الأحد، 10 مارس 2013

حرب الفرار وبركان الغضب في البحار


   بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أكرم النبيين سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه والتابعين, وتابعيهم بإحسان ٍ إلى يوم الدين.
أما بعد ؛ [هذا هو الموضوع الثالث الذي أنشرهُ منذ بداية هذه السنة, والسبب في شُح المواضيع الجديدة المنشورة قياساً بالسنوات الماضية هو قلة أوقات الفراغ, وذلك ناجمٌ عن ازدياد ضغوطات العمل والوظيفة, والالتزامات العائلية, والأحداث الطارئة الأخرى التي لا تترك سوى سويعات قليلة لممارسة هواياتي في البحث والكتابة.

قال تعالى: {أوْلى لك فأوْلى 34 ثُم أوْلى لك فأوْلى 35} القيامة.
ويتزامن نشري لهذا البحث الذي كنتُ قد أعددتُ جزءً كبيراً منهُ في وقت سابق, مع ذكرى مرور أربعة وثلاثين (34) سنة على مولدي بحسب التقويم الشمسي, وخمسة وثلاثين (35) عام بحسب التقويم القمري, حيثُ أنني من مواليد (30-4-1976) ميلادي, و (1-5 [جمادى الأولى]-1396) هجري, قال تعالى: {والشمسُ تجري لمُستقرٍ لها. ذلك تقدير العزيز العليم 38 والقمر قَدَرْناهُ منازل حتى عاد كالعرجون القديم 39 لا الشمسُ ينبغي لها أن تدركَ القمر ولا الليلُ سابقُ النهار. وكلٌ في فلكٍ يسبحون 40} يس.

ومن اللطائف العددية في سنين عمري الشمسية التي أكملتها في هذه السنة, أنني أجدها منطوية بصورةٍ عكسية في اليوم والشهر اللذان ولدتُ فيهما, حيثُ أن عُمري هو (أربعة وثلاثين), بينما تاريخ ميلادي هو 30-4 (ثلاثين أربعة) 1976م.
كذلك فقد صادف تاريخ (30-4) لهذه السنة يوم (الجمعة), وهذا يوافق اليوم الذي ولدتُ فيه في تاريخ (30-4) من سنة (1976), والذي كان يصادف أيضاً يوم (الجمعة)] (1).

وبعد هذه المقدمة الشخصية ننتقل إلى موضوع بحثنا الذي سوف يدور حول شرح مُلابسات فِرار بني إسرائيل من مملكة الفراعنة, ووقوع فرعون وجنده ومن سار معهم في مصيدة العذاب والنار, في يومٍ عظيمٍ من أيام الله القادر الجبار.

ويتضمن هذا المقال أيضا فقرات منوعة مرتبطة بفكرة البحث الأساسية, مما تيسر وفتح الله به عليَ من لطائف تفسيرية وعددية ونحوها, وكنتُ قد قدمتُ في بحث (الوليد بن عمران موسى عليه السلام ج3) فقرةً خاصة مرتبطة بهذا الموضوع, بينتُ فيها كيفية انطواء معجزة انشقاق البحر بعصا موسى عليه السلام  في حروف اسمي الثلاثي (وليد أحمد محمد).
    
بداية النهاية
قال تعالى: {وأوحينا إلى موسى أن أسرِ بعبادي إنكم مُتبعون 52} الشُعراء.
لما طال مقام موسى عليه السلام ببلاد مصر, وأقام بها حجج الله وبراهينهُ على فرعون وملئه, وهم مع ذلك يُكابرون ويُعاندون, لم يبقَ إلا العذاب والنَكال, فأمر الله موسى عليه السلام أن يخرج ببني إسرائيل ليلاً من مصر, ففعل موسى عليه السلام ما أمرهُ ربه ومضى ببني إسرائيل إلى أن انتهى بهم المسير إلى سيف البحر, وهو بحر القلزم أو ما يُعرف اليوم بسم (البحر الأحمر), وهذا ما دلت عليه كُتب التفسير والروايات الدينية والتاريخية.

قال تعالى: {فأتبعوهم مُشرقين 60 فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون 61 قال كلا, إن معيَ ربي سيهدين 62} الشعراء.
فلما عَلِم فرعون بخروج موسى وبني إسرائيل معه وهربهم من أرض مصر في جُنحِ الظلام, جمع قادتهُ وجيشهُ وخرجوا جميعاً للحاق ببني إسرائيل بعد شروق الشمس, ومعنى قولهُ تعالى: {تراءى الجمعان}, يعني أنهُ صار بإمكان كل من الفريقين رؤية جمع وجلبة الفريق الآخر, إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أن فرعون وجنوده صاروا قريبين جداً من موسى وقومه, لأن رؤية اللفيف والجماعة من الناس ممكن تحقيقها عن بُعد, والناس في ذلك الزمان المُتقدم كانت أبصارهم صحيحة وحادة. كذلك فإنه وفي ذلك الموقف العصيب على بني إسرائيل, لا بُد أن يكون موسى عليه السلام قد اتخذ احتياطاته واستعداداته بانتداب بعض العيون لمراقبة حركة جنود فرعون من على إحدى الجبال المرتفعة القريبة من الشاطئ, والأمر نفسهُ ينطبق على فرعون الذي لا بد أن يكون قد انتدب العيون وقصاصي الأثر لتحديد المكان الذي لجأ إليه بني إسرائيل, لذا فإن قوله تعالى: {تراءى الجمعان} لا يعني بالضرورة رؤية الجميع للجميع ولكنهُ يعني رؤية البعض من كل فريق للفريق الآخر ومن ثُم إطلاع جماعتهُ على الأمر. 
وإن رؤية فرعون وجنودهُ لموسى وقومه هي أشبه برؤية العطشى لسراب الماء, حتى إذا لهثوا سعياً وراء هذا السراب لم يجدوه شيئاً إلا زيادة في العطش وإشرافاً على الهلاك, قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعۡمَالُهُمۡ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحۡسَبُهُ الظَّمۡآنُ مَآءً حَتَّىٓ إِذَا جَآءهُ لَمۡ يَجِدۡهُ شَيۡئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الۡحِسَابِ 39} سورة النور.

وبعد أن عَلمِ قوم موسى بتوجُه فرعون وجنودهُ نحوهم, ظنوا أنهم لا خيار أمامهم للفرار من قبضة هذه الوحوش الكاسرة, وانتاب الخوف والقلق الشديد بني إسرائيل وقالوا: هل إلى خروجٍ من سبيل؟ وفي المقابل فإن عِلَم فرعون وجنوده بموضع اجتماع بني إسرائيل عند شاطئ البحر قد رَفَعَ من معنوياتهم وحَمَلهم على التراخي في طلبهم, ظناً منهم أن بني إسرائيل قد أضحوا في قبضة يدهم, خاصةً وأنهم يعلمون أنهُ ليس لبني إسرائيل سُفن تحملهم إلى الضفة المُقابلة, كذلك فإن خروج فرعون وجنوده من مصر على وجه السرعة للحاق ببني إسرائيل قد كلَفهم جهد نفسي وبدني مُضاعف, لذا فإنهم آثروا إبطاء خطاهم استعداداً للمواجهة الحاسمة مع فلول بني إسرائيل, وقد ضَمِنَ هذا التراخي لبني إسرائيل كسب القليل من الوقت والمحافظة على مسافة كافية بينهم وبين جنود فرعون لتنفيذ إرادة الله لهم بعبور البحر قبل أن يدركوهم.
و وحده موسى عليه السلام من كان ثابتاً وواثقاً من وعد الله المنان, فتوجه إليه بالدعاء
بقلبٍ مُنكسر, قائلاً: (يا من كان قبل كل شيء, والمكون لكل شيء, والكائن بعد كل شيء, اجعل لنا مخرجاً, فأوحى الله إليه: {اضرب بعصاك البحر}.

قال تعالى: {فأوحينا إلى موسى أن اضرب بِعَصاك البحر, فانفلقَ فكان كلُ فِرقٍ كالطودِ العظيم 63} سورة الشُعراء.
إن عصا موسى عليه السلام لم تكن طويلة وضخمة إلى حد شق طريق في البحر عن طريق تفريغ مكان الضربة من الماء, والأمر الأكثر تعقيداً واستحالة هو إمساك ماء البحر المُتطاير من على جانبي العصا ومنعه من الامتزاج مع بعضه من جديد, وهذا يقودنا إلى التسليم بأن ضرب موسى عليه السلام للبحر بعصاهُ وتفريغ الماء منهُ على امتداد العصا ثم إمساك الماء عن الحركة, إنما تم بمباركة الله لعصا موسى وضربة يده ومسعاهُ في حماية نفسه وقومه المُستضعفين من عُدوان الكافرين.
وإنهُ من المألوف والمنطقي ضرب الحجارة والصخور وشقها نصفين, ولكن الأمر الخارج عن نطاق المألوف هو ضرب الماء وشقهُ إلى نصفين, وقد انبثق عن هذا الفعل غير الاعتيادي مشهداً طبيعياً غير اعتيادياً أيضاً, حيثُ انفلق البحرُ مُشكِلاً جبلين مائيين بينهما طين وصخور, وفي الطبيعة فإن المشهد الاعتيادي هو رؤية جبليين من ترابٍ وصخور وبينهما ماءٌ يجري, ولكن بني إسرائيل في تلك الساعة الحرجة لم تشغلهم هذه المناظر النادرة بقَدَرِ ما شغلهم الفرار من أسرِ فرعون الجبار, فسارعوا بأمرٍ من موسى عليه السلام إلى دخول الأخدود المائي موفرين حتى وقت النظر خلفهم لرؤية فرعون وجنوده الذين باتوا على مقربةٍ من مُلاقاة حتفهم.  

قال تعالى: {ولقد أوحينا إلى موسى أن أسرِ بِعبادي فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخافُ دَرَكاً ولا تخشى 77} سورة طه.
بحسب الروايات الإسرائيلية فإن الله عز وجل قد أرسل رياحاً شرقية قوية لتجفيف طين البحر وتيبيسها, وسواءً أصحت هذه الروايات أم لا, فإنهُ ثمة في أسفل بِحر قلزم (البحر الأحمر) وقيعانه وسائل تجفيف وتيبيس على أُهبة الاستعداد للعمل بإذن ربها وتحويل الطين إلى مِهاد, حيثُ تعتبر ظاهرة الحمم البركانية المُلتهبة والشقوق الأرضية ظاهرةً طبيعية بارزة يتميز بها البحر الأحمر منذ آلاف السنين (2), وعلى عكس ما يعتقد البعض فإن درجات الحرارة في أعماق البحر قد ترتفع عشرات أضعاف الحرارة على سطحه, حيثُ تُشكل القشرة الأرضية في تلك المناطق غشاءً ساتراً لينابيع النيران المُلتهبة التي تنفجر مُحدثة شروخ كبيرة فيها, وربما تكون ظاهرة الحمم البركانية التي يتميز بها البحر الأحمر واحدة من العوامل التي ساهمت في تجفيف أرض البحر خاصةً في الأماكن العميقة منه, وذلك أنهُ ونتيجةً لاهتزاز البحر واضطرابه الشديد تصُدعاً للأمر الإلهي بانشقاقه, فإن ما في باطن البحر من حِمم ومعادن مُلتهبة ربما يكون قد ثار وتحرك, وبعد أن انشق البحر وزال الماء تماماً أو اضمحل عن المنطقة المشقوقة, صارت القشرة الأرضية في الأماكن العميقة خاصةً عُرضة للجفاف السريع بسبب الحمم البركانية التي تغلي تحتها.

وبدايةً فإن بني إسرائيل سيواجهون صعوبةً في السير عبر الشاطئ الطيني الرطب والمبتل بالماء, إلا أن وجود مسافة كافية تفصلهم عن جنود فرعون سيبقيهم في منأىً عن قبضتهم, وبعد أن يجتاز بني إسرائيل مرحلة الشاطئ الصعبة فإن الطريق في عُمق البحر سوف تكون قد بدأت بالجفاف والتيبُس شيئاً فشيئاً بفعل وسائل التسخين الطبيعية – أو بقدرة الله-, وبالتالي فإن خُطى بني إسرائيل سوف تصبح أكثر سهولةً ويُسر في قطع طريقها إلى الشاطئ المقابل.

قال تعالى: {وأزلفنا ثمَ الآخرين 64} الشعراء.
وعلى الجانب الآخر فإنهُ وفور وصول فرعون وجنودهُ إلى شاطئ البحر الأحمر, وتجاوز الصدمة برؤية البحر على الحالة التي آلَ إليها بأمر الله جل في عُلاه, {فأتبعهم فرعونُ بجُنودهِ فغشيهم من اليم ما غشيهم 78 وأضلَ فرعونُ قومهُ وما هدى 79} طه. ومن ثُمَ اتخاذ زعيمهم فرعون القرار المصيري الخاطئ بعبور الأخدود المائي للحاق ببني إسرائيل, غافلاً عن المصيدة التي أعدها الحقُ سبحانهُ وتعالى لإيقاعهِ وأتباعهِ بشرور إعمالهم, {وهديناهُ النجدين 10 فلا اقتحم العقبة 11 وما أدراكَ ما العقبة 12} البلد. [عن ابن عمر في قوله تعالى: {فلا اقتحم} أي دخل {العقبة} جبل في جهنم والعقبة جغرافياً هو اسم خليج يقع على شواطئ البحر الأحمر]. 

وفي الوقت الذي سيبدأ فيه فرعون وجنودهُ اجتياز شاطئ البحر ومُقدمتهُ, فإن بني إسرائيل سوف يكونون قد قطعوا شوطاً مُهماً في الخروج من الأخدود المائي نحو الشاطئ المُقابل, وبعد أن يجتاز فرعون وجنوده الثُلث الأول من الطريق, فإن وظيفة الحمم البركانية في أعماق البحر ووسطه قد تكون تحولت تلقائياً من تجفيف طين البحر إلى إشعالها والنفاذ من خلالها.
قال تعالى:  {وبُرِزت الجحيمُ للغاوين 91} الشعراء.
حتى إذا بلغَ فرعون وجنودهم هذه البُقعة الساخنة والمشتعلة بالحمم النارية {فما استطاعوا مُضياً} للحاق بفرائسهم {ولا يرجعون} للنجاة بأنفسهم من هذا المصير الأخير المُستحق لأمثالهم من الكُفار والمُعاندين, {وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون 92 من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون 93 فكُبكِبوا فيها هم والغاووُن 94} الشُعراء, قال مُجاهد: فدُهوِروا فيها, وقال ابن كثير في تفسيره: المُراد أنهُ أُلقي بعضهم على بعض من الكُفار وقادتهم الذين دعوهم للشِرك, قال تعالى:{إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالاً بعيداً 167 إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً 168 إلا طريق جهنمَ خالدين فيها أبداً. وكان ذلك على الله يسيراً 169} النساء.

ثم قضى الله أمره وتهدمت الجبال المائية من على جانبي الشق على رأس الإله المزعوم المُحترق فرعون ومن تبعهُ من الأُمراء والوزراء والجنود الضالون والعالقون في الأُخدود المائي الناري, وأُغرقوا أجمعين عليهم لعنة الله وملائكتهُ إلى يوم الدين حيثُ يستحقون في الدرك الأسفل من نار الجحيم, قال تعالى: {قال فاذهب فإن لك في الحياةِ أن تقولَ لا مِساس, وإن لك موعداً لن تُخلَفَه, وانظر إلى إلهِكَ الذي ظَلتَ عليه عاكفاً, لنُحرقنهُ ثُم لننسفنهُ في اليمِ نسفاً ً97 إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو. وسع كل شيءٍ علماً 98} طه.
وقال تعالى:{فأخذناهُ وجنودهُ فنبذناهم في اليم, فانظر كيف كان عاقبة الظالمين 40 وجعلناهم أئمةً يدعون إلى النار, ويوم القيامة لا يُنصرون 41 وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنةً, ويوم هُم من المقبوحين 42} القصص.
المقبوحين: المُبعَدين أو المُشوهين في الخِلقة. 

ولا ريب أن كل من يسير سير فرعون وآلهِ في الفساد والتكبر في الأرض بغير حق, وفي أذية المؤمنين وأولياء الله الصالحين وعبادهُ المُستضعفين, سوف ينالهُ غضب رب العالمين, إن كان عاجلاً في الدنيا أو آجِلاً في قبرهِ وآخرته حينما يُحشر إلى نار الجحيم, قال تعالى: {إن الذين كفروا لن تُغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً , وأولئك هم وقُودُ النار 10 كدأب آل فرعون والذين من قبلهم. كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم. والله شديد العقاب 11 قل للذين كفروا ستُغلبون وتُحشرون إلى جهنم. وبئس المِهاد 12} سورة آل عمران.

روى الشعبي عن ابن عباس في قوله تعالى: {وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} التوبة,  قال:(هو هذا البحر تنتثر الكواكب فيه وتكور الشمس والقمر فيكون هو جهنم).  وروى ابن جرير بإسناده عن سعيد بن المسيب عن علي أنه قال لرجلٍ من اليهود : (أين جهنم؟ قال : البحر, قال علي : ما أراه إلا صادقاً, قال تعالى {والبحر المسجور} سورة الطور ,{وإذا البحار سجرت} التكوير).

لطيفة قرآنية:
قال الله تعالى في كتابه الحكيم : {وإذا الوحوش حُشرت 6 وإذا البحارُ سُجرت 7} التكوير.
{الوحوش حُشرت 6} : لما أصبح قوم فرعون وليس في ناديهم داع ولا مُجيب, غاظ ذلك فرعون, واشتد غضبه على بني إسرائيل لِمَا يريد الله به من الدمار, فأرسل سريعاً في بلاده حاشرين, أي من يحشر الجند ويجمعهُ كالنُقباء والحُجاب, ليلحقوا ببني إسرائيل الفارين من مملكته ويُبيدوا خضراءهم, قال تعالى : {فأوحينا إلى موسى أن أسرِ بعبادي إنكم مُتَبَعون 52 فأرسلَ فرعونُ في المدائن ِ حاشرين 53} الشعراء.

{البحارُ سُجرت 7} : وقد كان البحرُ الأحمرُ المسجور هو الموعد الأخير لفرعون وآلهُ ووحوشهُ المُستنفرين, وأوقد الله في الدَرك الأسفل من البحر نيران محرقة آل فرعون, لِتَحول بينهم وبين إدراك بني إسرائيل الذين نصرهم الله ورفعهم من الذُل في الزفير الأخير.
ولقد فسر قولهُ تعالى: {البحارُ سُجِرت}, غير واحد من السلف على أن المراد بها أن البحار تفجر يوم القيامة فتصير بحرا واحدا ثم تُسَجر ويوقد عليها فتصير نارا وتزاد في نار جهنم.
وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: {لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا}.
وذكر ابن أبي الدنيا عن العباس بن يزيد البحراني قال سمعت الوليد بن هشام وقلت له : عمن أخذت هذا قال : عن رجل من أهل الكتاب أسلم فحسن إسلامه قال: (لما التقم الحوت يونس عليه السلام جال به الأبحر السبعة فلما كان آخر ذلك انتهى به الحوت إلى قعر البحر موضع يلي قعر جهنم فسبح يونس في بطن الحوت فسمع قارون تسبيحه وهو في النار) وذكر بقية الخبر.

البحار المُسَجَرة بالنار ملاذُ الفاسقين والفُجار
ولقد صدق حدس الخاطئين والعُصاة والغافلين عن أمر رب العالمين, إذ قادتهم خُطاهم نحو شواطئ البحار التي سَجَرها الله بالنار, وصدق سيد المرسلين عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم إذ قال : {حُفت النارُ بالشهوات}, فها نحنُ نرى اليوم شواطئ بحار الدنيا وجُزرها قد حُفت بالشهوات من النساء المتبرجات وكازينوهات القمار والبارات, وكما أن الأرض والطين هي مسكن الإنسان ومنها خُلق, فإن البحار التي يغلي باطنها بالنار هي مسكنُ الشيطان ومنها خُلق, فما أحسن تلك البحار التي هي مساكن الشياطين من أن تكون مزار وجِوار وملاذ للعاصين.
روى الإمام مسلم من حديث الأعمش عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : {إن الشيطان يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس فأقربهم عنده منزلة أعظمهم فتنة ، يجيء أحدهم فيقول له ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا فيقول إبليس : لا والله ما صنعت شيئاً ويجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله قال : فيقربه ويدنيه ويقول : نعم أنت ذاك تستحق الإكرام}.

فمن ءانس إلى شهوات الدنيا فقد ءانس إلى الشيطان, ومن ءانس إلى الشيطان فقد ءانس إلى النار, وفيما أصاب جُزر إندونيسيا ومحيطها من موتٍ وخرابٍ ودمار عبرةً لأولي الأبصار.

وإن هذا البحار مخلوقة ومسخرة بإذن الله لبني آدم, وفيها لهُ منافع وخيراتٍ عديدة وكثيرة, وهي جحيمٌ للكافرين ونجاةٌ للمؤمنين, قال تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيءٍ حي} [الأنبياء, 30].

ولقد أحيا الله بالماء نبيهُ موسى عليه السلام كَرَتين, الكرة الأولى وهو وليد صغير ألقتهُ أمهُ في الماء بوحي ٍ من السماء خشية أن يقع في قبضة جنود فرعون الأشقياء ويقتلوهُ, والكرة الثانية وهو رجُلٌ كبير ونبيٍ لبني إسرائيل شقَ اللهُ لهُ طريقاً في البحر ليُنجيه وأتباعهُ من الخطر الكبير.

الصراط جسرُ جهنم
[ونشربُ إن وردنا الماء صفواً .. ويشربُ غيرنا كدراً وطيناً
وإن مشهد عبور بني إسرائيل لذلك الممر والطريق الممدود في وسط البحر المسجور بالنار ومن وراءهم قوم فرعون, لهو أشبه ما يكون بالمرور فوق الصراط الممدود فوق نار جهنم, وهو طريق لا ينجح باجتيازه إلا من شاء الله من عباده المؤمنين الذين سلكوا درب أنبيائه وأولياءه الصالحين, فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- الطويل في وصف يوم القيامة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: {ويُضرَب الصراطُ بين ظهراني جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم..}, وأما عباد الله الكافرين والظالمين الذين سلكوا درب الشياطين الفاسقين فإنهم في نار جهنم ساقطين, قال تعالى: {وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصِراط لناكبون 74} سورة المؤمنون, وجاء في حديث أبي بكرة : أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: {يُحمل الناس على الصراط يوم القيامة، فتتقادع بهم جنبتا الصراط تقادع الفراش في النار} حديث حسن، أخرجه ابن أبي عاصم وغيره. ومعنى {تتقادع بهم جنبتا الصراط}: أي يسقط بعضهم فوق بعض].  

قال تعالى: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليكَ. وما كُنت لديهم إذ يُلقون أقلامهم أيُهم يَكفُلُ (مَرْ) (يَم) وما كُنت لديهم إذ يختصمون 44} سورة آل عمران.
 وفيما يتعلق بمرور بني إسرائيل خلال اليم, فإنهُ لا يوجد رواية ثابتة تشرحُ الكيفية التي تم بها هذا المرور باستثناء بعض الروايات الإسرائيلية, والتي ذُكر فيها أن رياحاً شرقية  هبت على البحر وجففت أرضية الشق المفتوح فيه, وأما ما ذكرتهُ أعلاهُ من احتمالية وجود فعالية لحِمم البحر في تجفيف أرضية الشق وإيقاف خُطى فرعون وآله, فإنهُ لا يعدو كونهُ اجتهاداً شخصياً مني استناداً إلى بعض الحيثيات والدلائل العلمية, وبعض الآيات والدلالات القرآنية, وربما تكون الرياح والنار قد اشتركتا معاً في هذه العملية, إلا أن الشيء الوحيد الثابت هو أن الله قادراً على نصر المؤمنين وتعذيب الكافرين, وتهيئة كافة الظروف الطبيعية والمناخية المُلائمة لذلك, وإنهُ سبحانهُ خالق الطبيعة بمائها ونارها وطينها وهو القادر على سلبها خصائصها وتكييفها وِفقاً لمشيئته, وبكلمةٍ منهُ سبحانهُ فإن الماء لا يُغرق ولا يبلل السابحين, والطين لا يعوق السالكين, والنار لا تحرق عباده الصالحين.

وسواءً أحُرِقتْ أجسادُ فرعون وآلهِ بنيران البحر قبل غرقها فيه أو لم تُحَرَق, فإن قبورهم ومدافن أجسادهم لا ريب أنها حُفرٌ من حُفرِ النار كما هو حال جميع الكافرين والفاسقين عن أمر رب العالمين, لذلك فإن فرعون وأتباعهُ قد اختصروا المسير وقصدوا المكان الأمثل للموت في قعر البحر المسجور, مُدخرين على خزينة دولتهم وعُمَالَهم عناء بناء الأهرامات والمدافنِ لهم, لو كانوا يعلمون. 
  
البحرُ المسجور والعلم المحروق
[علم إسرائيل: يحتوي على خطين أفقيين لونهما الأزرق الغامق على خلفية بيضاء وبينهما نجمة داوود لونها كلون الخطين. وتبنت دولة إسرائيل هذا العلم الذي كان علم الحركة الصهيونية قبل قيام الدولة عام 1948.
الرموز في علم إسرائيل: يمثل العلم الأبيض وعليه الخطين الأزرقين "التاليت" وهي شال الصلاة الذي يرتديه اليهود خلال الصلاة. أما نجمة داوود فإنها رمز يهودي قديم، إلا أن هناك من يفسر تشكيلة العلم على أنه رمز لرغبة إسرائيل في التوسع واحتلال المزيد من الدول العربية حيث يعتبرون الخطين الأزرقين يرمزان إلى نهري النيل والفرات واللذان ترغب إسرائيل أن يكونا تحت سيادتها بحسب القائلين بهذا التفسير، مع أن إسرائيل ترفض هذا المعتقد..] (3).

وبعيداً عن كل ما ذُكر حول دلالات رموز علم دولة إسرائيل الصحيحة منها والخاطئة, فإنني سأعمل في هذه الفقرة على إعادة قراءة رموز هذا العلم, واستخراج بعض الدلالات الكامنة فيه, والتي حتى الإسرائيليين أنفسهم لا يمكنهم الوصول إليها ومعرفتها.
وكما هو مذكور في التعريف أعلاه, يتشكل علم دولة إسرائيل من خطين أزرقين سميكين في أسفله وأعلاه, وفي وسطهِ بياض فيه نجمةً زرقاء, فإذا افترضنا أن هذه الزُرقة في العلم تدلُ على البحر, فإن البياض الذي يقطعُ زُرقة هذا البحر في وسط العلم يدلُ على هوية هذا البحر, وهو (البحر الأبيض المتوسط), أي البحر الذي يتوسطهُ بياض, وأما النجمة الزرقاء في وسط العلم فإنها ربما تدلُ على نجم البحر, وهو حيوان مائي لا فقاري يعيشُ في البحار ويشبه شكلهُ شكل النجمة.
ومن الدلالات العجيبة في النجمة المتوسطة للعلم الإسرائيلي والتي تشُكل نقطة الارتكاز فيه, أننا نستطيع من خلال إجراء عملية لغوية بسيطة على لفظ (نجمة) استرجاع رموز العلم الإسرائيلي كاملة, وهي الخطين الأزرقين العلوي والسُفلي اللذان يرمزان إلى البحر, إضافةً إلى النجمة المتوسطة بينهما, وعلى النحو التالي:
- نقتطع الحرفين الأوسطين من كلمة نجمة وهما: (ج,م), فيبقى منها (نة).
- إن لفظي حرفي (ج,م) هما (جيم,ميم), ونجد في آخر حرفين من هاذين اللفظين كلمة (يَم) وهو البحر, وهكذا نحصل على البحرين المتمثلين بالخطين الأزرقين في أعلى وأسفل العلم الإسرائيلي.
- وبعد أن أخذنا البحرين (يم, يم) من آخر حرفين من لفظي (جيم) و (ميم), يتبقى منهما حرفي (ج) و(م), وهما نفس الحرفين الأوسطين اللذان اقتطعناهما من كلمة (نجمة), لذا فإننا نعيدهما إلى مكانهما فيها, فتعود (نة) إلى (نجمة), وبعودة الحرفين الأوسطين من كلمة نجمة إليها نكون قد حصلنا على النجمة المتوسط في العلم الإسرائيلي.

وكما أننا قد استخرجنا رموز علم دولة إسرائيل من كلمة (نجمة), فإننا نستطيع استخراج هذه الرموز أيضاً من مجموع الرموز العددية لأحرف اسم (إسرائيل), كما يلي:
إن الرمز العددي لاِسم (إسرائيل) بحسب قاعدة حساب الجُمل هو (303) ثلاثمائة وثلاثة, [إ=1, س=60, ر=200, ا=1, ئ=1, ي=10, ل=30], ويتشابه العدد (303) بأرقامه مع العلم الإسرائيلي بدلالاته, حيثُ يتشكل العلم الإسرائيلي من خطين أزرقين بلون البحر وبينهما نجمة, وبهيئةٍ مُشابهة للعدد (٣٠٣) الذي يتكون من رقمي ثلاثة (3) على عدد حروف (بحر) وبينهما نقطة (الصفر).
وإذا كان الرقم ثلاثة (3) عن يمين وشمال العدد (303) يدل على (بحر), فإن الصفر الذي بينهما يدل على شق البحر الخالي – الصفر- من الماء, وفي طرفي البحر المُنفرجين عن اليابسة الخالية من الماء بينهما, دلالة على مُعجزة شق البحر لموسى عليه السلام وبني إسرائيل, وتتجسد هذه الدلالة كذلك في شكل العلم الإسرائيلي البحري الأزرق المشقوق بالبياض الرملي في وسطه.

قال تعالى: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } [الأنعام,93].
وأما النجمة السداسية في وسط الشق الأبيض والمكونة من مثلثين أحدهما رأسه إلى الأعلى والآخر رأسهُ إلى الأسفل, فإنها تدلُ في مُثلثها الذي رأسه إلى أسفل على غرق فرعون وجنودهُ في منتصف الطريق في أسفل البحر, وتدل النجمة في مثلثها الذي رأسه إلى أعلى على طفو جثمان القائد الأعلى الملك فرعون, قال تعالى: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنودهُ بغياً وعدْواً, حتى إذا أدركهُ الغرق قال آمنتُ أنهُ لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين 90 آلآن وقد عصيت من قبل وكنت من المفسدين 91 فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية. وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون 92} سورة يونس.
{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا 18} النساء.

ومعنى قوله تعالى لفرعون: {اليوم ننجيك ببدنك}, أي اليوم نُنجي بدنك يا فرعون ولا نُزهقهُ ونفنيه, وذلك ليكون جثمانك عيداً وقرة عين لبني إسرائيل ودليل لهم على قصمِك من العزيز الجليل, وليستيقن الجاهلين أن لا إله إلا الله رب العالمين, {فلولا أنهُ كان من المُسبحين 143 للبث في بطنه إلى يوم يبعثون 144} الصافات, ولولا أنك ذكرت إلهك صاغراً راجياً لَمَا أذنَ بإخراج جسدك من البحر, ولبقي هذا الجسد ولبث في بطن البحر الذي سُجِر وأُحميت نيرانه لأمثالك من الظالمين إلى يوم الدين, ولكنهُ إسلام غرغرة الروح ومقدارُ حبةٍ من خردلٍ من إيمان شفع لك من الإقامةِ في هذه المُقامة. وإنَ المصير الذي حاق بفرعون هو تصديقٌ لما أخبر به العزيز الجليل موسى في مطلع الأمر, إذ قال الله لموسى: [انطلق برسالاتي فإنك بسمعي وعيني, وقد ألبستُك جنة من سُلطاني لتستكمل بها القوة في أمري, فأنت جندٌ عظيمٌ من جندي, بعثتك إلى خَلْقٍ ضعيفٍ من خلقي, بطِرَ نعمتي وأمِنَ مكري, وغرتهُ الدنيا عني, حتى جحد حقي وأنكر ربوبيتي, وزعم أنهُ لا يعرفني, فإني أقسمُ بعزتي لولا القدر الذي وضعتهُ بيني وبين خَلقي, لبطشتُ به بطشة جبار, يغضبُ لغضبهِ السماوات والأرضُ والجبال والبحار, فإن أمرتُ السماء حصبتهُ, وإن أمرتُ الأرضَ ابتلعتهُ, وإن أمرتُ الجبال دمرتهُ, وإن أمرتُ البحار غرقتهُ, ولكنهُ هانَ عليَ وسقط من عيني, ووسعهُ حلمي واستغنيتُ بما عندي وحقي, إني أنا الغنيُ لا غني غيري, فبلغهُ رسالتي, ..] (4).

ومن ناحيةٍ أُخرى فإننا نجدُ الرمز الأساسي للعلم الإسرائيلي وهو (النجمة السداسية) مُنطوياً في الرمز العددي لاسم إسرائيل (303), حيثُ تتشكل النجمة السُداسية الرؤوس من  مثلثين أحدهما رأسه إلى الأعلى والثاني رأسهُ إلى الأسفل, ويتقاطعُ هاذين المثلثين في منتصفهما مُشكلان ستة رؤوس مدببة, وبصورةٍ مُشابهة فإن العدد (303) يتشكل من رقمي (3) عن يمنيه وشماله, والرقم ثلاثة هو على عدد أضلاع (المُثلث), وعند دمج رقمي الثلاثة وجمعهما فإننا نحصل على الرقم ستة (6), على عدد رؤوس النجمة السُداسية.
وللنجمة السُداسية دلالات عديدة في ثقافات الأمم والشعوب, وهي إحدى رموز مٌلك نبي الله داود وابنه سليمان عليهما السلام كما في المعتقد اليهودي, وبحسب اعتقادي فإن النجمة السُداسية الزرقاء التي اختارها اليهود رمزاً لراية الدولة الإسرائيلية, تدلُ في مثلثها الأزرق الذي رأسهُ إلى أعلى على رفع المسيحُ عيسى ابن مريم عليهما السلام إلى السماء الزرقاء, وذلك بعد أن كفرت بهِ طائفة من بني إسرائيل وتظاهرت على قتله, وقد كان رفع عيسى ومعراجهُ إلى السماء من عند بيت المقدس. بينما يدلُ المُثلث الذي رأسهُ إلى أسفل على نزول عيسى عليه السلام من السماء مؤيداً مُعززاً من الله على من خالفهُ وعصاه, وسيكون نزول عيسى (عليه السلام) بحسب عدة روايات في بيت المقدس أيضاً.
ونجدُ في الرمز العددي الخاص باسم إسرائيل وهو (303) دلالة على هذا رفع عيسى(عليه السلام) ونزوله, وذلك من خلال جمع أرقام العدد (303) على النحو التالي:
 [303 = (3) + (30) = 33], والعدد ثلاثة وثلاثين (33) يُمثل عُمر عيسى عليه السلام وقت رفعهِ إلى السماء وحين نزولهُ منها أيضاً بإذن الله تعالى.   
 عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  "لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان؛ أحدهما، رأي العين ماء أبيض، والآخر ، رأي العين، نار تأجج، فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه ناراً، وليغمض، ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه، فإنه ماء بارد، وإن الدجال ممسوح العين، عليها ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه كافر، يقرأه كل مؤمن كانت وغير كاتب ". (5).

وبحسب ما ذكرتُ في بداية هذه الفقرة فإن رسم العلم الإسرائيلي يدل على البحر الأبيض المتوسط, وهذا التفسير للعلم يُناسب تماماً جغرافيا دولة إسرائيل الواقعة على الضفة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط والمحاذية لهُ من عدة جوانب.
وإذا كان العلم الإسرائيلي في الأوضاع الطبيعية يدل في رسمهِ على البحر الأبيض المتوسط, فإنهُ وعند تعرضهُ للتحريق من قِبل أعداء دولة إسرائيل والمعارضين لسياساتها القمعية والوحشية في الأراضي الفلسطينية, تصبح دلالتهُ تُشير إلى البحر الأحمر المسجور, حيثُ أن حُمرة النار المُشتعلة في العلم المائي الأزرق والأبيض تجعلهُ يدل على البحر الثاني في جغرافيا دولة إسرائيل وهو (البحر الأحمر), والبحر الأحمر كما هو معروف بحرٌ ناري مسجور في أعماقهِ رغم الزُرقة التي تبدو على مشهد سطحهِ.

وبالمناسبة فإن البحران الأبيض والأحمر هما كنزين أُعطيهما النبي (عليه الصلاة والسلام), وهما البحران اللذان تترامى على شواطئهما الكثير من دول وممالك أمة الإسلام, ومن ضمن ذلك أرض فلسطين طهرها الله وأعادها حُرةً أبية لأمة المسلمين.
عن شداد بن أوس, رضي الله عنه, أنهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إن الله زوى لي الأرض، حتى رأيت مشارقها، ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها، وإني أعطيت الكنزين الأبيض والأحمر، وإني سألت ربى عز وجل لا يهلك أمتي بسنة بعامة، وألا يسلط عليهم عدوًا فيهلكهم بعامة، وألا يلبسهم شيعًا ولا يذيق بعضهم بأس بعض، وقال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني قد أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدوًا ممن سواهم، فيهلكوهم بعامة، حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، وبعضهم يقتل بعضًا، وبعضهم يسبى بعضًا قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: وإني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة} (6).

ولقد أحسن مؤسسي دولة إسرائيل في اختيار اللونين الأزرق والأبيض لراية دولتهم, لأن دولةً كدولتهم أُسست من أول يوم على استدراج الناس وسلب ممتلكاتهم وأسباب معاشهم واستفزازهم من الأرض, حريٌ بها أن يثور الناسُ عليها لِما يجدونهُ من الظلمِ والبهتان, وإن مُصطلح (الثورة والثُوار) يرجع إلى حيوان اسمه (ثور) يشتهر بشدة اهتياجهِ عند الغضب, ويُعرف عن الثور كذلك أنهُ يشعر بالارتياح عند النظر إلى اللونين الأزرق والأبيض, بينما يشتد اهتياجهُ عند النظر إلى الحُمرة أو التلويح لهُ برايةٍ حمراء, لذلك فإن ساسة دولة إسرائيل لعلهم يرجون أن تكون رايتهم ذات الألوان الزرقاء والبيضاء سبباً في امتصاص شيئاً من غضبِ الثائرين على دولتهم.
   
يوم الله القادر على كل شيء 
لقد بَلغَ ظلم فرعون وتماديه على خلق الله مبلغاً عظيماً صار به مضرباً للأمثال, وقد استدرج الله فرعون وأجَلَ لهُ في الآخرة من العذاب ما لا مثيل له, ولكن عندما يَطَالُ هذا الظُلم والأذى إنساناً بمكانة وخصوصية نبي الله وصفيهِ موسى عليه السلام, فإن انتقام الله عز وجل يكون عاجلاً في الدنيا قبل آجِلِ عذاب الآخرة, وبشكل خاص تلك الأذية التي أصابت موسى عليه السلام وهو ولداً صغيراً عاجزاً عن الدفاع عن نفسه, وكان ذلك عندما تناول موسى لحيةَ فرعون وهو جالسٌ في حِجرهِ فمدها إلى الأرض, فقال لهُ جُلسائه: إن هذا هو الولد العبراني الذي رأيت أنهُ يعلوك ويصرعك, فأمر فرعون الذباحين بقتلهِ, فجاءت آسيا امرأة فرعون واقترحت على زوجها أن يُقدم لموسى جمرتين ولؤلؤتين, فإن هو تناول اللؤلؤتين وترك الجمرتين, عُرِفَ أنُ يعْقِل, وأما إن تناول الجمرتين وترك اللؤلؤتين, عُلِمَ أنهُ لا يُميز ولا يعقل ما يفعل, فنزل فرعون عند رأي زوجتهِ, فما كان من موسى عليه السلام إلا أن تناول الجمرتين حتى وضعهما في فِيهِ (فمهِ) بعنايةٍ من الله ليحميه, وقد لحق بموسى عليه السلام بسبب هذه التجربة التي امتحنهُ فيها فرعون وهو طفلٌ صغير, ألماً وأذىً كبير في لسانهِ وفمهِ, ويُقالُ أن هذه الحادثة من أسباب العقدة التي أصابت لسان موسى عليه السلام, وعلى أي حال فقد جاء الانتقام من العزيز الجبار بيد جبريل الذي سدَ فَمَ فرعون بالطين المحموم, فقد روى الإمام احمد بن حنبل, عن ابن عباس, عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: {لما قال فرعون: آمنتُ أنهُ لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل, قال, قال لي جبريل: لو رأيتني وقد أخذتُ من حال البحر (طينهُ الأسود) فدسستهُ في فِيهِ (فمهِ) مخافة أن تنالهُ الرحمة} (7).
قال تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذُوقوا عذاب الحريق 50 ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليسَ بِظَلامٍ للعبيد 51 كدأبِ آل فرعون والذين من قبلهم. كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم. إن الله قويٌ شديدُ العقاب 52} سورة الأنفال. 

وهكذا فقد سَدَ جبريل عليه السلام فمَ فرعون بطين البحر وحميمهِ وعقدَ لسانهُ حتى لا يتكلم بما يوجب لهُ شيئاً من رحمة الله, كما كان فرعون الذي نُزعت من قلبه الرحمة قد تسبب بإدخال جِمارِ النار في فم موسى عليه السلام وحَرْقِ لسانهِ بها, وكما تدين تُدان.
وإن من رحمة الله سبحانهُ وتعالى أن يَسرَ جبريل (عليه السلام) لملأ فم فرعون بالطين والحميم قسطاً وعدلاً, كما ملأ فرعون فم موسى (عليه السلام) بالجمر والنار جوراً وظُلماً. عن جعفر بن يسار الشامي, قال: {يبلُغ من رد المهدي المظالم حتى لو كان تحت ضِرس إنسانٍ شيء انتزعهُ حتى يرده} (8).

بَدرٍ الكُبرى
[معركة بدر الكُبرى هي آيةُ رسولنا محمد (صلى الله عليه وسلم) الكُبرى, التي أظهرهُ الله فيها على جبابرة قريش وسادتها الكافرين, وهي المعركة التي ناجى ليلتها الرسول عليه الصلاة والسلام ربهُ قائلاً: {اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم فلن تُعبد في الأرض}. وبالنسبة لموسى عليه السلام فإن معجزة شق البحر هي الآية الكُبرى التي أظهرهُ الله فيها على جبابرة مصر وسادتها الظالمين, ولولا تدخُل المشيئة الإلهية لهلك موسى ومن معهُ من المُسلمين.

وإذا كانت بدر أُمة الإسلام قد فرضت عليها خوض غِمار (الحرب), , فإن بَدَرَ بني إسرائيل - بوضع باء (الحرب) في أولها- قد فرضت عليهم خوض غِمار (البحر), وبوضع حرف الحاء في كلمة (حرب) في آخرها, أوحرف الراءَ في كلمة (بحر) في أولها, فقد (رَبِحَ) بيعُ المسلمين من أمة محمدٍ وعلي, وموسى وهارون النبي عليهم صلوات الله وسلامهِ أجمعين, وصار لكِلا الأُمتين سوادٌ عظيم يُباهوا به الأُمم يوم تقوم الناس لرب العالمين, وإن عَقلَ (الحَبَرَ) العالمَ ليعيى في وصف وشرح هذا المُنعطف الخطير في تاريخ كلاً من أمة الإسلام وبني إسرائيل, وإن (حِبْرَ) أقلامهِ ليجفُ في كتابةِ وتسْطِير ذلك النصرُ الكبير, قال تعالى: {قُل لو كانَ البحرُ مِداداً لكلمات ربي لنَفِدَ البحرُ قبل أن تنفَدَ كلماتُ ربي ولو جئنا بمثلِ مدداً 109} سورة الكهف. مِداداً: هو المادة التي يُكتبُ بها كالحِبر, كلمات ربي: مَعلُوماتهِ وحِكمتهِ تعالى].

لقد أثبت موسى عليه السلام بمعجزة شق البحر بالعصا, أن غريمهُ فرعون ورجالهُ ليسوا من القوم الذين لا يُشق لهُم عصا, وصدق المثل الذي يقول: من يضحك أخيراً يضحك كثيراً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

* فكرة وإعداد: وليد أحمد محمد الكراعين
نُشر لأول مرة في مدونة ولي الدين والمسبار السحري بتاريخ : 21 – 5 - 2010

المراجع:
- كتاب مختصر تفسير ابن كثير.

الهوامش:
1- هذه المقدمة بما تحتويه من ارقام وتفاصيل ترجع إلى أول نشر لهذا الموضوع على مدونتي القديمة (المسبار السحري).
2- هذه المعلومات حول البحر الأحمر متوفرة في عدة أبحاث علمية منشورة على الويب. ومن لطائف التفسير في قوله تعالى: {وما أدراك ما العقبة 12} سورة البلد, هو أن العقبة هي كما قال ابن عمر وغيره: جبل في جهنم, قال كعب الأحبار: هو سبعون درجة في جهنم. والعقبة جغرافياً هو اسم خليج يقع على شواطئ البحر الأحمر.
3- موقع ويكيبديا.
4- مختصر تفسير ابن كثير, سورة طه, آية 24.
5- أخرجه الإمام أبو الحسين مسلم، في صحيحه.
6- رواه ابن كثير في كتاب (جامع المسانيد والسنن) وقال حديثٌ (صحيح).
7- رواهُ الترمذي وقال حديثٌ حسن.
8- أخرجهُ الحافظ في كتاب الفتن, في سيرة المهدي.

مواضيع ذات صلة على هذا الرابط:

الوليد بن عمران موسى عليه السلام (ج3)





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق