الأربعاء، 3 أبريل 2013

أبناء الرياح


 بسم الله الرحمَن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على النبي العدنان محمد وعلى آله وصحبه الكرام.

أما بعد؛ كنت قد ذكرت وفصلتُ في مقال (آدم الوليد والميلاد المجيد), إشارات قرآنية لفظية ومعنوية مرتبطة بإنشائي وخلقي و والدتي, وذلك من ضمن بعض الآيات المرتبطة بخلق الإنسان, وبشكل خاص أول البشر آدم (عليه السلام), ومن ثُم آيات نسل وولادات الأنعام.

وفي هذا المقال سوف أنتقل للحديث عن ذرية السحاب والنبات, مُبيناً كيفية نشوئها وخروجها من خلال آيات القرآن, مُستعرضاً عدة وجوه تفسيرية وعلمية وعملية للآيات, ومن ثُم سأقوم ببيان إشارات ودلالات ذكرُ حَمْلي في بطن ِ أمي من خلال آيات حمْل السُحب والنباتات, لأبرهن بهذا المثال أن (وليد قراعين) مَثَله كمَثَل سائر المواليد التي أنشاها الله سبحانه وتعالى, من الناس والأنعام والسحاب والنبات.
قال تعالى:{إنما مَثلُ الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناهُ من السماء فاختلط به نباتُ الأرض مما يأكل الناسُ والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زُخرفها وازَيَنَتْ وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرُنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تَغنَ بالأمس. كذلك نُفَصِل الآيات لقومٍ يتفكرون 24} سورة يونس. 

كما سيتضمن هذا المقال فقرة خاصة عن السُفن الجواري في البحار, مستعرضاً فيها نماذج من الالتقاء والانسجام بين آيات القرآن وحوادث الزمان.  

الذاريات
قال تعالى: {والذاريات ذرواً 1 فالحاملات وقراً 2 فالجاريات يُسراً 3 فالمُقسماتِ أمراً 4} سورة الذاريات.
قولهُ تعالى {والذارياتِ ذرواً}, قال علي رضي الله عنه: الريح, {فالحاملات وقراً} قال: السحاب, {فالجاريات يُسراً} قال السُفن, {فالمُقسمات أمراً} قال: الملائكة.
وهكذا روي عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنه فسرها عن رسول الله (صلى الله عله وسلم), وهذا ما ذهب إليه جمهور المفسرين.
وقد جاء ذكرُ (الرياح والسحب والسُفن) في آياتٍ أخرى من سور القرآن على نحو ما هي مذكورة في هذه السورة, كقوله تعالى في الرياح الذاريات: {فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروهُ الرياح} [45,الكهف]. وقوله تعالى في السحب تحمل الأمطار بعد اجتماعها وتكاثفها واختلاط باردها مع ساخنها وموجبها مع سالبها : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ 43} النور.
وقد جعل الله الرياح المُرسلات الذاريات هي الوسيلة والأداة في عملية تكوين السُحب وتحريكها وجمعها ومُزاوجتها, ومن ثُمَ إنتاج حبات المطر والغيث وإنزالها حيثُ يشاء اللهُ أن تُصيب, قال تعالى: { الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعلهُ كَسفاً فترى الودق يخرجُ من خلاله, فإذا أصاب بهِ من يشاءُ من عباده إذا هم يستبشرون 48} الروم.


وقد جعلَ الله سبحانهُ الرياح المُبشرات بالأمطار سبباً أيضاً في مُساعدة السُفن الجاريات على الحركة في عرض البحار, قال تعالى: {ومن آياتهِ أن يُرسلَ الرياح مُبشراتٍ وليُذيقكم من رحمتهِ ولتجري الفُلكَ بأمره ولتبتغوا من فضلهِ ولعلكم تشكرون 46} الروم. الفُلك هي السُفن, والسُفن أيضاً هي (الجاريات والجوار ِ) لحركتها السريعة في البحر وسيرها واندفاعها في مجرى المياه, قال تعالى: {ولهُ الجوار ِ المُنشئاتُ في البحرِ كالأعلام 24} الرحمَن.

وإضافةً إلى توظيف الخالق سبحانه للرياح في تلقيح السُحب لينزل منها الماء, فإن الرياح كذلك تعمل على تلقيح النباتات عن طريق نقل جينات اللقاح من العناصر الذكرية للزهرة إلى العناصر الأنثوية لإخصابها, فتتفتح أوراقها وتخرج ثمرتها, قال تعالى:{وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماءِ ماءً فأسقيناكموهُ وما أنتم لهُ بخازنين 22 وإنا لنحنُ نُحي ونُميت ونحنُ الوارثون 23} سورة الحجر.
وقد أُثبتت حقيقة تلقيح الرياح للنبات بالتجارب العلمية الحديثة وحتى في عصر نزول القرآن كما هو ظاهر من أقوال المُفسرين الأوائل.  

وإن في وصفهِ عز وجل للرياح ڊ (الذاريات) تحقيقاً وتقريباً لوظيفتها في التلقيح والإنتاج المائي والنباتي, وذلك أن (الذاريات) ومعناها: المُفرقات, تشترك في جذرٍ لغوي واحد مع كلمة (الذُريات) ومعناها: النسل والولد, ومفردها الذُرية من الجذر (ذرأ) ومعناهُ: خَلَقَ وصَنعَ, وكذلك الجذر (ذرر) جمعُ (ذرة) وهي أصغرُ النمل, وإن الرياح كما ذكرت تلعب دوراً أساسياً في تخليق السُحب وإخراج ذريتها وهي الماء والأمطار, وكذلك في حمل ذرات اللقاح اللازمة لإخصاب زهور الأشجار والنبات وإخراج ذريتها وهي الثمار.

الحاملات
وننتقل الآن إلى الآية التالية في السورة وهي قولهُ تعالى: {والحاملاتِ وِقْراً 2}, ومعناها: الحامِلاتِ حمْلاً, والتي تؤكد لنا معنى التكاثر والذرية الذي استخلصناهُ من معنى ولفظ (الذاريات), حيثُ وصف سبحانهُ وتعالى (السُحب) التي حملت ماء المطر, وكذا (النباتات) التي حمَلت الثمر عن طريق لقاح الرياح لها ڊ (الحوامل), وفي ذلك تشبيهاً لها بالنساء التي تحمل في أرحامها ماءها الممتزج مع ماء ولقاح الرجال, وهي النطفة التي يتشكل منها الجنين.

وإن في كتاب الله العظيم آياتٌ عديدة تجمع بين حمل المرأة للنطفة والجنين في قرارها المكين (الرحم), وبين نزول قطرات الماء من السحاب المركوم, وخروج الثمار من أوعية الأشجار, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ (وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) 5} سورة الحج.
وقال تعالى: {إن الله عندهُ علمُ الساعة (ويُنزل الغيث ويعلم ما في الأرحام), وما تدري نفسٌ ماذا تكسبُ غداً, وما تدري نفسٌ بأيِ أرضٍ تموت. إن الله عليمٌ خبير 34} سورة لقمان.
وقال جل في علاه: {إليه يُردُ علم الساعة. (وما تخرجُ من ثمراتٍ من أكمامها وما تحملُ من أُنثى ولا تضعُ إلا بعلمهِ). ويوم يُناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد 47} سورة فُصلت.

وفي آياتٍ أُخرى شبه الله خلق الإنسان بإنبات النبات, حيث كان أصل خلق الإنسان من طين الأرض, ثم تناسلت البشرية وتكاثرت بالماء -المني- على هذا الأصل, فكأنما هم شجرة أنبتها الله من طين الأرض, ثم سقيت بالماء فنمت أغصانها وتفرعت وأورقت وأثمرت, قال تعالى: {واللهُ أنبتكم من الأرض ِ نباتاً 17} سورة نوح. 

وفيما يلي بعض نقاط التقاطع والالتقاء بين الحوامل الثلاثة, وهي السُحب والنبات والنساء:

- كما أن السُحب الحوامل ينزلُ منها أمطاراً إعصاراً تُغرق الأرض والناس وثلوجاً تُعيق حركتهم, فإنها كذلك تُنزل أمطاراً غيثاً تُغيث الأرض والناس من الجفاف والعطش. قال تعالى: {ثم يأتي بعد ذلك عامٌ فيه يُغاثُ الناسُ وفيهِ يعصِرون 49} يوسف.
وعلى الناحية الأخرى, فإن النساء الحوامل يخرج من بطونهن أطفالاً يصيروا أشخاصاً أشراراً يفسدون في الأرض ويؤذون الناس, كما أنهُ يخرج من بطونهن أطفالاً يصيروا أشخاصاً أخياراً يصلحوا في الأرض ويساعدوا الناس, وقد أُثرَ عن نبينا المصطفى (عليه وآله الصلاة والسلام) أنه شبه صالح ذرية الأرحام بصالح ذرية السحاب, بقوله: {مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالْغَيْثِ أَيْنَمَا وَقَعَ نَفَعَ}.
ومن اللطائف اللغوية أن كلمة (طِفْل) بكسر الطاء تعني (المولود والولد), وكلمة (طَفَل) بفتح الطاء والفاء تعني (مَطَر).
وكما أن نوعٌ من المطر يشبه المفسدين من البشر وهو الإعصار المُدمر, ونوعٌ يشبه المصلحين وهو الغيث النافع,  فإن من النباتِ أيضاً ما يُشبه المؤمن ومنهُ ما يُشبه المنافق, لما رواهُ أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي (عليه وآله الصلاة والسلام) أنهُ قال: {مثل المؤمن كمثل الزرع. لا تزال الريح تميله. ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء. ومثل المنافق كمثل شجرة الأرْز لا تهتز حتى تستحصد} رواهُ الإمام مسلم في (صحيحه).

- وفي كثيرٍ من الأحيان فإنهُ قبل نزول المطر من السحاب وخلاله, نسمعُ أصوات الرعد تدوي في السماء, وعلى الجهة المقابلة فإننا قبل خروج الطفل من بطن أمه وخلاله, نسمع أصوات صياح الأمهات وأطفالهن النازلين من بطونهن.

- وكما أن من السُحب التي نراها في السماء ما يحمل الماء ويُنزل المطر, وما لا يحملهُ ولا يُنزلهُ, وكذا من الأشجار ما يحمل الثمار وما لا يحملهُ, فإن من النساء من تحمل الأطفال وتلدهن, ومنهنَ من لا تحمل ولا تلد كالعاقر والعقيم, وقد شبه الله سبحانهُ وتعالى ريح العذاب التي لا تُلقح سحاباً ولا شجراً ڊ (العقيم), {وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم 41} الذاريات.

وإذا كانت {الذاريات ذرواً} هي الرياح تذرو اللقاح على السحب والأشجار لتحمل الأمطار والثمار, فإن (الذاريات ذروا) هي كذلك فروج الرجال تذرو قطرات المني المتدفقة من الأصلاب إلى داخل فروج النساء, وذلك لتلقيح بويضاتهن وليحملن في أرحامهن الأجنة والأطفال, قال تعالى: {أيحسبُ الإنسانُ أن يُتركَ سُداً 36 ألم يكن نطفةً من مني ٍ يُمنى 37} سورة القيامة.
وفي كلتا الحالتين فإن الذاريات (الرياح) والذاريات (الفروج) تساهمان وتتسببان في إنتاج ذرية السحابِ والزرع وذرية البشر.

وإذا كانت {الحاملاتِ وقراً} هي السُحب تحمل الأمطار, والنباتات تحمل الأوراق والثمار بلقاح الرياح لها, فإن (الحاملات وقراً) هي كذلك أرحام النساء تحمل - بلقاح الرجال- الجنين في قرارها المكين, بأطواره المُتعددة بداية بالنطفة ثم العلقة ثم المضغة, قال تعالى: {ألم نخلقكم من ماءٍ مهين 20 فجعلناهُ في قرار ٍ مكين 21 إلى قَدَر ٍ معلوم 22} المرسلات.
وفي معجم مُختار الصحاح للإمام الرازي جاء في معاني الجذر ( و ق ر): [أوقرت النخلة كثُرَ حمْلَها يُقال نخلة (مُوقِرة) و (مُوقِر) وحُكي (مُوقَر) أيضاً وفتح القاف على غير القياس لأن الفعل ليسَ للنخلة. وإنما حُذفت الهاء من (مُوقِر) بالكسر على قياس امرأة حامل لأن حَمْل الشجر مُشبهٌ بحَمْل النساء].

الجاريات
رغم أن {الجارياتِ} وهي السُفن, قد جاء ذكرها امتداداً لتعداد وظائف الرياح (الذاريات) في لقاح السحاب (الحاملات) وتحريك السُفن (الجاريات) وتسيرها في البحار, إلا أن آية {الجارياتِ يُسراً} تتضمن إشارة غير مُباشرة مرتبطة بالنكاح وإخراج الذرية, حيثُ أن جُملة (الجاريات يُسراً) تُعطينا دلالة على نكاح ٍ يسرهُ الله على الذين لا يجدون سعة ً وقدرةً على نكاح السيدات الحرائر من المؤمنات, وهو نِكاح الإماء المؤمنات المملوكات للمؤمنين, وهُن من يُعرَفنَ أيضاً ڊِ (الجواري), قال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 25} سورة النساء.

وكما جعل الله سبحانهُ المملوكات من (الجواري) يُسراً على المُعسرين من رجال المؤمنين, فقد يَسَرَ الله أيضاً على (الجواري) المملوكات أنفسهن في الحدود والعقوبات, فجعل عقوبة الزانية منهُنَ كنصف عقوبة المرأة الحُرة.

الحاملات وقراً
قال تعالى: {الله يعلم ما تحمل كل أنثى و ما تغيض الأرحام و ما تزداد. وكل شيء عنده بمقدار 8} سورة الرعد.
والآن بعد ذكر وبيان بعض اللطائف التفسيرية العامة لمعنى الذاريات والحاملات, أنتقل إلى بيان إشارةٍ شخصيةٍ خاصة على غرار الإشارات التي استنبطها في مقال (آدم الوليد والميلاد المجيد), وتحديداً من قولهِ تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصالٍ من حمإٍ مسنون}, وقولهِ تعالى: {ولا وصيلة ولا حام}, وكما مر معنا في شرحي لهذه الآيات التي تتحدث عن الخلْق ِ والولادات, فإن اسم أبي (أحمد) واسم أمي (وصال) قد انطويا في ألفاظ الآيات بصورةٍ ظاهرة مُباشرة, بينما جاء ذكر الابن الوليد في هذه الآيات – وهو أنا- بصورةٍ رمزيةٍ مُستترةٍ بحسب ما شرحت في المقال.
قال تعالى: {والذاريات ذرواً 1 فالحاملات وقراً 2}.
وفي هاتين الآيتين من سورة الذاريات, جاءت دلالة اسمي (وليد) مقرونة بدلالة اسم عائلتي (قراعين) ظاهرةً في لفظ كلمة (وقراً), والتي هي كناية عن (المحمول) كما هو ظاهر من لفظ الآية ومعناها.
بينما استترت دلالة الأب (أحمد) في كلمة (الذاريات) العائدة على الرجال, وذك لكونهم من يذرون المني في أرحام النساء.
وكذلك فإن دلالة الأم (وصال) قد استترت في كلمة (الحاملات) العائدة على النساء, لكونهن في طبيعة الحال من يحملن الأجنة في بطونهن.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم-: {وجُعلت قُرة عيني في الصلاة}.

وفيما يلي بيان كيفية انطواء دلالة اسمي (وليد قراعين) في لفظ وحروف كلمة (وقرا):
أولاً: إن عدد حروف كلمة (وقرا) هو أربعة (4) على عدد حروف اِسمي (وليد).
ثانياً: إن حرف الواو (و), وهو الحرف الأول من كلمة (وقرا), هو كذلك الحرف الأول من اِسمي (وليد) ويدل عليه.
ثالثاً: إن الحروف الثلاثة الأخيرة المتبقية من كلمة (وقرا) وهي (قرا), تُمثل أول ثلاثة حروف على الترتيب من اسم عائلتي (قراعين) وتدل عليه.

ومن خلال هذه النقاط الثلاثة نستنتج أن كلمة (وقرا) هي بمثابة الاختصار لاسم (وليد قراعين).

ورغم أن {الحاملات وقراً} تشْملُ جميع الأمهات ومحْمولِيهمْ من مختلف المخلوقات كالسُحب والنبات والحيوان والإنسان, إلا أن إخراجي لدلالة اسمي واسم عائلتي (وليد قراعين) خاصةً من لفظ هذه الآية, هو برأي ِ استنباطاً منطقياً ونموذجياً يُلبي الغرض وفي مكانهِ الصحيح, وذلك استناداً إلى أن اسمي (وليد) هو بكل تأكيد صفة تُطلق على كل المواليد الذين تحمل بهم أمهاتهم وتلدهم.
وبالنسبة لاسم عائلتي (قراعين), فإن كل الأطفال والمواليد بالأحوال الطبيعية هم (قرة عين) والديهم وأهلهم, وكما يقول المثل الشعبي: (القرد بعين أمه غزال).
قال تعالى: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قُرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً 74} سورة الفرقان.
وكما ذكرتُ سابقاً في مقال (الوليد بن عمران موسى عليه السلام ج1), فإن لفظ (وليد) جاء في كلام فرعون للدلالة على وليد بني إسرائيل موسى -عليه السلام- في كتاب الله الفرقان, قال تعالى: {قال ألم نُرَبِك فينا وليداً ولبِثتَ فينا من عُمُرك سنين 18} سورة الشُعراء.
وأما لفظ (قرة عين), فهو وصف آسيا امرأة فرعون لموسى -عليه السلام- في القرآن, قال تعالى: {وقالت امرأتُ فرعون قُرَةُ عين ٍ لي ولك , لا تقتلوهُ عسى أن ينفعنا أو نتخذهُ ولداً وهم لا يشعرون 9} سورة القصص.
و(قرة عين) كما ذكرت في عدة مقالات سابقة هو أصل تسمية عائلتي (القراعين), وهو اسم الجد الأكبر لهذه العائلة.
ومع ختام هذه الفقرة, نسأل الله المَنان أن يجعلنا من الذرية الصالحة التي دعا لها خليل الرحمَن إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) في القرآن: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي. ربنا وتقبل دعاء 40} سورة إبراهيم.

الجارية أر إم إس تيتانيك
قال تعالى: {فالجاريات يُسراً 3 فالمُقسماتِ أمراً 4 إنما توعدون لصادق 5 وإن الدين لواقع 6} سورة الذاريات.
[يُقال أنهُ قبل 14 سنة من حادثة غرق سفينة (تيتانيك) وتحديداً في سنة 1898م, كتب مورغان روبرتسون رواية أطلق عليها اسم (العبث). كانت هذه الرواية الخيالية تدور حول اصطدام أضخم سفينةِ بُنيت على الإطلاق بجبل جليدي وغرقها في المحيط الأطلسي في ليلة باردة من ليالي أبريل. كان اسم السفينة في الرواية (تايتان) وأعتبرها في بداية الرواية غير قابلة للغرق] المصدر ويكيبديا.
في الواقع أنا لا علم لي بمدى صحة وثبات هذه الخبر, ولكن في حال كان صادقاً فإن هذا يعني أن كاتب الرواية قد سبق بقصته الخيالية الأحداث الحقيقية ولامسها من عدة جوانب, بداية باسم الرواية وهو (العبث), حيث أنه يتبين لنا من خلال قراءتنا لأحداث غرق سفينة (تيتانيك), أن طاقم وركاب السفينة كانوا أشبه بالعابثين الذي يسيرون في عرض المحيط غير مكترثين بكل ما يمكن أن يواجهوه من مخاطر, حتى أنهم أثناء الاصطدام  وقبل وقتٍ قصير من غرق السفينة كان بعض الركاب لا يزالون منهمكين في اللعب والشراب.

والتشابه الثاني بين الرواية والواقع نجدهُ في اسم السفينة, وهو (تايتان) في الرواية, و(تيتانيك) في الحقيقة.

وأخيراً فإن حديث الراوي عن سفينةِ هي الأضخم على الإطلاق تصطدم بجبل جليدي وتغرق في المحيط الأطلسي في ليلة باردة من ليالي أبريل, هو الواقع ذاتهُ بحسب القصة المشهورة عن غرق السفينة.
 قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ, حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ المَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ 22} سورة يونس.

وإذا كان هذا الراوي المُلهَم الشفاف قد كتب سيناريو غرق سفينة (تيتانيك) قبل أربعة عشر عام من حدوث الكارثة, فإننا نجدُ في القرآن الذي نزل قبل (أربعة عشر قرناً) من الزمان آياتٌ تُضيء على ليل حادثة (تيتانيك) وتُخَبِر عنه.

ولنبدأ من بداية رحلة سفينة (تيتانيك) والتي كانت في العاشر (10) من شهر إبريل, واستمرت حتى يوم غرقها في الرابع عشر (14) من نفس الشهر, وقد كان ركاب السفينة وطاقمها تملأ نفوسهم العزة والكبرياء إعجاباً بسفينتهم القوية الشامخة, وكانوا يعتقدون أن سفينتهم (المارد) غير قابلة للغرق بسبب ضخامتها وتصميمها المُتقن, وخلال الليالي الأربعة الأولى على إبحارها كان جميع الركاب فرحين مُستمتعين برحلتهم, كما كانت ثقة البَحَارة بسفينتهم العملاقة تزداد بعد أن أثبتت نجاحها الفائق في خوض البحار, وقد مهدت هذه الأجواء إلى حدوث ما هو غير متوقع على الإطلاق, حيث تلقى طاقم السفينة إشعارات ورسائل عديدة من بعض السفن المارة بالمحيط ومن وحدات الحرس البحري تشير إلى اقتراب السفينة من الدخول في منطقة مياه جليدية, ولكن أحداً من طاقم السفينة لم يُبدِ اهتمامهُ بهذه الإنذارات بسبب افتتانهم الشديد بسفينتهم (غير قابلة للغرق) بحسب اعتقادهم, وحتى بعد حدوث الاصطدام بالجبل الجليدي كان لا يزال جميع طاقم وركاب السفينة يلهون ويمرحون غير مدركون أن سفينتهم الجبل قد أُصيبتَ في مَقْتل, وأنهم أصبحوا على مشارف الغرق والهلاك في المياه المُتجمدة.

ونجدُ مُلخص سريع ومُفيد لأحداث رحلة سفينة (التيتانيك) من العاشر وحتى الرابع عشر من شهر إبريل, في الآيات من العاشر وحتى الرابع عشر من سورة الذاريات, قال تعالى: {قُتلَ الخَرَاصُون 10 الذين هُم في غمرةٍ ساهون 11 يسألون أيان يوم الدين 12 يوم هم على النار يُفتنون 13 ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون 14}.
وفيما يلي شرح لمعاني هذه الآيات من كتاب (مختصر تفسير ابن كثير), مُعقباً في  أسفل كل آية على ما يُشابه حال الموصوفين بها بأحوال ركاب سفينة (التيتانيك):

* {قُتل الخَرَاصُون 10}: الخراصون, هم الذين لا يوقنون ولا يؤمنون بالبعث, وقال ابن عباس: هم المرتابون, وقال قتادة: أهل الغرة والظنون.
- هذا هو المعنى العام للخراصون, وبالنسبة لطاقم وركاب سفينة (التيتانيك) فإنهم كانوا لا يؤمنون بإمكانية غرق سفينتهم وهلاكهم ويظنون أنه أمراً مُستبعداً غروراً بها, لذلك فإنهم قُتلوا ومات كثيرٌ منهم.

*{الذين هم في غمرةٍ ساهون 11}: قال ابن عباس: في الكفر والشك غافلون لاهون.
- وقد كان طاقم وركاب (التيتانيك) نائمون يلعبون ويمرحون, في غمرةٍ غافلون عن الإنذارات والمخاطر التي تتهددهم, حتى غمرتهم المياه وسفينتهم.

* { يسألون أيان يوم الدين 12}: وإنما يقولون هذا تكذيباً وعِناداً, وشكاً واستبعاداً.
- وبالنسبة لركاب سفينة (التيتانيك) فإنهم كانوا يكذبون ويُعاندون ويستبعدون فكرة الغرق والهلاك من تفكيرهم استبعاداً.

* { يوم هم على النار يُفتنون 13}: يُعذَبون بالحرق, وقال مجاهد: كما يُفتن الذهب على النار. ومعنى يُفتن الذهب على النار, أي يُدخَل النار ويُحْرَق ليُعرَف مدى جودته.
- إن كُلاً من الحر والبرد الشديدين هما من وسائل التعذيب للإنسان في الدنيا والآخرة كما هو ثابت, عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: {اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فأْذن لها بنفسين ، نفس في الشتاء ونفس في الصيف, فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير} رواه البخاري ومسلم في الصحيح. الزمهرير: البرد الشديد.

 وإن ركاب (التيتانيك) كُتب عليهم مواجهة عذاب البرد والزمهرير امتحاناً وابتلاءً لهم, وليعرفوا أن لا طاقة لهم على تحمل هذا البرد والعناء بعد الذي كانوا فيه داخل السفينة من الدفء والهناء. بينما قُدِرَ لسفينتهم العملاقة اقتحام كُتل الجليد والارتطام بها ليُعرف مدى جودتها وقدرتها على تخطي جبال الصِعاب.
وعلى ذكر الذهب وفتنته, فإن بعض ركاب السفينة الأثرياء عبر عن إحساسه بتصادم السفينة مع أكوام الجليد بقولهِ: (أنه كان يبدو كما لو كانت السفينة مرت على أرض من المرمر) ! وهو تشبيه ملائم تماما لتلك الطبقة الأرستقراطية. [ويكيبديا].

* { ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون 14}: ذوقوا عذابكم وحريقكم, يُقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً, وتحقيراً وتصغيراً.
- وإن ركاب (التيتانيك) في الواقع كما ذكرنا قد ذاقوا عذاب البَردَ والزمهرير, وكان ذلك توبيخاً وعقاباً لهم على اللامبالاة والظن بأن الأسباب من ضخامة وكثرة مئونة ووقود ونحوه هي قوام مَنعتهم وسبب نجاتهم من دون الله ودعْواهِ, غافلين عن مشيئة ومكر رب العالمين وامتحانهُ لهم ولأسبابهم التي صنعوها بأيديهم. قال تعالى: {أفأمِنَ أهل القرى أن يأتيهم بأسُنا بياتاً وهم نائمون 97 أو أمِنَ أهل القرى أن يأتيهم بأسُنا ضُحىً وهم يلعبون 98 أَفَأَمِنوا مَكْرَ الله فلا يأمَنُ مَكْرَ الله. إلا القَوْمُ الخاسِرون 99} سورة الأعراف.

المُقسماتِ أمراً
وإذا رجعنا إلى الآيات الأولى من سورة الذاريات, وهي قولهُ تعالى: { فالجاريات يُسراً 3 فالمُقسماتِ أمراً 4}, فإننا نضع أيدينا على جرح السفينة المنكوبة (تيتانيك), حيثُ عطَفَ الباري عز وجل على {الجاريات يُسراً} وهي السُفن الجارية في البحار, بقولهِ: {فالمُقسِمات أمراً}, وتختصر لنا هاتين الآيتين رحلة ومسيرة سفينة (التيتانيك), التي بعد أيامٍ من جريها السريع والمريح في البحار, ارتطمت بجبل الجليد وتوقفت عن الإبحار, ثم غرق نصفها السفلي المُصاب في الماء, وبقي نصفها العلوي طافياً ومُحلِقاً باتجاه السماء, وانقسمت السفينة إلى قسمين أحدهم في الماء والآخر في الهواء, وانقسم وتفرق الأصحابُ والأحباب والأزواج, وصار بعضهم على قوارب النجاة والآخر ينتظر الموت والوفاة. وقد وقع هذا الانقسام المؤلم والحزين للسفينة وركابها في ليلة النصف من شهر إبريل, وهي ليلة (15) إبريل.


ولو تمعنا قليلاً في آية: { فالمُقسماتِ أمراً 4}, فإننا نجدُ فيها نصف اسم سفينة (آر إم إس تيتانيك) المكون من أربعة مقاطع, ولعل السبب في أننا استخرجنا نصف اسم السفينة فقط من آية { فالمُقسماتِ أمراً 4}, هو لكون هذه السفينة بعد حادثة ارتطامها قد انقسمت إلى نصفين, أحدهما غارَ واختفى في الماء, وشأن هذا النصف المختفي هو كشأن نصف اسم السفينة المفقود في الآية الكريمة. وأما النصف الثاني من السفينة فإنه بعد الحادثة ظهر وطفا فوق سطح الماء, وهذا النصف الذي ظهر يُمثل نصف اسم السفينة الذي وجدناهُ في الآية الكريمة.
     
ولتحديد هذا النصف الظاهر من اسم السفينة في الآية فإننا نقسم كلمة {أمرا} إلى نصفين: (أمرا = أم + را).
- وعند قراءة النصف الأخير (را) من اليسار إلى اليمين فإننا نحصل على المقطع الأول من اسم السفينة وهو (آر), ومن اللطائف اللغوية أن (را) تمثل لفظ حرف (راء) العربي, و(آر) تمثل لفظ حرف (راء) بالإنجليزي (R).
- وأما المقطع الثاني من اسم السفينة المنكوبة وهو (إم), فإننا نحصل عليه بقلب حرف الألف الذي في النصف الأول من كلمة أمرا (أم) رأساً على عقب (إم).
وهكذا فإننا نكون قد حصلنا على المقطعين الأول والثاني من اسم سفينة (آر إم إس تيتانيك), واللذان يُمثلان نصف عدد مقاطع الاسم.
ومن الناحية العددية فإن رقم آية {المُقسماتِ أمراً} هو أربعة (4), والرقم أربعة يُمثل الشهر (إبريل) بحسب ترتيب شهور السنة الشمسية, وهو الشهر الذي وقعت فيه كارثة انقسام سفينة (التيتانيك) وغرقها في المحيط.

الطبع غَلاب (جاي يا ناس جاي)
إن هذه التجربة المريرة التي مر بها ركاب سفينة (تيتانيك) ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في تاريخ البشر, وإن اليوم الذي يصلُ الإنسان فيه إلى قناعةٍ بأنهُ لا يمكن قهرهُ, هو نفس اليوم الذي يُقصم فيه ظهرهُ, وهذا هو ما حدث مع ركاب السفينة العملاقة الذين اعتقدوا بأنهُ لا شيء يمكن أن يقف في طريقهم ويُعكر صفوهم.

وكفانا بمحمدٍ وأصحابهِ (عليهم صلاة الله وسلامه) عبرةً على هذا الغرور الإنساني اللاإرادي, فبعد أن نصرهم الله في مواطن وغزواتٍ كثيرة مع رسوله, وكان ذلك بتأييد الله لهم على الرغم مما كانوا فيه من قلة العدد والعتاد. وبعد أن بلغت نشوة الفتح المبين من المسلمين مبلغها, والتئم شمل أهل القريتين العظيمتين مكة والمدينة, خرج المسلمون لغزوة حُنين وفي قلوبهم شيءٌ من الإعجاب بكثرة عددهم وعدتهم, إلا أن هذه الكثرة لم تغني عنهم من الله شيئاً, و ولوا مدبرين أمام هجمات وتدبير عدوهم إلا قليلاً منهم, وكادت زمام الأمور تُفلت من بين أيديهم ويهزموا في تلك الغزوة, ولولا ثبات بعض الرجال والتفافهم حول النبي –صلى الله عليه وسلم- لما تبدلت الأحوال, ولصار التفكير بالنصر شيءٌ مُحال وبعيد المنال, وكان هذا درسٌ من الله ذي الجلال ليعلمهم فيهِ أن النصر من عنده تعالى وحدهُ, وبإمداده, وإن قلَ الجمع. قال تعالى: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة. ويوم حُنيْن ٍ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تُغن ِ عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحُبت ثم وليتم مدبرين 25} سورة التوبة.

 بين حادث التيتانيك وجريمة أسطول الحرية
- لقد غرقت سفينة التيتانيك في الماء بفعل العوامل الطبيعية, بينما غرقت سفينة الحرية بالدماء بأيدي الجنود الجُبناء.
- سفينة التيتانيك جاءها العذاب من أسفلها بارتطام الجزء السفلي منها بالصخور الجليدية, أما سفينة الحرية فقد جاءها العذاب من فوقها بنزول الجنود اليهود على ظهرها من الطائرات المروحية.
- لقد كانت رحلة التيتانيك من لندن إلى نيويورك هي رحلة تجارة وتَرف واستمتاع, بينما كانت رحلة سُفن الحرية هي لمهمة جدِية وإنسانية.
- قال تعالى {فالجاريات يُسراً 3 فالمُقسماتِ أمْراً 4}. الجاريات: السُفن, والمُقسِمات: الملائكة تتنزل بالأمور الشرعية والكونية.
فبعد جري سفينة التيتانيك في الماء جاء أمر الله بارتطامها وتوقفها وانقسامها.
وبعد جري سُفن الحرية في الماء أوُقفت وهُوجمت, ونزل عليها جنود اليهود بالقتل والأسر والتعذيب.
أخرج ابن ماجه عن أبى أُمامة - رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: {إن الله و كَلَ ملك الموت عليه السلام بقبض الأرواح إلا شهداء البحر فإنه يتولى قبض أرواحهم}.

وكما قيل: (اللي بزرع هوا.. بكره بحصد ريح).
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب , رضي الله عنه , في قصة المهدي أنهُ قال :{ويتوجه إلى الآفاق , فلا تبقى مدينة وطئها ذو القرنين إلا دخلها وأصلحها , ولا يبقى جبار إلا هلك على يديه , ويشفِ الله عز وجل قلوب أهل الإسلام , ويحمل حُلي بيت المقدس في مائة مركب تحُطُ على غزة وعكا , ويُحْمَلُ إلى بيت المقدس , ... , ثم يتوجه المهدي إلى القدس الشريف , بألف مركب , فينزلون شام فلسطين بين عكا وصور وغزة وعسقلان , فيُخرجون ما معهم من الأموال , وينزلُ المهدي بالقدس الشريف , ويُقيم بها إلى أن يخرج الدجال , وينزل عيسى ابن مريم عليه السلام , فيقتل الدجال} من كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر.  

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

* نُشر لأول مرة في مدونة المسبار السحري بتاريخ 3-7-2010
   فكرة وإعداد: وليد أحمد الكراعين.

المراجع:
- كتاب مختصر تفسير ابن كثير.
- موقع ويكيبديا (تفاصيل قصة سفينة التيتانيك).

مواضيع ذات صلة على هذا الرابط:

آدم الوليد والميلاد المجيد



آيات وأخبار السماء في النهار والمساء


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خير المرسلين ورحمة الله للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد.

[قبل التهنئة بقدوم العام الميلادي الجديد (2011), فإنني أهنئكم بذهاب وانصراف العام الميلادي المُنصرم (2010), وذلك أن الناس في هذه السنين المُحيرة لا يعرفون الفرح والابتهاج إلا بذهاب وزوال الأشياء من بشرٍ ودُولٍ وأيامٍ وسنوات تجثم على صدورهم ونُثقل كاهلهم] (1).

مُقدمة:
قال تعالى : {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا 13  اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا 14 مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا 15} الإسراء.

رغم أن أبي أحمد ليس لديه مَلكة القراءة والمطالعة باستثناء ما تيسر من كتاب الله, إلا أنهُ لا يمتنع عن قبول ما يُهدى إليه من كُتب العلم النافعة, ومن ضمن ذلك كان كتاب (عقْدُ الدُرر في أخبار المُنتظر) (2), والذي أهُدي إليه في صيف سنة 1999م.
ورغم أن عنوان الكتاب كان جذاباً بالنسبة لي لما ينطلي عليه من أخبار وأحداث الساعة التي نتوق لكشف اللثام عنها, وبشكل خاص تلك الأحداث التي تتعلق بالفترة الزمنية التي نعيشها, إلا أن الله لم يأذن لي ويوفقني إلى فتح وقراءة هذا الكتاب إلا بعد شهورٍ عديدة من وصوله إلى دارنا, وبعد أن بدأت أتصفح هذا الكتاب فإنني وجدتُ فيه شيئاً مميزاً ومُختلفاً عن الكُتب المعروفة التي قرأتها سابقاً في موضوع أشراط الساعة, وذلك من حيث اشتماله إضافة إلى الأحاديث النبوية والقرآن الكريم على أحاديث وروايات أئمة آل بيت النبوة وبعض الصحابة والتابعين (سلام الله ورضوانه عليهم أجمعين), وبشكل خاص الروايات التي تتعلق بعلامات ولاية وبعث آخر أئمة هذه الأمة أبي عبد الله المهدي (عجل الله فَرَجه). هذا إلى جانب أن مؤلف الكتاب لم يقتصر على الأحاديث النبوية الصحيحة والمشهورة في هذه القضية, وإنما أورد الكثير من الروايات والأحاديث على اختلاف حكمها وعللها ودرجة صحتها وقوة سندها, وهذا من شأنه إثراء الموضوع وزيادة المعرفة والإطلاع, وإن القليل من الخطأ والضعف إن قُدِرَ وجوده في بعض الروايات يجب أن لا يكون مانعاً لنا من تحصيل الكثير من العلم الذي تحملهُ في ثناياها, وإنه من غير المستبعد أن تكون بعض الروايات قد وصلت إلينا بشيءٍ من الزيادة والنقصان والتغير في ألفاظها عما رويت به عن النبي (عليه الصلاة والسلام) والأئمة الكرام, إلا أنها تبقى إرثٌ علمي تنطوي فيه معارف وحقائق لا يسعنا إلا أن نتفكر فيها ونتدارسها قبل إصدار الحكم عليها وتعاهدها بالأخذ أو الترك, وإن المعيار الحقيقي لصحة الخبر يكون بالمعاينة والتجربة والقياس, وطالما كانت هذه الروايات والأخبار غير الدقيقة أو المُنكرة - بحسب الشروط والمقاييس التي وضعها علماء السند والجرح والتعديل- تتعلق بأُناسٍ وأحداثٍ من أزمنة مختلفة ولا تتعلق بالأحكام والشريعة المُلزمة, فإن الأخذ بها أو تركها كلها أو بعضها مقرونٌ بمدى مصداقيتها وجدواها العلمية عند إسقاطها على الواقع ومطابقتها مع الأحداث العملية. وإن الأهم من المعلومة المنقولة ومصدرها هو الشخص المُتلقي لها, فإن كان هذا الشخص على علمٍ ودِراية كافية بأمور الدين, وفي قلبه نورٌ ويقين, ومُوفقٌ من الله الكريم, فإنه سوف يخلُص إلى ثمار وأسرار هذه الروايات والأخبار, ويُفندها ويأخذ منها ويترك بقَدَرٍ معلوم بحسب الجدوى والضرورة. وأما إن كان المُتلقي جاهلٌ أو نصف عالم أو عالمٌ غير مُوَفق من الله لهذا النوع من المعرفة, فإنهُ قد يأخذ بالرواية أو يردها كلها أو بعضها دون تمييز وفهمٍ صحيح وتحليلٍ دقيق لما فيها من خبر, ولهذا قيل: (أهلُ مكة أدرى بشِعابها).
وبفضل من الله فإنني قد تجلى لي الخبر واهتديت إلى المُطابقة بين الحَدثِ والأثر من خلال الكثير من الروايات التي قرأتها في كتاب (عقد الدرر) على اختلاف درجة صحة أو ضعف هذه الروايات, وللأمانة فإنني ذُهلت من شفافية بعض الروايات التي نُقلت قبل مئات السنوات عن الرسول والأئمة الكرام (عليهم الصلاة والسلام), والتي شعرت من خلالها بأن هذا الإمام الذي يروي الخبر يعيش معنا ويسمعنا ويرانا ويعلم بحقيقة حالنا أكثر من أبناء زماننا, وكيف لا وهؤلاء الأئمة هم الرسول وأبناءه وأتباعه وخلفاء الله في أرضه (عليهم صلوات الله ورضوانه), فلا يعزب عن علمهم أسمائنا وصفاتنا وأعمالنا وأحوالنا ما شاء الله لهم أن يعلموا.
ولو توقفنا تحديداً عند مسألة الإمام المهدي المنتظر, فمن يا ترى هو أولى وأجدر بالحديث عن هذه القضية الكُبرى وشرح مُلابساتها وأحداثها من جدهِ النبي وابن عمه علي, وأبناء فاطمة الزهراء من الأئمة والشهداء والعلماء (صلوات الله وسلامه عليهم أهل البيت), وهم الذين بدء الله بهم هذا الدين, وجعلهم ذُخراً وفِداءً ومدداً لأمة المسلمين, من أول الزمان وحتى وقت خروج حفيدهم وخاتمهم الإمام المهدي (عليه السلام), وذلك هو الوقت الذي تكون فيه الأمة أضحوكةً وألعوبة بأيدي أعداءها من أهل الظلم والعدوان, كما هي الآن.
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب, رضي الله عنه , قال : {قلتُ يا رسول الله , أمنا المهدي , أو من غيرنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل منا, يختمُ الله به الدين كما فتحهُ بنا}(3).   

وفي هذا المقال فقد وقع الاختيار على بعض الروايات التي تتحدث عن العلامات والآيات التي تسبق خروج الإمام المهدي المُنتظر, وهذه العلامات مرتبطة بشكل خاص بالظواهر الطبيعية والسلوكيات الاجتماعية. وستكون البداية مع آية النداء والصوت من السماء, وهي ما يُعرف كذلك باِسم (الصيحة والهدة), وهي علامة لا علم لكثيرٍ من الناس بها, وقد وفقني الله إلى تتبع هذه العلامة ومراقبة حدوثها وفهم مغزاها على وجه التمام في غفلةٍ من كثيرٍ من الخلق والأنام.
قال تعالى: {وقالوا لولا نُزِلَ عليه آيةٌ من ربهِ. قُل إنَ الله قادرٌ على أن يُنزلَ آيةً ولكن أكثرهم لا يعلمون 37} سورة الأنعام.
ورغم أن هذه العلامة قد وقعت وتحققت منذ وقتٍ طويل يزيد عن ستة أعوام, إلا أنني أرى أنهُ من الواجب ذكرها وبيانها خاصةً وأن المرجع الوحيد لهذه الواقعة هو عقلي وذاكرتي, وفيما عدا ذلك فأني لم أسمع أن أحداً من الناس قد أدرك هذه العلامة وتعاهدها بالذكر والبيان.
وأما العلامة الثانية التي سأبينها في هذا المقال فهي (خسوف القمر وكسوف الشمس), وهما آيتان عظيمتان تكونان في شهر رمضان, في السنة التي تسبق آية الصوت.

الصيحة والصوت والهدة
قال تعالى : {واستمع يوم ينادِ المنادِ من كان ٍ قريب 41 يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يومُ الخروج 42} سورة ق.
ذكر الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي في تفسيره، في قوله تعالى:  {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين 4} أي ذليلين, سورة الشعراء.
قال: قال أبو حمزة الثمالي (4) في هذه الآية: بلغنا، والله أعلم، أنها صوت يسمع من السماء، في النصف من شهر رمضان، تخرج له العواتق من البيوت.
وعن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  {يكون في رمضان صوت}.
قالوا: يا رسول الله، في أوله أو وسطه أو في آخره؟ قال:  {بل في النصف من شهر رمضان، إذا كانت ليلة النصف ليلة الجمعة، يكون صوت من السماء يصعق له سبعون ألفاً، ويخرس فيه سبعون ألفاً، وتفتق فيه سبعون ألف عذراء }. قالوا: فمن السالم يا رسول الله؟
قال: {من لزم بيته، وتعوذ بالسجود، وجهر بالتكبير}. قال: {ويتبعه صوت آخر، فالصوت الأول صوت جبريل، والصوت الثاني صوت الشيطان، فالصوت في رمضان والمعمعة في شوال، وتميز القبائل في ذي القعدة، ويغار على الحاج في ذي الحجة والمحرم.
وأما المحرم أوله بلاءٌ، وآخره فرج على أمتي. راحلة في ذلك الزمان ينجو عليها المؤمن خير من دسكرة تغل مائة ألف}. دَسْكَرَة: الأرض المستوية, أو القرية العظيمة. وفي وقتنا هي أشبه بالإستاد الرياضي الذي يتسع إلى الحشود المؤلفة.
أخرجه الإمام أبو عمر وعثمان بن سعيد المقري في (سننه) هكذا.وأخرجه الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر ابن المنادي، من حديث ابن الديلمي (5)، وزاد فيه بعد قوله: يصعق له سبعون ألفاً، قال: {ويعمى سبعون ألفاً، ويتيه سبعون ألفاً}، ثم ذكر الباقي بمعناه.

منذ أن بدأت أتصفح كتاب (عقد الدرر في أخبار المنتظر) بدأت الأخبار والحقائق الكامنة في صفحاته تنجلي أمامي شيئاً فشيئاً, وكنت في بادئ الأمر أُطابق الأحاديث والروايات مع أحداث وقعت وتحققت في الماضي القريب أو البعيد, ثم بعد أن قطعت شوطاً في القراءة والفهم والاستنباط أمكنني أن أفيد من الروايات في تحديد الحدث القادم والخطوة اللاحقة,وذلك ضمن سلسلة العلامات المتعاقبة والأحداث السريعة التي تسبق ظهور أمر الإمام المهدي عليه السلام, وكانت آية الصوت المذكورة في الحديث أعلاه من ضمن العلامات التي وُفقت إلى التنبؤ بوقوعها, وأذكر أنني في ذلك الوقت وقبل نحو شهر من تحقق هذه الآية أخبرت أمي وجارةً لنا – امرأة ذات علم  ودين كانت تجالسنا- بأن الصيحة ستقع في شهر رمضان من هذا العام, وكان ذلك في سنة 2004 ميلادية الموافقة لسنة 1425 هجرية, وقد كان شهر رمضان حتى تلك السنة يدخل علينا في أيامٍ شتوية وخريفية باردة في مُعظمها, إلا أن الحالة الجوية غير المألوفة في تلك السنة تمثلت بالأجواء الصيفية والحرارة المرتفعة والشمس الحادة السطوع, وقد استمرت هذه الحالة الجوية بشكلٍ متواصل على نفس النسق دون انقطاع حتى اليوم الرابع من شهر رمضان وكان يوم (خميس), حيثُ انقلبت الحالة الجوية في ذلك اليوم من الصيفية إلى الشتوية, وهبت الرياح القوية وغابت الشمس خلف ركام الغبار والسُحب المتكاثرة وأخذت الحرارة بالانخفاض, وقد تنبهتُ حين حدث هذا الانقلاب إلى أن آية الصوت التي توقعت حدوثها في هذا الموسم توشك أن تتحقق, على الرغم من أنني كنت لا أزال في ريبةٍ من ماهية هذا الصوت وكيفية حدوثه.
وفي ساعات المساء و وقت الإفطار بدأ يسطع في السماء وهج البرق الذي يكاد يخطف الأبصار, وبدأ معه صوت الرعد يدوي وتساقطت الأمطار, وفي تلك الأثناء وبعد عودتي من صلاتي التراويح والعِشاء والمطر يتساقط والبرق يسطع والرعد يصدح على فترات, وقر في قلبي بأن هذا الصوت الذي من السماء هو (صوت الرعد). قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ 12 وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ 13} سورة الرعد.
عن عبد الله بن الزبير أَنَّهُ كَانَ ‏إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ ، وَقَالَ : {سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : إِنَّ هَذَا لَوَعِيدٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ شَدِيدٌ} (6).
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذَا سَمِعَ الرَّعْدَ وَالصَّوَاعِقَ قَالَ:((اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ ، وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ)) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ.  

وبحسب الحديث الذي رواه أبي أُمامة وفيروز الديلمي فإن الشرطين المكاني والزماني لآية الصوت قد تحققا, وهما: مكان صدور الصوت وهو السماء, حيث أن صوت الرعد مصدرهُ السُحب التي في السماء. وزمان حدوث هذا الصوت وهو ليلة النصف من شهر رمضان, أي ليلة اليوم الخامس عشر, وبشرط إضافي هو أن تكون هذه الليلة هي (ليلة جمعة), أي الليلة الموافقة لمساء يوم الخميس, والواقعة التي رويت أحداثها تمت في النصف من رمضان وكانت ليلة جمعة.
والذين تساورهم الشكوك حول صحت هذه المعلومات من أهل الأردن أو من غيرهم, خاصةً وأن داء النسيان مُستشري في أذهان أهل هذا الزمان, بإمكانهم مراجعة أرشيف دوائر ومراكز الأحوال الجوية والصُحف والتلفزيون ونحوها من المصادر التي تُسَجَل فيها الحالة الجوية التي سادت خلال الفترة الزمنية التي أشرت إليها وهي:سنة 2004 ميلادية, 28-29 أكتوبر, الموافق لِ: 1425 هجرية, 14/15 رمضان, المكان: غرب مدينة عمان, عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية.   
علماً بأنني من خلال بحث قصير وسريع على شبكة الإنترنت, تمكنت من استخراج مراجع موثقة من أرشيف الصحف الأردنية منها هذه التقارير:
جريدة الرأي: 2004م الأرشيف, الجمعة 29 تشرين الأول/ 15 رمضان.
[أمطار متفرقة تشهدها المملكة وانخفاض ملموس على الحرارة .. اليوم
عمان  ــ  احمد كريشــان - هطلت مساء أمس زخات متفرقة  من المطر مصحوبة بالرعد أحيانا عمت معظم مناطق المملكة بعد انحباس دام أكثر من شهر تقريبا عن الموسم الشتوي المعتاد في الأردن .
وذكر رئيس قسم  التنبؤات الجوية حسين المومني أن الأردن تأثر بعد ظهر أمس بحالة من عدم الاستقرار الجوي ناتجة عن امتداد لمنخفض  البحر الأحمر والمصحوب بكتلة هوائية حارة نسبيا.
وأضاف أن المنخفض الجوي يصاحبه حوض علوي بارد في طبقات الجو العليا حيث يطرأ اليوم الجمعة انخفاض ملموس على درجات الحرارة ويكون الجو غائما جزئيا إلى غائم أحيانا مع سقوط  زخات متفرقة من المطر قد يصحبها الرعد أحيانا وتكون الرياح غربية معتدلة إلى نشطة السرعة.
واحدث تساقط الأمطار المفاجئ أمس عدة حوادث نتيجة انزلاقات وقعت في بعض مناطق العاصمة لم تسفر عن إصابات إنما أحدثت أضرارا مادية في السيارات نتيجة عدم اخذ الحيطة والحذر من قبل السواقين في قيادة مركباتهم]. (7)

جريدة الدستور: 2004م الأرشيف, الجمعة 29 تشرين أول/ 15 رمضان.
 [منخفض البحر الاحمر »اربك« الجو:زخات المطر تتواصل والرياح غربية اليوم
 تصوير: محمود شوكت
عمان ـ الدستور ـ أفادت دائرة الأرصاد الجوية أن المملكة تتعرض إلى حالة عدم استقرار جوي منذ ثلاثة أيام نتيجة امتداد منخفض البحر الأحمر مصحوبا بكتلة هوائية حارة وجافة نتج عنها هطول زخات مطرية متفرقة في بعض مناطق المملكة.
وأكد الراصد الجوي في الدائرة أن انخفاضا ملموسا سيطرأ اليوم على درجات الحرارة، ويكون الجو غائما جزئيا، يتحول أحيانا إلى غائم مع سقوط زخات مطرية متفرقة، قد يصحبها موجة رعدية وبرقية أحيانا، وتكون الرياح غربية معتدلة إلى نشطة السرعة...] (8).

هذا هو وصف الحالة الجوية في الصحف اليومية يؤكد ويُثبت صحة هذه الرواية الرمضانية, ولكن لا يزال للحديث بقية, وتحديداً في قوله (عليه الصلاة والسلام): {يكون صوت من السماء يصعق له سبعون ألفاً، ويخرس فيه سبعون ألفاً، وتفتق فيه سبعون ألف عذراء}, وكذلك قوله في الرواية الثانية: {ويعمى سبعون ألفاً، ويتيه سبعون ألفاً}.  
ولكن هل تكون تلك الصاعقة والعمى والخرس وغيره من الذي أصاب هؤلاء حدث تلقائياً بفعل الصوت؟ أم أن هذا الصوت كان مجرد علامة على ما سيقضيه الله في تلك الليلة على سبعون ألفاً من الناس بتلك الأصناف من العاهات والأوجاع ؟؟
في الحقيقة فإنه في حال كان هذا الصوت الذي من السماء هو عبارة عن (دوي الرعد) المُعتاد بحسب ما توصلت إليه وشرحتهُ في هذا البحث, فإن النتائج حتماً لن تُفضي إلى حدوث أية أضرار مُباشرة كتلك الفواجع التي في الرواية, لذا فإن الاحتمال الثاني هو الأرجح, وهو أن سماع صوت الرعد في ليلة الجمعة الموافقة لليلة النصف من رمضان في الفترة التي تسبق بعث الإمام المهدي (عليه السلام) هو مجرد علامة على ما سيقضيه الله في تلك الليلة على سبعون ألفاً من الناس بالعمى والبكم والتيه وغيره من الآلام.
وبالرجوع إلى كلام الله الرحمَن, وما أوحاه إلى نبيه (عليه الصلاة والسلام) من نور وقرآن وبيان, فإننا نجدُ أن الخطاب الإلهي لعباده لم يكن معنياً بالعاهات البدنية والأمراض الحسية التي تصيب بني الإنسان, وإنما هو في جُلهِ وجوهرهِ معنياً بالأمراض النفسية والمعنوية التي تصيب قلوبهم وعقولهم, وعلى رأس هذه الأمراض الشرك والكفر والنفاق وسوء الأخلاق, أي أن هذه العاهات الحسية المذكورة في الحديث هي كناية عما يُعادلها ويُشابهها من الأمراض النفسية, لذا فإن هؤلاء القوم الذين كتب الله عليهم في (ليلة الرعد) أن يُصعقوا وتُصم آذانهم وتخرس ألسنتهم وتعمى أبصارهم وأن يتيهوا في الطريق, هم ممن قال عز وجل فيهم في مُحكم تنزيله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ 6 خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ 7 .. فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ 10..... أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ 16 مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ 17 صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ 18 أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ 19 يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 20} سورة البقرة.
ونجد مثل هذا التشبيه والمِثال مضروبٌ في آيات عديدة من كتاب الله شديدُ المِحال كقول عز وجل في سورة الأنعام: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ 39...... قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ 46}.

إذا فإننا ومن خلال هذه الآيات القرآنية نستدل على أن هؤلاء السبعون ألفاً الذين كُتِب عليهم أن يُصعقوا وتُصَم آذانهم, هم الذين ختم الله على سمعهم فلا يصل ذُكر الله وآياته إلى مسامعهم ولا يلجُ من آذانهم. والذين كُتبَ عليهم العمى هم الذين ختم الله على أبصارهم فلا يرون دلائل قدرته في أفاق الكون وفي أنفسهم, وهذا العمى هو عمى قلوبهم المُظلِمة قبل أن يكون عمى أعينهم, كما قال سبحانه وتعالى في سورة الحج: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ 46}.
والذين كُتب عليهم الخَرَس هم الذين ختم الله على ألسنتهم فلا تشتغل بذكر الله وترداد آياته. وأما الذين كُتب عليهم التيه في الطُرقات فهم الذين ضلوا عن الطريق المستقيم ومشوا وراء التُرهات والسراب, قال تعالى:{ وأن هذا صراطي مُستقيماً فاتبعوهُ, ولا تتبعوا السُبل فتفَرَق بكم عن سبيله. ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون 153} سورة الأنعام.
ولو شاء الله لجعل بقدرته أجساد هؤلاء الضالين طبقاً لنفوسهم وقلوبهم مصعوقة محرومة من السمع والبصر والكلام , ولكنه سبحانه حليمٌ رحيمٌ لبني الإنسان.

وربما لا يزال يتساءل البعض: ما بال النسوة والفتيات السبعون ألفاً اللواتي تفتقت عذريتهنَ, إن ربي بكيدهن عليم؟!  
أقول هُنَ العذارى اللواتي كُتب عليهنَ حظهُنَ من زِنا الفَرْج, وهن اللواتي يأتينَ الفاحشة بملء إرادتهنَ أو بالإكراه. وما أكثر الرجال والنسوان الذين كُتب عليهم حظهم من الزنا في هذا الزمان الذي تفشت فيه الفواحش وساد الحرام.

وإن أولئك القوم الذين ختم الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم في ليلة النصف من رمضان فهم لا يرجعون, لا بد أنهم الكافرين المُنكرين لما فرضهُ الله من صيام شهر رمضان, والمُنتهكين لحُرمتهِ والساخرين من المؤمنين الصائمين, وهم الذين مر عليهم رمضان تلو رمضان ودارت الأيام دون أن يتوبوا إلى الله الرحمَن, قال تعالى:{إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ( 168 ) إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا ( 169 )} سورة النساء.
وكما أن سبحانهُ قد تعهد المقبلين عليه بالتوبة في شهر رمضان بأن يكتب لهم المغفرة في النصف منه, فإنهُ عز وجل تعهد أولئك المدبرين الظالمين لأنفسهم  بأن يكتب عليهم في النصف من رمضان أن لا يغفر لهم ولا يهديهم سبيلا حتى يروا العذاب الأليم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{شهر رمضان أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار} (9).

 وعند هذا الحد من رؤية وتدُبر تجليات الله في الظواهر الطبيعية تصديقاً لما جاء في الأحاديث النبوية والآيات القرآنية انتهت سهرتي في تلك الليلة الرمضانية.
قال تعالى: {إنا سنُلقي عليك قولاً ثقيلا 5 إن ناشئة الليل هي أشدُ وطئاً وأقومُ قيلا 6} المُزمل.
أي قريباً بوعد لا خَلَفَ فيه فتهيأ لذلك بما يحقُ له.
عن مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): {إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا, فيُصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل, حتى إذا جاءهم جبريل فُزِعَ عن قلوبهم, قال: فيقولون: يا جبريل ماذا قال ربك؟ فيقول: الحق, فيقولون: الحق الحق} أخرجهُ أبو داود وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وعن عائشة أم المؤمنين, رضي الله عنها, أن الحارث بن هشام سأل النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي, فقال عليه الصلاة والسلام: {أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجَرَس وهو أشدهُ علي فيُفصمُ عني وقد وعيتُ عنهُ ما قال, وأحياناً يتمثل لي المَلَكُ رجُلاً فيُكلمني فأعي عنه ما يقول} [يفصم عني: يُقْلِعْ عني]
قالت عائشة: وقد رأيتهُ ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيَفصِمُ عنه وإن جبينهُ ليتفصدُ عرقاً. رواه الشيخين في صحيحيهما.

وبعد أن خلدتُ للنوم سويعات قليلة استيقظتُ لتناول السحور وأداء صلاة الفجر, حيثُ كان فجر يوم الجمعة هو موعدي مع الفصل الثاني من قصة هذا الصوت الرمضاني, لأن ما حصل بعد صلاة الفجر من ذلك اليوم وعاينتهُ بنفسي كان تصديقاً حرفياً للحديث الذي رواه عبد الله ابن مسعود في شأن هذا الصوت, فعنه (رضي الله عنه): عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا كانت صيحة في رمضان ؛ فإنه يكون معمعة في شوال ، وتميز القبائل في ذي القعدة ، وتسفك الدماء في ذي الحجة والمُحَرم, وما المحرم ؟ ( يقولها ثلاثا ) ، هيهات هيهات ! يقتل الناس فيها هرجاً هرجاً}.
قلنا : وما الصيحة يا رسول الله ؟ قال : {هَدَةٌ * في النصف من رمضان, ليلة جمعة ؛ وتكون هدة توقظ النائم ، وتقعد القائم ، وتخرج العواتق * من خدورهن, في ليلة جمعة من سنة كثيرة الزلازل, فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة ؛ فادخلوا بيوتكم ، وأغلقوا أبوابكم ، وسدوا كواكم *، ودثروا أنفسكم ، وسدوا آذانكم ، فإذا أحسستم بالصيحة ؛ فخروا لله تعالى سُجداَ ، وقولوا : سبحان القدوس ، سبحان القدوس ؛ فإنه من فعل ذلك نجا ، ومن لم يفعل ذلك هَلك } أخرجهُ الإمام نعيم بن حماد في كتاب (الفتن). [هدة: دوي شديد, أو صوت الهدم الشديد. عاتق: الجارية أول ما أدركت أو التي لم تتزوج. كوة: هو الخرق في الجدار والمقصود هنا: الأبواب والنوافذ والفتحات في جدران المنازل] (10).

فبعد أداء صلاة الفجر بتوفيق الله جماعةً في مسجد الحي والسوق (مسجد صهيب بن سنان), مكثت في المسجد أقرأ وأتدبر آيات القرآن الكريم حتى وقت الشروق, وفي تلك الأثناء عاد صوت الرعد يدوي من جديد وتساقطت الأمطار وازدادت برودة الطقس, والشيء العجيب هو أن وصفهُ عليه الصلاة والسلام للصيحة وتداعياتها في حديث ابن مسعود يدل بشكلٍ واضح على ما ذهبتُ إليه من أن هذه الصيحة ما هي إلا صوت الرعد وما يصاحبهُ من بردٍ ومطر, بدايةً بوصفه للصيحة ڊ (الهدة), ومعنى الهدة كما ذكرتُ أعلاهُ هو (دويٌ شديد), وهذا الوصف والمعنى (للصيحة) ينطبق على صوت الرعد المدوي والذي يتشابه بحسب قوته ودرجة حدتهِ مع أصوات الهدم والانفجارات, وهو صوت مُخيف يُفزع النائم, ويُقعد القائم, ويُخرج الفتاة من سترها الذي تسكن وتبيت فيه.
ثم إنَ في تحذيره وطلبه (عليه الصلاة والسلام) من أهل الإيمان بعد صلاة فجر ذلك اليوم الدخول إلى بيوتهم وإحكام إغلاق الأبواب والفتحات والنوافذ, والتدثر بالأغطية والملابس السابغة, يتوافق تماماً مع ما يفعلهُ الناس في البرد وعند هبوب الرياح ونزول المطر, وهذه الحالة الجوية تمثل ما  كان سائداً في صباح يوم الجمعة الموافق ( 29/10/2004) وتحديداً في المدينة والحي الذي أقطنه, وإن الناس بطبيعة الحال غير محتاجين لمثل هذا التحذير لاعتيادهم اتخاذ هذه الاحتياطات في أيام البرد, ولكن البرد والرعد والمطر في تلك الليلة وذلك اليوم جاء مُفاجئاً والناس لا يزالون مُتخذي الألبسة والأغطية الصيفية ولا يتوقعون كل هذا التغيُر, والنشرة الجوية أعلاه التي نقلتها لكم من أرشيف بعض الصحف الأردنية تدل على هذه الحالة بشكل واضح.  

وأخيراً وليس آخراً, فإننا نستدل من طلبه (صلى الله عليه وسلم) من السامعين للصيحة أن يقولوا عند سماعها: (سبحان القدوس), على أن هذه الصيحة هي (صوت الرعد), وذلك أن هذا الدعاء أو نحوه كما هو مأثور وشائع عند عامة المسلمين يُقال عند سماع صوت الرعد, ومثل ذلك دعاء: (سُبُوحٌ قُدُوس رب الملائكة والروح). قَالَ الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ بْنُ الْمُنْجِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ : (كَان السَّلَفُ يَكْرَهُونَ الْإِشَارَةَ إلَى الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَيَقُولُونَ عِنْدَ ذَلِكَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ، فَيُسْتَحَبُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ) انْتَهَى كَلَامُهُ .

وبهذه التفاصيل والاستدلالات تمت آية الصوت وثبت سماعها, واختصني الله سبحانه بفهمها, وأمكنني من حل هذا اللغز و (الفزورة) النبوية الرمضانية.
قال تعالى: {ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكمًا وعلمًا وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين 79} سورة الأنبياء.
ورغم أن نفرٌ من أهل العلم والولاية كانوا يشيرون في تلك السنوات إلى أن هذا هو وقت صيحة الإمام المهدي (عليه السلام), يعني الصيحة التي تسبق بعثه الشريف وتُبشر بقُربه, إلا أنني لا أعلم إنْ كان أحداً غيري قد عُلِمَ هذه المسألة, وأشرف على تفاصيل حدوثها, وأدرك معانيها, وأحس بنفحاتها كما حصل معي.
عن شهر بن حوشب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{سيكون في رمضان صوت، وفي شوال معمعة، وفي ذي القعدة تحارب القبائل، وعلامته ينهب الحاج، وتكون ملحمة بمنى، يكثر فيها القتلى، وتسيل فيها الدماء حتى تسيل دماؤهم على الجمرة، حتى يهرب صاحبهم، فيؤتى بين الركن والمقام، فيبايع وهو كاره، ويقال له: إن أبيت ضربنا عنقك. يرضى به ساكن السماء وساكن الأرض} أخرجه الإمام أبو عمرو الداني، في سننه.

وفي الحقيقة فإنني قبل تلك الليلة لم يكن لدي تصور واضح عن طبيعة هذه الصيحة, وما كان يجول في خاطري عنها أنها صوتٌ مهول وحادثة جسيمة سيجد آثارها الناس جميعاً ويحسوا بها, ولكن لم يكن يخطر في بالي أنها ستكون شيءٌ رمزي وجوهرٌ علمي لا يسمعها إلا من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد, وأنها ستكون حدثٌ عابر يمر مرور السحاب وبابٌ بلا أعتاب يقفُ الخلق عنده.

ولعل التساؤل الذي يدور في أذهان قُراء هذا المقال هو: هل يكفي وقوع هذه الصيحة والآية الرمضانية في قريةٍ أو بلدٍ واحد ؟ وهل يكفي أن يسمعها ويعيها رجُلٌ واحد من الناس, بحيث يكون ذلك إثباتاً ودليلاً على تحقق هذه العلامة الفرعية من علامات بعث و ولاية الآية الكُبرى الإمام الحُجة المهدي عليه السلام؟
أقول: نعم يكفي ذلك كما لو ثبتت رؤية هلال شهر رمضان في بلدٍ من البلدان, فإن ذلك يكون كافياً بحسب أقوال الكثير من الأئمة والعلماء لصيام المسلمين في القرى والبلدان الأخرى,
ومن جهةٍ أخُرى فإن غالبية أقوال العلماء تقول بثبوت رؤية هلال شهر رمضان بشهادة رجلٍ عدلٍ واحد أخبر أنهُ رآه.
قال تعالى:{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ 22 وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ 23} سورة الأنفال.
وما فائدة أن يدوي صوت الرعد في ليلة الجمعة النصف من رمضان في أجواء البلاد الإسلامية والعالم أجمع, إن لم يكن في تلك البلاد من هو مؤمنٌ ببعث الإمام المهدي عليه السلام, ومُهتم بمتابعة ومراقبة وتحليل العلامات الدالة على ولايته ساعة وقوعها. ولو علم الله في أحدٍ من عباده استعداداً وقابلية على فهم الآية والاعتبار منها لأسمعهُ إياها في أي مكان ٍ وزمان ٍكان.
وللأسف الشديد فإننا نعلم ما يشغل قلوب كثيرٍ من الناس في شهر رمضان, من الذين يقضون لياليه في السهر على شاشات التلفاز وارتياد الأسواق والنوادي, وهؤلاء حتى أصوات المدافع والقنابل الأرضية لا تكفي لإخراجهم من غفلة قلوبهم, فأنى لصوت الرعد ذلك.

الخسوف والكسوف
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ 75 فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ 76 فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ 77 فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ 78} سورة الأنعام.

وبالإضافة إلى آية الصوت من السماء في ليلة النصف من رمضان والذي هو صوت (الرعد) كما في البيان, فإن ثمة ظواهر طبيعية أخرى يدل حدوثها بطريقة معينة على ولاية الإمام المهدي وقرب بعثه الشريف, ومن ضمن ذلك كثرة الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والحرائق والفيضانات, وكسوف الشمس وخسوف القمر بشكلٍ متكرر.
عن يزيد بن الخليل الأسدي، قال: {كنت عند أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، فذكرت آيتان يكونان قبل المهدي (عليه السلام) لم يكونا منذ أهبط الله تعالى آدم (عليه السلام), وذلك أن الشمس تنكسف في النصف من شهر رمضان والقمر في آخره. فقال له رجل: يا ابن رسول الله، بل الشمس في آخر الشهر، والقمر في النصف. فقال أبو جعفر: أعلم الذي تقول، أنهما آيتان لم يكونا منذ هبط آدم، عليه السلام} (11).
وعلى غرار مساري مع آية الصوت في النصف من رمضان, فقد وفقتُ قبل ذلك بنحو عام إلى شُهود ومُعاينة آيتان عظيمتان وقعتا أيضاً في شهر رمضان, وكان ذلك على وجه التحديد في سنة 2003 ميلادية, الموافقة للعام الهجري 1424, وهاتين الآيتين هما:
- خسوف القمر في النصف من رمضان: وقع هذا الخسوف في ليلة اكتمال البدر وهي ليلة الخامس عشر من الشهر القمري, الموافقة لليلة يوم الاثنين, العاشر من شهر نوفمبر لسنة 2003 ميلادية, وقد كان هذا الخسوف كلياً في عدة مناطق من ضمنها أوروبا وشمال شرق أفريقيا وغرب آسيا والجزيرة العربية, وكانت بدايته مع انتصاف الليل وحتى وقت الفجر, وقد تم تصوير هذا الحدث الجلل وبثه على بعض شاشات التلفزة, وكانت المراصد الفلكية قد أعلنت في وقتٍ سابق عن حدوث هذا الخسوف (12).
- كسوف الشمس في آخر رمضان: وقع هذا الكسوف في نفس العام والشهر, وكان ذلك في يوم الأحد, الثالث والعشرين من شهر نوفمبر لسنة 2003 ميلادية, الموافق للتاسع والعشرين من شهر رمضان لعام 1424 هجرية, وقد تم مشاهدة هذا الكسوف بشكل كلي في أستراليا ونيوزلندا وجنوب الباسيفيك والقطب الجنوبي والحد الجنوبي لأمريكا الجنوبية, وكانت المراصد الفلكية قد أعلنت مُسبقاً عن حدوث هذا الكسوف (13).
قال تعالى: {بل يُريد الإنسان ليفجُر أمامَه 5 يسألُ أيان يوم القيامة 6 فإذا بَرِق البصر 7 وخَسَفَ القمر 8 وجُمع الشمسُ والقمر 9 يقول الإنسانُ يومئذٍ أين المَفر 10} سورة القيامة.
{وجُمع الشمسُ والقمر}: يحدثُ كسوف الشمس عند مُقابلة القمر للشمس واجتماعهُ بها وحيلولته بين قرصها والأرض.
عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: خسفت الشمس فصلى رسول الله, فحكى ابن عباس أن صلاته ركعتان في كل ركعة ركوعان ثم خطبهم ، فقال: {إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله}.

وفي الختام, أحمد الله الذي وفقني إلى تدوين هذه الملاحظات والنفحات القدسية, والتي كنتُ أكتفي في الفترات السابقة بالإفصاح عنها شفوياً إلى بعض الرفقاء والجُلساء في البيت والمسجد وأماكن العمل, ورغم أن الحديث الشفوي أسرع وأيسر على لسان المتكلم وأقرب إلى قلوب وأذهان السامعين من الكتابات, إلا أنه لا غنى عن الكتابة لحفظ المعلومات والتجارب والخبرات ونقلها إلى أكبر عددٍ من الناس لينتفعوا بها, وأكبر حُجة على ذلك كتاب الله الذي دونهُ حفظتهُ وعمموه على المسلمين في كل البقاع.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على خير المبعوثين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المراجع:
- كتاب (عقد الدرر في أخبار المنتظر), الفصل الثالث: في الصوت والهدة والمعمعة والحوادث, الباب الرابع في الأحاديث الدالة على ولايته.

الهوامش:
1- هذه المقدمة ترجع إلى تاريخ نشر الموضوع لأول مرة في مدونة المسبار السحري.
2- الكتاب من تأليف يوسف بن يحيى المقدسي الشافعي السُلمي, من علماء القرن السابع.
3 - أخرجه جماعة من الحفاظ , منهم أبو القاسم الطبراني , وأخرجه نعيم بن حماد في نسب المهدي .الفتن لوحة 102 أ.
4- هو ثابت ابن أبي صفية, ضعيف لا يُحتج به. راجع التهذيب 2/7 , 8.
5- حديث فيروز الديلمي رواه الكثير من العلماء والمُحدثين لكنه لم يصح عندهم.
6- أخرجه رواه الإمام مالك في الموطأ (2/992) ، والبخاري في الأدب المفرد (723) ، والبيهقي في الكبرى (3/362) .
9- رواه ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان). وروي بحديث أطول حسنهُ الترمذي وضعفهُ غيره.
10- معاني الكلمات هي بحسب ما هو مشروح في أسفل الحديث في هامش كتاب (عقد الدرر).
11- كتاب (عقد الدرر..), الفصل الأول: في أحاديث مُتفرقة, الباب الرابع في الأحاديث الدالة على ولايته.
12- المرصد الفلكي في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم التقنية.

نُشر لأول مرة في مدونة ولي الدين والمسبار السحري بتاريخ: 26-1-2011
فكرة وإعداد: م. وليد أحمد القراعين.

الثلاثاء، 2 أبريل 2013

صدى الأسماء والأثر في ظهور وعودة المُنتظر


 بسم الله الرحمن الرحيم

 قال تعالى: {وإن من شيءٍ إلا يسبحُ بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [الإسراء: 44].
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خير النبيين محمد, وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين, أما بعد. 
إن كل شيء في الوجود من جمادٍ ونباتٍ وحيوان, وإنْسٍ ومَلَكٍ وجان, يتقرب ويذكر ويُصلي ويدعو باسم اللهِ (الحميد) المنان, في سره وعلانيته, بعلمٍ وإدراك وبغير علم وإدراك, واسم الله (الحميد) هو المنطوي في اسم نبيهِ (محمد) صلى الله عليه وآله وسلم, والمُتجلي بأنواره التامة على نفسه وذاته المُحمدية, وبالتالي فإن جميع مخلوقات الله تعالى تشهد بنبوة (محمد) وتُصلي وتُسلم عليه بمعية تسبيحها بحمد الله.
وقد بدأ الله دين الإسلام بصاحب المقام المحمود نبيه (محمد بن عبد الله) عليه الصلاة والسلام, وسيختمه في آخر الزمان بولاية الإمام المَرْضي المُسمى ڊ (محمد بن عبد الله) المهدي.
قال تعالى: {هو اللهُ لا إلهَ إلا هو لهُ الحمدُ في الأولى والآخرة ولهُ الحكمُ وإليهِ ترجعون 70} سورة القصص.
عن عبد الله بن مسعود , رضي اللهُ عنه , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {لو لم يبقَ من الدنيا إلا يومٌ , لبعث اللهُ فيه رجلاً من أهل بيتي , يواطىءُ اسمهُ اسمي , واسم أبيه اسم أبي} أخرجهُ الحافظ أبو بكر البيهقي .

وفي هذا المقال الذي هو بمثابة الجزء الثاني والاستكمال لمقال (الخبر اليقين في بعث وظهور الإمام المبين), فإننا سنجوب مرة ثانية بصحبة المسبار في فضاء الأسماء لاستكشاف بعض الخفايا والأسرار المرتبطة بآخر الزمان وخاصةً مسألة ولاية وظهور الإمام المهدي (عليه السلام), وقد خصصت هذه المقال لالتماس هذه الآثار من خلال السفر والترْحال في فضاء باقةٍ من أسماء الحركات السياسية والبلاد والممثلين, إضافة إلى فقرات أخرى مرتبطة بها ومُكمِلة لها.

قال تعالى : {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يفسدُ فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونُقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون 30 وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31)  قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33)} البقرة. 

Jordan
الأردن أولاً.. سوف أبدء التحليلات في هذا البحث مع بلد الرباط ومعقل الهاشميين (الأردن), حيث أن اسم الأردن بحسب طريقة لفظه باللغة الإنجليزية يحمل دلالات وإشارات قوية على بعث إمام العِترة النبوية.
Jordan-  : يُلفظ على النحو التالي: (جوردان).

نقسم اللفظ إلى قسمين: جوردان = جور + دان.
جور: باللغة العربية هو نقيض العدل, والجور هو الظُلم ومخالفة الحق والصواب.
دان:  باللغة العربية بمعنى قريب, من الدناة والدنو.

فإذا انتشر (الجور) في البلاد وكثر الفساد دل ذلك على (دنو) وقت ظهور الإمام المهدي صاحب الزمان عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يصيب الناس بلاءً شديدٌ حتى لا يجد الرجل ملجأً، فيبعث الله من عترتي أهل بيتي رجلاً، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً، يحبه ساكن السماء وساكن الأرض، وترسل السماء قطرها، وتخرج الأرض نباتها لا تمسك منه شيئاً، يعيش في ذلك سبع سنين" (1).
وعن قيس بن جابر الصدفي، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون بعدي خلفاءُ، ومن بعد الخفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك جبابرة، ثم يخرج المهدي من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ثم يؤمر القحطاني فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه" (2).

حركة طالبان
 طالبان هي جمع لكلمة (طالب) في لغة (البشتو), وهو اسم حركة أفغانية سياسية وعسكرية ذات طابع ديني نشأت بعد سقوط الجمهورية الديمقراطية الأفغانية المدعومة من قِبل الإتحاد السوفييتي في عام 1992م.
ومن خلال اسم حركة طالبان فإنني سأقوم ببيان إحدى حيثيات مسألة ظهور الإمام المهدي عليه السلام.
(طالبان = طال + بان).
طال: بمعنى تأخر واستغرق وقت طويل. وكما قال المُنشد: "يا رب الباري هذا افتقاري, طال انتظاري, قل اصطباري".
بان: بمعنى ظهر وبان أمرهُ.
والذي يظهر أمره بعد طول ترقُب وانتظار هو ولي الله المهدي عليه السلام.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لو لم يبق في الدنيا إلا يوم، لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي، بواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً } (3).  

إيطاليا وإسبانيا
من اللطائف الحرفية أننا نجدُ اسم حركة (طالبان) الأفغانية منطوياً في اسميْ دولتيْ (إيطاليا و إسبانيا) معاً, وقد جاء هذا الانطواء لاسم حركة (طالبان) موزعاً على نصفين في وسط اسم الدولتين, وعلى النحو التالي:
(إيطاليا + إسبانيا = * (طالبان) *).
إيطاليا: اسم مكون من سبعة حروف, الحروف الثلاثة الوسطى فيه على الترتيب تشكل كلمة (طال).
إسبانيا: اسم مكون من سبعة حروف, الحروف الثلاثة الوسطى فيه على الترتيب تشكل كلمة (بان).
وعند جمع هاذين المقطعين المتوسطين في اسم الدولتين (طال + بان), فإننا نحصل على المطلوب وهو اسم حركة (طالبان) الأفغانية, والتي يرمز كما ذكرت إلى ظهور منقذ البشرية من الضلالة والوثنية بعد طول انتظار, وهو الإمام المهدي ومن بعده سبطه عيسى ابن مريم (صلوات الله وسلامه عليهم أهل البيت أجمعين).
عن الحكم بن عتبة عن محمد بن علي، قال: قلت سمعنا انه سيخرج منكم رجل يعدل في هذه الأمة. قال: {إنا نرجو ما يرجو الناس، وإنا نرجو لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد سيطول ذلك اليوم حتى يكون ما ترجو هذه الأمة، وقبل ذلك فتنة شر فتنة، يمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً، ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً، فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله تعالى، ولكن من أحلاس بيته} (4).

باكستان وأفغانستان
 وبعد بيان اسم حركة طالبان أنتقل إلى معاقلها في باكستان وأفغانستان لبيان شأن ظهور المنتظر عليه السلام, على النحو التالي:
* باكستان: نقسم اسم باكستان إلى قسمان: باكستان = باك + ستان.
 باك: هو لفظ كلمة إنجليزية (back) وتعني ظهْر. والظهر ضد البطن, والظاهر عكس الباطن, و(ظَهَر) الشيء بمعنى تبين.
 ستان: نضع حرف الألف الذي هو في مقدمة الحروف الأبجدية في مقدمة كلمة (ستان) بدلاً من وسطها فتصير (استن), و (استنَ) بفتح النون, هو لفظ كلمة عربية عامية بالمصرية والشامية وتعني (انتظِر), واسم المفعول منها هو (مُنتظَر).
فإذا جمعنا بين كلمة (ظَهَر) المستنبطة من (باك), وكلمة (مُنتظَر) المُستنبطة من (ستان), فإننا نكون قد حصلنا من اسم (باكستان) على جملة (ظهور المنتظر).
وقد سمي الإمام المهدي عليه السلام ڊِ (المُنتظر), بسبب انتظار الناس لساعة ظهوره التي هي من علامات القيامة الكُبرى, ولشغفهم الشديد بمعرفته, وتربصهم لوقت خروجه الشريف لكثرة ما يجدونه من الفِتن والاختلاف والظُلم, ولتحريهم لعلامات وميقات هذا الحدث التاريخي الكبير عبر الأزمان والقرون الماضية والحاضرة.

* أفغانستان: والآن ننتقل من اسم (باكستان) إلى اسم الجارة (أفغانستان), ونقسمه إلى قسمان, كما يلي:
(أفغانستان = أفغان + ستان).
أفغان: إن حرفيْ (الغين والنون) في اسم (أفغان) غير لازمان في تحليلي هذا, لذا فإنني سوف أتخلص منهما بأسلوب لغوي استناداً إلى معانيهم و وظيفتهم في معجم الحروف (5).
أولاً: (غين) بمعنى غِطاء, يُقال: غِين على كذا, أي غُطيَ عليه. وعليه فإنني سوف أُغطي حرف (الغين) وأحذفه من اسم (أفغان).
ثانياً: (نون) وهو من حروف الزيادات في اللغة, ولكونه غير مُستفاد منهُ في تحليلي فإنني سوف أستأصل هذا الحرف الزائد.
وهكذا فإنه يتبقى لدينا من اسم (أفغان) الحروف التالية: (أفا).
أفا: كلمة عامية مصرية وشامية بمعنى (ظَهْر), وهناك مقولة مصرية مشهورة نسمعها على لسان الممثلين : (أنت بتضربني على أفايَ). وبالعربية الفصحى فإن (أفا) تُلفظ (قفا) وتعني تحديداً مُؤخرة العنق, ونستخدمها كذلك للدلالة على مؤخرة وظهر أي شيء عند إلحاقها به, كقولنا: قفا الصفحة, أي ظهرها, وقفا الرجُل عكس وجهه وصدرهُ, وتدل على ظهرهُ ومؤخرة جسده. وبفتح الهاء فإننا نحصل من الظَهْر على كلمة (ظَهَر) أي تبينَ و وضح.
ستان: كما شرحنا أعلاه وحصلنا منها على كلمة (مُنتظر).
فإذا جمعنا بين كلمة (ظَهَر) المُستنبطة من (أفا), وكلمة (مُنتظر) المستنبطة من (ستان), فإننا نكون قد حصلنا على جملة ( ظهور المنتظر) من اسم أفغانستان.

ولنفترض جدلاً أن أفغانستان هي بمثابة (أفا) أو قفا جسد أمة الإسلام, وأن العراق بمثابة (عروقه), وأن القدس بمثابة (قلب) هذا الجسد. فكم يا ترى تكون أمتنا قد ضُربت على (قفاها) في أفغانستان, وكم نزفت الدماء من (عروقها) في أرض العراق, وكم توقف نبضُ (قلبها) أو يكاد في بيت المقدس, بسبب شُح أو انقطاع الدماء المُسلمة التي تصلُ إليه, وذلك نتيجة اختزال أو منع الإسرائيليين لجموع الحُجاج والمصلين المسلمين من الوصول إليه ودخول مسجده, وبالتزامن مع خطة تهويدٍ شاملة لمعالم ومواطني مدينة القدس.

الهندوستان (Mr. India)
هندوستان هو اسم (الهند) على نحو ما يلفظهُ الهنود وأهل تلك المنطقة, وهي كلمة فارسية الأصل.
ورغم النزاع والخلاف السياسي مع جارتها باكستان, إلا أن الهندوستان تشترك مع جارتها باكستان في كون اسمها يحمل في ثناياه إشارةً خفية إلى إمام آخر الزمان, وفيما يلي البيان:
هندوستان = هند و ستان.
هند: إن الرمز العددي لحرف النون (ن) بحسب قاعدة حساب الجُمل المعروفة هو خمسين (50), وإن الرقم خمسين يساوي مجموع الرمز العددي لحرفيْ (الياء والميم). حيث أن الرمز العددي لحرف الياء (ي) هو عشرة (10), بينما الرمز العددي لحرف الميم (م) هو أربعين (40), وبالتالي فإن مجموع أعداد حرفي الياء و الميم (40 + 10) يساوي خمسين (50), وهو عدد حرف النون.
وبناءً على هذه الحسابات نقوم باستبدال حرف النون (ن) الذي في وسط (هند) بحرفي الميم والياء (ي,م) المعادلين له في القيمة, ونضعهم على أطراف اسم (هند), بحيث نضع حرف الميم في أول كلمة (هند), وحرف الياء في آخرها, لتصبح (هند) بذلك (مهدي).
هند = (م) هد (ي) = مهدي
و: من حروف العطف تجمع بين الشيئين. والواو هنا تجمع بين معنيين مُشتركين في كلمتي (هند) و (ستان).
ستان: كما تقدم معنا سابقاً, نضع الألف في مقدمة كلمة (ستان) بدلاً من وسطها فتصير (استنَ), وهو لفظ كلمة عربية عامية بالمصرية والشامية وتعني (انتظر), واسم المفعول منها (مُنتَظر).
وهكذا فإننا نحصل من اسم (هندوستان) على لقب وصفة إمام آخر الزمان (المهدي المُنتظر) عليه السلام.  

تنظيم القاعدة
[القاعدة أو تنظيم القاعدة هي منظمة وحركة متعدد الجنسيات سنية إسلامية أصولية، تأسست في الفترة بين أغسطس 1988- 1990، تدعو إلى الجهاد الدولي] ويكيبيديا.
(القاعدة), اسمٌ يكاد يكون على غير مُسمى, لأن اسم (القاعدة) مُشتق من الجذر (قعد) بمعنى جلس, و (القاعدة) هي أساس الشيء الثابت التي لا يتحرك أو يتغير. وإن هذه المعاني لاسم تنظيم (القاعدة) تتنافى مع طبيعته العسكرية وماهيته الجهادية القتالية, قال تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. فَضَلَ الله المُجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة. وكُلاً وعد الله الحُسنى. وفَضَلَ الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً 95} سورة النساء.
في الحقيقة إن اسم (القاعدة) ينطبق على واقع أمتنا ودولنا العربية والإسلامية التي أصاب جيوشها وقواتها العجز عن مقارعة الجيوش والقوى العالمية المُدججة بالوسائل التقنية, وهذا العجز أدخلها قصراً في غياهب القعود والاقتصار على لعب دور المُتفرج على ما يجري هنا أو هناك.
وبسبب هذا الهبوط الاضطراري والقعود الإجباري لجيوش الأمة, وفي ظل الظلم والعدوان الذي يقع على أبناء الأمة وأرضها في نواحي وأماكن مختلفة, وبسبب عجز المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الأمة الواحدة عن رفع ودفع هذا الظلم والعدوان, فإن نشوء حركات فردية كالتنظيمات العسكرية وانخراط ثُلةً من أبناء الأمة في صفوفها, يكاد يكون هو النافذة الوحيدة المتاحة أمامهم للتنفيس عن غيضٍ يسير من فيض الكبت والغضب الذي في نفوسهم, بالرغم من خطأ الممارسة التي يقومون بها ومردودها السلبي على مستقبلهم ومستقبل أمتهم ككل, هذا في حال سلمنا بأن هذه التنظيمات العسكرية الموجودة على الساحة هي بالفعل قامت بدافع الغيرة على مصالح الأمة, حيثُ أن الكثير من التنظيمات العسكرية القائمة التي تلبس عباءة الإسلام تحوم حولها أكثر من علامة استفهام؟ من حيث أسباب نشأتها؟ وأهدافها؟ وأهليتها لتبني دور المُنافح عن حقوق الأمة؟ وسلامة نهجها وصحة ممارستها؟ وحقيقة توظيفها من جهاتٍ داخلية أو خارجية لخدمة مصالح الأمة,  أو أن كثيراً منها هو عبارة عن تنظيمات وحركات وهمية ومُفتعلة الغاية منها هو هدم الأمة وتشويه سمعتها وخلق الأعذار لأعدائها للانقضاض عليها وإمضاء مخططاتهم الدنيئة فيها؟ كل هذه التساؤلات وغيرها تبقى مطروحة في خضم هذه الأمواج المتلاطمة من الفتن والاختلاف والتشويش السائد في أجواء الأمة والعالم ككل, وهذا هو الزمان الذي وصفه خير الأنام بأن الحليم يصيرُ فيه حيران, ويُكذبُ فيه الأُمناء ويُصدقُ الخُوان.

إن الجهاد بدايةً هو مُجاهدة النفس الأمارة بالسوء وردع نوازع الشر التي بداخلها, فإذا نجح الإنسان في امتحان مجاهدة نفسه وتوطينها على الطاعة وفضائل الأعمال ولو بأيةٍ يعلمها فيعمل بها ويوقن بما جاءت به, انتقل إلى جهاد من حولهُ بالمعروف بدعوتهم إلى فعل الخيرات وترك المُنكَرات, وقد أُثر عن جابر بن عبد الله عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنهُ قَدِم على قوم غزاة فقال: {قدمتم بخير مقدم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر, قيل وما الجهاد الأكبر قال مجاهدة العبد هواه} (6).

وأما الجهاد العسكري فقد شُرع في كل الأديان من الله الديَان لرد الظلم والعدوان وتطبيق شريعة الرحمَن, وإن لهذا الجهاد شروط وآداب تُبرر مشروعيته, وإن الله لم يشرع لنبيه (عليه الصلاة والسلام) وأصحابه الجهاد حتى ضمن لهم النصر والجنة يدخلونها بغير حساب, لما كان عليه حالهم من الطاعة والمعروف والثبات على النهج, وإن من النماذج على آداب الجهاد ما كان يعظ النبي (عليه الصلاة والسلام) به أصحابه قبل خروجهم لقتال عدوهم: {لا تقتلوا وليداً, لا تهدموا بيتاً, لا تقطعوا شجرة, لا تقتلوا شيخاً كبيراً ولا امرأة إلا من يقاتلكم ...} (7).

إن الجهاد تكليفٌ إلهي و واجبٌ مُقدس على من يستطيع أو يضطر إلى القيام به, وإن عدداً من التنظيمات التي ترفع راية الجهاد المُقدس تهيكل نفسها بالاعتماد على الغيرة والاندفاع غير المحسوب من قِبل شباب الأمة قليل التجربة, أو الشباب الساعي للخروج من دائرة الفشل وتحقيق مكاسب عجزوا عن الوصول إليها بالطرق والظروف المتاحة, أو من الميالين إلى العنف وتسوية الحسابات وتفريغ الأحقاد والعُقد الدفينة في نفوسهم.
وإننا لن نلمس انفراجاً حقيقياً في أزمة العنف والتطرف التي تنتشر في جميع أرجاء المعمورة حتى يتم رفع الظلم عن الشعوب والمجتمعات المقهورة, وحتى يجدُ رجال وأبناء الأمة المُخلصين العمل الكريم والنهج القويم الذي يستوعب طاقتهم ويُرضي قناعاتهم, وربما تنجح آلة البطش في ردع التنظيمات أو الأفراد لبعض الوقت, ولكنها ما أن تلبث حتى تعود من جديد في ثوبٍ وشكل جديد, طالما أن العلة الرئيسية لظهور هذا العنف والتطرف لم يتم تحليلها ومعالجتها بالشكل السليم.

وطالما كانت الدولة منقوصة السيادة أو عاجزة عن حماية أراضيها ورعاياها من أي تهديدٍ داخلي أو خارجي, وطالما كانت التنظيمات وحركات المقاومة تُقاتل داخل أراضيها أو حولها ضد عدو خارجي أو دخيل على بلادها أو متواطئ مع العدو, وكانت هذه التنظيمات تلتزم بآداب القتال وتراعي حقوق الإنسان ما كان إلى ذلك سبيلا, وتتعامل مع عدوها بالمثل, فلا ينبغي عندها الطعن بمشروعيتها وإنكار ما تؤديه من واجبات تجاه وطنها وأهلها, والذي يُنكر عليها ذلك هو العدو نفسه أو من يساعده في عدوانه ويتواطأ معه.

وفي ختام هذه الفقرة, بالقلم والسيف تحيى وتنهض الأُمم, فإن تخلف أحدهما عن الآخر تخلفت الأمة معه, وإنا إذا برزنا بعِلمِنا وأقلامنا بلا سيوف, كسرت سيوف أعداءنا أقلامنا, وإذا برزنا بسيوفنا بلا علمٍ وقلم كسرتنا سيوف وأقلام أعداءنا, وأما إذا برزنا بالقلم والسيف معاً, فإن سيوفنا سوف تحمي أقلامنا فلا يكسرنا أعداءنا.

لطيفة: الإمام الغائب  
بعد غزو  حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للأراضي الأفغانية, اضطر أفراد تنظيم القاعدة وطالبان إلى الفرار والاختباء بعيداً عن الضربات الجوية على معسكراتهم وأماكن تواجدهم, وبصفته المطلوب الأول على القائمة الأمريكية, فقد اختفى قائد التنظيم (أسامة بن لادن) عن الأنظار والأخبار طوال فترة الغزو وبعدها, ولا يمكننا الجزم فيما لو كان قُتل خلال القصف والاجتياح, أو أنه تمكن من النجاة بحياته والاختباء في مكانٍ آمنٍ في بعض شعاب تلك البلاد إلى وقتنا هذا.
ومن خلال قراءتنا لبعض الروايات التي وصلتنا من الأئمة الكرام في شأن الإمام المهدي (عليهم السلام), فإننا نلاحظ ثمة تشابه بين حالة اختفاء وغياب زعيم تنظيم القاعدة (أسامة بن لادن) وبين بعض غيبات الإمام المهدي المذكورة في الروايات, فعن أبي عبد الله الحسين بن علي، عليهما السلام، أنه قال: {لصاحب هذا الأمر يعني المهدي عليه السلام غيبتان؛ إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات. وبعضهم: قتل. وبعضهم: ذهب. ولا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره، إلا المولى الذي يلي أمره} (8).
وعن أبي جعفر محمد بن علي، عليهما السلام، قال: {يكون لصاحب هذا الأمر يعني المهدي عليه السلام غيبة في بعض هذه الشعاب، وأومأ بيده إلى ناحية ذي طوى، حتى إذا كان قبل خروجه، انتهى المولى الذي يكون معه حتى يلقى بعض أصحابه، فيقول: كم أنتم هاهنا؟ فيقولون: نحو من أربعين رجلاً فيقول: كيف أنتم لو رأيتم صاحبكم؟ فيقولون: والله لو ناوى الجبال لنناوينها معه. ثم يأتيهم من القابلة، فيقول: استبرئوا من رؤساكم أو خياركم عشرة، فيستبرئون له، فينطلق بهم، حتى يلقوا صاحبهم، ويعدهم الليلة التي تليها} (8).

ومن خلال هذه الروايات نستدل على أن الإمام المهدي يظهر ويعود بعد غيباته تلك, وأما بالنسبة ل (أسامة بن لادن) فإننا لا نزال غير متيقنين فيما لو أنه لا يزال يستطيع العودة والخروج من غيبتهِ أم لا؟!

عادل إمام (رسالة إلى الوالي)
قال تعالى: { فرجعَ موسى إلى قومهِ ...} 86, طه.
وفي اسم الممثل المصري الشهير والمحبوب (عادل إمام), نجدُ دلالة على عودة ومجيء الإمام المنتظر عليه السلام, ولاستخراج هذه الدلالة نقوم بتقسيم الاسم على النحو التالي:
 (عادل إمام = عاد + ل + إمام).
نعوض مكان حرف (ل) لفظه (لام) فتصبح المعادلة:
(عادل إمام = عاد + لام + إمام).
- عاد: بمعنى رجع.
- لام: الحرف الأوسط في المعادلة بين كلمتي (عاد) و (إمام), وعند وضع حرف الألف (ا) الأوسط في لفظ (لام) في نهايته فإنه يصبح (الم), وإن هذه الحروف الثلاثة على الترتيب تمثل النصف الأول من لقب المهدي (الم + هدي = المهدي).
- إمام: الذي يُقتدى به, والمهدي هو إمام وقدوة الناس في آخر الزمان.
وهكذا فإننا من خلال نتائج هذه الأقسام الثلاثة لمعادلة اسم (عادل إمام) نحصل على ما مفادهُ (عودة ورجوع الإمام المهدي عليه السلام).
عن الحسين بن علي , عليهما السلام , أنهُ قال : {لو قام المهدي لأنكرهُ الناس, لأنهُ يرجعُ إليهم شاباً موفقاً, وإنهُ من أعظم البليةِ أن يخرجُ إليهم صاحبهم شاباً, وهم يحسبونهُ شيخاً كبيراً} (9).

- ومن ناحيةٍ أخرى فإننا إذا أخذنا آخر وأول شق من هذه المعادلة على الترتيب فإننا  نحصل على جملة (إمام عاد).
 و(عاد) هو اسم قوم نبي الله هود عليه السلام وهو (إمامهم) في ذلك الزمان, ومن المصادفات الغريبة أن اسم النبي (هود) هو أكثر أسماء الأنبياء شبهاً بلقب الإمام (المهدي) عليهما السلام, قال تعالى: {وإلى عادٍ أخاهم هوداً. قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره, إن أنتم إلا مفترون 50} سورة هود.
- وإذا قمنا بتبديل أماكن شقيْ اسم (عادل إمام) بوضع اسم (إمام) أمام اسم (عادل) فإنه يصبح (إمام عادل):
 (عادل إمام = إمام عادل).
والإمام العادل هو بإذن الله الإمام المهدي بشهادة جده المصطفى (عليه وآله الصلاة والسلام), عن قيس بن جابر الصدفي, عن أبيه, عن جده, أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: {سيكون بعدي خلفاء, ومن بعد الخلفاء أُمراء, ومن بعد الأُمراء ملوك جبابرة, ثم يخرج المهدي من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً, ثُم يُؤَمر القحطاني فوالذي بعثني بالحق ما هو دُونه} أخرجه الطبراني في (مُعجمه).
بل وأكثر من ذلك فإن أعدلَ الخلفاء من جيل التابعين وأقربهم عهداً ببعث سيد المرسلين وهو الخليفة الأموي العدوي (عمر بن عبد العزيز) , لم يَبْلُغ عدلهُ عَدل الإمام المهدي رغم خروجه بعد ذلك العهد الشريف بقرون وسنين طويلة, فعن إبراهيم بن ميسرة قال: قلتُ لطاووس: {عمر بن عبد العزيز المهدي هو؟, قال: لا, إنه لم يستكمل العدلَ كله} (10).  

وبعيداً عن التقاطعات بين اسم (عادل إمام) وعودة وعدل الإمام المهدي عليه السلام, سوف أتحدث قليلاً عن الأعمال الفنية للمثل (عادل إمام) والعلاقة التفاعلية بينه وبين الجماهير العربية, حيث يُعتبر الفنان (عادل إمام) أحد أبرز الممثلين الذين استطاعوا رسم البسمة على شفاه المتفرجين, وقد دأب في الكثير من أعماله الفنية على تصوير نماذج من هموم ومعاناة المواطن المصري بطريقة مُضحكة وعفوية.

أنا وعادل إمام
وكواحد من الجماهير العربية فقد كنت استمتع بمشاهدة هذه الأعمال الفنية التي يقدمها (عادل إمام), وأذكر أنني في فترةٍ من الفترات التي كنتُ أشعرُ فيها بضيقٍ شديد، فإن أحد وسائل التسرية العفوية للتخلص من آثار هذا الضيق كانت من خلال مشاهدة أعمال الممثل (عادل إمام).
 
وإن الفنان عادل إمام هو من مواليد 17 مايو 1940 م، أي انه من مواليد برج الثور وبرج التنين وهو سيد الابراج الصينية، وهو في هذا مثلي تماما، حيث انني من مواليد 30 نيسان 1976م، أي مواليد برج الثور وكذلك في عام التنين، حيث أن سنة 1976 توافق سنة التنين الصينية.
وربما هذه هي من الأسرار الخفية لسطوع نجم عادل امام في سماء السينما المصرية، لما قد يتمتع به مواليد هاذين البرجين من قوة شخصية وظهور قوي وجريء وحس فني عالي وممتع.

 وفي الختام أرجو للفنان (عادل إمام) الذي هو أحد العلامات الفارقة في تاريخ التمثيل في مصر, أن يتوب الله عليه, ويغفر لهُ, ويُحسن خاتمتهُ.


الجزيرة + العربية
بعد الحديث عن المذيعات أنتقل إلى القنوات, وبشكل الخاص القنوات الإخبارية ممثلةً بأكبر القنوات وأكثرها متابعة من الجماهير, وهما قناة الجزيرة وقناة العربية.
وإذا جمعنا بين اسميْ هاتين المحطتين بحسب الأقدمية (الجزيرة ثم العربية), فإننا نحصل على اسم المنطقة الجغرافية التي تحتضن المقرات الرئيسية لهما وهي منطقة (الجزيرة العربية).
والجزيرة العربية أو جزيرة العرب هي المنطقة التي تضم ما يُعرف حالياً بدول الخليج الستة إضافة إلى اليمن.
وكما هو معلوم فإن المقر الرئيسي لمحطة الجزيرة هو دوحة قطر, والمقر الرئيسي لمحطة العربية هو دبي الإمارات.
وإن هذا التكامل بين اسميْ القناتين ربما يعكس التكامل الثقافي والمعلوماتي الذي تقدمهُ كلا القناتين للجماهير, وإن الاختلاف في أسلوب الطرح ومعالجة الخبر وتحليله ضمن مفهومه العام يثريه ويجعلنا نراهُ من زواياه المختلفة.    

وفي ختام هذه المقال, استميح العذر من الأشخاص أو الجهات التي سمحت نفسي التطفل على أسماءها وإظهار ما كان يخلدُ في فكري من معانيها, وتبقى هذه التعليلات مجرد خواطر وتأمُلات لهم الحق في تقبُلها أو رفضها بحسب فكرهم ومعتقداتهم واستعدادهم النفسي.
راجياً أن يكون المولى عز وجل قد وفقني إلى الصواب وسداد الرأي.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مراجع:
- كتاب عقد الدرر في أخبار المُنتظر.
- قاموس مختار الصحاح, لأبي بكر الرازي.
- موقع ويكيبديا.

هوامش:
(1) أخرجه الإمام أبو عمرو الداني، في سننه.
(2) رواه الحافظ أبو نعيم، في فوائده، وأخرجه الطبراني، في معجمه.
(3)- أخرجه جماعة من أئمة الحديث في كتبهم، منهم الإمام أبو عيسى الترمزي، في جامعه، والإمام أبو داود، في سننه، والحافظ أبو بكر البيهقي. والشيخ أبو عمرو الداني، كلهم هكذا.وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، في مسنده، وقال رجلاً مني، ولم يذكر اسم أبيه أسم أبي.
(4) أخرجه الإمام أبو عمرو المقري، في (سننه).
(5)- قاموس مُختار الصحَاح, الجذر (غين) و (نون).
(6) حديث ضعيف الإسناد.
(7) صحيح عن بُريدة الاسلمي.

(8)- كتاب عقد الدرر, الباب الخامس, (في أن الله يبعث من يوطئ لهُ قبل إمارته).  (9)- عقد الدرر , باب عدله وحِليته.
(10) أخرجهُ الحافظ بن حماد.
(11)- سورة الإسراء, آية 8.

مواضيع ذات صلة على هذا الرابط :

الخبر اليقين في بعث وظهور الإمام المُبين


* نُشر لأول مرة في مدونة المسبار السحري بتاريخ 25-12-2010
فكرة وإعداد : م. وليد عايد القراعين