الجمعة، 15 فبراير 2013

الدخان آية وآفة آخر الزمان


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على خير المرسلين محمد وآله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.
 أما بعد ؛ عن النعمان بن بشير قال , سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ. أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ. أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مضغة، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ} رواه الشيخان.

بعد أن لفظت الحروب العالمية الكبرى أنفاسها في منتصف القرن الماضي, وبدأت الدول بالاستقرار والنماء التدريجي, انتقلت الشعوب مع هذا التغير في الاستراتيجية العالمية من مرحلة الموت السريع والمُريع بالأسلحة الحربية, إلى مرحلة الموت البطيء بالأمراض والآفات البيئية والإجتماعية, وفي الحقيقة فإن انتشار وتنامي ظواهر الفساد والتلوث الهوائي والغذائي والمائي والأخلاقي في العالم ككل, أدت إلى تحطيم المناعة الجسدية والنفسية عند شعوب العالم بنسبٍ وصورٍ متفاوتة ومتنوعة, وتفشت في أرجاء هذا العالم عددٍ من السلوكيات والعادات السيئة, ومن أبرزها وأكثرها خطورة وأسرعها انتشاراً آفة التدخين, حيثُ تتجاوز أعداد المُتعاطين لخمور الأنفاس – السجائر والتبغ المُعَتَق والمُشبع بالمواد الكيماوية والسامة- ما بين رجال ونساء وشيوخ وصبيان المليار إنسان, وبحسب الدراسات الشاملة التي تجريها منظمة الصحة العالمية عن الأحوال الصحية على الصعيدين العالمي والإقليمي,  فإن الأمراض التي يتسبب التدخين في إحداثها بشكل مباشر وغير مباشر تأتي في المقدمة وهي: أمراض القلب والسكتة الدماغية وسرطان الرئة والالتهاب الرئوي, وبالتالي فإن حالات الوفاة التي تنتج عن هذه الأمراض والتي تُقدر بملايين البشر سنوياً يُعتبر التدخين مُساهماً رئيسياً في إحداثها.

ومن حيث عبء المرض الاقتصادي اعتبرت الدراسة ان التدخين يكلف البلدان ذات الدخل العالي والمتوسط أموالا باهظة تتمثل في تقديم الرعاية الصحية للأمراض الناتجة عن التدخين. هذا عدا عن الأموال الطائلة التي تُنفقها الشعوب على شراء مُنتجات التبغ المختلفة جالبةً على أنفسها الضرر الصحي والخسارة المادية.

وإلى جانب آفة التدخين الإرادي, تبرز ظاهرة التدخين السلبي أو اللا إرادي, وهو استنشاق الأشخاص الغير مدخنين للدخان الناتج عن احتراق السجائر والتبغ وزفير ونفخ المدخنين, وإن استنشاق غير المدخنين للأدخنة المنبعثة عن الآخرين بشكل مباشر ومستمر, يجعلهم يتقاسمون أضرار هذه الآفة مع أقرانهم المدخنين ولو كان ذلك بدرجة أقل نسبياً, وحتى إن قُدرَ لأجسادهم النجاة من أضراره الصحية فإن أنوفهم حتماً لن تنجو من اشتمام رائحته الكريهة.

وإلى جانب التبغ والسجائر, فإن المدخن وغير المدخن عُرضة لما تتسبب به عوادم المركبات التي تضيق بها شوارع وزقاق المدن الكبرى من تلوث بيئي كبير, ولم يعد بالإمكان السير بالشوارع على الأقدام أو حتى فتح نوافذ المركبات أثناء السير, لأنك لن تستنشق سوى الهواء الملوث والمُشبع بالسموم, والذي هو سبباً رئيسياً في تحطيم جدار المناعة في جسم الإنسان.

وما من شك أن التدخين الذي يبدأه الناشئين وهم خائفين مختبئين حتى إذا كبروا أعلنوا عنه غير مكترثين هو من الفواحش والفسوق, وإن المدخن عليه وزريْن, أولاً وزر إلحاق الأذى بنفسه التي هي مُلك الله, وثانياً وزر ألحاق الأذى بالآخرين رغماً عن أنوفهم.

وتأتي فاحشة التدخين التي فاحت رائحتها الكريهة بشكلٍ ملحوظ في القرن العشرين بعد الزنا وشرب الخمر في درجة التحريم! فهل أنتم منتهين؟
واسمعوا يا أبناء المسلمين لحديث سيد المرسلين محمد (صلى الله عليه وآله أجمعين) يذكر لكم المعصية وما يُسفر عنها من مرضً وابتلاء: {يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ابتلوا بالطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا , ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم , وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا , ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم , وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم} رواه عبد الله بن عمر, وإسناده صحيح.

وفي الحقيقة فإني لا أنوي التعرض لمسألة الدخان والتدخين بمنظورها الصحي والإحصائي المعروف, حيثُ أن هناك مئات النشرات التي تصدر سنوياً لتوعية الناس بأضرار ومخاطر التدخين, ولكنني أنوي التعرض لهذه القضية والآفة المستفحلة من وجهة دينية وعقائدية, حيث أن ظاهرة (الدخان والتدخين) بصورتها الحالية هي بحسب علم واعتقاد كثيراً من الناس غائبة ومنسية في النصوص الدينية, لذا ارتأيت أنه من الضروري رفع هذا الالتباس من أذهان الناس حول هذه المسألة المُحدثة لما فيها من المساس بصحة الأنفاس, وذلك من خلال بيان الروايات التي دلت عليها وتحدثت عنها بشكل مباشر, إضافةً إلى بعض النصوص الأخرى المُساندة التي تدخل مسألة الدخان في حكمها ومعناها.

آية الدُخان
قال تعالى: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخانٍ مُبين 10 يغشى الناس هذا عذابٌ أليم 11} سورة الدخان.

لقد جاء ذكرُ الدخان في كتاب الله والأحاديث النبوية مقروناً بالعذاب الأليم ونار الجحيم, وللحديث بشكلٍ أوسع عن الدخان الذي هو إحدى آفات هذا الزمان الكبرى, أسوق لكم بعض ما جاء في الأثر عن خير البشر من دلالات ومُنذِرات من هذا البلاء المزعج والمُهلك, فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه, قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): {إن ربكم أنذركم ثلاثاً: الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة, ويأخذ الكافر, فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع ٍ منه, والثانية الدابة, والثالثة الدجال} (1).
وقال ابن أبي حاتم, عن علي ٍ رضي الله عنه: {لم تمض آية الدخان بعد, يأخذ المؤمن كهيئة الزكام, وتنفخ الكافر حتى ينفذ} تفسير ابن كثير.

وعن حذيفة , رضي الله عنه , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , في ذكر أشراط (علامات) الساعة , قال : { فعند ذلك يظهرُ الدخان} يعني عند هلاك يأجوج ومأجوج, ورجوع عيسى إلى بيت المقدس.
قال حذيفة : يا رسول الله , وما آية الدخان ؟ قال : { تسمع له ثلاث صيحات, ودخانٌ يملأُ ما بين المشرق والمغرب , فأما المؤمن فتُصيبهُ زكمة –زُكام-, وأما الكافر فيُصيبه مثل السكران , يدخل في منخره وأُذنهِ وفيهِ ودُبره, وخسفٌ بالمشرق, وخسفٌ بالمغرب, وخسفٌ بجزيرة العرب, وخروج الدابة} إلى آخر الحديث (2).

إن الدخان المذكور في الأحاديث الثلاثة أعلاه كما هو معلوم آية وعلامة من علامات الساعة الكبرى وآخر الزمان, إلا أننا إذا قمنا بدراسة هذه الروايات وقياسها على واقع حالنا, وبشكل خاص ظاهرة الدخان والتدخين التي انتشرت في وقتنا وزماننا الحاضر, فإننا نجدُ ثمة تطابُق وتشابه كبير بالجملة والتفصيل بين دخان ما قبل خروج الدابة, ودخان ما قبل ظهور المهدي (عليه السلام), وهو الدخان المعروف والمنتشر في هذه الأيام, والذي هو بمثابة التمهيد لظاهرة وآية الدخان الأكبر الذي يغشى بني الإنسان.

ولنبدأ بالحديث الأول الذي ذُكر فيه أن: { الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة, ويأخذ الكافر, فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع ٍ منه}.
إن المؤمن والكافر يمثلان شخصيتين مختلفتين ومُتضادتين, والمؤمن هو بمثابة الشخصية النافعة والإيجابية, وأما الكافر فهو بمثابة الشخصية الضارة والسلبية, أي أننا إذا ما أردنا أن نُسقط أحاديث الدُخان هذه على الدخان المنتشر في هذه الفترة من الزمان, فإن المؤمنين يكونون كنايةً عن (غير المدخنين), والكافرين يكونون كنايةً عن (المدخنين والمُدمنين), وإن الوصف الذي جاء في الحديث لما يُصيب كلاً من المؤمن والكافر من أثر الدخان, يتوافق عملياً مع ما يصيب المُدخن وغير المُدخن من آثار دخان هذا الزمان (السجائر), فأما المؤمن - وهو بمثابة غير المُدخن- فإنه يُصاب بزكمة (احتقان وضيق ورشح) من آثار الدخان الذي ينفخه المدخنين وهو ما يُعرف حالياً ڊ (التدخين السلبي).
وأما الكافر – وهو بمثابة المدخن- فإنه يَبلع ويسحب الدخان مع الشهيق الفموي إلى داخل جوفه الذي ينتفخ به, قبل أن ينفَخهُ ويُخرجهُ مع الزفير من فمه وأنفه.

وننتقل إلى الحديث الثاني عن علي (رضي الله عنه) وذُكر فيه أن آية الدخان: {تنفخ الكافر حتى ينفذ} ينفذ: يهلك ويموت.
وإن الإدمان على الدخان يفتك بجسد المُدخن ويُدمر صحته ويتركه على فراش المرض حتى تزهق روحه, ولا يكاد يخلو بيت من مُدخن توفي بجلطات ونوبات قلبية وسرطانات يشكل التدخين عاملاً أساسياً في حدوثها, ورغم ذلك فإننا نرى كثيراً من المدمنين قبل دخولهم غرفة العمليات وبعد خروجهم منها لا يستنكفون عن التدخين, وكأنه عبادة وفريضة لا يتركوها إلا ساعة موتهم.

وأخيراً مع الحديث الثالث عن حذيفة ويُذكر فيه عن آية الدخان: { تسمع له ثلاث صيحات}: ولعله أراد أن الدخان يخرج على ثلاثة مراحل أو ثلاثة صور وأشكال.
ثم قال عنه :{ يملأُ ما بين المشرق والمغرب}: وإن الدخان المعروف في هذا الزمان وهو التبغ والسجائر وعائلتها قد انتشر في جميع البلدان, ولا تكاد تخلو قريةً متحضرة أو نائية في مشرق الأرض أو مغربها من هذه السجائر والتبغ ومدخنيها.
وقوله: { وأما الكافر فيُصيبه مثل السكران }: إن تشبيه الكافر – الذي هو بمثابة المدخن- بالسكران يتوافق مع الحقيقة من عدة نواحي:
أولاً: إن كلاً من شارب الدخان وشارب الخمر يتعاطى مادته من خلال الفم, حيث أن الخمور تكون على هيئة شراب سائل, بينما الأدخنة تكون مع الهواء المُتنفس من الفم.
 ثانياً: يشترك شاربي الخمور وشاربي الدخان بمرض الإدمان, حيث أن شارب الخمر الذي اعتاد السُكر يصير جسمه مدمناً على مادة الكحول ومكونات الخمر الأخرى, وشارب الدخان يصير جسمه مدمناً على مادة النيكوتين ومكونات السيجارة الأخرى, وكلاً منهما يصبح مزاجه خاضعاً لهذه الأشربة, ويصير بحاجة إلى رادع ٍ قوي وحُجة واضحة ليقنع نفسه بضرورة الإقلاع عن هذه المُحرمات والعادات السيئة.
ثالثاً: إن معظم المدخنين إذا سُألوا عن سبب ممارستهم للتدخين يجيبوا بأنهم يفعلون ذلك لكي ينسوا همومهم, وينفسوا عن غضبهم, ويسلوا ويمتعوا أنفسهم, وهذا هو ديدن وحال شاربي الخمر, فإنهم يشربون ويسكرون للدواعي ذاتها.   

ومن محصلة هذه الأحاديث نستطيع أن نقسم آية الدخان إلى قسمان:
الأول هو الدخان الذي ملأ الدنيا من مشرقها إلى مغربها في هذا الوقت والزمان, والذي هو من صنع الإنسان, يمسكه الناس بأيديهم ويتنفسونه ويخرجونهُ من أفواههم وأنوفهم, وأما القسم الثاني فهو الدخان الذي تأتي به السماء, وحقيقة هذا الدخان في علم الرحمَن, والأسباب الطبيعية أو المفتعلة المؤدية إلى ظهور دخان عظيم يغشى الناس بعذابٍ أليم كثيرة ومن الصعب حصرها والتكهن بها, وعلى سبيل المثال هناك سحب الدخان التي تخرج من فوهات البركان وتُمطر حجارة ونيران, وهناك الحرائق بفعل الحروب وارتفاع الحرارة وعبث الإنسان, ويبلغ هذا القسم من الدخان أوجهُ وقمة تجليهِ بعد خلافة عيسى (عليه السلام) وقبل خروج الدابة.

 وتعقيباً على تشبيهنا المؤمنين بغير المدخنين, والكافرين بالمدخنين, قد يقول قائل:إن فلاناً من الناس نحسبهُ مؤمناً وهو مُدمن على الدخان؟
الجواب على مثل هذا التساؤل نستشفه من قول المصطفى علية الصلاة والسلام, عن أبي هريرة رضي الله عنه: {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن , ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن , ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن , والتوبة معروضة بعد } صحيح مسلم.
وقياساً على ذلك نقول: (ولا يشرب الدُخان حين يشربها وهو مؤمن).
 ومعنى الحديث هو أن المؤمن حين تُسَول لهُ نفسهُ فعل المعصية فيفعلها فإنه يكون في تلك الساعة واللحظة خارجاً عن دائرة الإيمان إلى أن يكُف ويتوب.

ومن مثلُ ذلك أيضاً ما رواهُ عبد الله بن عمر, عن النبي (عليه الصلاة والسلام) أنه قال: { المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم ، والمهاجر من هجر السيئات ، والمجاهد من جاهد نفسه لله } رواه ابن تيمية بإسنادٍ جيد.
أي أن من يؤذي المسلمين بلسانه ويده يكون خارجاً عن دائرة الإسلام, وإن المُدخن يرتكب معصيته ويؤذي الناس بيده وفمه الذي هو بيت اللسان, فيمسك سيجارته بيده, ويمضغها وينفخ دخانها بفمه.

وكقوله (عليه الصلاة والسلام): { والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن قيل : من يا رسول الله ؟ قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه قالوا يا رسول الله وما بوائقة ؟ قال : شره } حديث صحيح, رواه أبي هريرة.
اقسم (صلى الله عليه وسلم) ثلاثاً بأنهُ لا يؤمن من آذى جاره بشرهِ وشراره, وإن الجارُ هو من كان منزلهُ بجوار منزلك, ومن كان مجلسهُ بجوار مجلسك, وهكذا فإن الشخص الذي ينفثُ دخان سجائره ويجلس بجوار الناس في حافلة ركاب, أو غرفة مكتب, أو طابور انتظار وغيره, هو داخلٌ بلا شك في قَسَم رسول الله في من لا يبلغ درجة الإيمان.

وعن أبي موسى الأشعري, عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:{ إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء ، كحامل المسك ونافخ الكير . فحامل المسك ، إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة . ونافخ الكير ، إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد ريحا خبيثة } صحيح مسلم. وفي رواية أنس: { ومثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه } إسناده صحيح.
وكم سمعنا عن حرائق نتج عنها خسائر مادية وبشرية كان سببها ومبتدأها عقب سيجارة مشتعل ألقاه صاحبه وهو لا يلقي له بالاً.

وإن المُدخن هو كآكل البصل والثوم, عليه إذا غلبت على أنفساه رائحة دُخانه الكريه أن لا يأتي مسجداً ولا جماعة, وإذا أصر على التدخين فليكن بعيداً عن الناس, وفي أمكنة ليس فيها سوى المدخنين. 
عن جابر بن عبد الله, عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: { من أكل من هذه البقلة ، الثوم ( وقال مرة : من أكل البصل والثوم والكراث ) فلا يقربن مسجدنا . فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم } صحيح مسلم.

وفي بدايات ظهور التدخين كانت البيئة لا تزال نقية, كثيرة الفسحة والخُضرة والماء, ولم تكن المُدن قد تكدست بالبنيان على حساب المساحات الخالية والأراضي الزراعية والغابات, كما لم تكن هذه المدن والقُرى قد اكتظت بالسيارات والمركبات التي تعمل عن طريق احتراق الوقود, والذي يؤدي إلى انبعاث الأدخنة الضارة, هذا بالإضافة إلى المصانع والمعامل والمشاغل التي تتسبب بتلوث البيئة بالأدخنة والغازات والفضلات الكيميائية الضارة, ولا ننسى كذلك المعدات الحربية والقنابل النووية والكيميائية التي قد تتسبب في تدمير البيئة خلال دقائق معدودة, ولا يخفى عليكم الوضع البيئي الخطير الذي يعيشه العالم, والتلوث الذي ظهر وانتشر في البر والبحر والجو.
وكنتيجة لما هو مذكور أعلاه من تغيرات جذرية طرأت على الوضع البيئي في العالم, لم يعد بإمكان الإنسان الذي يرجو المحافظة على صحته وعافيته تَقَبُل أو تحمُل المزيد من تداعيات ومظاهر التلوث, وأعني بذلك تحديداً ظاهرة التدخين, حيثُ أن وجود الأشخاص المدخنين الذين يشاركونهم المسكن والمركب وأماكن العمل والترفيه..الخ, يشكل عبأ ً إضافياً عليهم يكدر صفوهم ويؤذي حناجرهم, حيثُ أنه لم يتبقى هناك هواء نقي يستنشقه الإنسان بدون الدخان, فكيف يكون الحال مع الإضافة التي يفرضها المدخنون بما ينفثونه من أدخنة وسموم وروائح كريهة.

لذا فقد أصبح من المُلِح أكثر من أي وقتٍ مضى أن يعيد المجتمع وبخاصة المدخنون أنفسهم النظر في هذه العادة السيئة التي أدمنوا عليها, والتي لم يعُد هناك مجال لتقبُل بقاءها على النحو الذي جرت عليه العادة فيما مضى, وإن كان ولا بُد فإن على المدخنين أن يرعوا حرمة البيوت والأطفال والشيوخ والمرضى, وكل من يأنف استنشاق هذه السموم والروائح الكريهة, فلا يفرضوا عليهم شمها واستنشاقها معهم.
   
ورغم صدور فتوى رسمية مقرونة بإثباتات عملية وشرعية من مَجمع الفقه الإسلامي تُحَرم التدخين, إلا أنني لم أسمع أن أحداً من المسلمين الملتزمين أو المُفرطين قد صَدقَ هذه الفتوى وعمل بها, ويرجعُ ذلك إلى استحكام الهوى وحب الدنيا وشهواتها في قلوب كثيرٍ من الناس, وإلى تشتت المسلمين واختلافهم في أمور دينهم وخاصةً فيما يتعلق بمُستحدثات الزمان, إضافةً إلى ضعف هيبة العلم والعلماء في نفوسهم, وغُمةً كهذه لن تُرفع من سماء الأمة إلا باجتماع المسلمين من جديد على إمامٍ واحد لديه من صفة القداسة والمدد الرباني والسلطة الدينية والدنيوية ما لا ينبغي لأحدٍ إنكارهُ والخروج عليه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

* نُشر لأول مرة في مدونة (ولي الدين والمسبار السحري) مدمجاً مع مقال (إمام الأمة على هامش أهل الهمة) بتاريخ 6-5-2009
* فكرة وإعداد: م. وليد أحمد القراعين

المراجع:
- كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر.

الهوامش:
 (1)- أخرجه ابن جرير ورواه الطبراني, وإسنادهُ جيد.
(2)- أخرجه الإمام أبو عمرو الداني, في (سننه).  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق