الاثنين، 11 مارس 2013

كيد النسوان ليوسف عليه السلام

بسم الله الرحمَن الرحيم

الحمدُ لله رب العالمين , والصلاةُ والسلامُ على أكرم المرسلين محمد وآله وصحبه المنتخبين.
أما بعد , هذا هو الجزء الرابع من بحث (النساء في ظلال الرقم 6والذي سيدور الحديثُ فيه عن مسألة كيد النسْوان . وقد قدم لنا القرآن الكريم نموذجاً كاملاً وشاملاً في سورة يوسف -عليه السلام- , نستبينُ منهُ بوضوح أبعاد هذا السلوك النسائي وحقيقته.
وأُسوةً بالأجزاء السابقة فإن هذا الجزء سيتضمن مُفارقات رقمية ومعنوية غريبة وجديدة مُستنبطة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وغيرها, مما أفاء اللهُ به على عبدهِ من علمٍ ومعرفة في هذا الحقل الخصب طيب الغراس من قصص الأنبياء -عليهم صلوات الله وسلامه-.

كانت جدتي مريم ابنة عيسى - رحِمهما الله- تقول ما معناه: (أن النسْوان وضعوا إبليس  داخل القنينة وأقفلوها عليه), وذلك كدلالة على أن كيد النسْوان غلبَ كيد الشيطان, وقد تجسدت هذه المقولة بصورة حرفية في قصة يوسف -عليه السلام- , إلا أن حبيس النساء في هذه القصة لم يكن شيطان وإنما كان نبي الله يوسف -عليه السلام- , وشتان ما بين الاثنان نور الله يوسف, ونار الله الشيطان.

حبيس النسْوان يوسف عليه السلام
- قال تعالى : {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ 23} سورة يوسف.
[يُخْبِر تَعَالَى عَنْ اِمْرَأَة الْعَزِيز الَّتِي كَانَ يُوسُف فِي بَيْتهَا بِمِصْرَ , وَقَدْ أَوْصَاهَا زَوْجهَا بِهِ وَبِإِكْرَامِهِ فَرَاوَدَتْهُ عَنْ نَفْسه, أَيْ حَاوَلَتْهُ عَلَى نَفْسه وَدَعَتْهُ إِلَيْهَا , وَذَلِكَ أَنَّهَا أَحَبَّتْهُ حُبًّا شَدِيدًا لِجَمَالِهِ وَحُسْنه وَبِهَائِهِ فَحَمَلَهَا ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَجَمَّلَتْ لَهُ وَغَلَّقَتْ عَلَيْهِ الْأَبْوَاب وَدَعَتْهُ إِلَى نَفْسهَا وَقَالَتْ هَيْت لَك هلمَ أنا لك , فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَشَدّ الِامْتِنَاع و قَالَ مَعَاذ اللَّه إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ, وَكَانُوا يُطْلِقُونَ الرَّبّ عَلَى السَّيِّد الْكَبِير, أَيْ إِنَّ بَعْلَك رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ, أَيْ مَنْزِلِي وَأَحْسَنَ إِلَيَّ فَلَا أُقَابِلهُ بِالْفَاحِشَةِ فِي أَهْله إِنَّهُ لَا يُفْلِح الظَّالِمُونَ ] (مختصر تفسير ابن كثير).

- قال تعالى : {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 25 .. فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ 28}.
لحِقت امرأة العزيز بيوسف إلى بابِ حجرتها ومسكتهُ من ظهر قميصه حتى قدتهُ عليه , وذلك مع مجيء زوجها ووقوفه أمام باب حجرتها ومشاهدته لحالتها مع يوسف -عليه السلام- , فأسرعت إلى اتهام يوسف -عليه السلام- بالخيانة , ولكن محبة عزيز مصر ليوسف وثقتهُ بأمانته دفعته إلى التفكير المُحايد بهذه الحادثة دون غضب وعصبية , فعلم من حالة امرأته التي كانت بكامل زينتها وبهجتها , ومن رأي الشاهد طفلاً وليداً كان أو رجلاً كبير, أن انشقاق قميص يوسف عليه السلام من ظهره يدل على أن امرأة العزيز هي التي كانت تلاحقهُ وهو يمتنع عنها , وذلك أن الذي يطلبُ أمراً ويتوجهُ إليه يستقبلهُ بوجهه , والذي يرفضٌ أمراً ويُعرضُ عنه يوليهُ دبرهُ (يُعطيهُ ظَهرَه) .

- قال تعالى : {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ 30}.
 شاع خبرُ حب امرأة العزيز لفتاها يوسف وطلبها إياه في أرجاء المدينة, وكان انتشارُ الخبر عن طريق جواري القصر وخُدامه, الذين وجدوا في هذا الخبر فرصة للشماتة بسيدتهم المتكبرة, وعابت سيدات مصر وكُبراءها على امرأة العزيز شدة حبها لرجلٍ من عبيد قصرها , إلى حد التفريط بشرف وكرامة السادة أمام أولئك العبيد, كما أثار خبر شغف امرأة العزيز بفتاها شغف نساء مصر, فأحببن رؤيتهُ عن كثب لاستطلاع السبب.

- قال تعالى : {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ 31}.
(ليس الخبرُ كالمعاينة) حكمةً نبوية أرادت امرأة العزيز تطبيقها بإحكام على النسوة اللواتي استهجنَ حبها وانزلاقها وراء رجل من العبيد , فأعدت العُدة للانتقام لكبريائها المجروح, ودعت النسوة لضيفاتها وقدمت لهُنَ أطباق الفاكهة التي تحتاج إلى التقشير والتقطيع بالسكين , ثم طلبت من يوسف -عليه السلام- الدخول عليهن في المجلس وهو في أبهى حُلة من الثياب والزينة, لتفاجئهن برؤيته وقد أتاهُ اللهُ كمال الحُسن, وهو في ذلك الحين شابٌ فتي مُفعم بالحيوية ونور النبوة يشعُ من طلعته البهية, فلما رأت نسوة مصر ما لا يتوقعن رؤيته من الحُسن والبهاء وهيبة الرجال, أُصبن بالذهول والانفعال, وغمسوا السكاكين بأيديهن عِوضاً عن الفاكهة والبرتقال. 
         واثق الخطوةِ يمشي مَلَكاً      ظالم الحُسنِ شجي الكبرياء
وفي نهاية المسرحية الساخرة, صارت لكل سيدةٍ من الحضور علامةً في يدها تُعيرهُا بها امرأة العزيز, وصارت جروح أيديهُنَ بلسماَ شافياً لجرح كرامتها وخدش سيادتها.

- قال تعالى: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ 32}.
إن الدهشة والإعجاب الشديد الذي بدا على مُحيا نسوة مصر ساعة خرج عليهن يوسف –عليه السلام-, كانت بمثابة سلاح ذو حدان, فهي من ناحية أراحت قلب امرأة العزيز بعدما اتضح للجميع أنها مغلوبة على أمرها في حب فتاها, ومن الناحية الأُخرى, فإن ردة فعل نسوة مصر قد أكدت لصاحبة المكيدة –امرأة العزيز- أنها تملك في قصرها جوهرة نادرة وثمينة, الأمر الذي ولدَ في نفسها الإصرار, و دعاها إلى مواصلة المشوار في محاولة الاستئثار بيوسف –عليه السلام- لنفسها, وتعهدت بسَجنهِ وإذلاله لإجباره على مُبادلتها الحب, حتى وإن كان ذلك من باب طاعة العبد لسيدته.

- قال تعالى : {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ 33 فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 34}.
التجربة اليوسفية: رجُل مؤمن دفعتهُ الظُروف قصراً إلى الحياة والعمل في مدينة من مدائن الكفر والإلحاد, ولم يكُن لهذا الرجل المؤمن في تلك البلاد عوناً له على دينه, من زوجة صالحة, أو إخوان في الدين, ومساجد لعبادة الله الواحد, بل إنه لم يكن يستطع حتى إظهار دينه والمجاهرة بمعتقده على الملأ, خشيةٍ مما قد يلحق به من جهل القوم وأذيتهم.
وفي نهاية المطاف وفي ضوء عدم قدرة هذا الرجل المؤمن مغادرة المدينة التي يسكنها إلى مدينة أخرى يأمن فيها على نفسه ودينه, فإنهُ يقف أمام خيارين لا ثالث لهما, الخيار الأول هو أن يتنازل عن مبادئه وينجرف في تيار الكفر والفسوق الذي يُحاصره في كل حركاته وسكناته, والخيار الثاني يكمُن في أن يجعل الله لهذا الرجل مخرجاً فينجو بدينه من وسط زحام الكُفر, وأن يُؤيده سبحانه بسلطان ينتصر به على من يُعاديه ويسعى في أذيته.
وقد كان نبي الله يوسف –عليه السلام- ولا ريب هو ذلك الرجل المؤمن الذي نجا بدينه وأيده الله على بسُلطانٍ عظيم, بالرغم من أن الثمن الذي دفعه كان باهظاً, بدخوله إلى السجون المُعتمة, ومُقاساتهِ فيها مرارة العيش والغُربة.

وهكذا فقد رضي الكريم يوسف -عليه السلام- بالسجن على أن يُطيع امرأة العزيز بالمعصية والإثم , وكان رجائه الوحيد هو أن يكفَ اللهُ أيدي امرأة العزيز ونسوة مصر عنه, فلا يبلغون منهُ ما يتمنون ويُأَمِلون, وفي ذلك حفظ حيائه وحياته, إذ أن إطاعة سيدة القصر ونسوة مصر فيها هتكُ سترهُ وضياع هيبتهُ -لا قدرَ الله- وهو من أنبياء الله, كما أنهُ سوف يُعرض نفسه لسُخط سادات مصر وشعبها عليه, والذين لن يتوانوا عن قتلهِ انتقاماً لشرفهم المهدور.

لطيفة العدد ستة
أُعيد من جديد هذه اللطيفة الخفيفة عن العلاقة الخاصة بين النساء والرقم ستة , والتي كُنت قد أوردتها في الأجزاء الثلاثة السابقة, ومفادها هو أن الرقم (ستة) يحتوي في أول حرفين منه على كلمة (ست) , وهي لفظ عامي لامرأة وجمعها (ستات) , والتاء المربوطة الباقية من كلمة (ستة) تستخدم للتأنيث أيضاً .
ومن ناحيةٍ أخرى فإن اللفظ الإنجليزي للرقم ستة هو Six , و لفظ هذا الرقم (Six) يشبه تماماً لفظ كلمة (Sex) الإنجليزية أيضاً, والتي تعني جنس وإثارة,أي أن (النساء = ستة = Sex = Six = جنس).
ولو قمنا بنقل  الحرف الأخير من كلمة (جنس) إلى أولها,  فإنها تصير (سجن), وهذا هو بيت القصيد في تلك المرحلة من حياة يوسف –عليه السلام- في مصر.

* فبعد أن تعاهدت امرأة العزيز وصاحباتها على مواصلة استفزازاتهم (الجنسية) ليوسف, كان بديله الوحيد للهروب من هذا الفحُش البعيد هو دخول (السجن), وكما يقول المثل الشعبي: (البعيد عن العين بعيد عن القلب) , والتقوى هي سَجنُ النفس عما تُحب وتهوى .

* وعند استعمالنا للغة الأرقام, فإننا نجد أن عدد حروف كُلاً من كلمتي (سجن) و(جنس) يساوي ثلاثة, ومجموع عدد حروف الكلمتين هو (ستة), وهو نفس مجموع أرقام الآية 33, (3  + 3 = 6), والتي فَضَلَ فيها يوسف –عليه السلام- دخول (السجن) على أن يُلبي دعوات نساء مصر لهُ بممارسة (الجنس) .

* وردت كلمة (كيد) بألفاظها المختلفة مثل (كيدِكُنَ , كيدهُنَ) في الآيات التي سردت أطوار قصة حب امرأة العزيز ليوسف -عليه السلام- (ستة) مرات , مرتين منها على لسان عزيز مصر في الآية 28 , ومرة على لسان يوسف -عليه السلام- في الآية 33 , ومرةً بقول الله سبحانه وتعالى في الآية 34 , ومرة على لسان ملك مصر في الآية 50 , والمرة الأخيرة على لسان امرأة العزيز في الآية 52 .
وأصل الكيد كما مر معنا في هذه القصة هو امرأة العزيز وجواريها ومجتمع نسوة أهل مصر وسادتها, وكل ما كان من مكرٍ وخيانة واستفزاز ليوسف -عليه السلام- كان من فعل النساء . وبالتالي فإن ورود كلمة الكيد في هذه القصة ستة (6) مرات جاء متوافقاً مع صانعاتهِ, وهُنَ النساء –السِتات- صاحبات الرقم .
 قال تعالى : {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ 51}.

إن قبول يوسف عليه السلام في الآية رقم 33 النفي إلى السجن, كان حلاً وقائياً لعزله عن امرأة العزيز التي كانت تطلُبهُ لنفسها بما يُسخط الله والناس عليه. 
والسجن في شريعةِ محمد -عليه الصلاة والسلام- كان حداً وعقوبةً من الله على من يثبُت عليها فعل الزنا من النساء , وذلك قبل أن يُنسخ هذا الحُكم بالجَلد لغير المتزوجة والرجم حتى الموت للمرأة المتزوجة.
قال تعالى : {واللاتي يأتين الفاحشة من نساءِكم فاستشهدوا عليهنَ أربعةً منكم , فإن شَهِدوا فأمسِكوهنَ في البيوت حتى يتوفاهُنَ الموت أو يجعل اللهُ لهنَ سبيلا 15} سورة النساء.
ومن اللطائف الرقمية بين هاتين الآيتين , هو أن مجموع أرقام آية السجن الوقائي من الفاحشة وهي الآية رقم 33 من سورة يوسف, يساوي ستة  (3 + 3 = 6) , ومجموع أرقام آية السجن العقابي لمن تفعل الفاحشة, وهي الآية رقم 15 من سورة النساء, يساوي ستة أيضاً (5 + 1 = 6).
وقد جاءت آية السجن الوقائي  لنبي الله يوسف -عليه السلام- في سورته (سورة يوسف) , وكذلك فإن آية السجن العقابي للنساء جاءت في سورتهُنَ (سورة النساء).

يوسف حبيس النساء وعيسى حبيس السماء 
توافق وتشابه رقمي نجده بين صاحب الهيئة الملائكية يوسف عليه السلام,  وصاحب الروح الملائكية عيسى عليه السلام , ونستشفُ هذا التناغم الرقمي بين أول أنبياء بني إسرائيل يوسف ابن يعقوب, و آخرهم عيسى ابن مريم -عليهم السلام-, من خلال أرقام الآيات التي تحكي خيارات نجاتهم من كيد المعتدين.
حيث أشارت الآية الكريمة رقم 33 من السورة التي تحمل اسمه, إلى أن السجن كان هو المخرج الوحيد أمام يوسف -عليه السلام- للفرار بجسدهِ الطاهر من دنس وكيد نسوة مصر بقيادة امرأة العزيز .
بينما أشارت الآية رقم 55 من السورة التي اسم عائلته – آل عمران-, إلى أن توفي الله لعيسى –عليه السلام- ورفعِهُ إليه وحفظ جسده في السماء, كان هو المخرج الوحيد أمامهُ للفرار بدمائه الزَكِية وجسده الطاهر من كيد الخائنين وبطش الكافرين الذين أرادوا صلبهُ وقتله.
قال تعالى : {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ 55} سورة آل عمران.

ونلاحظ أن أرقام الآيات التي نزلت في نجاة كلٍ من يوسف وعيسى –عليهما السلام- قد تشكلت من منزلتين ضمتا رقم فردي مُكرر, وهو الرقم ثلاثة (3) في آية يوسف رقم (33), والرقم خمسة (5) في آية آل عمران رقم (55).
وكذلك فإن الفارق بين رقمي الآيتين – (55-33 = 22)- يساوي 22, والعدد اثنان وعشرون يتشكل أيضاً من منزلتين تحتويان على رقم مُكرر, وهو الرقم (2).

* ومن اللطائف الرقمية التي يمكن استشفافها من آيتي خلاص يوسف وعيسى –عليهما السلام- من الكيد والخيانة, هي:
- أن مجموع أرقام آية يوسف –عليه السلام- يساوي ستة (آية 33 = 3+3 =6), وإن الرقم ستة أولهُ (ست), وهو كما ذكرت لفظ بمعنى (امرأة) بالعامية, وقد كان الكيد ليوسف –عليه السلام- يتأتى من قِبَل (الستات) –نسوة مصر-.
- وعلى الناحية الأُخرى, فإن مجموع أرقام آية عيسى –عليه السلام- يساوي عشرة (آية 55 = 5+5 = 10), وبحسب قاعدة حساب الجُمَل المشهورة فإن الرمز العددي لحرف (الياء) هو (عشرة).
فإذا أضفنا حرف الياء إلى وسط (عشرة) فإنها تصير (عشيرة), والعشيرة هي القبيلة. وقد كان الكيد لعيسى –عليه السلام- يتأتى من قِبَل طائفة من أبناء عشيرته من بني إسرائيل, من الذين كفروا به وناصبوه العداء و وشواْ به عند الملك الروماني.

وختاماً لهذه الفقرة, فقد كانت خاتمة محنة يوسف –عليه السلام- هي خروجه من سجنه, وتمكين الله له في الأرض, وجعلهُ أميناً على خزائنها وثرواتها.
وكذلك الأمر لروح الله عيسى -عليه السلام-, الذي ستكون خاتمة ابتلاءه هي أن يؤتى مثل ما أوتي يوسف من المُلك والاستخلاف في الأرض, وذلك بعد نزوله من السماء في آخر الزمان, وتحديداً في الأيام الأخيرة من ولاية الإمام المهدي عليه السلام, حيث يعقبه عيسى ويرثُ عنهُ خلافة أمة الإسلام, وينصر الله نبيه عيسى –عليه السلام- ويبارك لهُ بركةً عميمة ما بقي لهُ من أيام. 

يوسف حبيس الجدران ويونس حبيس الحيتان
 تناقض وتعاكُس رقمي نجدهُ بين الكريم يوسف ابن يعقوب, والغضوب يونس ابن متة -عليهم السلام- , وإن محور هذا التناقض الرقمي هو العدد ثلاثة وثلاثون.
حيثُ حملت الآية رقم )33( من سورة يوسف خبر استقرار رأي نبي الله يوسف -عليه السلام- على دخول السجن . فبعد مظلمة كيد الإخوان التي أبعدتهُ عن أبيه يعقوب عليه السلام , ثم مظلمة بيعهِ لعزيز مصر بأبخس الأثمان قياساً لعظيم قدْرهِ –عليه السلام-, حيثُ صارَ السيد الكريم عبداً في قصر قومٍ فاسقين , جاءت مظلمة كيد النسْوان التي دخل على إثرها نبي الله يوسف إلى سجون مصر المُظلمة, حيثُ صار نسياً منسياً في تلك السجون ليس لهُ أنيساً سوى الله الواحد الأحد الذي لا يترك عبدهُ يبيتُ محزون. 

وعلى الجانب الآخر فإن الرقم 33 يحمل سر خروج يونس -عليه السلام- من الظُلمات الثلاثة العِظام , ظلمة بطن الحوت الذي ابتلعه, وظُلمة قيعان البحار والمحيطات, وظُلمة الليل بعد زوال النهار , حيثُ كان التسبيحُ هو مفتاح نجاة يونس -عليه السلام- وتفريج كُربتهُ بإذن العزيز الرحمَن .
 قال تعالى : {وإنَ يُونُسَ لمِنَ المرسلين 139 إذ أبَقَ إلى الفُلك المشحون 140 فساهم فكان من المدحضين 141 فالتقمهُ الحُوتُ وهو مُليم 142 فلولآ أنُ كان من المُسَبِحِين 143 للبثَ في بطنهِ إلى يومِ يُبعثون 144} سورة الصافات.
المُسبحين: الذاكرين الله كثيراً بالتسبيح.

وكما هو معلوم فإنه يُسَن ذكر الله وتسبيحهُ بالعدد ثلاثة وثلاثون 33, وذلك كما أُثر عن النبي المعصوم في روايات عديدة , منها رواية الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي اللهُ عنه- , عن رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم- أنه قال : {من سبحَ الله في دُبُرِ كلِ صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين , وحَمدَ الله ثلاثاً وثلاثين , وكبرَ الله ثلاثاً وثلاثين , وقالَ تمامَ المِائةِ : لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له ، له المُلك وله الحمد ، وهو على كلِ شيءٍ قدير , غُفرت خطاياه وإنْ كانت مثلَ زَبدِ البحر}.
وهكذا فإن الرقم 33 الذي حملَ نبأ قرار يوسف -عليه السلام- بالدخول إلى السجن في الآية التي بسورته , كان هو نفس الرقم الذي حمل سر خروج وليد الحيتان يونس -عليه السلام- من سجنه ومُستقره في بطن الحوت, وذلك بالذكر والتسبيح الذي حددهُ الحديث النبوي الشريف بالعدد ثلاثة وثلاثين33 .

لطيفة : اليونيسف و اليونسكو
قال تعالى :{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 31  قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ 32 قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ 33} سورة البقرة .
إن اسمي نبيي الله يوسف ويونس -عليهما السلام- قد انطويا حرفياً وبحسب ترتيب الحروف في اسميْ منظمتين عالميتين شهيرتين من منظمات الأمم المتحدة, وهُما منظمة الأمم المُتحدة للطفولة أو ما يُعرف اختصاراً بمنظمة (اليونيسف), ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة أو ما يُعرف اختصاراً بمنظمة (اليونسكو), وعلى النحو التالي:

* اليونيسف
 نلاحظ أن اسم (يوسف) قد تخلل اسم (اليونيسف) بحسب ترتيب حروفه, وإذا حذفنا الحرفين الأوسطين من (يونيسف) وهما النون والياء, فإنها تصبح (يوسف).
ومن المصادفات الغريبة أن نبي الله يوسف -عليه السلام- كان قد تعرض للاضطهاد هو طفل صغير, وقد سَطَر القرآن الكريم في سورته – يوسف- هذه المأساة التي لم يتعرض لمثلها أي نبي ٍ في طفولته.
وكما هو معلوم فإن الهدف الرئيسي لمنظمة اليونيسف التي انطوى اسم يوسف في أول وآخر حرفين من اسمها, هو حماية حقوق الطفل والدفاع عنه, وكأن الله عُظُم سلطانهُ وخَفَت ألطافه قد جعل من انطواء اسم نبيه يوسف بن يعقوب -عليهما السلام- في اسم هذه الجمعية الطفولية, هو من باب الإشارة الخفية التي تُخَلد ذكرى المأساة التي تعرض لها يوسف –عليه السلام- وهو طفل صغير, حيث جابه وهو في كنف أبيه في فلسطين أرض كنعان أذى وعدوان أبناء إسرائيل * الإخوان, الذين كادوا أن يقتلوهُ, ثم بلطف الله في البئر ألقوه, ثُم بعد ذلك ادعوا عليه العبودية وباعوهُ, وأبعدوهُ عن فلسطين أرض الكنعانيين ليصبح عبداً عند المصريين.
وها هو التاريخ يُعيد نفسه ولكن على شريحةٍ أوسع من البشر, حيثُ يتعرض أبناء المسلمين من أطفال فلسطين لأذى وعدوان يهود دولة إسرائيل, من تقتيل وتشريد وإبعاد, وحرمان من القوت والعلاج والتعليم والعيش الكريم, في مأساة تتكرر صورها عاماً بعد عام على مرأى ومسمع من العالم, دون أن تجد الصدى المرجو والمساعي الحثيثة عند المنظمات العالمية من أجل إيجاد حلٍ ومخرجٍ دائم لإيقافها والحيلولة دون وقوعها.
{وحمزة لا بواكي له} صدق رسول الله.
وإن مما يزيد أسى الفلسطينيين وأطفالهم هو ازدواجية المعايير الطاغية في هذا العالم, والذي يهتز كيانه لمقتل أو إصابة طفلٍ إسرائيلي واحد, وفي المقابل فإنهُ لا يُلقي بالاً ولا يُحرك ساكناً لمقتل أو إصابة عشرات الأطفال الفلسطينيين, ليُجسد هذا الموقف المُؤسف واحدة من أبشع صور العُنصرية في هذا العصر.
قال تعالى: { وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } يوسف.

اليونسكو 
نلاحظ أن اسم نبي الله (يونس) -عليه السلام- قد انطوى حرفياً ودون فواصل في اسم منظمة (اليونسكو), فإذا حذفنا الحرفين الأخيرين من (يونسكو) وهما الكاف والواو فإنها تصير (يونس).
وإن الهدف الرئيسي لمنظمة اليونسكو هو المساهمة بإحلال السلام والأمن عن طريق رفع مستوى التعاون بين دول العالم في مجالات التربية والتعليم والثقافة, لإحلال الاحترام العالمي للعدالة ولسيادة القانون ولحقوق الإنسان ومبادئ الحرية الأساسية, وإحدى مهام اليونسكو هي أن تعلن قائمة مواقع التراث الثقافي العالمي, هذه المواقع هي مواقع تاريخية أو طبيعية وحمايتها وإبقاءها سليمة هو أمر يطالب به المجتمع الدولي وليس من مهام المنظمة حماية هذه الأماكن.

ومن المفارقات الغريبة أن نبي الله يونس -عليه السلام- الذي انطوى اسمهُ في اسم هذه المنظمة (اليونسكو), هو من أهل نينوى وبُعث فيها, وهي قرية من أرض الموصل في العراق, ولا يخفى عليكم ما يتعرض لهُ العراق اليوم بأيدي القوى والتحالفات العالمية من إخلال بأمنه, وتشريد لشعبه, وشلل في تربية وتعليم أبنائه, إضافةً إلى تخريبه واستنزاف طاقاتهُ وطمس المعالم الثقافية والتاريخية والحضارية فيه, أي أن منظمة اليونسكو صارت اسمٌ على غير مسمى فليس لمن سُميت مجازاً على اسمهِ منها نصيب, وكأن الله جَلت قدرتهُ وخَفَتْ لطائفهُ قد جعل من انطواء اسم نبيه يونس بن متة العراقي في اسم هذه الجمعية (اليونسكو), سبباً لكشف ما ينطوي عليه عالمنا المُعاصر من زيف وتناقض ونِفاق. 

لطيفة: بين يوسف و وليد
إن (يوسف) و (وليد) اسمين رباعيين يشتركان بحرفيْ الياء والواو [(يو)سف, (و)ل(ي)د], والياء هو أول حرف من يوسف, بينما الواو هو أول حرف من وليد.
وإذا أخرجنا ياء – يوسف- من اسم (وليد) فإنه يصبح (ولد), وإن لفظ (ولد) يحمل في طياته دلالات نقطة البداية في رحلة نبي الله يوسف –عليه السلام- إلى أرض مصر خارجاً من كنعان, وعلى النحو التالي:
- ولد: هو الصبي والغلام.
وقد كانت بداية رحلة يوسف –عليه السلام- إلى مصر لتحقيق الرؤيا (حلم العمر) وهو لا يزال صبي صغير.

- إن أول حرفين من ولد وهما (ول), يمثلان بحسب اللغة الإنجليزية لفظ كلمة (Well), وتأتي هذه الكلمة في قواميس اللغة الإنجليزية بمعنى : بئر.
وبعد أن امتلأت قلوب الأخوة حقداً وغيرة من أخيهم يوسف, وأرادوا أن يحُولوا دون تحقق رؤياه بولاية الأمر و وراثة النبوة, هموا بقتله, ثم استقر رأيهم بعد ذلك على أن يلقوه في بئر الماء المالحة.
قال تعالى: {اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ 9 قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ 10} يوسف. غيابة الجب: قعر البئر المظلمة.

- وإذا قرأنا (ولد) بالعكس من الآخر إلى الأول فإنها تصبح (دلو), والدلو هي التي يُستقى بها, وأدلا (الدلو) أي أرسلها في البئر لجمع الماء.
قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَه قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ 19} يوسف.
ومن هنا وبعد إخراجه بدلو الماء من البئر, غادر يوسف عليه السلام مع القافلة التي أشترته إلى مصر, ليبدأ من هناك تحقيق رؤياه بعلو القدر والرفعة بين أخوته وأهله وسائر الناس.

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على خاتم المرسلين, سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

 الهوامش:
* إسرائيل: هو لقب نبي الله يعقوب عليه السلام.

المراجع:
- مختصر تفسير ابن كثير.
- تعريف اليونيسف واليونسكو, (موقع ويكيبديا).


مواضيع ذات صلة على هذا الرابط :

براهين على فتنة النساء والشياطين

  
* نُشر لأول مرة في مدونة المسبار السحري بتاريخ 29-11-2007
فكرة وإعداد : م.وليد القراعين






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق