الاثنين، 25 مارس 2013

قضاء الله على بني إسرائيل بأقوال الأئمة والدليل ج1


بسم الله الرحمَن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أكرم المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. أما بعد ؛ إنَ أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدْي هدْي نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم), وإن شر الأمور مُحدثاتها, وكل محدثةٍ بدعة, وكل بدعةٍ ضلالة, وكل ضلالةٍ في النار.

تعيشُ أمة الإسلام في هذا الزمان تداعيات قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين, وبالنظر إلى الطريقة التي قامت بها هذه الدولة العبرية, وسياساتها في قمع وتهجير واستهداف السُكان الأصليين من العرب والمسلمين, فقد صارت هذه الدولة بمثابة كابوس ٍ مُزعج يُخيم على أحلام أبناء أمة العرب والإسلام, وباعتبار كتاب الله القرآن وسُنة النبي العدنان (عليه الصلاة والسلام) هُما مصدر الإلهام ومنارة الهُدى لأبناء الإسلام, فإنهُ لا بد لهم من الرجوع والاحتكام إليهما في كل ما يؤرقهم ويقض مضجعهم ويُحير ألبابهم.
ورغم الكم الكبير من الأخبار والتحليلات والمعلومات التي تقدمها لنا الكتب ووسائل الإعلام المختلفة حول هذه القضية الحساسة, إلا أن كتاب الله العظيم يختزل لنا في كلماتٍ معدودة ما قد تفيض به كُتب البشر وتحليلاتهم على مدى سنوات عديدة, قال تعالى: {إنَ هذا القرآن يقصُ على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون 76} سورة النمل.
وإن القارئ لكتاب الله يجده في كثيرٍ من المواطن يروي لنا قصص بني إسرائيل وسيرتهم, وذلك منذ نشأتهم الأولى في عهد أبيهم يعقوب – إسرائيل- عليه السلام, قال تعالى: {لقد كان في يوسف وأخوتهِ آياتٌ للسائلين 7} (1), وإلى أن يحين موعدهم ووعدهم الآخر في زمان نزول المسيح عيسى ابن مريم (عليهما السلام), قال تعالى : {وقُلنا من بعدهِ لبني إسرائيل اسكُنُوا الأرضَ فإذا جاء وعدُ الآخرة جئنا بكم لفيفاً 104} سورة الإسراء. 
قال القرطبي في تفسيره:[قال الجوهري‏:‏ واللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى؛ يقال‏:‏ جاء القوم بلفهم ولفيفهم، أي وأخلاطهم‏.‏ وقوله تعالى ‏{‏جئنا بكم لفيفا‏} أي مجتمعين مختلطين‏‏.‏ وقال الكلبي‏{‏فإذا جاء وعد الآخرة‏}‏ يعني مجيء عيسى عليه السلام من السماء] (2)‏.‏

وها نحن نرى اليوم اليهود يجتمعون من جديد في أرض فلسطين ويؤمونها قادمين من بلادٍ شتى, وهذا أمرٌ لم يسبق له الحدوث منذ ما يُقارب نحو ألفي عام من الزمان, أي منذ تواجدهم الأخير في بيت المقدس في زمان ميلاد المسيح عيسى ابن مريم وبعثه, وإن رجوع اليهود إلى بيت المقدس هو من علامات رجوع عيسى (عليه وأمهِ السلام), وإن رجوع عيسى هو آذانٌ من الله الرحمَن بهلاك المفسدين منهم.

هذه هي خُلاصة بحثنا ونتيجتهُ النهائية, ولكن قد تكون هذه النتيجة التي لخصتها بسطور ٍ معدودة غير واضحة ومفهومة بالنسبة لكثيرٍ من القُراء, خاصةً الذين لم يسبق لهم قراءة القرآن والسُنة وتفسيرهما, وإننا إذا ما أردنا فهم حقيقة الوعد الآخر, فلا بد لنا قبلها من معرفة الوعد الأول, وإن ما بين الوعدين الأول والآخر مسافات طويلة من الزمان قطعها بني إسرائيل ومُلتمسي خُطاهم, وسوف أعمل فيما يلي من فقرات وأجزاء هذا البحث على الوقوف عند المحطات الرئيسية من الوعود الربانية التي قضاها سبحانه وتعالى على بني إسرائيل, إما غضباً عليهم أو رحمةً بهم, إلى أن نحط رحالنا عند المحطة الأخيرة والوعد الآخر الذي فيه وصف حالنا.

وإن هذا البحث الذي أضعهُ بين أيديكم اليوم هو تتمة وامتداد وبيان لتفسيرات علماء السلف - رضوان الله عليهم- لأوائل آيات سورة بني إسرائيل والمشهورة ڊ(سورة الإسراء), خاصة ً بعد أن أماط الزمان اللثام عن حقائق ووقائع جديدة وضحت وفسرت لنا ما تبقى من معاني هذه الآيات المجيدة , راجياً أن يجعل الله عملي هذا خالصاً لوجههِ الكريم, وأن ينفع به الإسلام والمسلمين, إنهُ على ما يشاء قدير وبالاستجابة جدير.

قال تعالى :{وآتينا موسى الكتاب وجعلناهُ هُدىً لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلاً 2 ذرية من حملنا مع نوح إنهُ كان عبداً شكوراً 3 وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلُنَ علواً كبيرا 4 فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأسٍ شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا 5 ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا 6 إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا 7 عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا 8} سورة الإسراء.

مقدمة:
جرى القلم منذ الأزل والقِدَم بكتابة حُكمٍ قضاه الله على بني إسرائيل, وإسرائيل هو يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم (عليهم السلام أجمعين), وجميع أبناءه وذراريهم يُسمون (بني إسرائيل) نسبةً إلى أبيهم وجدهم الأكبر, وأبناء يعقوب (عليه وآله السلام) المباشرون هم الأسباط الاِثني عشر ومن ضمنهم النبي يوسف الصديق (عليه السلام), وقصتهم مشهورة ومذكورة في سورةٍ كاملة في كتاب الله, قال تعالى: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ 9 قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ 10}.
إذ أخذت بني إسرائيل الغيرة من أخيهم يوسف الكريم, فأذاقوه العذاب الأليم وشردوه وصيروه عبداً في بلاد المشركين, وأفسدوا في الأرض فساداً عظيم, حتى أمسكت السماء قطرها سبع سنين, وأشرف الناس على الهلاك لولا أن وسعتهم رحمة رب العالمين, وتاب الله على الأسباط من بعد أن اعترفوا بذنبهم وخروا لأخيهم العزيز ساجدين, وأسكنهم أرض مصر وأعلا شأنهم وجعلهم سادة بعد أن كانوا رعاةً ومزارعين, {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ 91 قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ 92}.

قال تعالى: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون 133} سورة البقرة.
ثم مضى عهد الأسباط الأوائل بسيئاتهم وحسناتهم وجاء عهد أبناءهم, والذين يبدو أنهم بعد مُضي وقتٍ من الزمان نسوا حظاً من مواعظ ووصايا جدهم إسرائيل (عليه السلام), فما كان إلا أن تسلط عليهم القوم اللئام, فأخذوا يكيلون لهم العداء ويسمونهم سوء العذاب, باستحياء النساء وذبح الأبناء, وعندها صنع الله موسى ابن عمران (عليه السلام), وآتاهُ الحكمة والبيان, وأرسلهُ لتخليص بني إسرائيل من الذُل والهوان, وحُكم فرعون وهامان.
وسار موسى (عليه السلام) ببني إسرائيل إلى بر الأمان, ودأب على تعليهم شريعة الرحمَن, وبشرهم بفتح الله ونصرهِ لأهل الصبر والإيمان, وأنذرهم من سخط الله وإذلاله لأهل الفسوق والعصيان, ومن ضمن ذلك أخبرهم بما قضاه الله عليهم في كتابه المكنون ولوحه المحفوظ من حتمية وقوع الإفساد منهم في الأرض مرتين, وما سيترتب على هذا الإفساد من عواقب وخيمة في كل مرة, وما سيكون لهم بين هاتين المرتين من الإفساد من رد الكرة على عدوهم وارتفاع شأنهم عليه, وبعدهما من رحمةٍ عسى أن تنالهم بتوبتهم وتضرعهم إلى الله سبحانهُ, وهكذا كلما عادوا إلى الإفساد في الأرض عاد حُكم الله وقضاءه عليهم ليسري من جديد, كما وصفهُ لهم سبحانهُ وتعالى وأخبرهم به على لسان كليمهُ موسى ابن عمران (عليه السلام),  وكما أوحى به الله الرحمَن إلى محمد (عليه الصلاة والسلام) في كتابه القرآن.

قال تعالى:{وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلُنَ علواً كبيرا 4}.
قال القرطبي : [قَرَأَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَأَبُو الْعَالِيَة {فِي الْكُتُب} عَلَى لَفْظ الْجَمْع . وَقَدْ يَرِد لَفْظ الْوَاحِد وَيَكُون مَعْنَاهُ الْجَمْع ; فَتَكُون الْقِرَاءَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد. وَمَعْنَى {قَضَيْنَا} أَعْلَمْنَا وَأَخْبَرْنَا ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس : وَقَالَ قَتَادَة : حَكَمْنَا ; وَأَصْل الْقَضَاء الْإِحْكَام لِلشَّيْءِ وَالْفَرَاغ مِنْهُ , وَقِيلَ : قَضَيْنَا أَوْحَيْنَا ; وَلِذَلِكَ قَالَ : {إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل}. وَعَلَى قَوْل قَتَادَة يَكُون {إِلَى} بِمَعْنَى عَلَى ; أَيْ قَضَيْنَا عَلَيْهِمْ وَحَكَمْنَا . وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا . وَالْمَعْنِيّ بِالْكِتَابِ اللَّوْح الْمَحْفُوظ .].

اللوح المحفوظ هو كتاب كَتبَ الله فيه مقادير الخلق قبل أن يخلقهم, وهو مستودعٌ مشيئته, أحصى الله فيه كل ما هو كائن إلى يوم القيامة.
ومن بعد كتاب الله الذي حفظ به أسراره وحجب علمهُ عن خلقهِ إلا ما شاء, تأتي حبالهُ الممدودة من السماء إلى أهل الأرض, وهي كلماتهِ التي أوحى بها إلى رُسله, وكُتبه التي أنزلها على أنبياءه, وأعظم هذه الكتب وأكثرها تداولاً عند أمم الأرض ثلاثاً, وهي على الترتيب: التوراة والإنجيل والقرآن, وأما أعظم هذه الكتب الثلاثة وأحدثها عهداً وأكثرها حفظاً فهو كتاب الله القرآن, الذي أنزلهُ على آخر أنبياءه محمد (عليه الصلاة والسلام) في أمة العرب والإسلام, وأهم ما يمتاز به هذا الكتاب الكريم, أن أهلهُ من أُمة المسلمين يتعبدون بهِ ويتدارسونه كما تنزل به الوحي الأمين على لسان الله العليم, دون تأليف واجتهاد وإضافات من البشر على غرار الكتب السابقة, وإن هذا القرآن بما حواه من بديع الكلام, وسحر البيان, والعلم والبرهان, لهو بمثابة اللوح المحفوظ  المُنَزل إلى بني الإنسان,  قال تعالى: {إنا نحنُ نزلنا الذِكرَ وإنا لهُ لحافظون 9} سورة الحِجر.

وكما في قراءة سعيد بن جبير وأبو العالية فإن (الكتاب) الذي في قوله عز وجل: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب}, لا يقتصر معناه على اللوح المحفوظ أو التوراة التي أوحى بها الله إلى كليمه موسى, وإنما يمتد ليشمل الكتب الأخرى كالإنجيل الذي أُنزل على المسيح عيسى ابن مريم, والقرآن الذي أُنزل على محمد (عليهم الصلاة والسلام), أي أن ما قضاه الله على بني إسرائيل سوف يكون قدراً مقدوراً عليهم في عهود الكتب الثلاثة, بدايةً بالتوراة, ثم بالإنجيل, ثم بالقرآن, وهذا ما دلت عليه أقوال المفسرين السابقين والمُتأخرين, وهو ما أنا بصدد بيانه في هذا المقال, قال تعالى: {,وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن. ومن أوفى بعهده من الله.} آية 111, سورة التوبة.

وقوله تعالى:{لتفْسِدُنَ في الأرض مرتين ولتعلُنَ علواً كبيرا 4}.
يعني أنكم يا بني إسرائيل بعد أن منَ الله عليكم بالنبوة والرسالة, وعلمكم شرائعه, واستخلفكم في الأرض, وأورثكم ديار وأموال أعداءه وأعدائكم, سوف تفسقون عن أمرهِ وتعصون رُسله, وتُقيمون أمر الدُنيا وتهدمون أمر الآخرة, وسوف تسعون في الأرض فساداً, ولن يحملكم إمهال الله لكم وحلمهُ عليكم إلا على التمادي والتكبر والعناد والمُغالاة بالمعاصي والفساد, وهذا هو معنى قولهُ تعالى: {ولتعْلُنَ علواً كبيرا}, ويقرأها كثيرٌ من الناس (ولتعلون علواً كبيراً) من العلو والرفعة, وهذا وإن كان خطأٌ باللفظ إلا أنه صحيح بالمعنى, لأن الله جعل لبني إسرائيل بين الإفساديْن كما في الآيات التالية التي تصف القضاء, غلبة على عدوهم وأمدهم بالأموال والبنين والسلطان, {ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا 6}. وأود هنا التنبيه إلى أن التفوق على العدو ليس مرهونٌ بكثرة المال والرجال, بل مرهونٌ بالوسيلة, فعلى سبيل المثال, كان محمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه أقلُ مالاً ورجالاً من أعداءهم وبفارقٍ شاسع, إلا أنهم قهروا أعدائهم وانتصروا عليهم وسلبوهم ملكهم لأن وسيلتهم كانت الله القوي, ومن ناحية أخرى فإن الأمة الإسلامية التي يزيد تعدادها عن المليار نسمة, والتي تنضح بالثروات والأموال على امتداد أراضيها, نجدها اليوم مغلوبة ومنهوبة ومقهورة من أعداءها, والسبب هو أن أعداءها قد تفوقوا عليها في علوم الدنيا وحازوا على الوسائل التي تُحيد العدد والمساحة وتختزلهما, وهكذا فإن التفوق يكمن في القدرة على اختزال مقومات الخصوم, سواءً أكان بالوسائل السماوية (أي بتأييد الله وتدبيره), أو بالوسائل الأرضية (الصناعة والابتكار), أو بكليهما معاً, وهذا هو الصحيح والمعول عليه.

وعودة إلى الآية الرابعة, مع قوله تعالى: {لتُفسِدُنُ في الأرض}, والذي يدلُ بديهةً على عامة بقاع الدنيا, ولكن إذا رجعنا إلى الآية الأولى من السورة والتي جاءت مباشرة قبل الحديث عن إمامة موسى وقضاء الله على أُمته من بني إسرائيل, فإننا ربما نستكشف خصوصية وحدود الأرض التي تدل عليها الآية (من كذا .. إلى كذا), قال تعالى: {سبحانَ الذي أسرى بعبدهِ ليلاً منَ المسجدِ الحرام إلى المسجدِ الأقصى الذي باركنا حولهُ لنريهُ من آياتنا. إنهُ هوَ السميع البصير1}.
إن الأرض التي تُغطيها هذه الآية الكريمة تمتد من مكة البيت الحرام, مروراً بالمدينة المُنورة (على ساكنها أفضل الصلاة والسلام), وصولاً إلى بيت القصيد وهو المسجد الأقصى حرمُ أرض الشام, وقد ذُكِرَ المسجد في سياق وصف الوعد الآخر من القضاء, {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد} آية 7.
وبين مكة والقدسُ وحولهما عاش وتنقل مُعظم الأنبياء, وتنزلت الرسالات, وفي هذه الأرض المُباركة أقام الله أمر الدين وفيها يختمهُ, وكما هو معلوم فإن وِزرَ الإفساد والمعاصي في الأراضي المقدسة يتضاعف وتشتد عقوبة الله لمرتكبيها في الدنيا والآخرة, لذا قضى الله عقوبتهُ المُؤكدة على بني إسرائيل في الدنيا جزاء إفسادهم في خير وأطهر بقاع الأرض.
قال القرطبي: [ {في الأرض}, يريد أرض الشام وبيت المقدس وما والاها].

وقوله تعالى: {لتفسدن في الأرض مرتين}, يعني أن قضاء الله الحتمي يوجب أن يكرر بني إسرائيل الإفساد مرتين, وقضاء الله لا يُرد, أي أن الله لا يقضي بأمر إلا ويقع كما قضاه دون تبديلٍ أو تحويل, لذا فإننا نقول في دعائنا : (اللهم إنا لا نسألك رد القضاء, ولكن نسألك اللُطفَ فيه), أي أننا نسأل الله أن يلهمنا القدرة على احتمال هذا القضاء, وأما ردهُ فلا سبيل إليه.
وقد وصف الله لبني إسرائيل هذا القضاء وكيفية حدوثه ليعيه العالمون منهم فيعظون قومهم وينذرونهم قبل وقوع عذاب الله بهم, ويبشرونهم بعد الانتكاسة بأن الله قادرٌ على أن يرد الكرة لهم على أعدائهم ويرحمهم من بأسهم, وليكون هذا الوصف والتفصيل حُجةً على المفسدين الذي سوف يجترون على أُمتهم العذاب المُهين, فلا يجدون لهم عُذراً عند رب العالمين, قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ 116 وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ 117} سورة هود.
وبعد وقوع الإفساد من بني إسرائيل مرتين, وانقضاء وعد الله لهم بالعذاب والنكال على كل مرة, فإن انتهائهم وتوبتهم أو عودتهم إلى الإفساد بعد المرتين من جديد غير مُحددة بعدد, وإنما رحمة الله تسع التائبين فيُنجيهم من كيد المُعتدين, وعذابهُ وسخطهُ يُحيق بالعائدين, وهذا هو ما توضحهُ لنا آخر آيات هذا القضاء, قال تعالى:{عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا 8}.
وهكذا دواليك, متى عاد بني إسرائيل إلى الإفساد, عاد الله بتسليط أعداءهم عليهم فاستباحوا بيضتهم, وسبوْهم, وأخرجوهم من ديارهم, ويبقى بني إسرائيل على هذا الحال بين كرِ وفر إلى أن ينقضي عهد الكتاب الذي بدء قضاء الله يسري عليهم فيه, وقد كان التوراة وهو كتابهم, أول الكتب التي نَفدَ عليهم فيه هذا القضاء الرباني, ,ثم بعد ذلك تجدد قضاء الله عليهم في عهد الإنجيل, ثم بعد ذلك تجدد عليهم القضاء في عهد القرآن, وهذا هو ما سوف أعمل على بيانه وتفصيله من خلال الفقرات التالية من هذا البحث والأجزاء القادمة منه.

قضاء الله على بني إسرائيل في التوراة
قال تعالى :{وآتينا موسى الكتاب وجعلناهُ هُدىً لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلاً ً2}.
لقد استفتح الله تعالى في نطاق بيانه لقضائه على بني إسرائيل بعهدهم وكتابهم الأول التوراة الذي آتاه الله موسى (عليه السلام), حيثُ أن بداية سريان ما وصفه لهم من قضاءه عليهم سيكون بدءاً من عهد ذلك الكتاب, وهناك الكثير من الروايات التي تصف ما وقع به بني إسرائيل من الإفساد بمخالفة أحكام التوراة, وكيف سلط الله عليهم أعداءهم جزاءً وفاقاً على قبيح فِعالهم, وقد اختلفت أراء ومذاهب علماء السلف والمفسرين السابقين والمتأخرين في شرح هذا القضاء وتعيين أول المرتين وآخرهما على وجه اليقين, والسبب المباشر في ذلك هو أن هذه الحوادث التي ألمت ببني إسرائيل كان قد مضى عليها زمانٌ طويل, وما وصل إلى علماء السلف نقلاً عن أحبار وعلماء اليهود وكتبهم لم يكن كافياً لسبر غور الحقيقة, وإذا كانت الكتب المقدسة لليهود والنصارى لم تسلم من التحريف والحذف والإضافة, فإن روايات التاريخ أكثر عُرضة للتشويه والخلط والغلط, وهذا الحال نُصادفهُ في التاريخ الأكثر حداثة والأعظم وسيلة في التوثيق, فما بالك في حوادث التاريخ الطاعن في القِدم, وبالتالي فإن بوصلة الحقيقة نجدها شبه تائهة في خضم كمٍ من الروايات المُتباينة والمُتضاربة وضعيفة التوثيق.

وبالرغم من ذلك فإن هناك ثمة فرصة لملامسة كبِدَ الحقيقة, وبشكل خاص عند الاستعانة بذات الكتاب الذي نقل إلينا هذا القضاء وهو القرآن الكريم, وهو كلام الله الذي أنزلهُ من فوق سابع سماء, والمحفوظ في صدور المؤمنين كابر عن كابر قبل حفظهُ وتدوينه في متون الكُتب, وسأعمد فما يلي إلى نقل بعض تفاسير العلماء التي توافق النصوص القرآنية وتنسجم معها:
قال ابن كثير في تفسير هذا القضاء:[يخبر تعالى أنه قضى إلى بني إسرائيل في الكتاب، أي تقدم إليهم وأخبرهم في الكتاب الذي أنزله عليهم أنهم سيفسدون في الأرض مرتين ويعلون علواً كبيراً‏, أي يتجبرون ويطغون ويفجرون على الناس.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فإذا جاء وعد أولاهما‏}‏ أي أولى الإفسادتين ‏{‏بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد‏}‏ أي سلطنا عليكم جنداً من خلقنا أولي بأسٍ شديد، أي قوة وعدة وسلطنة شديدة، ‏{‏فجاسوا خلال الديار‏}‏ أي تملكوا بلادكم وسلكوا خلال بيوتكم، أي بينها ووسطها ذاهبين وجائين لا يخافون أحداً، ‏{‏وكان وعداً مفعولا‏}‏‏.‏ وقد اختلف المفسرون في هؤلاء المسلطين عليهم من هم‏؟‏ فعن ابن عباس وقتادة‏:‏ أنه جالوت وجنوده سلط عليهم أولا ثم أديلوا عليه بعد ذلك؛ وقتل داود جالوت، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ثم رددنا لكم الكرة عليهم‏}‏ الآية.] (3)‏.‏  
وكما يقول أهل العلم والتفسير فإن خير ما يُفسر به القرآن هو القرآن نفسه, وأن هذا القرآن يفسرُ بعضهُ بعضاً , وإننا نستطيع أن نلمس من خلال الآيات من 246 إلى 251 من سورة البقرة , ما يُرجح صحة ما ذهب إليه ابن عباس وقتادة من إن الإفساد الأول لبني إسرائيل مقرونٌ بزمان تسليط جالوت الجَزري – نسبة إلى جزيرة العرب- وقومه عليهم, حيث جاءت هذه الآيات في سياق ذكر سوء وتردي أحوال بني إسرائيل من بعد نبوة موسى (عليه السلام), وما أصابهم من هزائم وخذلان على أيدي أعداءهم, ثم كيف استجاب الله بعد ذلك لدعوات الصالحين منهم, ورد لهم الكرة على أعدائهم وأعز ملكهم, وهي قصة طالوت وداود عليهما السلام وقتالهم جالوت وانتصارهم عليه, , قال تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ 246 وقال لهم نبيهم أن الله قد بعث لكم طالوت مَلِكاً..} 
قال ابن كثير : [قال وهب بن منبه وغيره‏:‏ كان بنوا إسرائيل بعد موسى عليه السلام على طريق الاستقامة مدة من الزمان، ثم أحدثوا الأحداث وعبد بعضهم الأصنام، ولم يزل بين أظهرهم من الأنبياء من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويقيمهم على منهج التوراة إلى أن فعلوا ما فعلوا فسلط اللّه عليهم أعداءهم، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا خلقاً  كثيراً وأخذوا منهم بلاداً كثيرة، ولم يكن أحد يقاتلهم إلا غلبوه، وذلك أنهم كان عندهم التوراة والتابوت الذي كان في قديم الزمان، وكان ذلك موروثاً لخلفهم عن سلفهم إلى موسى الكليم عليه الصلاة والسلام، فلم يزل بهم تماديهم على الضلال حتى استلبه منهم بعض الملوك في بعض الحروب، وأخذ التوراة من أيديهم ولم يبق من يحفظها فيهم إلا القليل، وانقطعت النبوة من أسباطهم ولم يبق من سبط لاوي الذي يكون فيه الأنبياء إلا امرأة حامل من بعلها، ..] إلى نهاية القصة.
وتدل هذه الرواية على أن فساد بني إسرائيل الأول الأقرب إلى عهد موسى عليه السلام هو ما كان ضمنه تسليط الملك جالوت وقومهُ عليهم, وهذا يتوافق ما ظاهر النص القرآني الذي حدد التفاصيل وأسماء قادة كلا الطرفين في ختام الصراع, قال تعالى: {فهزمُوهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتهُ اللهُ الملك والحكمة وعلمهُ مما يشاء ..} [251]. 

وكما هو بادياً لنا من معنى الآية الكريمة, وعلى نحو ما فسرها كثير من العلماء, فإن رد الله الكرة لبني إسرائيل على أعدائهم كما وعدهم في قضاءه الذي أخبرهم به في كتابهم التوراة, تم بتغلُب طالوت وداود (عليهما السلام) على جالوت وجنوده المتسلطين, ثم ازدهرت مملكة بني إسرائيل بعد هذا النصر العظيم في عهد داود عليه السلام , وعلت علواً كبيراً لا مثيل لهُ في التاريخ, وبلغت أوج قوتها وكمالها في عهد سليمان ابن داود (عليهما السلام), وقد سرد القرآن الكريم أيضا في سورٍ عديدةً قصة هذه المملكة العظيمة المُهابة التي صنعها الله لسليمان عليه السلام , والذي حكمها بالعدل والتقوى والشكر الجزيل للمصلحين, والعقوبة الشديدة للمفسدين , قال تعالى :{أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم مُلكا عظيما 54} سورة النساء. يعني: ما آتى الله سليمان بن داود عليهما السلام.      

وبهذا نكون قد وصلنا إلى فهم وتفسير الخطوة الثانية من قضاء الله على بني إسرائيل والمتجسدة بقول تعالى: {ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا 6}.

إلا أن ذلك المُلك العظيم والقلعة المشيدة والصرح الكبير كان مهدداً بالزوال, ولم يكُن مُقدراً له الثبات والاستمرار, وذلك أن مُلك سُليمان (عليه السلام) كان طفرة الزمان, وحالة استثنائية خصهُ اللهُ بها دون سواه من الأولين والآخرين وحتى أبناءهُ المُقربين, وهذا استجابةً لعبادته وإنابتهِ ودعوتهِ, قال تعالى: { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَاب 34 َقَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ 35 فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ 36 وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ 37 وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ 38 هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ 39 وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ 40} سورة ص.

وبعد وفاة سُليمان (عليه السلام) فإن تلك المواهب العجيبة, والمِنح الربانية الفريدة التي جعلت مملكتهُ تُطاول الجبال عزاً وعلواً وشموخاً, قد أصبحت في خبر كان, لاشتراط سليمان أن لا يكون مثل مُلكه من بعده لإنسان, وإن من أكثر الأمور خطورة فيما وهبهُ الله لسليمان (عليه السلام) هو تسخيرهُ للشياطين والجان, وإثابة الطائعين منهم, ومعاقبة وحبس العاصين والمتمردين, فلما علمت الجان بوفاة سيدها سليمان ثارت في نفسها رغبة الانتقام من بني الإنسان, بعدما قاستهُ في خدمتهم من ذُلٍ وهوان, قال تعالى: { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ 14} سورة سبأ.

قال ابن كثير: [قال السُّدِّي ، في حديث ذكره عن أبي مالك عن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مُرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ((كان سليمان يتحرر في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين ، وأقل من ذلك وأكثر ، يدخل طعامه وشرابه ، فأدخله في المرة التي توفي فيها ، وكان بدء ذلك أنه لم يكن يوم يصبح فيه إلا نبتت في بيت المقدس شجرة ، فيأتيها فيسألها ، فيقول : ما اسمك ؟ فتقول : اسمي كذا وكذا. فإن كانت لغرس غرسها ، وإن كانت نبْتَ دواء قالت : نَبَتُّ دواء لكذا وكذا. فيجعلها كذلك ، حتى نبتت شجرة يقال لها : الخرّوبة ، فسألها : ما اسمك ؟ فقالت : أنا الخروبة. قال : ولأي شيء نَبَتِّ ؟ قالت : نبت لخراب هذا المسجد. قال سليمان : ما كان الله ليُخَرِّبه وأنا حي ؟ أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس. فنزعها وغرسها في حائط له ، ثم دخل المحراب فقام يصلي متكئا على عصاه ، فمات ولم تعلم به الشياطين ، وهم في ذلك يعملون له ، يخافون أن يخرج فيعاقبهم. وكانت الشياطين تجتمع حول المحراب ، وكان المحراب له كُوى بين يديه وخلفه ، فكان الشيطان الذي يريد أن يخلع يقول : ألست جلدا إن دخلت فخرجت من ذلك الجانب ؟ فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر ، فدخل شيطان من أولئك فمر ، ولم يكن شيطان ينظر إلى سليمان في المحراب إلا احترق. فمر ولم يسمع صوت سليمان ، ثم رجع فلم يسمع ، ثم رجع فوقع في البيت ولم يحترق. ونظر إلى سليمان ، عليه السلام ، قد سقط ميتا. فخرج فأخبر الناس أن سليمان قد مات. ففتحوا عليه فأخرجوه. وَوَجدوا منسأته - وهي : العصا بلسان الحبشة - قد أكلتها الأرضة ، ولم يعلموا منذ كم مات ؟ فوضعوا الأرضة على العصا ، فأكلت منها يوما وليلة ، ثم حسبوا على ذلك النحو ، فوجدوه قد مات منذ سنة. وهي في قراءة ابن مسعود : فمكثوا يدأبون له من بعد موته حولا كاملاً، فأيقن الناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذبونهم ولو أنهم علموا الغيب ، لعلموا بموت سليمان ولم يلبثوا في العذاب يعملون له سنة ، وذلك قول الله عز وجل : { مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ }. يقول : تبين أمرهم – أي الشياطين- للناس أنهم كانوا يكذبونهم..)) ]. وقد روي نحواً من هذا الحديث عن عطاء موقوفاً على ابن عباس.

ونستدل من خلال هذه الرواية على أن وفاة سليمان (عليه السلام) سوف يترتب عليها تقويض دعائم مُلكه وزوالهُ وخراب بيت المقدس ومسجدهُ, وكما ذُكِرَ في نص قضاء الله على بني إسرائيل وتحديداً في الوعد الآخر منه, فإن دخول جيوش الغُزاة إلى بيت المقدس وتخريبه هو العقوبة والإهانة التي قضاها الله على أمته المُختارة من بني إسرائيل جزاءً على إفسادهم وتفريطهم بالأمانة ونبذهم للشريعة.
قال تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا 7 }.
والمعنى المُراد من (وعد الآخرة) في هذه الآية هو ثاني مرات إفساد بني إسرائيل وليس آخر مرات إفسادهم على الإطلاق, لأنهُ في الآية التي تليها فتح لهم بابيْ الرحمة و العودة إلى الإفساد من جديد, وقد رحمهم الله ثم عادوا إلى الإفساد من جديد بعد المرتين, وهذا ما سنتعرف إليه في الفقرات التالية.

قال تعالى: { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ 266} البقرة.
وهكذا فإن النعمة التي كانت في عهد سليمان (عليه السلام) انقلبت إلى نقمة من بعده, والمنحة انقلبت إلى محنة, ولم يكن باستطاعة بني إسرائيل سد الفجوة والفراغ الكبير الذي خلفهُ رحيل مَلِكَهم المُختص بالعطاء والشكر الإلهي الجزيل, { اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} 13, سبأ.
وكما ذكرت فإن الذين تولواْ كِبَرَ هذه الفتنة والانقلاب في دنيا ودين الإسرائيليين بعد وفاة سليمان الحكيم هم مردة الشياطين, وقد ذكر القرآن الكريم قصة هذا التمرد والانفلات والفساد العظيم الذي غرستهُ الشياطين في مجتمع الإسرائيليين.
قال تعالى: { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ 102وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ خَيْرٌ ۖ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ 103} سورة البقرة.
قال ابن كثير: [عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان آصف كاتب سليمان ، وكان يعلم الاسم "الأعظم" ، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه ، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين ، فكتبوا بين كل سطرين سحرًا وكفرًا ، وقالوا : هذا الذي كان سليمان يعمل بها . قال : فأكفره جُهَّالُ الناس وسبّوه ، ووقف علماؤهم فلم يزل جهالهم يسبونه ، حتى أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم : {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} تفسير ابن أبي حاتم.
وقال السدي: كانت الشياطين تصعد إلى السماء ، فتقعد منها مقاعد للسمع ، فيستمعون من كلام الملائكة مما يكون في الأرض من موت أو غيب أو أمر ، فيأتون الكهنة فيخبرونهم. فتحدِّث الكهنة الناسَ فيجدونه كما قالوا. حتى إذا أمنتهم الكهنة كذبوا لهم. وأدخلوا فيه غيره، فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة ، فاكتتب الناسُ ذلك الحديثَ في الكتب ، وفشا في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب. فبُعث سليمانُ في الناس فجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق. ثم دفنها تحت كرسيه. ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق. وقال: لا أسمع أحدًا يذكر أن الشياطين يعلمون الغيب إلا ضربت عنقه. فلما مات سليمان ، عليه السلام ، وذهبت العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان ، وخلف من بعد ذلك خَلْف تمثل شيطان في صورة إنسان ، ثم أتى نفرًا من بني إسرائيل ، فقال لهم : هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدًا ؟ قالوا : نعم. قال : فاحفروا تحت الكرسي. وذهب معهم وأراهم المكان ، وقام ناحية ، فقالوا له : فَادْنُ. فقال لا ولكنني هاهنا في أيديكم ، فإن لم تجدوه فاقتلوني. فحفروا فوجدوا تلك الكتب. فلما أخرجوها قال الشيطان: إن سليمان إنما كان يضبط الإنس والجن والطير بهذا السحر. ثم طار وذهب. وفشا في الناس أن سليمان كان ساحرًا. واتخذت بنو إسرائيل تلك الكتب ، فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم خاصموه بها؛ فذلك حين يقول الله تعالى : {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا}].

إذاً فإن وفاة سليمان (عليه السلام) كانت نقطة التحول وبداية الإفساد الثاني لبني إسرائيل في الأرض بعد المرة الأولى التي سُلِطَ عليهم فيها جالوت وقومه.
ذكر الباحث بسام جرار في دراسته: [ بدأ الفساد بانقسام الدّولة بعد موت سليمان عليه السلام عام 935 ق. م، ثم كان جوس المصريين، فالآشوريين، فالكلدانيين (البابليون). وبارتفاع وتيرة الإفساد ارتفعت وتيرة الجوس وخطورته، حتى بلغ الذّروة بتدمير الدّولة الشمالية إسرائيل عام 722 ق.م. وبذلك تم قتل وسبي عشرة أسباط من الأسباط الإثني عشر، وبقي الجوس في الدولة الجنوبية يهوذا على الرغم من بعض الإصلاحات، وأبرزها إصلاحات (يوشيا) عام 621 ق.م،[1] إلى أن تم تدميرها من قبل الكلدانيين عام 586 ق.م. وبذلك تلاشت آثار المملكة التي أسسها داود وسليمان، عليهما السلام.
[1]تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، د. فيليب حتي، ترجمة د. جورج حداد، دار الثقافة، بيروت، ط3، ج1، ص 218] (4).

وأما عن القوم الذين سُلطوا على بني إسرائيل في الوعد الآخر الذي بعد مُلك سليمان (عليه السلام), فإنه بالرجوع إلى روايات العلماء والمُفسرين والشواهد التاريخية يُرجح أن يكونوا الذين تولوا كِبَرَهُ هم البابليين بقيادة (بُخت نصر) المجوسي, والذي مَلكَ الدنيا بعد تغلبهِ على أرض الشام وبيت المقدس, فأعقب الله واحد من خير ملوك الأرض (عليه السلام), بواحد من شر ملوكها بسبب فساد الإنس والجان.
وقد قيل في شأن هذا الرجل وحياته أمور عجيبة وأحداث غريبة بدايةً من مولده ونشأته المتواضعة, ثم في تدرجهِ على سُلم السُلطة وصولاً إلى سدة الحُكم, وكيف ذاق بني إسرائيل الأمَريْن وتحملوا المشاق الكبيرة في زمان تسليطهِ عليهم نحواً من مائة عام, حتى أنهم على مر التاريخ لم يشهدوا كارثة وانتكاسة أسوء من التي لحقت بهم في عهد (بخت نصر), إلى أن رحمهم الله وكف بأسه عنهم وكتب لهم الرجوع إلى الأرض المقدسة.

وفي ما يلي باقة من الأقوال والأحاديث التي نقلها كبار المفسرين في هذا الشأن:
قال ابن كثير:[ وقد روى ابن جرير، عن يحيى بن سعيد قال‏:‏ سمعت سعيد بن المسيب يقول‏:‏ ظهر بختنصر على الشام فخرب بيت المقدس وقتلهم، ثم أتى دمشق فوجد بها دماً يغلي على كبا، فسألهم ما هذا الدم‏؟‏ فقالوا‏:‏ أدركنا آباءنا على هذا، قال‏:‏ فقتل على ذلك الدم سبعين ألفاً من المسلمين وغيرهم، فسكن‏.‏ وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب وهذا هو المشهور‏.‏ وأنه قتل أشرافهم وعلماءهم، حتى أنه لم يبق من يحفظ التوراة، وأخذ معه منهم خلقاً كثيراً أسرى من أبناء الأنبياء وغيرهم، وجرت أمور وكوائن يطول ذكرها، ولو وجدنا ما هو صحيح أو ما يقاربه لجاز كتابته وروايته واللّه أعلم‏] المختصر .‏  
وقال أيضاً : [{إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها} أي فعليها , كما قال تعالى : {من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها} , وقوله‏:‏ ‏{‏فإذا جاء وعد الآخرة‏}‏ أي الكرة الآخرة , أي إذا أفسدتم الكرة الثانية وجاء أعداؤكم ‏{‏ليسوءوا وجوهكم‏}‏‏:‏ أي يهينوكم ويقهروكم، ‏{‏وليدخلوا المسجد‏}‏ أي بيت المقدس ‏{‏كما دخلوه أول مرة‏}‏‏:‏ أي في التي جاسوا فيها خلال الديار، ‏{‏وليتبروا‏}‏‏:‏ أي يدمروا ويخربوا ‏{‏ما علوا‏}‏ أي ما ظهروا عليه , قال مجاهد‏:‏ بعث عليهم بختنصر في الآخرة، كما أخرجه عنه ابن أبي حاتم‏] المختصر.
قال الطبري في تفسيره (5): [16649- عَنْ رِبْعِيّ بْن حِرَاش , قَالَ : سَمِعْت حُذَيْفَة بْن الْيَمَان يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل لَمَّا اِعْتَدَوْا وَعَلَوْا , وَقَتَلُوا الْأَنْبِيَاء , بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ مَلِك فَارِس بُخْتَنَصَّرَ وَكَانَ اللَّه مَلَّكَهُ سَبْع مِائَة سَنَة , فَسَارَ إِلَيْهِمْ حَتَّى دَخَلَ بَيْت الْمَقْدِس فَحَاصَرَهَا وَفَتَحَهَا , وَقَتَلَ عَلَى دَم (زَكَرِيَّا)* سَبْعِينَ أَلْفًا , ثُمَّ سَبَى أَهْلهَا وَبَنِي الْأَنْبِيَاء , وَسَلَبَ حُلِيّ بَيْت الْمَقْدِس , وَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعِينَ أَلْفًا وَمِائَة أَلْف عَجَلَة مِنْ حُلِيّ حَتَّى أَوْرَدَهُ بَابِل } قَالَ حُذَيْفَة : فَقُلت : يَا رَسُول اللَّه لَقَدْ كَانَ بَيْت الْمَقْدِس عَظِيمًا عِنْد اللَّه ؟ قَالَ : { أَجَلْ بَنَاهُ سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ مِنْ ذَهَب وَدُرّ وَيَاقُوت وَزَبَرْجَد , وَكَانَ بَلَاطًا بَلَاطَة مِنْ ذَهَب وَبَلَاطَة مِنْ فِضَّة , وَعُمُده ذَهَبًا , أَعْطَاهُ اللَّه ذَلِكَ , وَسَخَّرَ لَهُ الشَّيَاطِين يَأْتُونَهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاء فِي طَرْفَة عَيْن , فَسَارَ بُخْتُنَصَّرَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاء حَتَّى نَزَلَ بِهَا بَابِل , فَأَقَامَ بَنُو إِسْرَائِيل فِي يَدَيْهِ مِائَة سَنَة تُعَذِّبهُمْ الْمَجُوس وَأَبْنَاء الْمَجُوس , فِيهِمْ الْأَنْبِيَاء وَأَبْنَاء الْأَنْبِيَاء ; ثُمَّ إِنَّ اللَّه رَحِمَهُمْ , فَأَوْحَى إِلَى مَلِك مِنْ مُلُوك فَارِس يُقَال لَهُ كُورَس , وَكَانَ مُؤْمِنًا , أَنْ سِرْ إِلَى بَقَايَا بَنِي إِسْرَائِيل حَتَّى تَسْتَنْقِذهُمْ , فَسَارَ كُورَس بِبَنِي إِسْرَائِيل وَحُلِيّ بَيْت الْمَقْدِس حَتَّى رَدَّهُ إِلَيْهِ , فَأَقَامَ بَنُو إِسْرَائِيل مُطِيعِينَ لِلَّهِ مِائَة سَنَة , ثُمَّ إِنَّهُمْ عَادُوا فِي الْمَوَاضِع , فَسَلَّطَ اللَّه عَلَيْهِمْ اِبْطِيَانْحُوس , فَغَزَا بِأَبْنَاءِ مِنْ غَزَا مَعَ بُخْتَنَصَّرَ , فَغَزَا بَنِي إِسْرَائِيل حَتَّى أَتَاهُمْ بَيْت الْمَقْدِس , فَسَبَى أَهْلهَا , وَأَحْرَقَ بَيْت الْمَقْدِس , وَقَالَ لَهُمْ : يَا بَنِي إِسْرَائِيل إِنْ عُدْتُمْ فِي الْمَعَاصِي عُدْنَا عَلَيْكُمْ بِالسِّبَاءِ , فَعَادُوا فِي الْمَعَاصِي , فَسَيَّرَ اللَّه عَلَيْهِمْ السِّبَاء الثَّالِث مَلِك رُومِيَّة , يُقَال لَهُ قَاقِس بْن إِسْبَايُوس , فَغَزَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر , فَسَبَاهُمْ وَسَبَى حُلِيّ بَيْت الْمَقْدِس , وَأَحْرَقَ بَيْت الْمَقْدِس بِالنِّيرَانِ } فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { هَذَا مِنْ صَنْعَة حُلِيّ بَيْت الْمَقْدِس , وَيَرُدّهُ الْمَهْدِيّ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , وَهُوَ أَلْف سَفِينَة وَسَبْع مِائَة سَفِينَة , يُرْسَى بِهَا عَلَى يَافَا حَتَّى تُنْقَل إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , وَبِهَا يَجْمَع اللَّه الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِين}] (6).
*{ وَقَتَلَ عَلَى دَم (زَكَرِيَّا) سَبْعِينَ أَلْفًا }: إذا كان المقصود هنا ڊ (زكريا) هو زكريا أبا يحيى, والذي عاش في زمان مريم وابنها (عليهم السلام جميعاً) فهذا خطأ على الإجماع, إلا أن يكون  المقصود هو رجلاً آخر من الصالحين اسمهُ (زكريا), وقد قرأت في كتاب (قصص الأنبياء) من تأليف المرحوم: عبد الوهاب النجار, في قصة زكريا عليه السلام: [لم يُذكر نسب زكريا في القرآن ولا في كُتب الأنبياء عند أهل الكتاب. ويوجد زكريا آخر ليس لهُ قصة في القرآن أصلاً, وهذا له كتاب من الكتب القانونية عند النصارى, وهو (زكريا بن برخيا) وكان في زمن داريوس أي قبل المسيح بما يقرب من ثلاثة قرون, وهو الذي تكلم في كتابه في الفصل التاسع عن ولاية (عمر بن الخطاب) وغلبه على (أورشليم) ودخوله إليها منصوراً وادعاً ركاباً على حمار].
وفي تفسير القرطبي: [قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَمَنْ رَوَى أَنَّ بُخْتَنَصَّرَ هُوَ الَّذِي غَزَا بَنِي إِسْرَائِيل عِنْد قَتْلهمْ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا فَغَلَط عِنْد أَهْل السِّيَر وَالْأَخْبَار ; لِأَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ بُخْتَنَصَّرَ إِنَّمَا غَزَا بَنِي إِسْرَائِيل عِنْد قَتْلهمْ شَعْيًا وَفِي عَهْد إرمياء . قَالُوا : وَمِنْ عَهْد إرمياء وَتَخْرِيب بُخْتَنَصَّرَ بَيْت الْمَقْدِس إِلَى مَوْلِد يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام أَرْبَعمِائَةِ سَنَة وَإِحْدَى وَسِتُّونَ سَنَة , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعُدُّونَ مِنْ عَهْد تَخْرِيب بَيْت الْمَقْدِس إِلَى عِمَارَته فِي عَهْد كوسك سَبْعِينَ سَنَة , ثُمَّ مِنْ بَعْد عِمَارَته إِلَى ظُهُور الْإِسْكَنْدَر عَلَى بَيْت الْمَقْدِس ثَمَانِيَة وَثَمَانِينَ سَنَة , ثُمَّ مِنْ بَعْد مَمْلَكَة الْإِسْكَنْدَر إِلَى مَوْلِد يَحْيَى ثَلَاثمِائَةِ وَثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَة].  
وفي هذا الحديث الذي روي عن حذيفة إشارة إلى أن غزو بختنصر لبيت المقدس كان بعد عمارة سليمان ابن داود (عليهما السلام), كما فيه ذكر لملوك آخرين غزو بني إسرائيل في بيت المقدس, وعلى الرغم من أن هذا الحديث لم يصح عن النبي (عليه الصلاة والسلام), وهو في حكم الموضوع, إلا أن هذا لا يمنع أن تكون بعض الأخبار الواردة فيها صحيحة بالقياس إلى أخبارٍ أخرى في هذه المسألة.

وفي تفسير الطبري حول تسليط بختنصر في المرة الثانية: [16667- عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّة الْأُولَى سنحاريب . قَالَ : فَرَدَّ اللَّه لَهُمْ الْكَرَّة عَلَيْهِمْ , كَمَا قَالَ ; قَالَ : ثُمَّ عَصَوْا رَبّهمْ وَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ , فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّة الْآخِرَة بُخْتَنَصَّرَ , فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَة , وَسَبَى الذُّرِّيَّة , وَأَخَذَ مَا وَجَدَ مِنْ الْأَمْوَال , وَدَخَلُوا بَيْت الْمَقْدِس , كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّل مَرَّة وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا } دَخَلُوهُ فَتَبَرُّوهُ وَخَرَّبُوهُ وَأَلْقَوْا فِيهِ مَا اِسْتَطَاعُوا مِنْ الْعَذِرَة وَالْحَيْض وَالْجِيَف وَالْقَذَر , فَقَالَ اللَّه { عَسَى رَبّكُمْ أَنْ يَرْحَمكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا } 8 فَرَحِمَهُمْ فَرَدَّ إِلَيْهِمْ مَلِكهمْ وَخَلَّصَ مَنْ كَانَ فِي أَيْدِيهمْ مِنْ ذُرِّيَّة بَنِي إِسْرَائِيل , وَقَالَ لَهُمْ : إِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا . فَقَالَ أَبُو الْمُعَلَّى , وَلَا أَعْلَم ذَلِكَ , إِلَّا مِنْ هَذَا الْحَدِيث , وَلَمْ يَعِدْهُمْ الرَّجْعَة إِلَى مَلِكهمْ ... 16669 - وعن يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : لَمَّا ضَرَبَ بُخْتُنَصَّرَ الْمَلِك بِجِرَانِهِ , قَالَ : ثَلَاثَة فَمَنْ اِسْتَأْخَرَ مِنْكُمْ بَعْدهَا فَلْيَمْشِ إِلَى خَشَبَته , فَغَزَا الشَّام , فَذَلِكَ حِين قَتَلَ وَأَخْرَجَ بَيْت الْمَقْدِس , وَنَزَعَ حِلْيَته , فَجَعَلَهَا آنِيَة لِيَشْرَب فِيهَا الْخُمُور , وَخُوَانًا يَأْكُل عَلَيْهِ الْخَنَازِير , وَحَمَلَ التَّوْرَاة مَعَهُ , ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي النَّار , وَقَدِمَ فِيمَا قَدِمَ بِهِ مِائَة وَصِيف مِنْهُمْ دَانْيَال وعزريا وحنانيا ومشائيل.... (إلى آخر الرواية)].

* مسألة: ‏
قد يفسر البعض قوله تعالى في وصف الوعد الآخر: ‏{‏وليدخلوا المسجد‏ ‏كما دخلوه أول مرة‏}‏‏, على أن القوم الذين سوف يُسلطوا على بني إسرائيل ويدخلوا مسجدهم ويخربونه في الوعد الآخر هم القوم أنفسهم الذين قاموا بذلك في أولى الوعدين.
وحتى وإن افترضنا صحة هذا التفسير فإن الآية تحتمل وجهاً آخر للتأويل, وذلك أن الذي يجعل القوم الذين سُلطوا على بني إسرائيل في الوعد الآخر هم نفس القوم الذين سلطوا عليهم في أولى الوعدين, هو اشتراكهم بصفة الكفر وشدة البأس واستباحة دماء ومقدسات بني إسرائيل وإذلالهم بعد إفسادهم, وهذا هو ما دلت عليه روايات وأقوال المفسرين في وصف الأقوام المُسَلَطين, فيكون المعنى على النحو: (وليدخل القوم الذين سوف يسلطوا على بني إسرائيل في الوعد الآخر مسجد بيت المقدس بنفس الطريقة التي دخلهُ بها القوم الذين سلطوا عليهم في أولى الوعدين, مخربين لعمارته ومدنسين ساحته وسالبين لمحتوياتهِ).
وكما أن الإيمان والتقوى يجعل الناس عند خالقهم أمةً واحدة على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأنسابهم وأوطانهم, فإن الكفر والفجور يجعل أهلهُ كذلك أمةً واحدة عند الله على اختلاف منابتهم سواءً أكانوا عرَباً أو فُرْساً أو روماناً, وهكذا فإنه ليس من الضرورة أن يكون المُسلطين في الوعدين من نفس القبيلة والقومية, وكفى بالكفر رابطاً وجامعاً بينهم.

وإلى هنا نكون قد انتهينا من تفسير آية الوعد الآخر وهي الآية السابعة من سورة بني إسرائيل.
* ثم قال تعالى: {عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا 8}.
قال ابن كثير :[{‏عسى ربكم أن يرحمكم‏}‏‏:‏ أي فيصرفهم عنكم، ‏{‏وإن عدتم عدنا‏}‏ أي متى عدتم إلى الإفساد عدنا إلى الإدالة عليكم في الدنيا مع ما ندخره لكم في الآخرة من العذاب والنكال، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا‏}‏ أي مستقراً ومحصراً وسجناً لا محيد عنه‏.‏‏.] ‏المختصر.
وقال الطبري: [يَقُول تَعَالَى ذِكْره: لَعَلَّ رَبّكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَرْحَمكُمْ بَعْد اِنْتِقَامه مِنْكُمْ بِالْقَوْمِ الَّذِينَ يَبْعَثهُمْ اللَّه عَلَيْكُمْ لِيَسُوءَ مَبْعَثه عَلَيْكُمْ وُجُوهكُمْ , وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّل مَرَّة , فَيَسْتَنْقِذكُمْ مِنْ أَيْدِيهمْ , وَيَنْتَشِلكُمْ مِنْ الذُّلّ الَّذِي يَحِلّهُ بِكُمْ , وَيَرْفَعكُمْ مِنْ الْخُمُولَة الَّتِي تَصِيرُونَ إِلَيْهَا , فَيَعِزّكُمْ بَعْد ذَلِكَ . " وَعَسَى " مِنْ اللَّه : وَاجِب . وَفَعَلَ اللَّه ذَلِكَ بِهِمْ , فَكَثَّرَ عَدَدهمْ بَعْد ذَلِكَ , وَرَفَعَ خَسَاسَتهمْ , وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْمُلُوك وَالْأَنْبِيَاء , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ : وَإِنْ عُدْتُمْ يَا مَعْشَر بَنِي إِسْرَائِيل لِمَعْصِيَتِي وَخِلَاف أَمْرِي , وَقَتْل رُسُلِي , عُدْنَا عَلَيْكُمْ بِالْقَتْلِ وَالسِّبَاء , وَإِحْلَال الذُّلّ وَالصِّغَار بِكُمْ , فَعَادُوا , فَعَادَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِعِقَابِهِ وَإِحْلَال سَخَطه بِهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل.,,, 16682 - عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { عَسَى رَبّكُمْ أَنْ يَرْحَمكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا } قَالَ : عَادُوا فَعَادَ , ثُمَّ عَادُوا فَعَادَ , ثُمَّ عَادُوا فَعَادَ . قَالَ : فَسَلَّطَ اللَّه عَلَيْهِمْ ثَلَاثَة مُلُوك مِنْ مُلُوك فَارِس : سندبادان وشهربادان وَآخَر. 16683 - حَدَّثَنَا بِشْر , , عَنْ قَتَادَة , قَالَ { عَسَى رَبّكُمْ أَنْ يَرْحَمكُمْ } فَعَادَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِعَائِدَتِهِ وَرَحْمَته { وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا } قَالَ : عَادَ الْقَوْم بِشَرِّ مَا يَحْضُرهُمْ , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَث مِنْ نِقْمَته وَعُقُوبَته . ثُمَّ كَانَ خِتَام ذَلِكَ أَنْ بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب , فَهُمْ فِي عَذَاب مِنْهُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ; قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَة أُخْرَى { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبّك لِيَبْعَثَن عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفورٌ رحيم 167} الأعراف.  16685 - قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : .. { وَإِنْ عُدْتُمْ } لِمَا صَنَعْتُمْ لِمِثْلِ هَذَا مِنْ قَتْل يَحْيَى وَغَيْره مِنْ الْأَنْبِيَاء { عُدْنَا } إِلَيْكُمْ بِمِثْلِ هَذَا.]
ونستدل من هذه الروايات على أن الله رَحم بني إسرائيل بعد تسليط بختنصر وقومه عليهم فترة من الزمان, ثم إنهم عادوا بعد ذلك إلى الإفساد عدة مرات, واستحقوا عودة عذاب الله ونكالهُ عليهم في كل مرة.

آخر المرات
وأما عن آخر مرات إفساد بني إسرائيل في عهد التوراة, فقد كانت في عهد زكريا وآل بيته, ومن ضمنهم مريم ابنة عمران وابنها (عليهم جميعاً الصلاة والسلام), قال تعالى: { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً 155وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما 156} سورة النساء.
وقد بلغ إفسادهم ذروتهُ بمقتل النفس الزكية يحيى ابن زكريا (عليهما الصلاة والسلام), وهذا هو ما اتفق عليه جمهور المفسرين (عليهم رضوان الله أجمعين), وجاء في بعض الروايات أن أعداء الله قد قتلوا أيضاً أبيه زكريا (عليهما السلام).

- قال الطبري: [وأما إِفْسَادهمْ فِي الْأَرْض الْمَرَّة الْآخِرَة , فَلَا اِخْتِلَاف بَيْن أَهْل الْعِلْم أَنَّهُ كَانَ قَتْلهمْ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا . وَقَدْ اِخْتَلَفُوا فِي الَّذِي سَلَّطَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ مُنْتَقِمًا بِهِ مِنْهُمْ عِنْد ذَلِكَ] تفسير الآية الرابعة.
- قال القرطبي: [وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا فِي الْمَرَّة الثَّانِيَة يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام , قَتَلَهُ مَلِك مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يُقَال لَهُ لاخت ; قَالَهُ الْقُتَيْبِيّ . وَقَالَ الطَّبَرِيّ : اِسْمه هردوس , ذَكَرَهُ فِي التَّارِيخ ; حَمَلَهُ عَلَى قَتْله اِمْرَأَة اِسْمهَا أزبيل. وَقَالَ السُّدِّيّ : كَانَ مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل يُكْرِم يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا وَيَسْتَشِيرهُ فِي الْأَمْر , فَاسْتَشَارَهُ الْمَلِك أَنْ يَتَزَوَّج بِنْت أَمْرَأَة لَهُ فَنَهَاهُ عَنْهَا وَقَالَ : إِنَّهَا لَا تَحِلّ لَك ; فَحَقَدَتْ أُمّهَا عَلَى يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَام , ثُمَّ أَلْبَسَتْ اِبْنَتهَا ثِيَابًا حُمْرًا رِقَاقًا وَطَيَّبَتْهَا وَأَرْسَلَتْهَا إِلَى الْمَلِك وَهُوَ عَلَى شَرَابه , وَأَمَرَتْهَا أَنْ تَتَعَرَّض لَهُ , وَإِنْ أَرَادَهَا أَبَتْ حَتَّى يُعْطِيهَا مَا تَسْأَلهُ ; فَإِذَا أَجَابَ سَأَلَتْ أَنْ يُؤْتَى بِرَأْسِ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا فِي طَسْت مِنْ ذَهَب ; فَفَعَلَتْ ذَلِكَ حَتَّى أُتِيَ بِرَأْسِ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا وَالرَّأْس تَتَكَلَّم حَتَّى وُضِعَ بَيْن يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُول : لَا تَحِلّ لَك ; لَا تَحِلّ لَك ; فَلَمَّا أَصْبَحَ إِذَا دَمه يَغْلِي , فَأَلْقَى عَلَيْهِ التُّرَاب فَغَلَى فَوْقه , فَلَمْ يَزَلْ يُلْقِي عَلَيْهِ التُّرَاب حَتَّى بَلَغَ سُوَر الْمَدِينَة وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَغْلِي ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ وَغَيْره .] تفسير الآية السابعة.

وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى اللهُ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبهِ وسلم.  

نُشر لأول مرة في مدونة المسبار السحري بتاريخ 24-10-2008
فكرة وإعداد : وليد أحمد القراعين    

الجزء الثاني على هذه الرابط :

  الهوامش والمراجع: 
(1) سورة يوسف.
(2) جميع أقوال الإمام القرطبي هي من كتاب (الجامع لأحكام القرآن) المشهور ڊ (تفسير القُرطبي).
(3) جميع أقوال الإمام ابن كثير هي من كتاب (تفسير ابن كثير) أو من مُختصر الصابوني.
(4) من كتـــاب (زوال إسـرائيل عام 2022م، نبوءة أم صُدَف رقميـة), الفصل الأول, (الجوس). وقد نحى المؤلف في تفسيره للقضاء منحاً آخر غير الذي ذهبت إليه, إلا أن غايتي من اقتباس هذه الفقرة من كتابه التأكيد على أن حال بني إسرائيل آل إلى الفساد وزوال المُلك بعد وفاة سليمان (عليه السلام).
(5) كتاب جامع البيان في تأويل القرآن المشهور ڊ (تفسير الطبري).
(6) رواه الألباني في السلسلة الضعيفة وقال (حديث موضوع).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق