الأحد، 30 أغسطس 2009

عجائب السلام على عيسى عليه السلام

بسم الله الرحمَن الرحيم
الحمد لله رب العالمين . والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين , وعلى آله وصحبه الغر الميامين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد ؛ سبحان الذي أودع عباده نوره المبين ومد إليهم حبله المتين , وفتح عليهم أبواب علمه ومعرفته بوحي قُرآنه الحكيم , الكتاب الذي سطرَ العلماء في إعجازه مجلدات , وعكفوا على تعلمه وفهمه عقود وسنوات , ورغم كل ما جادت به عقول العلماء على مر الأزمان من إبراز محاسن هذا الكتاب الكريم واستنباط حقائقه العلمية واللغوية والرقمية , إلا أننا وصلنا إلى حقيقةٍ واحدة هي أن معجزات هذا القرآن العظيم أكثر من أن تُحصيها عقول البشر ولو اجتمعوا له .
وقد تمكنتُ بعون الله سبحانه وتعالى من كشف جانباً من نواميس القرآن ونَظمهِ الذي لا يُرام , وذلك بمعرفة أسرار السلام الذي جاء على لسان عيسى عليه السلام على نفسه في آيات القرآن , من خلال التداخل والتوافق بين الأقوال والأرقام.

رسول السلام المسيح عيسى عليه السلام
قال تعالى: {واللهُ يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاءُ إلى صراطٍ مستقيم 25} سورة يونس. مع وصولي إلى الإدراج الخامس والعشرين , يطيب لي الكلام عن النبي الذي يحتفي النصارى بذكرى مولده في الخامس والعشرين من كانون الأول , اليوم الذي يبدأ بعدهُ النهارُ بالزيادة والليل بالنقصان , إشارةً إلى طغيان نورهِ عليه السلام على ظلام الكفر والطغيان , بشارةً ببزوغ شمس المصطفى عليه الصلاة والسلام بالنور والعدل والإيمان الذي لا يُضام.

[عَنْ قَتَادَة أَنَّ الْحَسَن قَالَ : إِنَّ يَحْيَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام اِلْتَقَيَا , فَقَالَ لَهُ عِيسَى : اِسْتَغْفِرْ لِي أَنْتَ خَيْر مِنِّي , فَقَالَ لَهُ الْآخَر : أَنْتَ خَيْر مِنِّي , فَقَالَ لَهُ عِيسَى : أَنْتَ خَيْر مِنِّي سَلَّمْتُ عَلَى نَفْسِي وَسَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْك فَعُرِفَ وَاَللَّه فَضْلهمَا] تفسير ابن كثير.
سلمَ اللهُ الواحد الأحد على يحيى عليه الصلاة والسلام في الآية 15 من سورة مريم , والتي تم بيانُ معانيها في بحث خاتم اليهودية يحيى بن زكريا عليهما السلام. قال تعالى : {وَسَلَام عَلَيْهِ يَوْم وُلِدَ وَيَوْم يَمُوت وَيَوْم يُبْعَث حَيًّا 15}. وسلمَ عيسى ابن مريم عليهما السلام على نفسهِ في الآية 33 من نفس السورة. قال تعالى :{وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا 33}.
وبالإضافة إلى اشتراكاهما في بيان معجزة ولادتهُما وفَضْلهمَا وتبليغ السلام عليهما في سورة مريم , فإن الآيتان اللتان جاء فيهما السلام متساويتان في مجموع أرقامهن , الآية 15 (5 + 1 = 6) , الآية 33 (3 + 3 = 6) , والقاسم المشترك بين عددي الآيتين (15 و 33) هو (1, 3) , الواحد هو السلام , والثلاثة هي عدد المواطن التي تَبَلغَ فيها السلام (يوم الولادة , يوم الموت , يوم البعث).

* وقد سَلمَ رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام عليهما في حادثة الإسراء . عن أنس بن مالك أن مالك بن صعصعة حدثهُ أن النبي حدثهم ليلة أُسري بهِ قال : {… ثم صعد حتى أتى بي السماء الثانية فاستفتح, فقيل من هذا, قال: جبريل, قيل ومن معك قال: محمد, قيل أو قد أرسل إليه , قال: نعم, قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء, قال: ففتح فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة, قال: هذا يحيى وعيسى فسلمَ عليهما, قال: فسلمتُ فردا السلام ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ..} رواه أحمد في مسنده.
وقد تجلى الإعجاز العددي في الآية 33 بصُور ومواقف أُخرى عديدة , أُجملُها بما يلي :
* سَلمَ عيسى عليه السلام على نفسهِ ثلاث تسليمات في ثلاثة مواطن , وقد تكرر العدد ثلاثة في رقم الآية 33 مرتين , فالثلاثة الأولى من رقم الآية ترجِع إلى عدد التسليمات , والثلاثة الثانية ترجع إلى عدد المواطن التي سلمَ فيها عيسى عليه السلام على نفسه.

* التَسْليمة الأولى من عيسى عليه السلام على نفسهِ كانت في يوم ولادته , وقد وُلدَ عيسى عليه السلام من جنس الإناث دون الذكور بمعجزة من الله جلت قدرتُه , وقد تضمن رقم الآية هذا المعنى بصورةٍ خفية نستشفُها من خلال جمع عددي الآية 33 (3 + 3 = 6) , حيثُ يُمثل الرقم ستة الناتج من عملية الجمع عدد حروف كلمة (الإناث
عن أبي هريرة رضي الله عنه , أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : {كل وليد الشيطان نائل منهُ تلك الطعنة ولها يستهل المولودُ صارخا إلا ما كان من مريم وابنها ، فإن أمها حين وضعتها قالت ‏:‏ ‏{‏إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏ 36}‏ فضُرب دونها حجاب فطُعن فيه‏} رواه ابن جرير. (الآية 36 من سورة آل عمران).

وقد أنطق اللهُ عيسى عليه الصلاة والسلام وهو لا يزالُ طفلاً وليداً في مهدهِ , لإثبات براءة أمهُ مريم عليها السلام من تُهمةٍ حَاشَ لله أن تقعَ فيها خادمة بيته المُقدَس , وقد كان في كلام عيسى عليه السلام في مهده السلامة لهُ ولأمهِ من سوء ظن القوم.

قال تعالى : {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قالوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً 29 قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً 30} سورة مريم.


* التسْليمة الثانية من عيسى عليه السلام على نفسهِ كانت في يومِ موته , وقد كتب اللهُ عز وجل على عبده عيسى ابن مريم عليهما السلام ميِتتان :

الميِتة الأولى مؤقتة استوفى اللهُ لهُ فيها رزقَهُ وأجلَهُ في الحياة الدنيا حتى حين , وهي أشبه ما تكون بنومِ أصحاب الكهف الفتية العلماء النُبلاء , الذين فروا بدينهم خشية الفتنة والعقاب الذي كان يتوعدهم به الملك الجبار الذي كان يُنَصب نفسهُ في مقام الإلَه , فلجَأُوا إلى غار في جبل و ناموا فيه ليرتاحوا من التعب والخوف الشديد , فأمسك اللهُ أنفسهم ثلاثة قرون وأكثر , ثم بعثهم أحياء في فترة حكم ملكٍ عادلٍ مؤمن , ثم توفاهم اللهُ وأتمَ آيتهُ فيهم بعد أن اطمأنوا بنصر الله لدينهِ وحزبهِ ودفاعهُ عن عبادهِ المؤمنين , ودفِنوا في كهفهم الذي ناموا فيهِ في شرق مدينة عمَان إحدى معاقل الإمبراطورية القديمة للرومان , بحسب دراسات وأبحاث تاريخية ودينية , حيثُ عُثر على أربعة قبور مزينة بالأكاليل والزهور المنقوشة على الحجارة والصخور في جوف غارٍ أقرب ما يكون إلى وصف الكهف المذكور , وقد هُيأ هذا المقام ببناء مسجد حديث ومرافق ثقافية لاستقبال المصلين والزُوار الوافدين من جميع الأقطار. للمزيد من المعلومات يرجى مراجعة بحث:(دراسة ميدانية وشمسية لكهف الفتية بالأردن) للدكتور المهندس يحيى وزيري, والمنشور على عدة مواقع إلكترونية.

والمفارقة العجيبة بين أصحاب الكهف وعيسى عليهم السلام جميعاً , هي أن اللهَ سوف يُحيي أصحاب الكهف ويبعث عيسى عليهم السلام جميعاً , في فترة حكم الملك الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر. ذكرَ الإمام أبو إسحاق الثعلبي , في تفسير القرآن العزيز , في قصة أصحاب الكهف , قال : (وأخذوا مضاجعهم , فصاروا إلى رقدَتِهم , إلى آخر الزمان , عند خروج المهدي عليه السلام , يُقال : إن المهدي يُسلم عليهم , فيُحييهم اللهُ عزَ وجل , ثمَ يرجعون إلى رقدَتِهم , فلا يقومون إلى يوم القيامة). قال تعالى في الآية الثانية عشر من سورة يس : {إنا نحنُ نُحي الموتى ونكتبُ ما قدموا وآثارهم. وكلَ شيءٍ أحصيناهُ في إمامٍ مبين 12}. وقد وردت نصوص وآثار كثيرة تدل على لقاء عيسى بإمام المسلمين المهدي عليهما السلام , عن أبي سعيد الخُدري , رضي اللهُ عنهُ , قال : قال رسول الله (صلى اللهُ عليه وسلم) : {مِناَ الذي يُصلي عيسى ابن مريم خَلفَهُ}. أخرجهُ الحافظ أبو نعيم ، في مناقب المهدي.
 
 قال تعالى : {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)} سورة آل عمران.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعته - يعني ابن زيد - يقول في قوله: " ويكلم الناس في المهد وكهلاقال: قد كلمهم عيسى في المهد، وسيكلمهم إذا قتل الدجال، وهو يومئذ كهل. (تفسير الطبري-7078).

وكما هو مبين في الصورة من (معجم المعاني الجامع) أن الكهل الذي عمره مابين ال 34 إلى 60، وكما هو مشهور فإن عمر عيسى عليه السلام حين توفاه الله كان 33 عام، وبالتالي فإنه سوف يبلغ الكهولة بعد رجوعه إلى الدنيا وحياته  فيها في وقت الإمام المهدي (عليهما السلام) والفترة التي تليه، وهذا مصداق قوله تعالى وما ذهب إليه المفسرون من أن كلامه في الناس (كهلاً) هو في حياته الثانية في آخر الزمان.

** وقد ضرب اللهُ في قصة أصحاب الكهف وقصة ذلك الرجل من بني إسرائيل الذي آماتهُ اللهُ مئة عام ثم بعثهُ , مثلاً لليهود والنصارى لشكهم في مسألة وفاة عيسى عليه السلام ورفعه وعودته , آيةً منهُ سبحانهُ وتعالى ودلالة على أنا عيسى عليه السلام لم يمت ميتة الرقود الأخير , وأنهُ جلَ في عُلاه قادراً على إحيائهِ وبعثهِ على غفلةٍ من الناس شاهداً على إيمانهم أو كفرهم , أسوةً بالفتية أصحاب الكهف الذين اتبعوا دين المسيح عليه السلام وتركوا أوثان قومهم الرومان , وذلك الرجل الصالح من بني إسرائيل - قال الإمام علي رضي اللهُ عنهُ هو عُزير عليه السلام - الذي آماتهُ اللهُ بعد خراب بيت المقدس الذي كان عقاباً لبني إسرائيل على جرائمهم مع الأنبياء عليهم السلام أجمعين, وعلى فسقهم عن أوامر الله وشريعة التوراة وتحريفها , وقد أحيا اللهُ عزير عليه السلام بعد أن تكاملت عمارتها وتراجع بنو إسرائيل إليها.
جاء في تفسير ابن كثير , قالَ الْحَسَن : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْيَهُودِ :{ إِنَّ عِيسَى لَمْ يَمُتْ وَإِنَّهُ رَاجِع إِلَيْكُمْ قَبْل يَوْم الْقِيَامَة }.

 
وقد مات عيسى عليه السلام (توفاهُ اللهُ ورفعهُ من الدنيا إلى مَلكُوت سَمَاواته) عن عمرٍ يُناهز الثلاثة والثلاثين عاماً وهو نفس رقم الآية الكريمة (33). وقد جعل اللهُ وفاة عيسى عليه السلام ورفعهُ سلاماً لهُ ونجاةً من القتل والصلب.
قال تعالى : {إنَمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ 33} سورة المائدة.
لقد جاءت هذه الآية الكريمة من سورة المائدة فيما جاءت به من أسباب ومعاني, للرد بالمثل على الظالمين والمتآمرين على الاعتداء على السيد المسيح عليه السلام. وفيما يلي توضيح لبعض الإشارات الخفية الدالة على هذا المعنى :
- لقد سميت هذه السورة بالمائدة نسبةً إلى المائدة التي أنزلها اللهُ على عيسى عليه السلام وأصحابه الحواريين , وقد ذُكرت هذه القصة في آخر السورة بالإضافة إلى الكثير من الآيات والقصص المرتبطة بشخصية عيسى وأمهُ مريم عليهما السلام , والمُخَصَصة لمُعالجة سُنن وعقائد أهل الكتاب من اليهود والنصارى , لذا فهي سورة عيسى وأهل الكتاب.
- لقد ذكرت الآية الكريمة الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً (وهم المشركين وكفار أهل الكتاب والملحدين) , وقد سعى قومٌ من فسقة اليهود عند بعض الملوك الكفرة في ذلك الزمان من أجل قتل عيسى عليه السلام والقضاء على دعوته . قال تعالى : {فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف. بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً 155 وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا 156 وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِهَ لهم … 157} سورة النساء.
- ثم حصرت الآية عقوبةَ هؤلاء المعاندين لأوامر الله من كفار اليهود والمشركين بالقتل أو الصلب أو قطع أطرافهم أو نفيهم من بلدانهم , جزاءً يتوافق مع ما فعلوه بذلك الشاب الذي أُلقي عليه شبه عيسى عليه السلام قبل توفيه ورفعه إلى السماء , حيثُ قتلوا ذلك الشاب وصلبوهُ ومَثَلوا في جسده (ظناً منهم أنهُ المسيح ابن مريم) , بينما رُفِعَ عيسى عليه السلام من روزنةٍ في بيتهِ إلى مقامهِ في السموات - نفياً إجبارياً من الأرض- لحمايته من كيد القتلة والحاقدين من البشر.

قال تعالى : {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ 54 إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ 55} سورة آل عمران.
وقد تحققت آيةُ اللهُ في أولئك القتلةِ الخائنين فسلطَ على بني إسرائيل من شرار عبادهِ, فقتلوا جنودهم وسَبوا نسائهم وخربوا بيوتهم وأخرجوهم من بيت المقدس, ثُم سلطَ اللهُ جنودَ دولة الإسلام بعد هجرة النبي العدنان (عليه الصلاة والسلام) على كفار اليهود والمُشركين جميعاً , فقاتلوهم وأخرجوهم من المدينة والشام وطاردوهم في جميع البلدان.
- وأخيراً , إن رقم الآية (33) وهو نفس عُمر عيسى عليه السلام حين هموا بقتله ورفعه الله إليه.


الميِتة الثانية دائمة إلى يوم القيامة ويقضيها اللهُ سبحانهُ وتعالى على عبدهُ وابن أمتهِ عيسى ابن مريم عليهما السلام بعد بعثهِ ونزولهِ إلى الأرض على أمة المسلمين حاكماً بالقرآن والنور المبين. قال تعالى : {وَقَوْلهمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم رَسُول اللَّه وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ.وإنَ الذينَ اختلفوا فيهِ لفي شكِ منه.ما لهم بهِ من علمٍ إلا اتباع الظنَ. وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا 157 بَلْ رَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا حَكِيمًا 158 وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته وَيَوْم الْقِيَامَة يَكُون عَلَيْهِمْ شَهِيدًا 159} سورة آل عمران.
عن عبد الله بن سلام , رضي اللهُ عنه , قال : (يدفن عيسى بن مريم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ، فيكون قبره رابعاً) أخرجه البخاري في تاريخه ولم يصححه.

* التسليمة الثالثة من عيسى عليه السلام على نفسهِ كانت في يوم بعثه حياً , ولعيسى عليه السلام يومان يبعث فيهما حياً , اليوم الأول هو عند نزوله من السماء إلى الأرض في آخر الزمان في عهد الإمام المهدي عليه السلام , كما ثبت في الأحاديث الصحيحة والمتواترة عن الأئمة رحمهم الله , وينزل عيسى عليه السلام وهو ابن 33 عام كما رُفع قبل نحو 20 قرناً من الزمان , والرقم 33 هو رقم الآية التي فيها السلام. روى الإمام أبو داود عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : { ليس بيني وبينه نبي - يعني عيسى - ، وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه ، رجل مربوع إلى الحُمرة والبياض ، بين ممصرتين ، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل ، فيقاتل الناس على الإسلام ، فيدق الصليب (يكسره) ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، ويُهلك المسيح الدجال ، فيمكث في الأرض أربعين سنة ، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون} .
ويكون مكثُ عيسى عليه السلام في الأرض سبباً في السلام والبركة العَميمة , وذلك بعد هلاك الدجال وقوم يأجوج ومأجوج بقدرة الله الواحد الأحد الصمد. جاء في صحيح مسلم في آخر حديث نزول المسيح عيسى ابن مريم الطويل , عن النواس بن سمعان , رضي اللهُ عنهُ , قال : {ذكر رسول الله (صلى اللهُ عليه وسلم) الدجال ذات غداة , .. , ثُمَ يُقالُ للأرض : أنبتي ثمرتكِ , ورُدي بركتكِ , فيومئذٍ تأكلُ العِصابة من الرُمانة , ويستظلونَ بقحفِها , ويُباركُ الله في الرَسْلِ حتى إنَ اللقحة من الإبل لتكفي الفَئام من الناس , ..}.
قال تعالى : {وآيةٌ لهمُ الأرضُ الميتةُ أحييْناها وأخرجنا منها حباً فمنهُ يأكلون 33} سورة يَس.
اليوم الثاني الذي يبعثُ فيه عيسى حياً هو يوم القيامة , وكما هو معلوم فإن القيامة تقوم في يوم جمعة , ويوم الجمعة هو اليوم السادس في الترتيب الرقمي لأيام الأسبوع , فهو يأتي بعد يوم الخميس (5) مباشرة , وبالتالي فإن الرقم ستة الذي هو رقم يوم البعث والنشور يساوي مجموع رقمي الآية (33) التي سلمَ عيسى عليه السلام على نفسه فيها في يوم بعثه
( 3 + 3 = 6).
وقد صدق عيسى عليه الصلاة والسلام إذ سلمَ على نفسه يوم بعثهِ ونشُوره , لأنهم معشر الأنبياء جاءوا بالخير والفضل لإصلاح البشر , وهم أولى الناس بثواب ما جاءوا به .
قال تعالى : {من جاء بالحسنةِ فلهُ خيرٌ منها وهم من فزعٍ يومئذٍ آمنون 89} سورة النمل.

لطيفة: جمعة المسلمين وسبت اليهود
قال تعالى:{وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه. فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير 7 ولو شاء اللهُ لجعلهم أمةً واحدة ولكن يُدخلُ من يشاءُ في رحمته. والظالمون ما لهم من الله من ولي ٍ ولا نصير 8 أم اتخذوا من دونه أولياء, فالله هو الولي وهو يحي الموتى وهو على كل شيءٍ قدير 9} سورة الشورى.
يوم الجمع: يوم القيامة لاجتماع الخلائق فيه, ويوم الجمعة: يوم عيد المسلمين واجتماعهم فيه للصلاة, وقد خص الله أحد أيام الجُمع الأرضية ليكون ميقاتاً لبدء مراسم يوم الجمعة السماوية في ساعةً لا يعلمها إلا هو سبحانهُ وتعالى, ومن اللطائف القرآنية أن رقم الآية التي ذكر الله فيها يوم الجمع الذي تكون ساعته وموعده في يوم الجمعة هو 7, ويوم الجمعة فعلياً هو آخر أيام الأسبوع عند المسلمين وسابعها.
* قال تعالى : {إنما جُعِلَ السبتُ على الذينَ اختلفوا فيه. وإنَ ربكَ ليحْكمُ بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيهِ يختلفون 124} سورة النحل. السبت هو يوم عيد اليهود وعبادتهم , والسبت مأخوذ من كلمة السُبات وتعني الراحة والبيات.ومن التوافق العجيب في هذه الآية الكريمة التي ورد فيها سبت اليهود , هو أن مجموع أرقام عدد الآية 124 يساوي سبعة (1 + 2 + 4 = 7), والرقم سبعة هو رقم يوم السبت بحسب ترتيب أيام الأسبوع اليهودي.
ولكن إذا كان السبت حقاً هو يوم السُبات (نهاية الأسبوع) كما عملت به اليهود , فإن الجمعة هو يوم القيامة (نهاية الوجود الدنيوي) كما عمل بذلك المسلمون , والقيامة هي عيد المؤمن وراحة نفسه , وحُزن الكافر وعذابُ روحه , عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {أضلَ الله عن الجمعة من كان قبلنا , كان لليهود يوم السبت والأحد للنصارى , فهم لنا تبَع إلى يوم القيامة , نحنُ الآخِرون من أهل الدنيا , والأولون المقضي لهم قبل الخلائق} صححه الألباني.

* وآخر القولُ في آية سلام عيسى على نفسهِ :
هو أن الكلام الذي أجراهُ اللهُ على لسانِ عيسى وهو لا يزالُ صبياً في المهدِ في هذا السرد القرآني العظيم , قد انتهى عند هذه الآية نفسها رقم 33 التي سلمَ فيها على نفسهِ مولوداً مُباركاً , ثمَ سلمَ عليها ميتاً مودعاً للحياة الدُنيا , ثُمَ مبعوثاً بين يدي ربهِ يوم تقومُ الساعة , وهذا من الإعجاز والتوافق القرآني الرقمي البياني وذلك لأن عُمر عيسى عليهِ السلام قد انتهى وتوقف في سيرته الدنيوية الأولى تلك التي نطق فيها في المهدِ عند السنة 33 من عمرهِ المُبارك.
قال تعالى في سورة مريم : {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا 29 قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا 30 وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا 31 وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا 32 وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا 33* ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ 34 مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ 35 وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ 36 فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ 37} صدق اللهُ العظيم.
إن المشهد العظيم هو يوم القيامة, وقبلهُ مشهد عظيم وهو يوم ينزل عيسى عليه السلام إلى الارض من جديد آيةً كبرى من آيات الله في الكون, ويومها عذابٌ شديد ينزل معهُ على الكُفار والدجالين والمُفترين كذباً عليه وعلى أمهِ مريم وعلى أولياء الله والمؤمنين عليهم السلام جميعاً إلى يوم الدين.


لطائف قرآنية مُنوعة للعدد 33 : 
 ذُكرت مريم أم المسيح عليهما السلام في القرآن الكريم 33 مرة بلفظ مريم , سواءً كانت معنية بالخطاب القرآني أو مُلحقةً باسم ابنها المسيح عيسى عليه السلام.
* ذُكرَ عيسى عليه السلام في القرآن الكريم 25 مرة بلفظ عيسى , من ضمنها ثلاث مرات مقترناً بلفظ المسيح . كما ذُكر عليه السلام 8 مرات بلفظ المسيح بصورة مستقلة , والمجموع لكلا اللفظين اللذان ذُكر فيهما عليهِ السلام في القرآن باسمهِ عيسى وصفتهِ المسيح هو 33 مرة. والرقم 33 هو عُمر عيسى عليه السلام قبل توفيهِ ورفعهِ إلى السماء.

نسخة عن الموضوع المنشور في مدونة (ولي الدين والمسبار السحري) في تاريخ 11-8-2009

نشر لأول مرة في مدونة المسبار السحري تاريخ 24/12/2007
فكرة وإعداد: وليد أحمد الكراعين

الإعجاز القرآني في بدر والسبع المثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هدانا لدينه القويم , وشرح صدورنا بنور قُرْآنِهِ العظيم , وأتم علينا نعمة الإسلام على مر الأيام والسنين, وصلى الله على من أرسلهُ رحمةً للعالمين محمد عليه وآلهِ أفضل التسليم, أما بعد؛
قال تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ 87} سورة الحِجر.


لَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي السَّبْع الْمَثَانِي مَا هِيَ فَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَغَيْره مْن الصحابة والتابعين : [هي السَّبْع الطِّوَال يَعْنُونَ الْبَقَرَة وَآل عِمْرَان وَالنِّسَاء وَالْمَائِدَة وَالْأَنْعَام وَالْأَعْرَاف وَيُونُس , قال سَعِيد بن جبير بَيَّنَ فِيهِنَّ الْفَرَائِض وَالْحُدُود وَالْقَصَص وَالْأَحْكَام , وَقَالَ اِبْن عَبَّاس بَيَّنَ الْأَمْثَال وَالْخَبَر وَالْعِبَر, وَقَالَ خُصَيْف عَنْ زِيَاد بْن أَبِي مَرْيَم فِي قَوْله تَعَالَى : " سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي" , قَالَ أَعْطَيْتُك سَبْعَة أَجْزَاء مُرْ وَانْهَ وَبَشِّرْ وَأَنْذِرْ وَاضْرِبْ الْأَمْثَال وَاعْدُدْ النِّعَم وَأُنَبِّئك بِنَبَإِ الْقُرْآن . والْقَوْل الثَّانِي : أَنَّهَا الْفَاتِحَة وَهِيَ سَبْع آيَات . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيّ وَعُمَر وغيرهم , وقَالَ اِبْن عَبَّاس : "وَالْبَسْمَلَة هِيَ الْآيَة السَّابِعَة وَقَدْ خَصَّكُمْ اللَّه بِهَا" , قَالَ البخاري رحمه الله : حَدَّثَنَا الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أُمّ الْقُرْآن هِيَ السَّبْع الْمَثَانِي وَالْقُرْآن الْعَظِيم" , فَهَذَا نَصّ فِي أَنَّ الْفَاتِحَة السَّبْع الْمَثَانِي وَالْقُرْآن الْعَظِيم , وَلَكِنْ لَا يُنَافِي وَصْف غَيْرهَا مِنْ السَّبْع الطِّوَال بِذَلِكَ , لِمَا فِيهَا مِنْ هَذِهِ الصِّفَة , كَمَا لَا يُنَافِي وَصْف الْقُرْآن بِكَمَالِهِ بِذَلِكَ أَيْضًا , كَمَا قَالَ تَعَالَى :" اللَّه نَزَّلَ أَحْسَن الْحَدِيث كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِي " , فَهُوَ مَثَانِي مِنْ وَجْه وَمُتَشَابِه مِنْ وَجْه وَهُوَ الْقُرْآن الْعَظِيم أَيْضًا , كَمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْمَسْجِد الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى , فَأَشَارَ إِلَى مَسْجِده وَالْآيَة نَزَلَتْ فِي مَسْجِد قُبَاء فَلَا تَنَافِي , فَإِنَّ ذِكْر الشَّيْء لَا يَنْفِي ذِكْر مَا عَدَاهُ إِذَا اِشْتَرَكَا فِي تِلْكَ الصِّفَة وَاَللَّه أَعْلَم] . مختصر تفسير ابن كثير.


لطائف وأسرار من آية السبع المثاني
كما جاء في التفسير أعلاه فإن ذكر الشيء لا ينفي ذكر ما عداه إذا اشتراكا في صِفةٍ ما, وهذا يعني أن كون (السبع المثاني) هي السبع سور الطوال من القرآن أو سورة الفاتحة لا ينفي وجود معاني ودلالات أخرى لها, خاصةً إذا كانت هذه الدلالات لها مكانتها في الشريعة والدين ولها ما يؤيدها من الحجج والبراهين, ولا بُد للمتأملين والمتدبرين في كتاب الله وآياته على مر الأيام والسنين من استباط ما خفي من معانيه واستخراج الأسرار التي أودعها الله فيه, وهي كثيرة بعدد حروف كلماته وأرقام آياته وجميع تجلياته, وقد وفقت إلى معرفة ما أظن أنهُ غيضاً من فيض أسرار (السبع المثاني) التي أُعطيها نبي هذه الأمة عليه الصلاة والسلام, سائلاً المولى جل في عُلاه , أن يجعل في هذا البحث فتحاً ونصراً لقُرْآنِهِ العظيم , وأن ينفع بهِ أمة المسلمين, وأن ترجح به موازين أعمالي في يوم الدين.


اللطيفة الأولى : وهي عبارة عن تطابق عجيب وتام بين عددالآية سبعة وثمانين (87) , مع قوله تعالى : (سبعاً من المثاني) , وللتوضيح : نقوم بتبديل مواضع حرفي الميم والثاء في كلمة المثاني , فتصير الثماني , ثم نحذف النون من آخر حرف الجر من , ونضيفهُ إلى الثماني , فتصبح الجملة : (سبعاً م الثمانين) , ثم نقلب حرف الميم ( م ) بشكل أُفقي إلى اليسار , فتصير واو ( و ) , وتصبح الجملة : (سبعاً و الثمانين) , وأخيراً نحذف ال التعريف من كلمة الثمانين لكونها مضافة إليها ولا تغير معناها , لنحصل على المطلوب : (سبعاً وثمانين) , وهذه النتيجة التحليلية الرياضية لقوله تعالى : (سبعاً من المثاني) تطابق عدد الآية التي جاء فيها هذا القول وهو 87 . 
اللطيفة الثانية :قال تعالى : {سبعاً من المثاني} , إن عدد حروف كلمة (المثاني) ذاتها المشار إليها بنص الآية بأنها سبعاً هو سبعة حروف , وهذه لطيفة رقمية أخرى من ضمن اللطائف الرقمية العديدة التي تحفل بها هذه الآية الكريمة من آيات هذا الكتاب المرقوم.
اللطيفة الثالثة :قال تعالى : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ 23} الزمر .
إن كلمة المثاني مأخوذة من التثنية , والتثنية هي إحدى خصائص آيات القرآن الكريم , وهي ذكر الشيء وضده في آية واحدة , كَقَوْلِهِ تَعَالَى " إِنَّ الْأَبْرَار لَفِي نَعِيم وَإِنَّ الْفُجَّار لَفِي جَحِيم " , أو المثاني المتشابهة وهي تزويج وتكرار الكلمة أو المعنى الواحد لمرتين وهكذا , وهذا الأمر يتحقق في كلمة المثاني نفسها , إذ تكرر ذكرها في كتاب الله مرتين في الآيتين السابقتين , الآية 87 من سورة الحِجر , والآية 23 من سورة الزمر .


اللطيفة الرابعة : غزوة بدر الكبرى
هذه المعركة الخالدة التي وضعت المسلمين على طريق العودة إلى مكة المكرمة , حيث خرجوا مكرهين مجردين من أموالهم ومتاعهم , ولا يزال المسلمون إلى هذا الزمان يتذاكرون هذه المعركة المصيرية ويحمدون ربهم على نصره وتأييده العظيم لدينه وجنده , ويعتبر انتصار المسلمين يوم بدر , من أعظم المنح والعطايا التي منَ اللهُ بها على نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه الكرام , قال تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ 87} .

* حدثت هذه الغزوة المباركة , في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة النبوية , أي بعد مرور 14 سنة على البعثة النبوية, وكما هو معلوم فإن القمر يكتمل - أي يصبحُ بدرا -ً في اليوم الرابع عشر من الشهر القمري , فإذا قمنا بتثنية (تكرار) الرقم سبعة مرتين (سبعاً من المثاني) , 7 + 7 فإننا نحصل على العدد 14 , الذي يتطابق مع عدد العام الذي وقعت به غزوة بدر بدايةً من البعث الشريف .
بدر

* شهد بدراً من المسلمين كما جاء في أغلب كتب السيرة 313 رجلا ً , 82 رجل من المهاجرين و231 رجل من الأنصار , وقائدهم رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم .
قال تعالى : {ولقد آتيناك} يعني رسوله محمد عليه الصلاة والسلام , {سبعاً} وهم أصحابه البدْرِيين , حيث أن الرقم سبعة هو مجموع عدد من شهد بدراً من الصحابة رضي الله عنهم 313 رجلا ً , 3+1+3 = 7 , {من المثاني} أي من الفريقين المهاجرين والأنصار , {والقرآن العظيم 87 } وهو كلام الله وحبله المتين, نزل به جبريل الأمين على قلب خير المرسلين, رحمةً للمؤمنين وعذاباً وحُجةً على الكافرين.

* استشهد من المسلمين يوم بدر حسب ما جاء في سيرة ابن هشام وغيره من الكتب 14 رجلاً , 6 من المهاجرين و 8 من الأنصار , وهذا العدد من الشهداء يتوافق مع اسم المعركة التي قتلوا فيها وهي معركة بدر, وكما أسلفنا فإن البدر يكتمل في اليوم الرابع عشر من الشهر القمري , وكذلك فإن العدد 14 يأتي ضمن قوله تعالى (سبعاً من المثاني) , إذ أن تثنية الرقم 7 تساوي الرقم 14.

* قال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة عن أبي عمرو : (أن قتلى بدر من المشركين كانوا سبعين رجلا ، والأسرى كذلك سبعين رجلا ً) , وهو قول ابن عباس ، وسعيد بن المسيب .
ومجموع قتلى وأسرى المشركين مجتمعين يساوي 140 (مائة وأربعين), وهذا العدد يساوي عشرة أضعاف العدد (14), وهو عدد غزوة بدر بمعنى اسمها وبتاريخ وقوعها كما أسلفت أعلاه, ومن فضل الله الذي أحصى كل شيءٍ وعدهُ عداً أن جعل عدد الشهداء من المسلمين في غزوة بدر على عدد البدر (14) دون زيادة, وجعل عدد المقتلوين والمأسورين من الكفار والمشركين (140) وهو عشرة أضعاف عدد البدر وعدد ما أُصيب من المسلمين.
فائدة: كما أسلفت فإن عدد قتلى المشركين في غزوة بدر كان (سبعين) وكذلك كان عدد أسراهم, والعدد (سبعين) هو تثنية (تكرار) الرقم سبعة عشر مرات , وإذا أضفنا السبعة إلى جانب العشرة فإننا نحصل على العدد (سبعة عشر), والعدد
(17) هو تاريخ وقوع الغزوة المباركة الذي كان في السابع عشر من شهر رمضان.

عن محمد بن الحنفية رضي الله عنه , قال : {
كنا عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه , فسأله رجلٌ عن المهدي , فقال : هيهات .
ثم عقد بيده سبعاً , فقال : ذاك يخرج في آخر الزمان , إذا قال الرجل الله الله . قُتل – هلك وخاب لعظم ما يحيطه من الباطل والفساد - , فيجمع الله تعالى له قوماً قزعٌ كقزع السحاب – قطع السحاب المتفرقة – يؤلف الله بين قلوبهم , فلا يستوحشون إلى أحد , ولا يفرحون
بأحدٍ دخل فيهم , على عدة أصحاب بدر , لم يسبقهم الأولون , ولا يدركهم الآخرون , على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر
. قال أبو الطفيل : قال ابن الحنفية : أتُريدُه ؟ قلتُ : نعم .قال : فإنه يخرج من بين هاتين الخشبتين .قلتُ : لا جرمَ . والله لا أُرِيهُما حتى أموت .فمات بها , يعني مكة ,/ حرسها اللهُ تعالى
} أخرجه الحافظ أبو عبد الله الحاكم , في كتاب الملاحم والفتن في مستدركه 4/554 , وقال هذا حديثٌ صحيح على شرط البخاري ومسلم , ولم يخرجاهُ .

إذاً فإن محمد عليه الصلاة والسلام , والسبع المثاني ال 313 رجلا ً من المهاجرين والأنصار , المؤيدين بالملائكة ووحي القرآن , عائدون بإذن الله تعالى في بدر آخر الزمان , ممثلون في أشباههم محمد المهدي عليه السلام وصحبه الكرام , فانتظروا يا أبناء الإسلام لأن الوقت قد حان , وصار بيننا وبين بدر أول الزمان أكثر من 1400 عام , وهي (14) قرناً اكتمل بها بدر أمة الإسلام , وهذه التثنية والتكرار المحمدي البدري, خاصية فريدة حبى الله بها هذه الأمة المحمدية البدْرِيَة , قال تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ 87} .

*نشر لأول مرة في مدونة (ولي الدين والمسبار السحري), بتاريخ 29-9- 2007
فكرة وإعداد : م. وليد القراعين