بسم الله الرحمَن الرحيم
الحمد لله الواحد العلي , الواجد الغني ,
الطاهر عن كل عيب , الظاهر لهُ كلُ غيب , الذي صَفَتْ بدائعُ آلائهِ وراقت ,
وضَفَتْ سوابغ نعمائهِ وفاقت , حمداً يوافي نعمهُ العِظام التي لا تُحصى كثرتها
عدداً , ويكافىءُ مِنَنهُ الجِسام التي لو كان البحرُ لها مِداداً لم تنفدْ ولو
جيء بمثلهِ مدداً.
والصلاة والسلام الأتَمَان على نبيهِ المنقذ
من الضلالة , المُستقل بأعباء الرسالة , المبعوث من أكرم الأعراقِ وأحسنها , وعلى
آلهِ الأحبار المُنتخبين , وعلى أصحابهِ الأخيار المُنتجَبين , وعلى أزواجه
الطاهرات أمهاتِ المؤمنين , وعلى النبيين وآلهم أجمعين , وعلى كل عبدٍ صالحٍ إلى
يوم الدين , آمين آمين آمين.

وفُقِدَ
من يُقصد إليه في الحَوائج إذا جَلَت , وعُدمَ من يُعَوَلُ عليه في الجوائحِ (1)
إذا حَلَتْ , وقلَ من يَعُذُ بهِ كلُ هارب وراهب , وعَزَ من يلُوذُ بهِ كلُ طالبٍ
وراغب , وكَثُرتْ الشحناء بين الأقارب والأجانب , ودارت رَحَى الحرب الزَبُون (2)
من كلِ جانب , وعَمَتْ الأنَامَ الحَيْرَة والذِلَةُ عُمومَ المَطَر , وأحاطَ بها
الرُعبُ والخُذلانُ إحاطةَ الهالةِ بالقمر , وعَمَ عدوان المارقِين وانتشرَ
شَرُهُم , وعيلَ صَبرُ المُتَقين وعال ضُرُهم (3), وتَقطَعت السُبل وانسدت
المَسالِك , وترادفت الفِتن وكثُرت المهالك , فجَمحت النُفُوس إلى كشفِ هذهِ
الغُمة عن الأُمة , وجَنَحت (4) القلوب إلى شَعْبِ صَدعِ هذه الصدمة , وقلنا : كيف
السبيلُ إلى الخلاص , ولاتَ حينَ مناص.
فزعَم بعضُهم أنَ نارَ الحرب لا تزدادُ إلا
تضَرُماً واستِعاراً , ولا يزدادُ الأمرُ إلا شِدةً والدنيا إلا إدْباراً , وأصَرَ
على عدم مُفارقةِ هذا المعنى , فقُلتُ له : نحن نُسلِم صِحةَ هذه الأحاديث
ونتلَقاها بالسمعِ والطاعة , لكن ليس فيها ما يدلُ على استمرارِ هذا الأمرِ إلى
قيام الساعة , ولعلَ زَوالَهُ يكون عند خُرُوجِ الإمام المهدي , واضمحلالهُ
مَنُوطٌ بِظُهور سِرِهِ المخفي فقد بشَرتْ بظُهوره أحاديثُ جَمَة , دونتها في
كُتُبهم علماء الأُمة , وإنَ اللهَ تعالى يبعثُ من يُمَهِد لِولايتهِ تمهيداً
يتَهَدَم لهُ شَوامِخ الأطْواد (5),
ويجمعُ على مُوالاتهِ الحاضرَ والباد , فيَمْلِكُ الأرضَ حَزْناً وسَهْلاً ,
ويمْلأُها قِسطاً وعَدْلاً , وتكشِفُ لهُ كُنُوزها عن الغظَا , فيُوقِعُ فيها الفَنَاءَ
بالعَطَا , ويُسَلِطُ جُودهُ عَلى الموجود , ويُبطلُ الوزنُ والعَدَدُ في
المَوْزون والمَعْدُود , إلى أن يبلُغَ من نَصرِ الإيمانِ وأهلِهِ قاصِيةَ
البُغْيَة , ويلوي على أصابِعه من قَهْرِ الطُغيان وحِزْبِهِ ناصِيَةَ المُنْية ,
ويهُزُ الدينُ الحَنيفُ عِلْفَيْهِ طَرَباً , ويُخْمِدُ نارَ الشِرْكِ ويُوَلي
حِزبهُ هَرَباً.
بهِ لِمحاسن الشَرْعِ انتِظامُ بهِ لِمفاسد الشِركِ انْصِرامُ
ومنهُ لمن يُحالفهُ احترامٌ ومنهُ لمن يُخالِفهُ اخْتِرامُ (أخذ)
تُحَلَى من أياديه النوادي ويُجلى من محاسِنهِ الظلامُ
فما لِسناءِ غُرَتهِ انقِضاءٌ ولا لِبناءِ عِزَتهِ انهِدامُ
عليهِ مُجَدَداً في كلِ يومٍ من اللهِ التحيةُ والسلامُ
ولعلَ ظُهُوره في هذه السنين يَقَع , فكُلُ
أمرٍ إذا ضاق اتَسَع ].
اقتباس من مقدمة كتاب عقْدُ الدُررْ في أخبار المُنتظر ,
تأليف يُوسُف بن يحيى المقدِسي الشافعي السُلمي , من علماء القرن السابع.
قال تعالى : {وَكُلَّ إِنْسَانٍ
أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا 13 اقْرَأْ
كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا 14 مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ
وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا 15} الإسراء.

وها نحنُ بانتظارك .. إمامُ يا إمام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الهوامش:
(1) الحوائج: الشدائد.
(2) الحرب الزَبُون: الحروب الدائمة المستمرة يدفع بعضها
بعضاً كثرة.
(3) عال ضُرُهم: اشتدَ وتفاقم.
(4) جَنَحت: مَالت.
(5) شَوامِخ الأطْواد: الجِبال العُظماء.
* إعداد : م. وليد القراعين
نُشر لأول مرة على مدونة (ولي الدين والمسبار السحري) بتاريخ
21-3-2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق