الممكن تعديلها وتحسينها على نحوٍ أفضل مما هي عليه الآن, قال تعالى: {وقل رب زدني علماً}.

وأرجو من جميع من كتبتُ عنهم مقالات أو أشرت إليهم في مقالات أو تعليقات أن يكون صدرهم رحباً وأن يسامحوني أن كنت قد أخطئت في حقهم سهواً أو عمداً, رغم أنني لا أتعمد الإساءة لأي كان, وإن وُجدت مثل هذه الإساءات فإنها إما أن تكون قد وقعت جهلاً وخطأً مني عن غير انتباه, وإما أن تكون لإنكار مُنكر وتحذير المسلمين من الفتن والفسوق أعادنا الله جميعاً من شُرورها.

لطيفة الوداع: لقد شاءت الصدفة أن يكون هذا اليوم الذي سأنشر فيه مقالي عن الجذر والجد الهاشمي الإمام الحسين بن علي عليهما السلام, في نفس اليوم الذي يتذكر فيه الأردنيون مَلِكهم الحفيد الهاشمي الراحل الحسين رحمه الله تعالى وغفر له وألحقه أهل بيته الكرام عليهم السلام, حيثُ يصادف اليوم (14 تشرين الثاني) ذكرى ميلاد الملك الحسين بن طلال رحمه الله (12).
وكان الملك حسين قد توفي بعد صراعٍ طويل مع مرض السرطان في شتاء عام 1999م, قال تعالى: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين 99} سورة الحِجر.
اليقين هو الموت المُتَيقن وقوعه.

وقد كان حظ حسين آخر الزمان قسمةً قسمها الله بينه وبين حسين أول الزمان, فآتى عز وجل الحسين بن علي الإمامة والولاية وميراث النبوة, بينما آتى سبحانهُ وتعالى الحسين بن طلال الرياسة والزعامة وأورثهُ المُلك, وفي كلٍ خير, وسيؤتى محمد آخر الزمان الإمام الهاشمي المهدي عليه السلام مثل ما أوتي الحُسنين من ميراثي النبوة والمُلك, قال تعالى: {ربِ قد أتيتني من المُلك وعلمتني من تأويل الأحاديث. فاطر السماوات والأرض أنت وليِ في الدنيا والآخرة, توفني مُسلماً وألحقني بالصالحين 101} يوسف.

وإذا كان الحسنُ والحسين أبناء علي هُما بمنزلة ولَديْ النبي محمد (عليه وآله الصلاة والسلام), فإن الحسن والحسين أبناء طلال هما بمثابة أبوا الولي محمد المهدي, وعسى أن يُسعفَ الزمن الأمير الحسن لإدراك أمارة الساعة الأولى وهي ظهور الإمام المهدي ابن الرسُولَ, وليصح كلام من يقولَ: الأردن أولاً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على خير المرسلين محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.    

المراجع:
كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر, للإمام الشافعي السُلمي المقدسي من أئمة القرن السابع.

الهوامش:
1- هذه الفقرة مرتبطة زمانياً بهذا المقال بحسب تاريخ نشره السابق على مدونتي القديمة (ولي الدين والمسبار السحري).
2- من كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر, الباب الرابع, الفصل الأول, فيما يظهر من الفتن الدالة على ولايته.
3- عقد الدرر, الباب الرابع, الفصل الثاني, وفيه الخسف بالبيداء وحديث السفياني.
4- عقد الدرر, الباب الرابع, الفصل الأول, فيما يظهر من الفتن الدالة على ولايته.
5- عقد الدرر, الفصل الثاني, وفيه الخسف بالبيداء وحديث السفياني.
6- أخرجه جماعة من الحفاظ في كتبهم؛ منهم أبو نعيم الأصبهاني، وأبو القاسم الطبراني.
7- عقد الدرر, الباب الرابع, الفصل الأول, فيما يظهر من الفتن الدالة على ولايته.
8- عقد الدرر.
9- ضعيف الترغيب للألباني.
10- السلسلة الضعيفة للألباني.
11- مختصر تفسير ابن كثير
12- هذه الخاتمة مرتبطة زمانياً بهذا المقال بحسب تاريخ نشره السابق على مدونتي القديمة (ولي الدين والمسبار السحري).


*نُشر لأول مرة على مدونة المسبار السحري بتاريخ 14-11-2009م
فكرة وإعداد: المهندس وليد أحمد الكراعين.

 اقرأ الجزء الثاني من البحث على الرابط التالي:



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق