الأربعاء، 20 مارس 2013

الذبيحان إسماعيل ويحيى عليهما السلام


بسم الله الرحمَن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيد ولد إسماعيل , سيدنا محمد وآله وصحبه خير الخلق أجمعين.

أما بعد ؛ نبيان كريمان من أبناء الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام-, أحدهما ذُبح في المنام وهو إسماعيل بن إبراهيم –عليهما السلام-, والآخر ذُبح ظُلماً وعدوان وهو يحي بن زكريا –عليهما السلام-.

وسوف أستعرض في هذا المقال جانباً من سيرة وقصة هاذين النبيين الكريمين, وذلك بما نزل من القرآن الحكيم في ذكرهم, مستأنساً بأحاديث النبي الكريم وأقوال كبار المفسرين, بالإضافة إلى وقفة خاصة ومتجددة مع بيان لطائف تفسيرية لمعاني الآية الثالثة عشرة من سورة البلد, والتي خضعت لها رقاب العباد.  قال تعالى: {فكُ رقبة 13}.

ذبيح المنام إسماعيل عليه السلام 

قال تعالى : {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ من الصابرين 102 فلما أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ 103 وناديناهُ أن يا إبراهيم 104 قد صدقت الرؤيا . إنا كذلك نجزي المحسنين 105 إنَ هذا لهوَ البلاءُ المبين 106 وفديناهُ بِذِبح ٍ عظيم 107} سورة الصافات .

لطائف التفسير :

{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ من الصابرين 102}   

رأى سيدنا إبراهيم عليه السلام في منامه أنه يذبح ولده , ورؤيا الأنبياء وحي من عند الله لا بدُ أن يتحقق , فعرف إبراهيم من الرؤيا أنه مأمور بذبح ِ ولده فلذة كبده , وكان إسماعيل قد بلغ السعي أي شبَ وأصبح يسعى مع أبيه ويعينه ، وقيل في كتب التفاسير مثل القرطبي والجلالين  أنه كان ابن (ثلاثة عشر عاما) عندما أُمر أبوه بذبحهِ , وهو نفس رقم الآية {فكُ رقبة 13} والتي تعني لفظياً فصل الرقبة عن الجسد .

{فلما أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ 103

عنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : [لَمَّا أُمِرَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْمَنَاسِكِ عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَان عِنْد السَّعْي فَسَابَقَهُ فَسَبَقَهُ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى جَمْرَة الْعَقَبَة فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَان فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَات حَتَّى ذَهَبَ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عِنْد الْجَمْرَة الْوُسْطَى فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَات وَثَمَّ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ ..] (1).

وفي الآية الكريمة أعلاه توافق عجيب مع تتابع الآيات الكريمة التالية ومعانيها : {فلا اقتحمَ العقبة 11 وما أدراك ما العقبة 12 فكُ رقبة 13}. وهذه الآيات هي من سورة البلد التي نزلت بمكة المكرمة واقسم الله بها في أول السورة , قال تعالى : {لا أقسمُ بهذا البلد 1} , وبمكة المكرمة سعى أبينا إبراهيم عليه السلام ناسكاً لله سبحانه وتعالى لتنفيذ أمره بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام , فاعترض الشيطان طريقه عند جمرة العقبة فجاهد إبراهيم عليه السلام نفسه ورماهُ بحَصَيَات حتى انصرف عنه , وتجاوزَ الخليل إبراهيم عليه السلام جمرة العقبة واقتحمها خاشعاً منقاداً لأمر الله تبارك وتعالى , رغم ما في نفسه من ثِقلٍ وحرج ٍ شديد مما سيفعلهُ بولده , وهذا مصداقاً لقوله تعالى : {فلا اقتحم العقبة 11} َقَالَ قَتَادَة في تفسيرها : إِنَّهَا عَقَبَة قَحْمَة شَدِيدَة فَاقْتَحِمُوهَا بطاعة الله.
وكذلك اقتحمها إبراهيم -عَلَيْهِ السلام- مُطيعاً لأمر الله ومُتجاوزاً لعقبة إشفاقه على ولده ونيران محبته له, فصَرَعَه على جبينه حتى لا يرى وجههُ فيشفق عليه , وَلِكُلِّ إنْسَان جَبِينَانِ بَيْنهمَا الْجَبْهَة وهذا معنى قولهُ تعالى تلهُ للجبين , وَكَانَ ذَلِكَ بِمِنًى وَأَمَرَّ السِّكِّين عَلَى حَلْق ِ إسماعيل عليه السلام فَلَمْ تَعْمَل شَيْئًا بِمَانِعٍ مِنْ الْقُدْرَة الْإِلَهِيَّة , وهذا مصداقاً لقوله تعالى : {فكُ رقبة 13} , إذ هم إبراهيمُ عليه السلام بفك رقبة ولده إسماعيل عليه السلام وفصلها عن جسده الكريم , ومن مثل ذلك قوله تعالى : {فلولا إذا بلغت الحلقوم 83 وأنتم حينئذ ٍ تنظرون 84 ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون 85} سورة الواقعة . بلغت الحلقوم : المراد بلغت الروح حلق الإنسان .

{وناديناهُ أن يا إبراهيم 104 قد صدقت الرؤيا . إنا كذلك نجزي المحسنين 105 إنَ هذا لهوَ البلاءُ المبين 106 وفديناهُ بِذِبح ٍ عظيم 107}
 في هذه الآيات الكريمة استكمالاً للتوافق القرآني العجيب , فبعد أن أخبر الله سبحانه وتعالى في سورة البلد عن اقتحام العقبة ثم فك الرقبة , وتوافقهما مع قوله تعالى : {فلما أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ 103}, جاءت الآيات التالية لهذه الآيات في كلتا السورتين متوافقة كذلك في معناها ومغزاها , إذ قال الله في سورة البلد : {فكُ رقبة 13 أو إطعامٌ في يوم ٍ ذي مسغبة 14 يتيماً ذا مقربة 15 أو مسكيناً ذا متربة 16} أي يا إبراهيم إذا كنت لا تطيق ذبح ولدك إسماعيل , فإن الله جَلت قدرته قد رفع عنك أمر الذبح وفدى ولدك بكبش عظيم - قال ابن عباس : ((خَرَجَ عَلَيْهِ كَبْش مِنْ الْجَنَّة أبيض أقرن أعين قَدْ رَعَى قَبْل ذَلِكَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا)) فأَطْعِم به الجائعين وتصدق منه على اليتامى والمساكين , ثم جعل الله هذه المناسك فريضةً على المسلمين وبراءةً من الشرك بهِ إلى يوم الدين.

* ثم أنه لإكمال عقد التوافق والتشابه في الآيات المبينة أعلاه في السور الثلاثة , الصافات التي جاء بها قصة ذبح إسماعيل عليه السلام ابتداءً من الآية 102 , والواقعة ابتداءً من قوله تعالى {فلولا إذا بلغت الحلقوم 83} , والبلد ابتداءً من قوله تعالى : {فلا اقتحم العقبة 11} , فإننا نجد أن نهاية فقرات هذه الآيات في السور الثلاثة جاءت متشابهة أيضاً , حيث سلمَ الله على إبراهيم عليه السلام في آخر القصة في سورة الصافات بقوله تعالى : {سلامٌ على إبراهيم 109} , وسلم الله على أصحاب اليمين في توابع الآية 83 في سورة الواقعة , قال تعالى : {وأما إن كان من أصحاب اليمين 90 فسلامٌ لك من أصحاب اليمين 91} , وأثنى الله على أصحاب اليمين في توابع الآية 11 من سورة البلد ,  بقوله تعالى : {ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة 17 أولئك أصحاب الميمنة 18} , وهذا دليلٌ إضافي على الصياغة الإعجازية للقرآن الكريم , حيث جاءت قصة فداءُ إسماعيل عليه السلام , بعدة سور بصورةٍ مباشرة وغير مباشرة , نعرفها ونستنبطها من معاني ألفاظ الآيات وتفسيرها وترتيبها الرقمي وتتابعها ونهاياتها.
وللأمانة فإنه في طيات هذه السور والآيات المزيد من الدلالات والمفارقات العجيبة , إلا أنني آثرتُ عدم إدراجها في هذا البحث حتى لا يشق على القارىء استيعابها , ويصيبه الملل من كثرتها وتكرارها .        

وأخيراً وليس آخراً , فقد جاء في تفسير معنى الآية الكريمة موضوع البحث {فكُ رقبة 13}, ما يدل على حادثة فداء رقبة إسماعيل عليه السلام , عَنْ سُلَيْم بْن عَامِر أَنَّ شُرَحْبِيل بْن السِّمْط قَالَ لِعَمْرِو بْن عَبَسَة حَدِّثْنَا حَدِيثًا لَيْسَ فِيهِ تَزَيُّد وَلَا نِسْيَان قَالَ عَمْرو سَمِعْت رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُول: {مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَة مُسْلِم كَانَتْ فِكَاكه مِنْ النَّار عُضْوًا بِعُضْوٍ وَمَنْ شَابَ شَيْبَة فِي سَبِيل اللَّه كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْم الْقِيَامَة وَمَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فَبَلَغَ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ كَانَ كَمُعْتِقِ رَقَبَة مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيل} (2).

سلام رب البرية على يحيى ابن زكريا

 قال تعالى : {يا زكريآ إنا نبشركَ بغلام ٍ اسمهُ يَحيى لم نجعل لهُ من قبلُ سمياً 7} مريم.
النبي يحيى بن زكريا -عليهما الصلاة والسلام- هو ولي مهدي من الرعيل الآخر الذين ختمَ الله بهم دين بني إسرائيل كما بدأه بموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام.

يحيى -عليه الصلاة والسلام- هو النبي الزاهد الناسك الذي مَلكَ الدنيا بعلمه وفهمه وملأها بالمحبة والحنان هديةً من الله الواحد المنان ، أحبه الناس وأحبته الطيور والوحوش والصحاري والجبال ، ثم أُهدر دمهُ الطاهر لكلمة حق قالها في بلاط ملك ظالم بشأن أمر يتعلق بامرأة فاسقة. 

 قال سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن شمر بن عطية قال‏ :‏ (قتل على الصخرة التي ببيت المقدس سبعون نبيا ً، منهم يحيى بن زكريا عليهما السلام) .

 [قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَالصَّحِيح مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق قَالَ : لَمَّا رَفَعَ اللَّه عِيسَى مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ وَقَتَلُوا يَحْيَى - وَبَعْض النَّاس يَقُول : لَمَّا قَتَلُوا زَكَرِيَّا - بَعَثَ اللَّه إِلَيْهِمْ مَلِكًا مِنْ مُلُوك بَابِل يُقَال لَهُ : خردوس , فَسَارَ إِلَيْهِمْ بِأَهْلِ بَابِل وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ بِالشَّأْمِ , ثُمَّ قَالَ لِرَئِيسِ جُنُوده : كُنْت حَلَفْت بِإِلَهِي لَئِنْ أَظْهَرَنِي اللَّه عَلَى بَيْت الْمَقْدِس لَأَقْتُلَنَّهُمْ حَتَّى تَسِيل دِمَاؤُهُمْ فِي وَسَط عَسْكَرِيّ , وَأَمَرَ أَنْ يَقْتُلهُمْ حَتَّى يَبْلُغ ذَلِكَ مِنْهُمْ , فَدَخَلَ الرَّئِيس بَيْت الْمَقْدِس فَوَجَدَ فِيهَا دِمَاء تَغْلِي , فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا : دَم قُرْبَان قَرَّبْنَاهُ فَلَمْ يُتَقَبَّل مِنَّا مُنْذُ ثَمَانِينَ سَنَة . قَالَ مَا صَدَقْتُمُونِي , فَذَبَحَ عَلَى ذَلِكَ الدَّم سَبْعمِائَةٍ وَسَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ رُؤَسَائِهِمْ فَلَمْ يَهْدَأ , فَأَتَى بِسَبْعِمِائَةِ غُلَام مِنْ غِلْمَانهمْ فَذُبِحُوا عَلَى الدَّم فَلَمْ يَهْدَأ , فَأَمَرَ بِسَبْعَةِ آلَاف مِنْ سَبْيهمْ وَأَزْوَاجهمْ فَذَبَحَهُمْ عَلَى الدَّم فَلَمْ يَبْرُد , فَقَالَ : يَا بَنِي إِسْرَائِيل , اُصْدُقُونِي قَبْل أَلَّا أَتْرُك مِنْكُمْ نَافِخ نَار مِنْ أُنْثَى وَلَا مِنْ ذَكَر إِلَّا قَتَلْته . فَلَمَّا رَأَوْا الْجَهْد قَالُوا : إِنَّ هَذَا دَم نَبِيّ مِنَّا كَانَ يَنْهَانَا عَنْ أُمُور كَثِيرَة مِنْ سَخَط اللَّه فَقَتَلْنَاهُ , فَهَذَا دَمه , كَانَ اِسْمه يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , مَا عَصَى اللَّه قَطُّ طَرْفَة عَيْن وَلَا هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ . فَقَالَ : الْآن صَدَقْتُمُونِي , وَخَرَّ سَاجِدًا ثُمَّ قَالَ : لِمِثْلِ هَذَا يُنْتَقَم مِنْكُمْ , وَأَمَرَ بِغَلْقِ الْأَبْوَاب وَقَالَ : أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ جَيْش خردوس , وَخَلَا فِي بَنِي إِسْرَائِيل وَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه يَا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا قَدْ عَلِمَ رَبِّي وَرَبّك مَا قَدْ أَصَابَ قَوْمك مِنْ أَجْلك , فَاهْدَأْ بِإِذْنِ اللَّه قَبْل أَلَّا أُبْقِي مِنْهُمْ أَحَدًا . فَهَدَأَ دَم يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا بِإِذْنِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَرَفَعَ عَنْهُمْ الْقَتْل وَقَالَ : رَبّ إِنِّي آمَنْت بِمَا آمَنَ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل وَصَدَّقْت بِهِ ; فَأَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَى رَأْس مِنْ رُءُوس الْأَنْبِيَاء : إِنَّ هَذَا الرَّئِيس مُؤْمِن صَدُوق . ثُمَّ قَالَ : إِنَّ عَدُوّ اللَّه خردوس أَمَرَنِي أَنْ أَقْتُل مِنْكُمْ حَتَّى تَسِيل دِمَاؤُكُمْ وَسَط عَسْكَره , وَإِنِّي لَا أَعْصِيه , فَأَمَرَهُمْ فَحَفَرُوا خَنْدَقًا وَأَمَرَ بِأَمْوَالِهِمْ مِنْ الْإِبِل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير وَالْبَقَر وَالْغَنَم فَذَبَحُوهَا حَتَّى سَالَ الدَّم إِلَى الْعَسْكَر , وَأَمَرَ بِالْقَتْلَى الَّذِينَ كَانُوا قُتِلُوا قَبْل ذَلِكَ فَطُرِحُوا عَلَى مَا قُتِلَ مِنْ مَوَاشِيهمْ , ثُمَّ اِنْصَرَفَ عَنْهُمْ إِلَى بَابِل , وَقَدْ كَادَ أَنْ يُفْنِي بَنِي إِسْرَائِيل.] (3).

وقد ذكرت الآثار التاريخية والسندية التي رُويت عن قصة استشهادهِ عليه السلام:  ((أن سالومي طلبت من عمها هيرودانتيباس أن يقدم رأس يوحنا المعمدان النبي على طبق لأمها هيروديا إرضاء لها وخلاصا من نقده لها بعد أن عارض يوحنا ذلك الزواج لأن فيليب العم كان على قيد الحياة. حقق انتيباس ما أرادته ابنة أخيه رغم معارضته في بداية الأمر , وكان ذلك في يوم عيدهم الذي يجتمعون فيه في كل عام ، وكانت سُنة الملك أن يوعد ولا يخلف ولا يكذب‏ في ذلك اليوم , وذبح أجناده يحيى عليه السلام في طشت وحملوا رأسه ودمه إليها ,‏ فوضع بين يديها ، فلما أمسوا خسف الله بالملك ، وأهل بيته وحشمه , فلما أصبحوا قالت بنو إسرائيل ‏:‏ قد غضب إلَاه زكريا لزكريا ، فتعالوا حتى نغضب لملكنا فنقتل زكريا‏‏)).
وقد ورد معنى هذه الرواية في حديث رواه إسحاق بن بشر في كتابه (المبتدأ) , وروى أصل هذه القصة الحاكم في (المستدرك) من حديث عبد الله بن الزبير , وروى أيضا من حديث ابن عباس : {أن دم يحيى كان يفورحتى قتل عليه بختنصر من بني إسرائيل سبعين ألفا فسكن} (4).

[قَالَ السُّدِّيّ : كَانَ مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل يُكْرِم يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا وَيَسْتَشِيرهُ فِي الْأَمْر , فَاسْتَشَارَهُ الْمَلِك أَنْ يَتَزَوَّج بِنْت أَمْرَأَة لَهُ فَنَهَاهُ عَنْهَا وَقَالَ : إِنَّهَا لَا تَحِلّ لَك ; فَحَقَدَتْ أُمّهَا عَلَى يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَام , ثُمَّ أَلْبَسَتْ اِبْنَتهَا ثِيَابًا حُمْرًا رِقَاقًا وَطَيَّبَتْهَا وَأَرْسَلَتْهَا إِلَى الْمَلِك وَهُوَ عَلَى شَرَابه , وَأَمَرَتْهَا أَنْ تَتَعَرَّض لَهُ , وَإِنْ أَرَادَهَا أَبَتْ حَتَّى يُعْطِيهَا مَا تَسْأَلهُ ; فَإِذَا أَجَابَ سَأَلَتْ أَنْ يُؤْتَى بِرَأْسِ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا فِي طَسْت مِنْ ذَهَب ; فَفَعَلَتْ ذَلِكَ حَتَّى أُتِيَ بِرَأْسِ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا وَالرَّأْس تَتَكَلَّم حَتَّى وُضِعَ بَيْن يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُول : لَا تَحِلّ لَك ; لَا تَحِلّ لَك ; فَلَمَّا أَصْبَحَ إِذَا دَمه يَغْلِي , فَأَلْقَى عَلَيْهِ التُّرَاب فَغَلَى فَوْقه , فَلَمْ يَزَلْ يُلْقِي عَلَيْهِ التُّرَاب حَتَّى بَلَغَ سُوَر الْمَدِينَة وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَغْلِي ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ وَغَيْره . وَذَكَرَ اِبْن عَسَاكِر الْحَافِظ فِي تَارِيخه عَنْ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ قَالَ : كَانَ مَلِك مِنْ هَذِهِ الْمُلُوك مَاتَ وَتَرَكَ اِمْرَأَته وَابْنَته فَوَرِثَ مُلْكه أَخُوهُ , فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّج اِمْرَأَة أَخِيهِ , فَاسْتَشَارَ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا فِي ذَلِكَ , وَكَانَتْ الْمُلُوك فِي ذَلِكَ الزَّمَان يَعْمَلُونَ بِأَمْرِ الْأَنْبِيَاء , فَقَالَ لَهُ : لَا تَتَزَوَّجهَا فَإِنَّهَا بَغِيّ ; فَعَرَفَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَة أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَهَا وَصَرَفَهُ عَنْهَا , فَقَالَتْ : مِنْ أَيْنَ هَذَا ! حَتَّى بَلَغَهَا أَنَّهُ مِنْ قِبَل يَحْيَى , فَقَالَتْ : لَيُقْتَلَنَّ يَحْيَى أَوْ لَيُخْرَجَنَّ مِنْ مُلْكه , فَعَمَدَتْ إِلَى اِبْنَتهَا وَصَنَّعَتْهَا , ثُمَّ قَالَتْ : اِذْهَبِي إِلَى عَمّك عِنْد الْمَلَأ فَإِنَّهُ إِذَا رَآك سَيَدْعُوك وَيُجْلِسك فِي حِجْره , وَيَقُول سَلِينِي مَا شِئْت , فَإِنَّك لَنْ تَسْأَلِينِي شَيْئًا إِلَّا أَعْطَيْتُك , فَإِذَا قَالَ لَك ذَلِكَ فَقُولِي : لَا أَسْأَل إِلَّا رَأْس يَحْيَى . قَالَ : وَكَانَتْ الْمُلُوك إِذَا تَكَلَّمَ أَحَدهمْ بِشَيْءٍ عَلَى رُءُوس الْمَلَأ ثُمَّ لَمْ يُمْضِ لَهُ نُزِعَ مِنْ مُلْكه ; فَفَعَلَتْ ذَلِكَ . قَالَ : فَجَعَلَ يَأْتِيه الْمَوْت مِنْ قَتْله يَحْيَى , وَجَعَلَ يَأْتِيه الْمَوْت مِنْ خُرُوجه مِنْ مُلْكه , فَاخْتَارَ مُلْكه فَقَتَلَهُ . قَالَ : فَسَاخَتْ بِأُمِّهَا الْأَرْض . قَالَ اِبْن جُدْعَان : فَحَدَّثْت بِهَذَا الْحَدِيث اِبْن الْمُسَيِّب فَقَالَ أَفَمَا أَخْبَرَك كَيْفَ كَانَ قَتْل زَكَرِيَّا ؟ قُلْت لَا ; قَالَ : إِنَّ زَكَرِيَّا حَيْثُ قُتِلَ اِبْنه اِنْطَلَقَ هَارِبًا مِنْهُمْ وَاتَّبَعُوهُ حَتَّى أَتَى عَلَى شَجَرَة ذَات سَاقَ فَدَعَتْهُ إِلَيْهَا فَانْطَوَتْ عَلَيْهِ وَبَقِيَتْ مِنْ ثَوْبه هُدْبَة تَكْفِتهَا الرِّيَاح , فَانْطَلَقُوا إِلَى الشَّجَرَة فَلَمْ يَجِدُوا أَثَره بَعْدهَا , وَنَظَرُوا بِتِلْكَ الْهُدْبَة فَدَعَوْا بِالْمِنْشَارِ فَقَطَعُوا الشَّجَرَة فَقَطَعُوهُ مَعَهَا.
قلت: وَقَعَ فِي التَّارِيخ الْكَبِير لِلطَّبَرِيِّ فَحَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش عَنْ الْمِنْهَال عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : ( بَعَثَ عِيسَى ابْن مَرْيَم يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا فِي اِثْنَيْ عَشَر مِنْ الْحَوَارِيِّينَ يُعَلِّمُونَ النَّاس , قَالَ : كَانَ فِيمَا نَهَوْهُمْ عَنْهُ نِكَاح اِبْنَة الْأَخ , قَالَ : وَكَانَ لِمَلِكِهِمْ اِبْنَة أَخ تُعْجِبهُ . .. ) وَذَكَرَ الْخَبَر بِمَعْنَاهُ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : ( بُعِثَ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا فِي اِثْنَيْ عَشَر مِنْ الْحَوَارِيِّينَ يُعَلِّمُونَ النَّاس , وَكَانَ فِيمَا يُعَلِّمُونَهُمْ يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ نِكَاح بِنْت الْأُخْت , وَكَانَ لِمَلِكِهِمْ بِنْت أُخْت تُعْجِبهُ , وَكَانَ يُرِيد أَنْ يَتَزَوَّجهَا , وَكَانَ لَهَا كُلّ يَوْم حَاجَة يَقْضِيهَا , فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ أُمّهَا أَنَّهُمْ نَهَوْا عَنْ نِكَاح بِنْت الْأُخْت قَالَتْ لَهَا : إِذَا دَخَلْت عَلَى الْمَلِك فَقَالَ أَلَك حَاجَة فَقُولِي: حَاجَتِي أَنْ تَذْبَح يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا ; فَقَالَ : سَلِينِي سِوَى هَذَا ! قَالَتْ : مَا أَسْأَلك إِلَّا هَذَا. فَلَمَّا أَبَتْ عَلَيْهِ دَعَا بِطَسْتٍ وَدَعَا بِهِ فَذَبَحَهُ , فَنَدَرَتْ قَطْرَة مِنْ دَمه عَلَى وَجْه الْأَرْض فَلَمْ تَزَلْ تَغْلِي حَتَّى بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ بُخْتَنَصَّرَ فَأَلْقَى فِي نَفْسه أَنْ يَقْتُل عَلَى ذَلِكَ الدَّم مِنْهُمْ حَتَّى يَسْكُن ذَلِكَ الدَّم , فَقَتَلَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ سَبْعِينَ أَلْفًا , فِي رِوَايَة خَمْسَة وَسَبْعِينَ أَلْفًا. قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : هِيَ دِيَة كُلّ نَبِيّ.
وَعَنْ زَيْد بْن وَاقِد قَالَ : رَأَيْت رَأْس يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَام حَيْثُ أَرَادُوا بِنَاء مَسْجِد دِمَشْق أُخْرِجَ مِنْ تَحْت رُكْن مِنْ أَرْكَان الْقُبَّة الَّتِي تَلِي الْمِحْرَاب مِمَّا يَلِي الشَّرْق , فَكَانَتْ الْبَشَرَة وَالشَّعْر عَلَى حَاله لَمْ يَتَغَيَّر.] (4).

 وتشير معظم الدراسات التاريخية والأثرية إلى أن نهاية حياة النبي يحيى -عليه السلام- كانت عن عمرٍ يناهز الثلاثين عاماً, وله مقامٌ في بلدة مكاور في الأردن أو ما يعرف بـالمشنقة , على رأس جبل مكاور الشاهد الديني العتيق الذي يطل على البحرالميت والقدس , بالقرب من مغطس السيد المسيح عليه السلام.

وسأقدم فيما يلي لطائف رقمية ولفظية لإثبات العلاقة المجازية بين مقتل الشهيد يحيى بن زكريا والآية الكريمة رقم 13 من سورة البلد :

* إن ظاهر لفظ {فك رقبة} يصح أن يكون بمعنى (قطع الرأس أو فصل الرقبة عن بقية الجسد). وإن رقم الآية الكريمة {فك رقبة 13} يُلفظ على النحو التالي: (ثلاثة عشرة) , ولو قمنا بضرب الرقمين (ثلاثة وعشرة) فإن النتيجة تكون (ثلاثين), [3× 10 = 30].
وإن العدد 30 هو عمر سيدنا يحيى عليه السلام عندما قُطِعَ رأسه واستشهد.

* كذلك فإن رقم الآية الكريمة (13) مكون من رقمين هما(ثلاثة و واحد).
فأما (الثلاثة) فإنها ترمز إلى عدد التسليمات من الله السلام على يحيى بن زكريا –عليهما السلام-, وأما (الواحد) فإنه يرمز إلى الإنسان الوحيد الذي خصه الله بهذه التسليمات في كتابه الكريم وهو سيدنا يحيى, إذ أنه -عليه السلام- كما جاء عنه في قول سُفْيَان بْن عُيَيْنَة : {أَوْحَش مَا يَكُون الْمَرْء فِي ثَلَاثَة مَوَاطِن يَوْم يُولَد فَيَرَى نَفْسه خَارِجًا مِمَّا كَانَ فِيهِ , وَيَوْم يَمُوت فَيَرَى قَوْمًا لَمْ يَكُنْ عَايَنَهُمْ , وَيَوْم يُبْعَث فَيَرَى نَفْسه فِي مَحْشَر عَظِيم , قَالَ فَأَكْرَمَ اللَّه يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا فَخَصَّهُ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ في هذه المواطن الثلاثة}.
قال تعالى : {وَسَلَام عَلَيْهِ يَوْم وُلِدَ وَيَوْم يَمُوت وَيَوْم يُبْعَث حَيًّا 15} سورة مريم. (5).

والسلام عليه يوم ولادته هو أنه وُلد لأبوين مؤمنين يُعلمانه كتاب الله وشرعه ويُعوذانهِ من وسوسة الشيطان وشِركه. عن ابن مسعود رضي اللهُ عنه , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {خلق الله يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا وخلق فرعون في بطن أمه كافرا‏} (6).

والسلام عليه (يوم موته وبعثه) هو أنهُ مات نبياً شهيداً ثابتاً على الحق غير مفتون , تشهده الملائكة حين يُقتل إكراماً له, ويأتي يوم القيامة ومعه شاهد يشهد له وهو دمه وجرحه.
جاء في الحديث عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: {إن للشهيد ست خصال أن يغفر له من أول دفقة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج باثنتين وسبعين من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه}. 
 وقد جاء في فضل يحيى -عليه الصلاة والسلام- ما قالهُ قُتادة : عن سعيد ابن المُسَيَبْ أنهُ كان يذكُر قال :  قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {مَا مِنْ أَحَد يَلْقَى اللَّه يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا ذَا ذَنْب إِلَّا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا} قَالَ قَتَادَة : مَا أَذْنَبَ وَلَا هَمَّ بِامْرَأَةٍ. (7).

وعَنْ قَتَادَة أَنَّ الْحَسَن قَالَ : إِنَّ يَحْيَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام اِلْتَقَيَا , فَقَالَ لَهُ عِيسَى : اِسْتَغْفِرْ لِي أَنْتَ خَيْر مِنِّي , فَقَالَ لَهُ الْآخَر : أَنْتَ خَيْر مِنِّي , فَقَالَ لَهُ عِيسَى : أَنْتَ خَيْر مِنِّي سَلَّمْتُ عَلَى نَفْسِي وَسَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْك فَعُرِفَ وَاَللَّه فَضْلهمَا] (8).

وفي روايةٍ أخرى, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خرج يوماً على أصحابه فوجدهم يتذاكرون فضل الأنبياء :
قال قائل : موسى كليم الله.
وقال قائل : عيسى روح الله وكلمته.
وقال قائل : إبراهيم خليل الله.
ومضى الصحابة يتحدثون عن الأنبياء ، فتدخل الرسول عليه الصلاة والسلام حين رآهم لا يذكرون يحيي. {أين الشهيد ابن الشهيد ؟ يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب. أين يحيي بن زكريا ؟} (9).

آخر العلامات
عن أنس بن مالك أنهُ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {لا يزدادُ الأمرُ إلا شِدة , ولا الدنيا إلا إدباراً , ولا الناسُ إلا شُحاً , ولا تقُومُ الساعة إلا على شِرار الناس , ولا المهدي إلا عيسى ابنُ مريم} (10).

قد يتبادر لذهن بعض من يقرأ هذا الحديث أن المهدي هو عيسى ابنُ مريم عليهم السلام أجمعين, ولكن في الحقيقة فإن المشهور هو أن المهدي هو رجل غير عيسى -عليهما السلام- وأنهما سوف يلتقيان, وذلك عند نهاية ولاية الإمام المهدي وبداية خلافة عيسى –عليهما السلام-.
ولعل المعنى المُراد من قول النبي عليه الصلاة والسلام : (ولا المهدي إلا عيسى ابن مريم) , هو أن المهدي بالنسبة لأمة الإسلام كعيسى ابن مريم -عليهم السلام جميعاً- بالنسبة لبني إسرائيل فكلاهُما آخر إمام يُبعث من أمته, عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب , رضي الله عنه , قال : {قلتُ يا رسول الله , أمنا المهدي , أو من غيرنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل منا , يختمُ الله به الدين كما فتحهُ بنا} أخرجهُ الطَبَرَاني.

وأوجه التشابه والتطابق بين إمامة المهدي وعيسى ابن مريم -عليهم السلام أجمعين- في آخر الزمان أكثر من أن تُحصى في هذه الفقرة القصيرة, ولكن ما يعنيني في هذا المقام هو أن آخر علامة كانت قبل إرسال عيسى عليه السلام وقيامهُ واعظاً في بني إسرائيل هي قتل النفس الزكية يحيى بن زكريا عليهم السلام أجمعين, وكما جاء في خبر المهدي عليه السلام فإن آخر علامة تتحقق قبل بعثه الشريف هي أيضاً قتل النفس الزكية, عن عمار بن ياسر , قال : {إذا قُتل النفس الزكية وأخوهُ يُقتلُ بمكة ضيعةُ, نادى مُنادٍ من السماء: إنَ أميركم فلان. وذلك المهدي الذي يملأ الأرضَ حقاً وعدلاً} (11).
 وقد اختلفت الروايات في تحديد من هي هذه النفس الزكية وهذا من لطف الله بعباده, وما أكثرها في هذه الأيام تلك الأنفس الزكية التي تُقتل في هذه الأمة من أطفالٍ رُضع وشيوخٍ رُكَع وعبادٍ صالحين مما يُنذر بقرب خروج الإمام المُبين.


[عَنْ قُرَّة بْن خَالِد قَالَ : مَا بَكَتْ السَّمَاء عَلَى أَحَد إِلَّا عَلَى يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا وَالْحُسَيْن بْن عَلِيّ ; وَحُمْرَتهَا بُكَاؤُهَا], [وَعَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : ( أَوْحَى اللَّه إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي قَتَلْت بِيَحْيَى بْن زَكَرِيَّا سَبْعِينَ أَلْفًا , وَإِنِّي قَاتِل بِابْنِ اِبْنَتك سَبْعِينَ أَلْفًا وَسَبْعِينَ أَلْفًا )] (12).
ولا جَرمَ أن النفس الزكية السابقة لزمانها والتي لا تزالُ دماءها تجري في عروق شهداء هذه الأمة الأبية هي نفس إمام الشُهداء أبي عبد الله الحسين بن علي -عليهما السلام-, ولن تسكُن دماء يحيى آل محمد الإمام الزكي الطاهر النقي الحسين -عليه وآله الصلاة والتسليم- , إلا بظهور الحق وقيام دولة أهل الله وآل محمد (عليه الصلاة والسلام) في الأرض لا يضرهم من خالفهم, وهم في آخر الزمان المهدي وعيسى ابن مريم وأنصارهم. عليهم سلام الله جميعاً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحابته والتابعين. 

الهوامش:
1- مختصر تفسير ابن كثير .
2- وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بَعْض هذا الحديث وذكره ابن كثير في تفسيره .
3- كتاب (الجامع لأحكام القرآن) المشهور ڊ (تفسير القُرطبي), آية 7 من سورة بني إسرائيل.
4- من كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري. 
5- رَوَاهُ اِبْن جَرِير وذُكر في كتب التفسير.
6- قال الهثيمي إسنادهُ جيد.‏
7- حديث مُرْسَل.
8- مختصر تفسير ابن كثير.
9- روى مثلهُ ابن عساكر عن ابن شهاب مرسلاً.
10- أخرجهُ ابن ماجة في كتاب الفتن.
11- أخرجهُ الإمام نعيم بن حماد في كتاب (الفتن).
12- - كتاب (الجامع لأحكام القرآن) المشهور ڊ (تفسير القُرطبي), آية 7 من سورة بني إسرائيل.


* الفقرة الأولى التي تحدثت عن قصة سيدنا إسماعيل عليه السلام نُشرت لأول مرة في مدونة المسبار السحري بتاريخ 16-8-2007 في مقال منفصل.
الفقرة الثانية التي تحدثت عن قصة سيدنا يحيى عليه السلام نُشرت لأول مرة في مدونة المسبار السحري بتاريخ 18-9-2007.

* من فكرة وإعداد : م.وليد القراعين



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق