الجمعة، 15 مارس 2013

مراحل الصراع بين الشياطين والصالحين


بسم الله الرحمَن الرحيم
  
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبي آخر الزمان محمد وعلى آله وصحبه الكِرام, ونعوذ بالله السميع العليم من همزات ولمزات الشياطين, ونعوذ به سبحانهُ من شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن.

أما بعد ؛ يعجُ آخر الزمان بالأحداث والفتن العظيمة الجِسام, فهو حصيلة لخبرات وتجارب البشرية منذ أن اهْبَطَ الله أبوانا آدم وحواء وعدوهما الشيطان من ربوة الجِنان, ورغم التكاثر الهائل في أعداد الذرية الآدمية, والتغير والتعدد الكبير في الألوان والألْسُن والمذاهب والأديان, إلا أن العقدة الأساسية لوجود الإنسان في هذه الدنيا لم ولن تتغير أبداً, وهي امتحانه من العزيز المنان بخلافته في الأرض, ليعلمَ سبحانهُ من يتبع هديه ويعبدهُ ويُقيم الحُجة لنفسه, ومن يزغ عن هديهِ ويعبد غيره ويُقيم الحُجَة عليها, وعلى الجهة المُقابلة فإن العقدة الأساسية لوجود الشيطان في هذه الحياة لم ولن تتغير أبداً, وهي غواية البشر وفتنتهم عن دين الله وأوامره ونواهيه.
والزمان منذ بدايته بأبينا آدم وأُمنا حواء (عليهما السلام) شاهدٌ على الصراعات الدائمة والمريرة بين الإنسان والشيطان, قد تختلف الشخوص وتتغير الأسماء والأماكن والأزمان, وتختلف معها أساليب وطُرق الشيطان في الولوج إلى قلب وعقل الإنسان, وكلما قام من حزب الرحمَن إماماً وخليفةً صالحاً يدعو إلى طريق الله وإتباع هُداه, قام من حزب الشيطان من يتربصوا به ويُثبطوا الخَلْقَ عن تصديقهِ وإتباعه.
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ 112} سورة الأنعام.

وفي إطار مساعيه الحثيثة لفتنة بني الإنسان, فقد نجح الشيطان في حين وفشل في أحيان, ويتمثل النجاح الأول للشيطان في استغلال غفلة الأبوان آدم وحواء (عليهما السلام), فأوعز إليها بدوره أن يأكُلا من الشجرة ويتذوقا طعمها, فأصغيا إلى قوله وأطاعوه فأُهْبطا من الجِنان, ونجحت بذلك الخطوة الأساسية للشيطان.

ثم جاء النجاح الثاني للشيطان عن طريق إيغار صدر قابيل على أخيه هابيل, حتى دفعه الحسد والحقد الأعمى إلى قتل أخيه, وليُفتح بهذه الجريمة الحمقاء باب القتل على أبناء البشرية جمعاء.
ومن جحود الأخ حق أخيه, إلى جحود الزوجة حق زوجها والابن حق أبيه, حيثُ نجح الشيطان في صرف قلب زوجة نوح (عليه السلام) وابنه عن دعوته فهلكوا وأُغَرِقوا بالطوفان.
ومن فشل الأب في دعوة ولده إلى الركوب في سفينة الإيمان والنجاة من الطوفان, إلى فشل إبراهيم (عليه السلام) في دعوة أبيه آزر إلى ترك الأصنام وإتباع دين الإسلام.
ثم شاءت ألطاف الرحمَن أن يستثني أخوة يوسف (عليه السلام) خيار القتل ويخرجوه من الأذهان, وأن يكتفوا من وساوس وخطوات الشيطان بإلقاء أخيهم في بئر غيرتهم وحِبال حيرتهم من سطوة جمالهِ وعظيم مكانته.

واستمر مسلسل معاناة خلفاء الله في الأرض على أيدي الشياطين وأتباعهم الكافرين من ملوك الفراعين الذين عذبوا وقتلوا المُستضعفين من الإسرائيليين.
ولولا رحمة الله وعنايته بمن والاه ما سَلِم روح الله وكلمته من غدر وخيانة الكافرين والفاسقين عن أمر رب العالمين.

وأخيراً وليس آخراً, فقد تجرع سيد المُرسلين محمد (عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم) وأصحابه مرارة تكذيب أبناء قومهم وعشيرتهم القُرَشِيين, الذين آثروا في بادئ الأمر عدم مفارقة صحبة الأوثان والشياطين.

ونحن الآن في هذا الزمان نعيشُ مشاهداً وصوراً متكررة لما دار في سالف الزمان من نزاعاتٍ بين خلفاء الله الصالحين وأعداءهم من الشياطين والكافرين, وبالاستناد إلى ما تحقق من نبوءات القرآن وأحاديث النبي العدنان (عليه وآله الصلاة والسلام) فإننا نعيشُ في هذه الأيام أحداث وعلامات المراحل الأخيرة والحاسمة من آخر الزمان, وتتنوع هذه النبوءات القرآنية والنبوية التي تشير إلى علامات قيام الساعة وأحداث آخر الزمان بين الكوارث الطبيعية, والظواهر الكونية, والأحداث السياسية, والأحوال الاقتصادية, والسلوكيات الاجتماعية, إضافةً إلى التطورات العلمية والصناعية وكافة مناحي الحياة الإنسانية, وقد أفرد العلماء والباحثين من السلف والخلف والحاضرين كُتب ومُجلدات كثيرة في تفنيد وشرح وتحقيق هذه النبوءات, والتي تتسلسل بدايةً من بعث النبي (عليه وآله الصلاة والسلام), وتمتد إلى أن حين وقت ظهور الإمام المهدي, ثُم فيما يأتي بعده من علامات تسبق قيام الساعة وإسدال الستار على هذه الحياة.
والإمام المهدي (عليه السلام) هو أول علامات الساعة الكُبرى وآخر إمام من أمة الإسلام, وأمة المسلمين هي آخر الأمم الكتابية التي اختصها الله بالرسالات السماوية, والتي يكون بعد انقضاء عهدها ردة الناس إلى الظلام والجاهلية, وعلى مثل هؤلاء الأقوام تقوم قيامة الرحمَن وتنقضي دُنيا بني الإنسان.

وقد جاء في الأثر أنهُ من كّذبَ بالمهدي فقد كفر, وإننا نجدُ في أحداث العقدين الماضيين من الزمان, تحقيقاً لمُعظم العلامات الدالة على ولاية وبعث الإمام المهدي عليه السلام, وقد أقرَ الكثير من العلماء بأن وقت بعث هذا الإمام قد حان, ويُتوقع ظهوره في غضون هذه السنين والأيام, وإن آية خروجه هي امتلاء الأرض بظلم وعدوان الجبارين وفساد وعبث الفاسقين, وهذا ما قد كان, ولا يزال الظلم والطغيان في زيادة, حتى يبلغ الغاية ويظهر صاحب السلطان والولاية.

وبعد ظهور المهدي عليه السلام وحُكمهِ للرعية بالعدل والإحسان, تأتي سنين وأيام يشتد فيها غضب الشيطان ويزداد الطُغيان, ويخرجُ حامل لواء الشيطان الأعور الدجال الذي حذر من فتنته الأنبياء على مر الأجيال.

ومع وصول صراعُ المهديين والصالحين وأتباعهم مع الدجالين والكافرين وأشياعهم إلى ذروته ومُنتهاه, ينزل المسيح عيسى (عليه السلام) ليكون مسك الختام لأمة الحق والإسلام, فيخرج بصحبة المهديين إلى قتال الدجالين, ويكون النصر والتوفيق حليف المؤمنين, والهزيمة والخيبة حليفة أتباع الشياطين.
وبهذا النصر الكبير فإن شجرة الصراع بين عدو الله الشيطان وخليفتهُ الإنسان, والتي غُرست بذورها في زمان الخليفة الأول آدم عليه السلام, تكون قد كُسِرت واجتُثت من جذورها في زمان الخليفة الأخير المهدي ومدده الكبير عيسى (عليهما السلام).

وبعد أن يُقتل الدجال بوقتٍ قصير يخرج قوم يأجوج ومأجوج ويفسدون في الأرض فساداً كبير, وبينما هم على هذا الحال والمعركة سُجِال, يأذن ذو الجلال بهلاكهم, وينجو الناس من شرهم الخطير في الزفير الأخير.
ويمكث عيسى عليه السلام وأصحابهُ بعد ذلك زمناً ليس بالكثير, ثم يُرسل الله ريحاً طيبة فتأخذ الناس تحت آباطهم فيقبض الله روح كل مؤمنٍ ومُسلم, ويبقى في الدنيا شرار الناس ومن ليس للشيطان به حاجة, فيتهارجون فيها تهارُج الحمير والدواب وعليهم تقوم الساعة.  

وفيما يلي حديثاً طويل يشرح جانباً من مُلابسات هذا الصراع النهائي والكبير, وتتركز غالبية هذا الحديث على ذكر صفات إمام الشياطين الأخير, الأعور الدجال الذي هو ببيان فتنته وكيدهِ جدير.

عن إسماعيل بن رافع أبي رافع، عن أبي زرعة الشيباني يحيى بن أبي عمرو، عن أبي أمامة الباهلي، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أكثر حديثاً حدثناه عن الدجال، وحذرنا فكان من قوله أن قال:{إنه لم تكن فتنة في الأرض، منذ ذرأ الله تعالى ذرية آدم عليه السلام، أعظم من فتنة الدجال، وإن الله تعالى لم يبعث نبياً إلا حذر أمته الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيجه، وإن يخرج بعدي فكل حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، وإنه يخرج من خَلَة بين الشام والعراق، فيعيث يميناً، ويعيث شمالاً، يا عباد الله أيها الناس فاثبتوا، فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي، إنه يبدأ فيقول: أنا نبي، لا نبي بعدي، ثم يثني فيقول: أنا ربكم.
ولا ترون ربكم حتى تموتوا، وإنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرأه كل مؤمن؛ كاتب، وغير كاتب، وإن من فتنته أن معه جنة وناراً، فناره جنة، وجنته نار، فمن ابتلي بناره فليستغث بالله، وليقرأ فواتح الكهف، فتكون عليه برداً وسلاماً، كما كانت النار على إبراهيم،وإن من فتنته يقول لأعرابي: أرأيت إن أبعث لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم.
فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني اتبعه، فإنه ربك.
وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها، وينشرها بالمنشار حتى تلقى شقتين، ثم يقول: انظروا إلى عبدي هذا فإني أبعثه الآن، ثم يزعم أنه له رباً غيري.
فيبعثه الله تعالى، فيقول له الخبيث: من ربك؟ فيقول: ربي الله، وأنت عدو الله، أنت الدجال، والله ما كنت بعد أشد بصيرة بك مني اليوم
}.
قال أبو الحسن الطنافسي: فحدثنا المحاربي، قال: حدثنا عبيد الله بن الوليد الوصافي، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): {ذلك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة}.
قال: قال أبو سعيد: والله ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب، حتى مضى لسبيله.
قال المحاربي: ثم رجعنا إلى حديث أبي رافع، قال: {وإن من فنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت.
وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه، فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت.
وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه، فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، حتى تروح، مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه، وأمده خواصر وأدره ضروعاً.
وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة، فإنه لا يأتيهما من نقب من نقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلته، حتى ينزل عند الظريب الأحمر – جبل صغير أحمر- ، عند منقطع السبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فتنفي الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد، ويدعي ذلك اليوم يوم الخلاص
}
فقالت أم شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال: {هم يومئذ قليل، وجلهم ببيت المقْدس، وإمامهم رجل صالح فبينما إمامهم قد تقدم يصلي الصبح، إذ نزل عيسى ابن مريم للصبح، فيرجع ذلك الإمام ينكص، يمشي القهقرى، ليتقدم عيسى ابن مريم ليصلي بالناس، فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول: تقدم فصل؛ فإنه لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم.
فإذا انصرف قال عيسى: افتحوا الباب. فيفتح ووراءه الدجال، معه سبعون ألف يهودي، كلهم ذو سيف محلىً وساج – الطيلسان الاخضر, وقيل الطيلسان المُقور- ، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وانطلق هارباً.
فيقول عيسى إن لي فيك ضربةً لن تسبقني بها، فيدركه عند باب لُدِّ الشرقي فيقتله. ويهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء، ولا حجر، ولا شجر، ولا حائط - إلا الغرقدة، فإنها من شجرهم لا تنطق - إلا قال: يا عبد الله المسلم، هذا يهودي، فتعال اقتله
}. الغرقدة: ضرب من شجر العضاه وشجر الشوك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وإن أيامه أربعون سنة، السنة كنصف السنة، والسنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وآخر أيامه كالشررة، يصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسي }.
فقيل له: يا رسول الله، كيف يُصَلى في تلك الأيام القصار؟ قال: {تقدرون فيها الصلاة، كما تقدرونها في هذا الأيام الطوال، ثم صلوا }.
قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): {فيكون عيسى ابن مريم في أمتي حكماً عدلاً، وإماماً مقسطاً، يدق الصليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة فلا يُسْعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض، وتنزع حُمَة – سُم- كل ذات حمة ، حتى يُدْخل الوليد يده في فم الحية فلا تضره، وتُنَفِرُ الوليدة الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتُملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلا الله عز وجل، وتضع الحرب أوزارها، وتُسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور – طست- الفضة، تنبت نباتها بعهد آدم، حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرس بدريهمات }.
قيل: يا رسول الله، وما يرخص الفرس؟ قال: {لا تركب لحرب أبداً }.
قيل: يا رسول الله، وما يغلي الثور؟ قال: {تحرث الأرض كلها }.
{وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله تعالى السماء السنة الأول أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها، ثم يأمر الله تعالى السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحْبِس ثُلثي نباتها, ثم يأمر الله تعالى السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض أن تحبس نباتها كله فلا تُنْبِت خضراء، فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله تعالى }.
فقيل: وما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: {التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد، ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام }.
أخرجه الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، في سننه.
وقال: في آخره: سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول: سمعت عبد الرحمن المحاربي يقول: ينبغي أن يُدفع هذا الحديث إلى المؤدب حتى يعلمه الصبيان في الكُتَاب.

وبعد هذا الحديث المأثور الطويل عن الأعور الدجال وفتنتهُ ونهايته, سأنتقل إلى بيان بعض الظواهر والمظاهر الشيطانية والعبثية التي انتشرت في واقعنا المُعاصر, والتي هي بمثابة حملة ترويجية وتمهيدية لخروج حامل لواء الشياطين, وإمام زُمَر الكافرين, الدجال أعور العين.

صيحات الشياطين
موضات وصيحات (صْرعات) عديدة وجديدة في اللباس وتسريحات الشَعَر وزينة البَشر, امتلأت بها الدنيا وانتشرت في مُعظم البلاد, وتأثرت بها عقول كثيرٍ من العِباد, صنعتها يد الإنسان وصممها خيال الشيطان صاحب السلطان في هذه الحقبة من الزمان, وذلك تنفيذاً لِقَسمهِ الذي كان في حضرة الرحمَن, قال تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا 117 لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا 118 وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا 119} سورة النساء. قال الإمام النووي رحمه الله: {إناثاً} أصناماً يزينونها كالنساء, {مريداً} متمرداً متجرداً من الخير, {مفروضاً} مقطوعاً لي بهِ, {فليُبتكُنَ} فليُقطعن أو فليشُقَن.
وإن الناظر بعين البصيرة إلى ظاهر وفحوى هذه الموضات والصيحات, يرى فيها آثار الشيطان الذي يعرف جيداً كيف يستحوذ على قلب وعقل الإنسان وبشكلٍ خاص النسوة والصبيان, وإن الشكل الخارجي للإنسان يعكِسُ حالته النفسية ومستوياته الفكرية والثقافية والدينية, ومن الأمثلة على الأحوال والتقليعات الشيطانية التي نراها في وجوه وهيئات أبناء البشرية:

* موضة ترك شعر الرأس دون حَلْقهِ أو تسريحهُ, بحيث يكون الشعر مُتَشَعِب ومُتجَعِد بطريقة عشوائية تُثير اشمئزاز الناظرين وكأنهُ شجرة الشياطين, قال تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ 62 إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ 63 إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيم ِ64 طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ 65}  سورة الصافات.
وينطبق وصف (رؤوس الشياطين) أيضاً على بعض تسريحات الشعر العالمية الحديثة, والتي تُثير في نفوس الناظرين الكآبة والفَزع بدلاً من الارتياح والفرح.
ونجدُ مصداق ذلك في الحديث الصحيح المُرسل عن عطاء بن يسار قال: {كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المسجد، فدخل رجل ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بيده أن اخْرُج، كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته، ففعل الرجل ثم رجع، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان؟}
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : {صنفان من أهل النار لم أرَهُما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات ، مميلات مائلات ، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا} . قيل إنها مسيرة خمسمائة سنة, البُخت: نوع من الإبل لها سنامان, بينهما شيء من الانخفاض والميلان, والمقصود هو أنهن حاسرات الرؤوس مُسرِحات لشعورهن بزينةٍ وطُرقٍ مُبرِزة لجمالهنَ ومُمَيزة لمظهرهنَ, كبروز وتميُز سنامان الإبل. وإن كان لكل زمانٍ لونهُ المُميز في فنون التبرُج والتزيُن, إلا أننا اليوم قد وصلنا إلى قمة الهرم في فنون التجميل والأزياء والزينة, وها نحنُ في هذا الزمان لا نفتأُ نرى في كل وقتٍ ومكان ما لم يرهُ نبينا المصطفى (عليه وآله الصلاة والسلام) من أصناف أهل النار, من طوابير الكاسيات العاريات, المائلات المُميلات, ذوات الرؤوس كأسنمة البخت.
* وبعد بيان جانباً من تسريحات الشيطان وأهل النيران, انتقل إلى بيان جانباً من تعاليمه وغوايته المرتسمة على الملابس والقُمصان, حيثُ تنتشر في أسواقنا العربية قُمصان وثياب قادمة من البلدان الأجنبية, مطبوعٌ عليها صُور وعبارات وشِعارات باللغة الإنجليزية, تُمَجِد الشيطان وتمتدح المعاصي والرذائل وتدعو إليها, أو أنها تُنقص من شأن الأنبياء وعباد الرحَمن, وتذُم الطاعات والفضائل وتنهى عنها.  

* ونستطيع أن نرى مظهراً من مظاهر لوطية وانحراف هذا الزمان, مُتمثلاً في لِباس المراهقين من الفتيات والفتيان, والذي نراهُ من خلال إرخاء وإنزال بعض الفتيات والصبيان لسراويلهم حتى يبدو جُزءاً من ملابسهم الداخلية وأدبارهم, قال تعالى : {يا بني آدمَ لا يفتنكمُ الشيطانُ كمآ أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهما لباسَهُما ليُريَهُما سوءاتِهِمَآ. إنهُ يراكم هو وقَبِيلُهُ من حيثُ لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أوليَآءَ للذين لا يؤمنون 27} سورة الأعراف.
وإن هذا المظهر الكريه رغم سطحيته, إلا أنهُ يُخفي ورائه آثار العادات السيئة والشذوذ الجنسي المُتفشي في أوساط شريحة واسعة من الصبيان والبالغين, راغبين أو مُكرهين, والذي هو من أهم أسباب انعدام العافية النفسية والبدنية عند هذه الفئة الاجتماعية.
وعدا عن السلوكيات السيئة والعشوائية عند المراهقين والصبيان في هذا الزمان, فإن من مظاهر الترف والجاهلية في بعض البلدان والمجتمعات الإنسانية, أن الشذوذ الجنسي صار مُباحاً فيها ومُنظماً بموجب قوانينها المدنية, وهذا من الإشارات القوية الدالة على قرب خروج الأعور الدجال, فعن الإمام أبو الحسن الكسائي في (قصص الأنبياء) أنهُ قال:  قال وهب بن منبه: {عند خروج الأعور الدجال، تهب ريح قوم عاد، وسماع صيحة كصيحة قوم صالح، ويكون مسخ كمسخ أصحاب الرسِّ، وذلك عند ترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويسفكون الدماء، ويستحلون الربات، ويعظم البلاء، وتشرب الخمر، ويكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، فعند ذلك يخرج الدجال من ناحية المشرق، من قرية يقال لها درادس، يخرج على حمار مطموس العين، مكسور الطرف، يخرج منه الحيات، محدودب الظهر، وقد صور كل السلاح في يديه، حتى الرمح والقوس، يخوض البحار إلى كعبه، وتكون أجناده أولاد الزنا، وتجيء إليه السحرة، وإذا أتى ببلد يقول: أنا ربكم.
قال: يطوف الأرض جميعاً، حتى يدخل أرض بابل، يلقاه الخِضْر فقال: أنا ربكم.
فقال الخضر: كذبت يا دجال، إن رب العالمين رب السموات والأرض.
فيقتله الدجال، ويقول: قل لرب العالمين يحييك.
فيحيي الله تعالى الخضر عليه السلام فيقوم، ويقولك ها أنا يا دجال.
فيقول لأصحاب الدجال: يا ويلكم، لا تعبدوا هذا الكافر الملعون.
فيقتله ثلاث مرات، فيحييه الله تعالى...} إلى آخر الحديث.

وبالنسبة لأتباع الشريعة الإسلامية والمستمسكين بها, فقد حسمت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الوضعية الصحية والقانونية لهذا الشذوذ في الممارسات الجنسية, قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ 80 إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ 81 وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ 82 فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ 83 وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ 84} سورة الأعراف.
وروى أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم, عن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: {من وجدتموهُ يعمل عمل قوم لوط , فاقتلوا الفاعل والمفعول به}, وفي الحديث الصحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: {لا ينظر الله عز وجل إلى رجل أتى رجلاً أو امرأةٍ في دبرها}, وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال في الذي يأتي امرأتهُ في دبرها : {هي اللوطية الصُغرى}.
وروى أحمد ومُسلم وغيرهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: {لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل, ولا المرأة إلى عورة المرأة, ولا يُفضي الرجل إلى الرجُل في ثوبٍ واحد, ولا تُفضي المرأة إلى المرأة في ثوبٍ واحد}.
وقد أثبت الطب أن للواط والسُحاق وغيرها من الممارسات الشاذة تأثيرات نفسية وبدنية مُدمِرة, وأنها تؤدي إلى أمراض عصبية واختلال في وظائف المخ, وتضر بالجهاز التناسلي, وتصيب فاعلها بالضعف البدني والهُزال ونقص المناعة.

* ورغم أن الرجل والمرأة يشتركون في تقُلد صيحات الزمان وتصاميم الشيطان في اللباس والتسريحات والسلوكيات, إلا أن للمرأة الحظ الأوفر في تَقَلُد هذه الصيحات, ومن خلال صورتها يأتي الخطر الأكبر, عن جابر أنه قال : أن رسول الله (‏صلى الله عليه وسلم) ‏رأى امرأة, فأتى امرأته ‏‏زينب ‏‏وهي ‏تمعس ‏‏منيئة ‏‏لها ‏‏فقضى حاجته ‏ثم خرج إلى أصحابه فقال ‏: {‏إن المرأة تُقبل في صورة شيطان ‏وتُدبر ‏في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة ‏‏فليأت أهله ‏‏فإن ذلك يرُد ما في نفسه} رواه مُسلم. {تمعس منيئة} : تدلك جلد مدبوغ.
 فجسد المرأة كلهُ عورة يحْرُم النظر إليه, وإن أي حركةٍ عفوية أو مقصودة تأتي بها المرأة أمام الناس, أو أي كشفٍ لجزءٍ من جسدها, يتسبب بفتنةٍ وإثارةٍ لشهوات الرجال من حولها, ولهذا فإن الشيطان أكثر التصاقاً بالنسوان ومتابعةٍ لهُنَ في شكلِهنَ وهيئتهنَ من الرجال, لكون الأثر والجدوى التي قد يجنيها من خلال صورهنَ تفوق بكثير ما قد يجنيه من خلال صور الرجال.

ونستطيع أن نلمس من خلال بعض التسريحات والألبسة النسائية صورة وخيال الأعور الدجال, وعلى سبيل المثال: موضة القميص القصير الذي يكشف بطن المرأة وسُرتها, والذي ينتشر بشكلٍ كبير في بلاد الشرك والوثنية – كما في بعض البلاد الشرق آسيوية- , وإن كشف النساء لبطونهن يعكس فساد باطن ومعتقدات مُجتمعاتهن, ولو تأملنا في صورة البطن والسُرة التي في وسطه, فإننا نجد أنها أشبه ما تكون بصورة الوجه بعينٍ واحدة وممسوح العين الأُخرى, وكما جاء في وصف الأعور الدجال في الحديث الذي أخرجهُ مُسلم في صحيحهِ, عن حذيفة بن اليمان , رضي الله عنه , قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : {لأنا أعلم بما مع الدجال منه , … , وإن الدجال ممسوح العين , عليها ظَفَرةٌ غليظةٌ – المراد أكبر فتنة وأعظم شوكة – مكتوب بين عينيه كافر , يقرأُهُ كلُ مؤمن كاتب وغير كاتب}.
ومن الانعكاسات الأُخرى لصورة وجه الأعور الدجال في لباس النساء, موضة القميص أو الفستان الذي يستر جانباً من جسد المرأة ويكشف الجانب الآخر, وهذه الموضة مُنتشرة كثيراً في لباس متبرجات هذا الزمان, وذلك كالقميص الذي يستُر أحد كتفي المرأة ويُعري كتفها الآخر, فيكون كتفها المستور كالعين السليمة, وكتفها العاري كالعين العوراء.

* وفيما يخُص تسريحات الشعر, فإننا كثيراً ما نُشاهد في صور النساء المتبرجات كالعارضات والفنانات ونحوهن, أن شَعرهُنَ يتدلى ويُسْبَل ليُغطي ويمسح إحدى العينين, فتبدو المرأة بهذه التسريحة عوراء وما هي بعوراء ولكن عذاب الله شديد.
وإنه ليس من المُحرم على المرأة أن تتزين بما تشاءُ من الثياب والتسريحات, وليس حراماً أن تكشف إحدى كتفيها أو كلاهما, أو أن تُسبل شعرها على خديها وإحدى عينيها, طالما أن الذي يراها على هذه الهيئة من التبرج هو زوجها أو نساءها ومحارمها, وفيما عدا هؤلاء فإنها تعمل على تحريك ثائرة الفِتن والشهوات, وتُطلق العنان لخيل الشيطان ومعصية الرحمَن, وتكون بشرها وفتنتها شبهاً وأختاً لدجال آخر الزمان, قال تعالى : {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير 72 } سورة الحج.

هذا غيض من فيض مما شاع وانتشر في هذا الزمان من زينة وصيحات الدجال والشيطان, عسى الله أن يُعين المسلمين على إماتة بدعتهِ ويكفيهم شرور فتنته.  

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على خاتم الأنبياء والمُرسلين, محمد وعلى آله وأصحابهِ أجمعين.      
  

* نُشر لأول مرة في مدونة المسبار السحري بتاريخ 1-8-2007
 فكرة وإعداد : م.وليد القراعين






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق