الثلاثاء، 26 مارس 2013

قضاء الله على بني إسرائيل بأقوال الأئمة والدليل ج3


بسم الله الرحمَن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أكرم المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد ؛ هذا هو الجزء الأخير المُتمم ل ِ(قضاء الله على بني إسرائيل), حيث كنتُ قد شرعت في مقدمة الجزء الأول في بيان ٍ وشرح ٍ عام للآيات الأوائل من سورة (بني إسرائيل) مُستأنساً بأقوال كبار المفسرين ورواياتهم, ثم بعد ذلك قمت بشرح وتفصيل أوجه التفسير لقضاء الله على بني إسرائيل في العهد القديم وهو (التوراة).
وفي الجزء الثاني تطرقت لتفسير هذا القضاء الرباني من خلال العهد الجديد وهو (الإنجيل), ثم بدأت بعد ذلك بتفسير هذا القضاء من خلال آخر العهود الربانية وهو (القرآن الكريم).

وفي هذا الجزء فإنني سوف أنتقل إلى استكمال بيان أوجه تفسير هذا القضاء في كتاب الله (القرآن الكريم) الذي يَسَرهُ الله بلسان ٍ عربي مُبين, ولكن حتى يحصل الفهم وتتم الفائدة للقارئ فلا بد له من العروج على  قراءة الأجزاء الأولى من البحث, أو على الأقل المقدمة التي توضح المعاني العامة للآيات, والأفكار الأساسية التي يرتكز عليها البحث ومنهجية التفسير التي اتبعتها.

قال تعالى :{ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا 6 إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا 7 عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا 8} سورة الإسراء.

بعد أن تحقق الوعد الأول من قضاء الله على يهود بني إسرائيل في عهد كتاب الله القرآن, كما مر معنا في الجزء السابق في تفسير قوله تعالى: {فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأسٍ شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا 5}.
مرت القرون والسنين والأيام واليهود غائبين عن مسرح الأحداث في بلاد المسلمين, إلى أن أيقظ العابثين فتنة توطين بقيةً من اليهود الأوروبيين في أرض فلسطين, وقد جاءت الوعود الأوروبية الرامية إلى إقامة وطن لليهود في أرض فلسطين مثل (وعد بلفور) المشهور, متوافقة مع الوعود الربانية لهم بهذا المصير, ونجد هذا المعنى جلياً في قوله تعالى في أواخر سورة بني إسرائيل:{فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معهُ جميعاً 103 وقُلنا من بعدهِ لبني إسرائيل اسكُنُوا الأرضَ فإذا جاء وعدُ الآخرة جئنا بكم لفيفاً 104}.
[{اسكنوا الأرض} يعني أرض الشام ومصر.
قال الكلبي‏{‏فإذا جاء وعد الآخرة‏}‏ يعني مجيء عيسى عليه السلام من السماء.
وقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة : جِئْنَا بِكُمْ جَمِيعًا مِنْ جِهَات شَتَّى . وقال الجوهري‏:‏ واللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى؛ يقال‏:‏ جاء القوم بلفهم ولفيفهم، أي وأخلاطهم‏.‏ وقوله تعالى ‏{‏جئنا بكم لفيفا‏} أي مجتمعين مختلطين‏‏.‏] تفسير القرطبي‏, كتاب (الجامع لأحكام القرآن).
فبعد الاستفزاز والعذاب الذي لقيهُ اليهود على أيدي فرعون ألمانيا, بل وأوروبا كلها (أدولف هتلر), شاء الله لهم العودة إلى سكن الأرض الموعودة في شام فلسطين.
وقد فسر كثير من العلماء المعاصرين معنى قولهُ تعالى : {فإذا جاء وعدُ الآخرة جئنا بكم لفيفاً}, بأنهُ تحقق بإقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين, والذي تم في العقد السابع من القرن الرابع عشر الهجري [1367-1948م], وما تبعهُ من هجرات للجاليات اليهودية من جميع البلدان والجنسيات إلى دولتهم الجديدة في بيت المقدس وأكنافه, والتي كان آخرها هجرة اليهود الإثيوبيين أو ما يُعرف بهجرات يهود الفلاشا إلى فلسطين بموجب ما تسميه إسرائيل بقانون العودة, والتي لا تزال مستمرة حتى الوقت الراهن (11).

وقد شَكَلَ تأسيس الدولة الإسرائيلية على ثرى فلسطين انقلاب في الموازين بين اليهود والمسلمين, وتبادلٍ في الأدوار على عكس ما جرى ودار في مدينة طه المختار (عليه وآله وصحابته الأخيار الصلاة والسلام), حيث تمكنت العصابات والجماعات اليهودية المدعمة بالسلاح والعتاد, وبإسنادٍ من القوات البريطانية والغربية, من مداهمة المدن والقرى الفلسطينية, ومحاربة من تبقى فيها وحولها من القوات والجيوش العربية, حتى إذا تم لهم النصر, وخلا لهم الأمر, طردوا وقتلوا وشردوا أهل ما ظهروا عليه من أراضي فلسطين, وأحلوا مكانهم أهلهم وأشياعهم من اليهود, وعلى هذا المنوال استقام الحال لليهود في فلسطين, ودأبوا على مدار الأيام والسنين على توسيع رقعة مستوطناتهم, والتغلغل أكثر فأكثر في ممتلكات العرب والمسلمين ومقدساتهم, وقد كان هذا السيناريو الذي صبت معظم أحداثه وتفاصيله في مصلحة يهود دولة إسرائيل, هو بمثابة النصر الكبير ورد الكَرة لهم على العرب والمسلمين, وذلك بعدما كانت قد تعرضت لهُ قبائل يهود بني إسرائيل من هزيمةٍ وعواقب وخيمة وإخراج من حضيرة يثرب القديمة.
ولا يكاد يختلف اثنان على أن اليهود الآن بما صنعوه لأنفسهم, وبما يتلقونهُ من دعمٍ وتأييد من الدول القوية والغنية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية, هم أكثر نفيراً من الدول العربية والإسلامية.
قال تعالى :{ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا 6}.

ومع تَحَقُق هذه الآية الكريمة والتي لا نزالُ نعيشُ في أيامنا هذه أحداثها وتوابعها , يكون البند الثاني من قضاء الله على وإلى بني إسرائيل في القرآن قد تحقق , وبمطابقةٍ حرفية لقضاء الله إليهم في التوراة , حيثُ أخبر الله بني إسرائيل بما سيكون منهم وما سيحصل لهم قبل أن يكون أو يحصل , وهذا الإخبار منصوص عليه في الآية الرابعة بقولهِ تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ..} , أي أخبرناهم بما سيكون منهم قبل وقوعه كما قال جمهور المفسرين وذلك كقولهِ تعالى :{وقضينا إليه الأمر أن دابرَ هؤلاء مقطوعٌ مصبحين} أي تقدمنا لهُ وأخبرناهُ بذلك وأعلمناهُ بهِ. وقد أخبر اللهُ يهود بني إسرائيل كذلك في القرآن الكريم بما سيكون منهم من إفساد وما سيسلطهُ عليهم من عباداً لهُ يدخلون ديارهم ويستلبونها وذلك قبل أن تقع هذه الحوادث , بدليل أن هذه الآيات نزلت في مكة قبل هجرة النبي – عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة حيثُ وقعت هذه الأحداث.  
 كما أخبرهم جل في عُلاه بأن الكَرَةَ ستُرد لهم على هؤلاء العباد – أي العرب والمسلمين- وسوف يغلبونهم ويتفوقون عليهم تفوقاً ظاهراً, وقد تحقق هذا الخبرُ أيضاً في هذا الزمان.
وأما البند الثالث من هذا القضاء فإن نهايتهُ تصُب في مصلحة المسلمين , لأن فيه وعد الله الآخِر بكسر إرادة المُفسدين من يهود دولة إسرائيل, ومعاقبة الظالمين منهم جزاءً لهم على ما فعلوه على مدى العقود الماضية من أعمال القتل والتخريب والتطريد والتشريد بحق الكثيرين من أبناء العرب والمسلمين في لبنان فلسطين, وأكبر شاهدٍ على الظلم الذي تُقيم عليه الدولة الإسرائيلية, هو منع الحُجاج المسلمين والمصليين من أهل فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين من الوصول إلى المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين , والذي يخطط اليهود إلى هدمهُ أو تحويلهُ من مزار ديني مُقدس للمسلمين إلى معلم أثري وسياحي , إلى جانب مساجد ومعالم دينية أخرى مثل الحرم الإبراهيمي وأضرحة الصحابة ومقامات الأنبياء وغيرها , في خطة تستهدف محو الذاكرة وطمس الهوية الدينية للمسلمين في فلسطين , تماماً كما طَمسَ الوثنيين والمشركين من قبل هذه المعالم نفسها من ذاكرة اليهود وهويتهم , قال تعالى : {ومن أظلمُ ممن منع مساجد اللهِ أن يُذكر فيها اسمهُ وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزيٌ ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم 114} سورة البقرة.

وكما مر معنا في الأجزاء الأولى من البحث, فإن بني إسرائيل في سابق عهدهم كانوا يعانون من هجمات الكفرة والمشركين التي كانت تستهدف تخريب بيت المقدس وإخراجهم منه, وأما اليوم فقد صاروا هم أنفسهم من يسعون في خراب بيت المقدس وإخراج أهله منه, ويمنعون المصلين من الوصول إليه بُغضاً في أمة العرب والمسلمين حَمَلة الرسالة السماوية بعدهم إلى يوم الدين.
إلا أن الأعظمُ من هذا كله هو استخدامهم أسلحتهم الذكية في قتل  النفوس الزَكِية من أطفالٍ رُضع وشُيوخٍ رُكع ونساء وعبادٍ صالحين, وكذلك منع الدواء والعلاج عنهم حتى يهلكوا ويموتوا ويصيروا منسيين.

قال تعالى : {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا 7}.
إن إظهار اليهود السلام والإحسان في بعض الفترات وذلك في معاملتهم لفئات خاصة أو عامة من أبناء الشعب الفلسطيني في بيت المقدس وفلسطين, إن كان, فإنما هو لاحتوائهم وللمحافظة على أمن واستقرار دولة إسرائيل, ولإسكات الأصوات الغاضبة والمُعارضة لها في الداخل والخارج, وللتجاوب مع الضغوطات التي تمارسها القوى العالمية عليها. 
ومن الناحيةِ الأُخرى فإنَ إساءة اليهود المُبرمجة أو العَبثية لبعض أو جميع فئات الشعب الفلسطيني, وذلك بتخريب أو مصادرة مُمتلكاتهم وأراضيهم وإخراجهم منها, وبقتل وأسر وتعذيب من يُقاوم هذه الإساءات ويُطالب بحقهِ المشروع في حياةٍ آمنة وكريمة على أرضه, فإنما يهدف اليهود من خلال هذه الأعمال إلى التوسع في دولتهم وإزاحة من تبقى من أبناء الشعب الفلسطيني من طريقهم, ولردع كل من يُفكر في مُقاومتهم والانتقام لنفسه أو أبناء شعبه منهم, وفي كلتا الحالتين فإن إحسان اليهود أو إساءتهم مقرونٌ بتحقيق منفعة وفائدة لهم ولدولتهم , إلا أن هذه المنفعة المؤقتة الناتجة عن الظُلم والإساءة سوف تعود عليهم بضرر أكبر في دُنياهم وآخِرتهم , لأنهم يعملون وفقاً لمصالحهم وغاياتهم الدنيوية لا بحسب أوامر الله وشريعته التي في التوراة والإنجيل والقرآن.
لهذا فإن الله قضى عليهم وعدهُ الآخر الذي بدأ أبناء الشعب الفلسطيني تنفيذ الجزء الأول منه بأرخص سلاح وهو الحجر, وبأصغر جُند وهم الأطفال, أطفال فلسطين الذين تمكنوا من إيصال مُعاناتهم وحرمانهم إلى كل الناس في هذا العالم, وكشفوا القناع الذي كانت الدولة الإسرائيلية تُحاول إخفاء وجهها السيئ خلفهُ, وذلك فيما عُرف باسم (انتفاضة أطفال الحجارة), والتي تأججت في مطلع عام 1987م, وانتهت في أعقاب عملية السلام.
عن سعيد بن المسيب, رضي الله عنه, أنه قال :{يكون بالشام فتنة , أولها كلعب الصبيان, كلما سَكنت من جانب طَمَت - زادت- من جانب آخر , فلا تتناهى , حتى ينادي منادٍ من السماء : ألا إن الأمير فلان . ثم قال بن المسيب : فذلكم الأمير , فذلكم الأمير , فذلكم الأمير . قال ذلك ثلاث مرات , كنى عن اسمه فلم يذكره , وهو المهديُ} (12).
ومع استمرار مسلسل ثورات الشعب الفلسطيني بكافة اتجاهاته وشرائحه, ومع انتشار وتطور وسائل الإعلام والاتصال, فإن نقل الصورة القبيحة والوجه السيئ للاحتلال الإسرائيلي صار أكثر وضوحاً وجلاءً للعيان, وهكذا فإن هذه الدولة الدخيلة لا تكاد تنسج صورة زاهية لها في أركان هذا العالم, حتى ينتقض هذا النسيج المزيف بأيدي المقهورين والمظلومين, والطبعُ يغلب التطبُع, قال تعالى: {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم ...}.

وأما الجزء الثاني من هذا الوعد الآخر فإنهُ سيتحقق بإذن الله بعد خروج الإمام المهدي عليه السلام, وشده الرحال إلى بيت المقدس برفقة أصحابه المؤمنين أيبين عابدين لربهم حامدين, وليدخلوا المسجد الأقصى كما دخلهُ أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب وأصحابهِ - رضي الله عنهم أجمعين-, واستلامه مفاتيحهُ من الرهبان والقِسيسين تصديقاً لنبوءات التوراة والإنجيل وكتب السابقين, ونسأل الله العظيم أن يبقى المسجد الأقصى مفتوحاً مُطهراً للمسلمين حتى ذلك الحين, قال تعالى: {.. وليدخلوا المسجد كما دخلوهُ أول مرة ..}.
وباستثناء المعارك التي سبقت وصول جيوش المسلمين إلى أسوار مدينة القدس, فقد كان الدخول الأول لبيت المقدس في عهد الأمة الإسلامية سلمياً دون قتال وسفك دماء خارج أبوابها وداخل أسوارها, على عكس ما كان عليه الحال في الدخول والفتح الثاني الذي كان في زمان السلطان صلاح الدين الأيوبي, حيُث أُجْبِر جيش المسلمين على قتال الآلاف من المقاتلين الصليبيين المتحصنين خلف أسوار المدينة, وقد أدت الصدامات العنيفة بين الجانبين إلى سقوط القتلى والشهداء, وتهدمت أجزاءٌ من أبنية المدينة قبل أن يُعاد ترميمها وإصلاحها من جديد بعد قبول صلاح الدين شروط الاستسلام التي فرضها الصليبيين. 
وكما في نبوءة الوعد الآخر من قضاء الله على بني إسرائيل في القرآن, فإن الدخول الثالث المُنتظر للمسجد الأقصى سيكون بإذن الله كما الدخول الأول سلمياً دون قتال في محيط المسجد والمدينة المقدسة على وجه الخصوص.

وفيما يخص إمامة المهدي للمسلمين في آخر الزمان, فقد جاء في عدة روايات عن  النبي (عليه وآله الصلاة والسلام), أنهُ لا تنقضي الأيام حتى يظهر إمام العادلين وشيخ الخاشعين المهدي الذي يُختم به الدين, قال تعالى : {ولكل أمةٍ رسول, فإذا جاء رسولهم قُضي بينهم بالقسط وهم لا يُظلمون 47 ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين 48 قل لا أملكُ لنفسي ضَراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله. لكل أمةٍ أجل. فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً, ولا يستقدمون 49} سورة يونس. 
وعن أبي سعيدٍ الخُدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {لا تقوم الساعة حتى تمتلىء الأرضُ ظُلماً وعدواناً , ثم يخرُج من عِترَتي , أو من أهل بيتي من يملأُها قِسطاً وعدلاً , كما مُلِئت ظُلماً وعدواناً} (13).
وعن كعبٍ الأحبار رضي الله عنه, قال: {المهدي خاشعٌ لله كخشوع النَسر جناحه} (14). وعنه رضي الله عنه أنهُ قال: {لا تنقضي الأيام حتى ينزل خليفةً من قريش ببيت المقدس, يجمعُ فيها جميع قومهُ من قريش, يُنزلهم وقُوادَهم, فيغلون في أمرهم, ويُترفون في مُلكهم, حتى يتخذوا أُسكفات البيوت من ذهبٍ وفضة, وتدينُ لهم الأمم, ويَدِرُ لهم الخَراج, وتضعُ الحربُ أوزارها} (15).

وأما الجزء الثالث والأخير من هذا الوعد الإلهي الآخر فإنهُ سيتحقق بعد نزول العلامة الثالثة من علامات الساعة الكُبرى المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام من السماء, والذي سيُعينه الله على تحطيم وتدمير ما تبقى من مظاهر الظُلم والعدوان في الأرض المُباركة, قال تعالى: {... وليتبروا ما علوا تتبيراً 7}.

[قال الكلبي‏{‏فإذا جاء وعد الآخرة‏}‏ يعني مجيء عيسى عليه السلام من السماء] تفسير القرطبي.
[قالَ الْحَسَن : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْيَهُودِ : إِنَّ عِيسَى لَمْ يَمُتْ وَإِنَّهُ رَاجِع إِلَيْكُمْ قَبْل يَوْم الْقِيَامَة] تفسير ابن كثير.
وقد روى كثير من علماء السلف رضوان الله عليهم أحاديث في أن عيسى ابن مريم عليه السلام يصلي خلف المهدي ويُبايعهُ وينزل في نُصرته , وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه (16) , عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهُ أنهُ قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : {لا يزالُ طائفةٌ من أُمتي يُقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة}.
قال : {فينزل عيسى ابنُ مريم , صلى الله عليه وسلم , فيقولُ أميرُهم , تعالَ صَلِ لنا . فيقولُ : لا, إن بعضَكم على بعضٍ أُمراء تَكرِمَة الله تَعالَ لهذه الأُمة}.
وفي حديثِ آخر عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهُ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {يلتفت المهدي , وقد نزل عيسى ابن مريم كأنما يقطُر من شعرهِ الماء , فيقول المهدي : تقدم وصَلِ بالناس.
فيقُولُ عيسى ابن مريم : إنما أُقيمت الصلاة لك.
فيُصلي عيسى خلف رجلٍ من ولدي , فإذا صُلِيت قام عيسى حتى جلسَ في المقام , فيُبايعه} , وذكرَ باق الحديث. أخرجهُ أبو القاسم الطبراني في (مُعجمه) (17).
وفيما يلي فقرة مُنتقاة من الحديث الطويل الذي رُوي عن أبي أُمامة الباهلي في وصف الدجال وفتنته , وقد ضمت هذه الفقرة مُوجز للأحاديث التي روُيت عن جولة الحسم الأخيرة بين المسلمين واليهود في آخر الزمان.
{... فقالت أم شريك بنت أبي العَكر : يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟
قال : هم يومئذٍ قليل , وجُلُهم ببيت المقدس , وإمامُهم رجل صالح , فبينما إمَامُهم قد تقدم يصلي الصبح , فيرجعُ ذلك الإمام ينكُصُ , يمشي القهقرى , ليتقدم عيسى ابن مريم ليصلي بالناس , فيضعُ عيسى يدهُ بين كتفيه , ثُم يقول : تقدم فَصَلي فإنها لك أُقيمت , فيُصَلي بهم إمامُهم.
فإذا انصرف قال عيسى : افتحوا الباب. فيُفتح ووراءهُ الدجال , معهُ سبعون ألف يهودي , كُلُهم ذو سيفٍ مُحلىً وساج (*) , فإذا نظرَ إليه الدجال ذابَ كما يذوب الملح  في الماء , وانطلق هارباً.
فيقول عيسى إن لي بك ضربة لن تسبقني بها. فيُدركهُ عند باب لُدٍ الشرقي فيقتُلُه. ويهزم اللهُ اليهود , فلا يبقى شيءٌ مما خلقهُ الله يتوارى به يهودي إلا أنطقَ اللهُ ذلك الشيء , ولا حَجَرَ , ولا شجرَ , ولا حائط – إلا الغرقدة (*) فإنها من شجرهم لا تنطق – إلا قال : يا عبد الله المسلم , هذا يهودي , فتعالَ اقتُلهُ} إلى نهاية الحديث. أخرجهُ الحافظُ أبو عبد الله ابن ماجة في (سُننه) (18).
(*) ساج : الطيلسان الأخضر.
(*) الغرقدة : ضرب من شجر العضاه وشجر الشوك.

وقد روى الشيخان - البخاري ومسلم- في صحيحيهما, عن أبي هريرة (رضي الله عنه) , أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : {لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر و الشجر : يا مسلم ! هذا يهودي خلفي تعال فاقتله ، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود} متفقٌ عليه. 

إن الرباط والصبر والثبات على الحق مهما حصل من تقلبات هو من أهم بنود إنجاز هذا الوعد الرباني, لذلك فإننا نجد أن تركيز العدو ينصب على تحطيم إرادة ومعنويات أهل فلسطين ومن حولهم من العرب والمسلمين, وذلك ليتسرب اليأس إلى نفوسهم ويدب الرعب في قلوبهم ويظنوا أن لا سبيل لهم سوى الركون والاستسلام للأمر الواقع, ولا بد من الاعتراف بأن صبر المسلم في ظل هذه المحن العظيمة التي نعيشها اليوم يحتاج إلى صبر آخر لتدعيمه, ولا يمكن تحقيق مثل هذا الصبر والثبات إلا من خلال عقيدة صحيحة وإيمان عميق وإرادة صلبة, قال تعالى: {ولَنَبْلُوَنكم بشيءٍ من الخوفِ والجوعِ ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين 155 الذين إذا أصابتهم مُصيبةٌ قالوا إنا لله وإنا إليهِ راجعون 156 أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمة, وأولئك هم المُهتدون 157} سورة البقرة.

وعلى العاقل أن يتأمل واقعه ويعرف ما له وما عليه ويتصرف ضمن حدود إمكانياته, وأن يحتسب عجزه وضعفه إلى القوي العزيز الذي لا يعجزه شيء سبحانهُ وتعالى, وحتى وإن مُنع المسلمين من أهل فلسطين من أداء شعائر الدين في المسجد الأقصى وغيره من المساجد قهراً, فإن الله يجزيهم ثواب وفضل نيتهم, ولا يزالُ معهم من الله ناصراً ومُؤيداً لهم على عدوهم ما داموا بالإيمان مطمئنين. 
قال سبحانه وتعالى: {ولا يجرمنكم شنئان قومٍ أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا. وتعاونوا على البر والتقوى, ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. واتقوا الله. إن الله شديد العقاب} [2, المائدة]. 
وعلى المسلمين جميعاً في أرض فلسطين وغيرها أن يصبروا صبراً جميلاً, وأن يكظموا غيظيهم مدى الاستطاعة, وأن يكون ردهم على أي عدوان يصيبهم عقلانياً ومناسباً ويعكس الخيرية التي اختصهم الله بها على سائر الأمم, وإنهُ إن لم يكن بمقدورنا الانتقام والانتصار على العدو بالطرق اللائقة والمشروعة, فإن الله وملائكته وجنده قادرين, وهم مع العباد الصابرين, والأحرى بالمسلم المقبول عند الله أن يُسلم نفسهُ إليه سبحانهُ ولا يُسْلمها لشهوات نفسه ونوازع الشر فيها.
إلا أن عذر المسلمين في هذه الأيام هو غياب الإمام القدوة المُعين على الحق, والذي من شأنه هداية الناس وإنارة الطريق للسالكين, قال تعالى: {واتلُ عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتُقبل من أحدهما ولم يُتقبل من الآخر قال لأقتلنك, قال إنما يتقبل الله من المتقين 27 لئن بسطت إليَ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك, إني أخاف الله رب العالمين 28 إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار. وذلك جزاء الظالمين 29 فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين 30 .. من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً. ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون 32} المائدة.   

على الجهة المُقابلة
قال الله في كتابه: {أتأمرون الناس بالبِر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب. أفلا تعقلون 44} سورة البقرة.
لذا فإنهُ وقبل تجريمنا للآخرين من يهود وعجم وغيرهم من الأمم, وحملنا عليهم وإظهارنا إساءتهم, وإنذارنا من سوء عاقبتهم, فعلينا نحن أمة العرب والمسلمين أن لا ننسى أنفسنا ونتجاهل جرائمنا بحق بعضنا البعض, وإساءتنا المستمرة لعقيدتنا ومقدساتنا بما نرتكبه من ذنوب وفواحش وآثام عندها وحولها في الشام وفي جزيرة العرب وغيرها من البلدان, ولولا ذلك لما استُلب منا بيت المقدس ولما تناقص سلطان هذه الأمة وعزتها وهيبتها, وللأسف الشديد فإننا لا نزداد إلا سقوطاً وتفككاً وتشرذماً يوماً بعد يوم إلى أن يشاء الله أن يصلح أمةً بعد فسادها.
 
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لتتبعن سَنَن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟} رواه البخاري ومسلم.
وقبل أن أختم هذا المقال هناك مسألة هامة لا بد من الإشارةِ إليها, وهي أن هذه الأمة كما أخبر عنها (عليه الصلاة والسلام) أنها لا بُد أن تسير على طريق من قبلها من الأمم الكتابية حتى في أتفه الأمور والسُنن, ورغم وجود ثمة تفاوت نسبي بين الأمم الكتابية الثلاثة بمحاسنها وسيئاتها, وامتياز خاص لهذه الأمة المحمدية, إلا أنهُ ثمة هناك تشابه كبير فيما بينها في الكثير من المواطن والقضايا الفرعية والرئيسية على امتداد فترات حملها للرسالات السماوية والأمانة الربانية, وعلى سبيل المثال لا الحصر, نجدُ في كتاب الله الكثير من الآيات التي تذكر قتل بني إسرائيل لأنبيائهم وأذيتهم وخيانتهم لهم, وبالمقابل فإننا نجد في تاريخ الأمة الإسلامية نموذجاً مشابهاً ومشاهد قديمة وحية لهذه الفِعَال الدنية, تتمثل بما أحدثهُ طُغاة المسلمين وعُصَاتهم من الأُمراء والعوام من قتلٍ وأذىً وخيانة لخلفاء النبي الكريم و ورثته العلماء والأئمة المهديين الذين هم بمنزلة الأنبياء (عليهم رحمة الله وصلاته وسلامه أجمعين), أُثرَ عنه (صلى الله عليه وسلم) أنهُ قال: {العلماء ورثة الأنبياء}, وفي حديث آخر: {علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل}. وحتى إن لم تثبُت صحة هذا الحديث, فقد صح معناهُ بما لاقاهُ علماء الأمة من شقاء على أيدي المارقين والسُفهاء كما كان حال السابقين من الأنبياء.

قضاء الله في الكتاب على أمة الكتاب
بحسب ما تقدم من حتمية إتباع هذه الأمة لطُرق من قبلها من الأُمم الكتابية, فإن هذه الأمة لا بُد أنها لاحقة بأمة اليهود فيما قضاهُ الله عليهم في الكتاب من الإفساد في الأرض مرتين, وهذه من أعظم السُنن الربانية التي كتبها الله على أمة اليهود, وإتباع أمة المسلمين لليهود في هذه السُنة القضائية لا بُد أن يكون ظاهراً وجلياً لثبات ذكرها بالكتبُ السماوية, وبعد مرور نحو 14 قرناً من زمان هذه الأمة فإننا نجدُ أن هذا القضاء الرباني قد نال حظهُ من المسلمين تماماً كما نال حظهُ من اليهود السابقين.
قال تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلُنَ علواً كبيرا 4}.
وقد بدأ هذا القضاء يسري على هذه الأمة بعدما تفشى فيها الفساد حاكمين ومحكومين, وتشتت دولتهم وتفرقت كلمتهم وضعف سلطانهم, وصاروا محط أنظار أعدائهم الصليبيين الذين استباحوا بيضتهم وانتزعوا بيت المقدس من بين أيديهم وغيره من الأمصار, وكان ذلك في أواخر القرن الخامس الهجري, خلال فترة الخلافة العباسية. قال تعالى:{ فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأسٍ شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا 5 }.
وقد دام هذا الحال والاحتلال لبيت المقدس قُرابة 90 عاماً قبل أن يرد الله الكَرة لهم على أعداءهم ويمدهم بالجُند والمال, ويجعلهم أكثر قوةً وأشد بأساً من أعدائهم, وكان ذلك على أيدي رجالاً مخلصين يقودهم القائد داود هذه الأمة السلطان صلاح الدين. قال تعالى: { ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا 6 } .
وقد دام هذا الحال من العزة والاستقلال سنين وقروناً طِوال قبل أن يبدأ السقوط والانهيار يأخذ مكانهُ من جديد في جسم هذه الأمة صاحبة المجد التليد, وكان بيت المقدس هو كذلك رمانة الميزان التي فضحت ما أصاب هذه الأمة من ذِلةً وهوان في وعد آخر الزمان, وما كان من اليهود وأعداء العرب والإسلام إلا أن دخلوه واحتلوه وأحرقوا مسجده وحاصروه واقتحموه, ولا يزالون على حالتهم في محو آثار العرب المسلمين حاضرها وماضيها في كل ما يظهروا عليه من أراضي بيت المقدس وفلسطين, وذلك ما دام أبناء المسلمين مُصِريين على إتباع الكفرة والشياطين, والتفريط بتعاليم رب العالمين. قال تعالى: { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا 7 }.

وكما أن أطفال ورجال فلسطين قد كشفوا للعالم الوجه السيئ لدولة الإسرائيليين, فإن الإسرائيليين بمكرهم واستفزازهم لأبناء الشعب الفلسطيني, وتضيقهم عليهم, وعدم إعطاءهم المجال للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم, دفعوا المقهورين من الفلسطينيين قصراً إلى تنفيذ ما يُعرف ڊ (العمليات الانتحارية) داخل المناطق والحافلات الإسرائيلية, وقد سَخَرَ ساسة إسرائيل هذه الورقة الرابحة بخُبْث في تشويه صورة المجتمع الفلسطيني والإسلامي, وإظهاره للعالم على أنهُ مجتمع متعطش لسفك الدماء, وأنهم أُناس ليس في قلوبهم شفقة أو رحمة للبشر, والحقُ هو أن اندفاع الشباب الفلسطيني وهم في زهرة العُمر للانتحار بهذه الطريقة المُريعة, وهو أكبرُ شاهد ودليل على أن الدولة الإسرائيلية قد سلبتهم كل مقومات الحياة الكريمة, وهذا هو ما ينبغي على العالم معرفتهُ والإقرارُ بهِ, وإلا كانوا شُركاء في الجرائم البشعة التي تُرتكبُ كل يوم ضد الشعب الفلسطيني منذ قيام دولة إسرائيل على أراضيه.
وبحسب بعض التحليلات السياسية, فإنهُ يُعتقد أن الحكومة الإسرائيلية كانت تفسح المجال لتنفيذ مثل هذه العمليات التفجيرية في أراضيها كلما لزم الأمر, لتتخذها ذريعة للتملص من التزامات عملية السلام, ومهاجمة الشعب الفلسطيني وسلبهُ حريته وحقوقهُ المشروعة.      
وإن هذا الكلام ليس إقراراً مني بسلامة ومشروعية العمليات الانتحارية التي تقتل أخلاط الناس من عجائز وأطفال ونساء وغيرهم من الضُعفاء والعُزَل, وديننا ينهانا عن مثل هذه الوحشية والغدر حتى وإن كانت تستهدف مُجتمع العدو, إلا أن قساوة الواقع الفلسطيني والغيظ العظيم الذي زرعهُ الاحتلال في نفوسه أبناءه, يدفعهُم إلى خارج دائرة الإفتاء وإطلاق أحكام الحلال والحرام, وفي ضوء هذه المُعطيات الصعبة والفتن المُتلاحقة, فإن السكوت خيرٌ من الكلام إلى أن يجعل لنا الرحمنُ سبيلاً ومُخرجاً من هذا الذُل والامتهان. قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: {إن الله تبارك وتعالى نظر إلى أهل بدر, فقال: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرتُ لكم} صحيح البخاري.    

وفي ختام ِهذا القضاء الرباني, يبقى أمل المسلمين وسعيهم إلى الخروج من هذا الكرب العظيم معلقاً برحمة رب العالمين القريبة من عباده المحسنين. قال تعالى: {عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا 8} ختام تفسير أوائل سورة الإسراء.

الخاتمة:
قال تعالى : {ولا تحسبنَ الله غافلاً عما يعملَ الظالمون. إنما يؤخرهم ليومٍ تشخصُ فيه الأبصار 42 مُهطعين مُقنعي رؤوسهم لا يرتدُ إليهم طَرفُهم وأفئِدتُهم هواء 43 وأنذرِ الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخِرنا إلى أجلٍ قريب نُجب دعوتك ونتبع الرُسل. أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال 44 وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبينَ لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال 45 وقد مكروا مكرَهم وعندَ اللهِ مكرُهم وإن كان مكرُهم لتزول منهُ الجبال 46 فلا تحسبنَ الله مُخلف وعدهِ رُسله. إن اللهَ عزيزٌ ذو انتقام 47} سورة إبراهيم.
إنَ وجه الأرضَ المُباركة مليء بالخيرات والثمار والأزهار, وأما باطنها فهو حُفرة من النار التهمت على مر السنين أجيالاً من المُفسدين والعابثين الذين صاروا عبرةً للعالمين, وعلى اليهود والنصارى والمسلمين أن يأخذوا عبرة من تجارب أجدادهم السابقين في سَكنِ بيت المقدس والأرض المباركة, والتي تكللت بزوال ملكهم عنه وخروجهم منه جزاءً من الله على إفسادهم فيها, وإن من جهل ابن آدم وعنادهُ أن يتمسك بما هو زائل من حُطام الدُنيا ويترك ما لا يزول أبداً من نعيم الآخرة.[ ورد في بعض طرق حديث الإسراء أنه صلى الله عليه وآله وسلم رأى جهنم في طريقه إلى بيت المقدس, وروي عن عبادة بن الصامت أنه وقف على سور بيت المقدس الشرقي يبكي وقال ها هنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه رأى جهنم].
  

من لطائف التفسير:
* لقد ردَ اللهُ الكَرَةَ لبني إسرائيل على عدوهم الذي اخترق مُدنهم وقُراهم وأخرجهم منها بعد فسادهم الأول في عهد التوراة , على أيدي عبادٍ مؤمنين صابرين من أوليائهم الصالحين وأنبيائهم المُقربين أمثال طالوت وداود وسليمان (عليهم السلام أجمعين).
 بينما رُدت الكَرَةُ لهم على عدوهم – أي المسلمين- الذي اخترق قُراهم في المدينة المُنورة وما حولها وأخرجهم منها بعد فسادهم الأول في عهد القرآن, على أيدي عبادٍ قُساةٍ ظالمين من الحُكام والقادة السياسيين الذين وطَنُوهُم في أرضِ فلسطين مُتجاهلين لسُكانها الأصليين.
* وكما حصل لهم بعد إفسادهم الأول فقد عُوقِبَ الظالمين من بني إسرائيل على إفسادهم الثاني في عهد التوراة على أيدي الكفرة والوثنيين من أمثال بُخت نصر وجندهُ.
بينما سيحل عقاب الله على الظالمين من يهود دولة إسرائيل جزاء إفسادهم الثاني في عهد القرآن على أيدي عبادٍ من أهل الإيمان من أمثال المهدي والمسيح عيسى ابن مريم (عليهم السلام) - {ود وسواع} (19)-.
قال تعالى: { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ 78 كانوا لا يتناهون عن مُنكرٍ فعلوه. لبأس ما كانوا يفعلون 79} المائدة.

وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى اللهُ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبهِ وسلم.  

مواضيع ذات صلة على هذه الروابط :

نُشر لأول مرة على مدونة المسبار السحري بتاريخ 3-5-2011
فكرة وإعداد : وليد أحمد القراعين.
  
  الهوامش: 
(11) راجع موقع ويكيبيديا , عنوان البحث (يهود الفلاشا). 
(12) أخرجهُ الإمام أبو الحسين ابن المنادي في كتاب (الملاحم), وأخرجهُ الحافظ في كتاب (الفتن).  
(13) أخرجهُ الإمام أحمد بن حنبل في (مُسنده).
(14) رواهُ الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود في كتاب (المصابيح).
(15) أخرجهُ الحافظ في كتاب (الفتن).
(16) في باب نزول عيسى ابن مريم بشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام , من كتاب الإيمان . صحيح مسلم 1/137.
(17) المُعجم الصغير الذي رتب فيه أسماء المشايخ على الحروف.
(18) في باب فتنة الدجال وخروج عيسى ابن مريم وخروج يأجوج ومأجوج , من كتاب الفتن , سُنن ابن ماجة 2/1359 – 1363.
(19) سورة نوح آية 23. 

المراجع :
- كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر , للإمام يوسف بن يحيى الشافعي السُلمي.
- كتب تفسير القرآن المشهورة مثل: تفسير الطبري والقرطبي وابن كثير.

فهرس لبعض أعلام المُفسرين:
ابن كثير : هو الإمام العَلاَمة الحافظ الثبت الثقة أبو الفداء (إسماعيل بن كثير) المتوفى سنة 774 هجرية , من جهابذة المفسرين وأعلامهم المشهورة , جمع في تفسيره بين الرواية والدراية , قال السيوطي في تفسيره : [لم يُؤلَف على نمطه مثله].
القرطبي : هو أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي , والمتوفى سنة 671 هجرية , قال عنه الذهبي :[إمام متفنن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة تدل على كثرة إطلاعه ووفود عقله وفضله]
- عبد الله بن عباس : الحبرُ البحر , ابن عم رسول الله –صلى الله عليه وسلم – وتُرجمان القُرآن ببركة دعاء النبي عليه الصلاة والسلام لهُ حيثُ قال : {اللهم فقهُ في الدين , وعلمهُ التأويل}. 
- مُجاهد بن جبر : من جيل التابعين - وهم الذين لم يصاحبوا النبي عليه الصلاة والسلام لحداثة سنهم أو لتأخر مولدهم عن فترة البعثة النبوية المُباركة , وتُسمى كذلك الأجيال التي جاءت بعد جيل التابعين من العلماء والصالحين ومن تبعهم ڊِ (تابعي التابعين) إلى وقتنا هذا- وكان مجاهد آية في التفسير فقد قال : [عرضتُ المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات , من فاتحتهِ إلى خاتمته , أوقفهُ عند كل آية منه وأسألهُ عنها]. ولهذا قال سفيان الثوري : [إذا جاءك التفسير من مجاهد فحسبُك به].
- سعيد بن جبير  , سعيد بن المُسيب , قتادة: جميعهم من علماء التابعين والمُفسرين الثقات المشهورين.
 كعب الأحبار : كان من يهود اليمن وصاحب معرفة وعلم كبير في التوراة والإنجيل وأنبياء وروايات بني إسرائيل, أسلم في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق