الثلاثاء، 5 فبراير 2013

مقدمة في فن تحليل وتأويل واستنباط الأسماء بالإشارة والدليل

  بسم الله الرحمن الرحيم

((الحمد للهِ الكريم المنان ذيِ الطول والفضل والإحسان، الذي هدانا للإيمان وفضل ديننا على سائر الأديان، ومنَّ عَلينا بإرسالهِ إلينا خيرَ خَلقهِ مُحمَّد -صلى الله عليه وسلم-, فمحا به عبادة الأوثان، وأكرمه - صلى الله عليه وسلم- بالقُرآنِ المُعجِزة المُستَمرة عَلى تَعاقبُ الأَزمَان, التي يتحدى بها الإنس والجان بأَجمَعهم، وأقْحَمَ بِها جميعَ أهلِ الزيغ والطُغيان، وَجَعلهُ رَبيعاً لِقُلوبِ أهلِ البصائر والعِرفان، فلا يخْلق على كَثْرةَ الردِّ وتغَاير الأَحيان، وَيسَرهُ للذكرِ حتى استظهره صغار الولدان، وضمن حفظه من تطرق التغيُر إليه والحدثان, وهو محفوظ بحمد الله وفضله ما اختلف الملوان – الليل والنهار-, و وفق للاعتناء بعلومه من اصطفاه من أهل الحذق والإتقان, فجمعوا فيها من كل فن ما تنشرح له صدور أهل الإيقان؛
أَحمدهُ أَبْلغَ الحمد على ذلك، وغيره من نِعمهِ التي أَسْبَغَها علينا في كُل حينٍ وأوان، وأسألهُ المِنَّة عليَّ، وَعلى جَميع أحبَّائي بالرّضوان.
وأَشهد أنْ لا إله إلاَّ الله، شَهادة مُحصّلة للغُفْران، مُنقِذة صاحِبها مِنَ النِّيران، مُوصلةً لَه إلى سُكنى الجِنان.
أمَّا بعد.. فإنَّ الله سُبحانه وَتعالى منَّ على هذه الأمَّة، وزادها شرفاً بالدينِ الذي ارتضاه لنفسهِ دين الإسلام، وإرساله إليها خيرته مِن خلقهِ مُحمَّداً سيد الأنام عليه منه أفضل الصلوات والبركات والسّلام, وأكرمهما بكتابهِ القُرآن أفضلَ الكلام، وجمع فيه جميع ما يحتاج إليه من أخبار الأولين والآخرين، والمواعظ والأمثال والآداب وأصناف الأحكام, والحُجج القاطعات الظَّاهرات في الدلالات على وحدانيته، وغيرها مما جاءت به رسله - صلوات الله وسلامه عليهم- الدامغات لأهل الإلحاد الضُّلال الطُغام، وحثَّ على تلاوته، والاعتناء به، ولإعظام وملازمة الآداب، وبذل الوسع في الاحترام)). (1).

قال تعالى : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ 30 وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 31  قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ 32 قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ 33} سورة البقرة .

الاسم: هو كلمة أو عدة كلمات مركبة ذات معنى ودلالة محددة تُمثل عنوان الشيء المُسَمى. ويُطلق الاِسم على الشيء للتعريف به والتعبير عن مضمونه ومحتواه.

قال تعالى: { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ 22 هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ 23 هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 24} سورة الحشر.
وقد جعل الله لكل شيءٍ من مخلوقاته اِسماً يُعرَف به ويدل عليه, وأوحى الله إلى أول البشر وخليفتهُ المنتظر في الأرض آدم –عليه السلام- عِلمَ أسماء كل الأشياء, ليستعين بهذه المعرفة على التعاطي والتفاعل السليم مع كل ما حوله في هذا الكون, ولتتناقل ذريتهُ من بعدهِ هذه المعرفة الأولية لمحتويات الكون الأساسية.

وإن لكل مخلوق من مخلوقات الله تعالى اِسم وعنوان رئيسي يدل عليه ويحدد نوعه, مثل: مَلاك, جان, إنسان, حيوان, نبات...الخ, ويندرج تحت كل بند من الأسماء الأساسية للمخلوقات عدد كبير من الأسماء الفرعية, والتي يتم تعريف الأعضاء المُشْترَكين ضمن نفس النوع من خلالها, فعلى سبيل المثال فإن من أسماء الملائكة: جبرائيل, وميكائيل. ومن أسماء الجن: إبليس, خنزب. ومن أسماء الحيوان والنبات ما هو غنيٌ عن الذكر تبعاً لأنواعها وأشكالها المعروفة.
وأخيراً فإن لبني الإنسان أسماءٌ نعلم أكثرها بطبيعة الحال نظراً لكوننا من أبناء هذا النوع, وإن من هذه الأسماء ما أوحى به الله تعالى, مثل: آدم, حواء, عيسى, يحيى, أحمد, وحسن وحسين ومحسن.
قال تعالى: { إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ 45} آل عمران.
{ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا 7} مريم.
{وإذ قال عيسى ابن مريم يا بنى إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسولٍ يأتي من بعدى اسمهُ أحمد .. 6} الصف.

عن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- أنه قال: لما ولد الحسن جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : {أروني ابني ما سميتموه قلت : سميته حربا قال : بل هو حسن فلما ولد الحسين قال : أروني ابني ما سميتموه قلت : سميته حربا قال : بل هو حسين فلما ولدت الثالث جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أروني ابني ما سميتموه قلت : حربا قال : بل هو محسن ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر} إسناده صحيح.
قال تعالى: {وما ينطقُ عن الهوى 3 إن هو إلا وحيٌ يوحى 4} النجم.

وبما أنعم الله عليهم من معرفة وإدراك فإن بنو الإنسان يتسمون بما يتخيرون ويشاءون من الأسماء, فنجدهم يتسمون بأسماء سائر المخلوقات من ملاكٍ وحيوان ونبات وجماد, مثل: جبرائيل, نمر, وردة, سيف, شمس,.. الخ. كما أن الإنسان يتسمى بما يُشابه ويُوافق أسماء الله تعالى وصفاته العُليا, ما عدا لفظ الجلالة والأسماء التي لا تليق ولا تنبغي إلا لهُ سبحانهُ جلَ في عُلاه مثل: خالق, بارئ, مُحيي, باعث.. الخ. ومن الأسماء التي يُباح للناس أن يتسموا بها: علي, عزيز, حكيم, رءوف, ونحو ذلك من الأسماء التي يجوز أن يتسمى ويتصف بها بنو البشر.

وإن للأسماء معان ٍ ودلالات محددة وظاهرة ومعلومة, فعلى سبيل المثال: (سعيد من السعادة, مليحة من الملاحة), ومن ناحية أخرى فإن الاسم قد يحتمل معاني ودلالات باطنة ومجهولة, ونستطيع استخراج هذه المعاني والدلالات بالتأمل العميق في معنى الاِسم ولفظه, وتركيب حروفه, وعددها وطريقة كتابتها, كما يمكننا الإفادة من لفظ الاسم بحسب معناه في اللغات واللهجات الأخرى, مثل اللغة الإنجليزية واللهجات العامية والشعبية.
وفي ظل هذا التطور التقني الكبير الذي وصل إليه البشر في هذا العصر, والذي صار يُسمى نسبةً إلى هذا التطور ڊ (عصر الديجيتال أو العصر الرقمي), فإننا تماشياً مع روح العصر بإمكاننا إدخال جانباً من هذه التقنية الرقمية إلى أساليب استخراج المعاني والدلالات الخفية للأسماء, حيثُ أن الديجيتال (النظام الرقمي) هو نظام يستخدم الأرقام كقيم مُستقلة وغالباً ما يُشير إلى نظام العد الثنائي المعتمد على القيمتين (0) و (1), كذلك فإن النظام الرقمي (الديجيتال) يتميز عن الأنظمة الأخرى التماثلية بأنهُ يأخذ القيم في أزمنة متقطعة, والإشارة الرقمية هي إشارة متقطعة تأخذ قيم منفصلة فقط.
وكأسلوبٍ مُشابه للنظام الرقمي الذي يتعامل مع القيمة الواحدة بشكل مُتقطع, فإنهُ من الممكن أن نتعامل مع الاسم كأحرف متقطعة, بحيث يتم التعامل مع كل حرف على حِداً بشكل مُستقل كلفظٍ منفصل, ومن ثُم يتم إعادة ترتيب وصياغة هذه الحروف المتقطعة ونتائج تحليلها لنصل في النهاية إلى معنىً ودلالة منطقية من هذه العملية.

وإننا نجدُ في كتاب الله القرآن, السابق بعلومه كل الأزمان, خير مثال على نظام الديجيتال, حيث نجدُ أن الكثير من سوره قد ابتدأت بحروف متقطعة تُلفظ كلا على حِداً, حرفاً حرفاً, كقوله تعالى: {الم}, وتلفظ هكذا: (ألف لام ميم), وقوله تعالى: {كهيعص}, وتلفظ هكذا: (كاف ها يا عين صاد). وقد اختلف المفسرون في الحروف المتقطعة التي في أوائل السور, فمنهم من قال: هي مما استأثر الله بعلمهِ فردوا علمها إلى الله ولم يفسروها, حكاه القرطبي في تفسيره, ومنهم من فسرها واختلف هؤلاء في معناها كلٌ حسب فقههِ واجتهاده.
وفيما يتعلق بالأسماء تحديداً, فإننا نجدُ في كلام الله وقرآنهِ أيضاً مثالاً على تقطيع الاِسم إلى عدة مقاطع وتعويض لفظ الحرف مكانه, ونجدُ هذا المثال في قصة (إلياس) عليه السلام, حيثُ ذكر الله تعالى اسم رسولهُ (إلياس) في بداية القصة صحيحاً مُتصلاً: {وإن إلياس لمن المُرسلين 123} الصافات, وفي آخر القصة ذكر عز وجل اسم (إلياس) مُقطعاً مُنفصل الحروف: {سلامٌ على إلْ يا سين 130}. ونُلاحظ أن اسم (إلياس) قد تم تقطيعهُ على النحو التالي: إلياس = إلْ + يا + س.
ثُم تم تعويض لفظ حرف السين مكانهُ:
(إلْ + يا + س = إلْ + يا + سين = إلْ يا سين).

ومن الناحية الرقمية أيضاً فإنه من بإمكاننا الإفادة من قواعد حساب الجُمَل المشهورة بين المشتغلين بحساب الأوفاق, [وهي طريقة لتسجيل صور الأرقام والتواريخ باستخدام الحروف الأبجدية، إذ يعطى كل حرف رقما معينا يدل عليه. فكانوا من تشكيلة هذه الحروف ومجموعها يصلون إلى ما تعنيه من تاريخ مقصود وبالعكس كانوا يستخدمون الأرقام للوصول إلى النصوص.

وهو حساب استخدم في اللغات السامية؛ حيث تجده مستعملا في بلاد الهند قديما، وعند اليهود؛ فالأبجدية العبرية تتطابق مع الأبجدية العربية حتى حرف التاء (أبجد، هوز، حطي ،كلمن، سعفص، قرشت) أي تتكون من 22 حرفا وتزيد العربية: ثخذ، ضظغ. ووظفه المسلمون في تثبيت التاريخ. الحروف الرقمية تمثل كل الحروف الأبجدية ( 28 حرفاً ) ولكل حرف له مدلوله الرقمي التي تبدأ برقم 1 وتنتهي عند الرقم 1000] المصدر: موقع ويكيبديا.
وقد رتب أهل اللغة العربية الحروف بحسب مدلولها العددي في ثمان كلمات على النحو التالي: (أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ), والمدلول العددي لهذه الحروف هو: (أ=1, ب=2, ج=3, د=4, ھ=5, و=6, ز=7, ح=8, ط=9, ي=10, ك=20, ل=30, م=40, ن=50, س=60, ع=70, ف=80, ص=90, ق=100, ر=200, ش=300, ت=400, ث=500, خ=600, ذ=700, ض=800, ظ=900, غ=1000)
على سبيل المثال اسم محمد يساوي العدد 92 ,على النحو التالي:
م = 40 + ح = 8 + م = 40 + د = 4
40 + 8 + 40 + 4 = 92
وتسمى طريقة الجمع أعلاه (الجمع بالحرف الكبير).
ويوجد أنواع أخرى من حسابات الحروف, فجمع الحروف بتحويلها إلى أرقام فردية, مثلاً: حرف اللام =30, ويكون تحويله إلى رقم فردي هو بحذف مرتبة العشرات فيصبح ل =3, وكذلك بالنسبة للأرقام التي تكون مرتبتها مئوية تُحذف المرتبة المئوية, مثلاً: حرف التاء =400 فتصبح التاء = 4, وهذا الجمع يُسمى الجمع الصغير, مثال:
[وليد = و(6) + ل(3) + ي(1) + د (4) = وليد (14)].

وأكثر استعمال لحساب الجُمل للتأريخ لحوادث معينة أو في حساب تواريخ بناء المشاهد الإسلامية العمرانية حيث كان الشعراء ينظمون عدة أبيات من الشعر و تُنقَش هذه الأبيات على واجهات المباني ولو جمعت دلالات الحروف لحصلت على تاريخ البناء فهي من إبداعات العرب.
كما استخدمها كبار المفسرون في تأويل الرؤيا مثل محمد بن سيرين –رحمه الله تعالى-, كما تم استخدام حساب الجمل في ما بات يُعرف ڊ (الإعجاز العددي للقرآن الكريم), وهناك نتائج كثيرة ومُدهشة في هذا الباب تعدو كونها مجرد صُدفة, هذا بالإضافة إلى كثير من العلوم والمجالات التي دخل بها حساب الحروف الأبجدية. 

وفيما يتعلق بموضوع بحثنا وهو الأسماء, فإننا ومن خلال المدلول العددي للحرف الواحد أو مجموع حروف الاسم بعضها أو كلها, يمكننا الحصول على نتائج عديدة تساعدنا في استخراج الأسرار الخفية الكامنة في الاسم.

ورغم وجود طُرق وأساليب متعددة من الممكن استعمالها في تحليل الاسم وحروفه, إلا أن العنصر الأهم في هذه العملية هو وجود شخص حاذق, مُتمرس, ومُلهم, بإمكانه توظيف هذه الأساليب ونتائجها بشكل منضبط وذو نسق, في سبيل الوصول إلى نتائج صحيحة لها دلالات منطقية.

هذه مقدمة عامة وسريعة للأساليب التي سوف انتهجها في تحليل الأسماء والكلمات, واستنباط الدلالات والأسرار الخفية الكامنة فيها, والتي سوف يجد القارئ والمتصفح للأبحاث والمقالات التي سوف تُنشر على صفحات هذه المدونة تطبيقات ونماذج عديدة وفريدة عليها, ومن خلال هذه التطبيقات والأمثلة فإن القُراء والمهتمين سوف يكون بإمكانهم الوصول إلى فهمٍ أعمق وصورة  أوضح عن هذا النهج في التحليل.
وإن هذا الأسلوب في تحليل الأسماء والكلمات ونتائجه ممكن اعتباره من باب النوادر واللطائف والتصرفات اللغوية المثيرة للحيرة والتعجُب, ولا مانع كذلك من أن يكون منه ما هو موافق للحائق والوقائع الثابتة, وإن القراء كُلٌ بحسب ثقافته وشفافيته وقدرته على الاستيعاب, بإمكانهم التمييز بين ما هو مُجرد متعة وتسلية, وبين ما هو موافق للحقائق والوقائع العلمية والعملية.

وفيما يلي بعض الأمثلة على عمليات تحليل الأسماء:
* مريم: اسم ورد في القرآن, وهو اسم أخت كليم الله موسى بن عمران –عليه السلام-,وهو كذلك اسم سيدة نساء بني إسرائيل مريم ابنة عمران  -عليها السلام-, وسوف أقوم بإجراء عملية تقطعيه لاسم (مريم) لاستخرج منه سرٌ عظيم مُرتبط بنبي الله موسى وبني إسرائيل:
مريم = مر + يم.
مَر : من مرور وتعني اجتاز.
يم : من أسماء البحر.
إذن فإن ترجمة اسم (مريم) بتقسيمه إلى كلمتين على الترتيب تعني: (اجتاز البحر), ومجاوزة البحر هي أعظم معجزة في مسيرة بني إسرائيل على مر التاريخ, قال عز وجل: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر} [138 الأعراف].
ولولا أن الله جَلَت قدرتهُ يسر لموسى طريقاً يبساً في عرض البحر ليعبر منه هو وبني إسرائيل إلى الطرف المقابل, لأدركهم فرعون وجنوده وأبادوهم عن بكرة أبيهم, وعندها فإن (مريم) عليها السلام ما كانت لتولد, وما كان لقومها من بني إسرائيل أن تقوم لها قائمة حينئذ.
قال تعالى: { ولقد أوحينا إلى موسى أن أسرِ بعبادي فاضرب لهم طريقاً في البحرِ يبساً لا تخافُ دركاً ولا تخشى 77 فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم 78 وأضلَ فرعون قومهُ وما هدى 78} سورة طه.

(فأتبعهم فرعون بجنوده) : لحق بهم فرعون بجيشه، إذاً فهي (الحرب).
* حرب: هو الخصومة والقتال. وإذا بدلنا أماكن حروف هذه الكلمة بنقل الحرف الأخير (ب) إلى أولها – باستخدام قاعدة: "هات من الآخر"-, فإنها تصير (بحر).
وإن ما تخلفهُ الحرب خلال عدة أيام وشهور وسنوات من قتلى ودمار ومُعاناة إنسانية, يفعله البحر خلال دقائق معدودة – على مبدأ: "هات من الآخر" , وقد شاهد الناس هذه الحقيقة وعاينوها من خلال كوارث موجات المد العارمة المشهور ڊ  "تسونامي", والتي تجتاح السواحل والمدن وتغمرها بكل قوة وعنفوان عبرةً للأنام, وقد أسمى الله مثل هذا المُصيبة في كتابه ڊ  (السيل العَرِم و الطوفان).

{فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العَرِم} [16, سبأ]
* س : حرف السين, وهو من الحروف المتقطعة التي ابتدأت بها بعض سور القرآن الكريم, كقوله تعالى:{ي س}, وقوله تعالى: {ح م ع س ق}, وسأضرب على حرف السين مثالين, وذلك بعد أن نقسم لفظه إلى قسمين: (س = سين = سي + ن) :
المثال الأول:
- سي : إن لفظ هذين الحرفين يشابه لفظ كلمة (Sea) الإنجليزية ومعناها (بحر).
- ن : حرف النون , والنون في معاجم اللغة العربية هو اسمُ من أسماء (الحوت).
وعند تعويض هذه النتائج في معادلة حرف (س) فإنها تصبح:
س = سين = سي + ن = (بحر + حوت).
وإن البحر هو الموطن الذي يسكن ويعيش فيه الحوت
المثال الثاني:
- سي : كما في المثال الأول فإن لفظ هذين الحرفين يشابه لفظ كلمة (Sea) الإنجليزية ومعناها (بحر).
- ن : حرف النون , ورد لفظهُ مُنفصلاً في مطلع سورة القلم, بقوله تعالى: {ن. والقلم وما يسطرون 1}. وقد فسر معناه بعض المفسرين في هذا الموضع على أن المقصود به هو (الدواة), قاله الحسن وقتادة. والدواة هي ما يُكتب منه مثل الحِبر والأصباغ.
وعند تعويض هذه النتائج في معادلة حرف (س) فإنها تصبح:
س = سين = سي + ن = (بحر + دواة).
وقد شبه الله في كتابه العزيز البحر بالدواة التي يُكتب منها بقوله عز وجل: {قُل لو كانَ البحرُ مِداداً لكلمات ربي لنَفِدَ البحرُ قبل أن تنفَدَ كلماتُ ربي ولو جئنا بمثلِ مدداً 109} سورة الكهف.
أي لو أن البحر صار على اتساعه وعمقه وكثرة ماءه دواةً يستمدُ منها القلم, لنفذت هذه الدواة قبل أن يستكمل القلم كتابة كلمات الله وحكمتهِ البالغة وعلمه الواسع لكل شيء, حتى لو أننا جئنا بأبحر أخرى بديلة ومساندة, فإنها سوف تنفذ دون تمكين القلم من تدوين كل ما وسعته حكمة الله من الآيات والنور والمعرفة.
قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 27} لقمان.

الأسماء من وحي القرآن
قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ 11 فَمَن شَاء ذَكَرَهُ 12 فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ 13 مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ 14 بِأَيْدِي سَفَرَةٍ 15 كِرَامٍ بَرَرَةٍ 16} سورة عبس.
إن آيات القرآن فيها موعظة وتذكير للعباد, فمن شاء ذكر الله تعالى وتذكر امره ونهيه, وتلا آياته, وعمل بما فيها من الحِكم والمواعظ, فإن هذه السور والآيات مُعظمة ومُوقرة وعالية القدر, ومُطهَرة من الدنس والزيادة والنقصان, فإن آيات هذا القرآن مُنتسخة من اللوح المحفوظ بأيدي ملائكة الرحمَن البررة الكِرام, وهكذا ليكون كتاب الله الكريم الذي أنزلهُ على خير المرسلين محمد – صلى الله عليه وآله أجمعين- لوحاً محفوظاً في الأرض, يقرأهُ الإنسُ والجن, وينتفعون بما حواهُ من العلوم والأحكام والأخبار الماضية والحاضرة والغائبة, كما لوحهُ المحفوظ عنده في السماء, والذي تقرأه الملائكة وتطلع على ما شاء الله لها من العلوم والأنباء.

قال تعالى : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ 38} سورة الأنعام.
[قَالَ مُجَاهِد : أَيْ أَصْنَاف مُصَنَّفَة تُعْرَف بِأَسْمَائِهَا. وَقَالَ قَتَادَة الطَّيْر أُمَّة وَالْإِنْس أُمَّة وَالْجِنّ أُمَّة وَقَالَ السُّدِّيّ إِلَّا أُمَم أَمْثَالكُمْ أَيْ خَلْق أَمْثَالكُمْ. وَقَوْله مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَاب مِنْ شَيْء أَيْ الْجَمِيع عِلْمهمْ عِنْد اللَّه وَلَا يَنْسَى وَاحِدًا مِنْ جَمِيعهَا مِنْ رِزْقه وَتَدْبِيره سَوَاء كَانَ بَرِّيًّا أَوْ بَحْرِيًّا كَقَوْلِهِ وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض إِلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعهَا كُلّ فِي كِتَاب مُبِين أَيْ مُفْصِح بِأَسْمَائِهَا وَأَعْدَادهَا وَمَظَانّهَا وَحَاصِر لِحَرَكَاتِهَا وَسَكَنَاتهَا]. مختصر تفسير ابن كثير.

إن الدواب والطيور والإنس والجن وجميع الخلْق, أممٌ معدودة ومحسوبة فرداً فرداً, ومعروفة بأسمائها وتصرفاتها, مكتوبٌ كل شيءٍ عنها في كتاب الله ولوحهُ المحفوظ في السماء , مذكورٌ من أخبارها في كتاب الله القرآن المحفوظ بوعدهِ في الأرض.
ولكون القرآن هو النور والبرهان الذي أوحى الله به إلى بني الإنسان, فإن مُعظم آياته تتحدث بجلاء عن هذا الإنسان, خلقهُ ونشأتهُ وتناسُله, طبائعه وصفاته, وكافة شؤون ونواحي حياته الدنيوية والأُخروية.

قال تعالى : {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ 89} سورة النحل.
[نَزَّلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء قَالَ اِبْن مَسْعُود : قَدْ بَيَّنَ لَنَا فِي هَذَا الْقُرْآن كُلّ عِلْم وَكُلّ شَيْء وَقَالَ مُجَاهِد : كُلّ حَلَال وَكُلّ حَرَام , وَقَوْل اِبْن مَسْعُود أَعَمّ وَأَشْمَل فَإِنَّ الْقُرْآن اِشْتَمَلَ عَلَى كُلّ عِلْم نَافِع مِنْ خَبَر مَا سَبَقَ وَعِلْم مَا سَيَأْتِي وَكُلّ حَلَال وَحَرَام وَمَا النَّاس إِلَيْهِ مُحْتَاجُونَ فِي أَمْر دُنْيَاهُمْ وَدِينهمْ وَمَعَاشهمْ وَمَعَادهمْ. وَهُدًى أَيْ لِلْقُلُوبِ وَرَحْمَة وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ انتهى. ومثل هذه الآية في التفسير قوله تعالى : وَتَفْصِيل الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ أَيْ وَبَيَان الْأَحْكَام وَالْحَلَال وَالْحَرَام بَيَانًا شَافِيًا كَافِيًا حَقًّا لَا مِرْيَة فِيهِ مِنْ اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ كَمَا جاءَ فِي حَدِيث الْحَارِث الْأَعْوَر عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب فِيهِ خَبَر مَا قَبْلكُمْ وَنَبَأ مَا بَعْدكُمْ وَفَصْل مَا بَيْنكُمْ أَيْ خَبَر عَمَّا سَلَف وَعَمَّا سَيَأْتِي وَحُكْم فِيمَا بَيْن النَّاس بِالشَّرْعِ الَّذِي يُحِبّهُ اللَّه وَيَرْضَاهُ, انتهى. وقوله تعالى :{ قَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ 111} سورة يوسف. وَتَفْصِيل كُلّ شَيْء مِنْ تَحْلِيل وَتَحْرِيم وَمَحْبُوب وَمَكْرُوه وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَمْر بِالطَّاعَاتِ وَالْوَاجِبَات وَالْمُسْتَحَبَّات وَالنَّهْي عَنْ الْمُحَرَّمَات وَمَا شَاكَلَهَا مِنْ الْمَكْرُوهَات وَالْإخْبَار عَنْ الْأُمُور الْجَلِيَّة وَعَنْ الْغُيُوب الْمُسْتَقْبَلِيَّة الْمُجْمَلَة وَالتَّفْصِيلِيَّة وَالْإِخْبَار عَنْ الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَات وَتَنَزُّهه عَنْ مُمَاثَلَة الْمَخْلُوقَات فَلِهَذَا كَانَتْ. هُدًى وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ تَهْتَدِي بِهِ قُلُوبُهُم مِنْ الْغَيّ إِلَى الرَّشَاد وَمِنْ الضَّلَال إِلَى السَّدَاد وَيَبْتَغُونَ بِهَا الرَّحْمَة مِنْ رَبّ الْعِبَاد فِي هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْم الْمَعَاد فَنَسْأَل اللَّه الْعَظِيم أَنْ يَجْعَلنَا مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة يَوْم يَفُوز بِالرِّبْحِ الْمُبَيَّضَة وُجُوههمْ النَّاضِرَة وَيَرْجِع الْمُسَوَّدَة وُجُوههمْ بِالصَّفْقَةِ الْخَاسِرَة] مُختصر تفسير ابن كثير.

قال تعالى :{لقد أنزلنا إليكم كتابٌ فيه ذِكْرُكم أفلا تعقلون 10} سورة الأنبياء.
[وَالْمُرَاد بِالذِّكْرِ هُنَا الشَّرَف ; أَيْ فِيهِ شَرَفكُمْ , وَقِيلَ : فِيهِ ذِكْركُمْ أَيْ ذِكْر أَمْر دِينكُمْ ; وَأَحْكَام شَرْعكُمْ , وَمَا تَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنْ ثَوَاب وَعِقَاب , أَفَلَا تَعْقِلُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ؟ ! وَقَالَ مُجَاهِد : فِيهِ ذِكْركُمْ أَيْ حَدِيثكُمْ . وَقِيلَ : مَكَارِم أَخْلَاقكُمْ , وَمَحَاسِن أَعْمَالكُمْ . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : الْعَمَل بِمَا فِيهِ حَيَاتكُمْ . قُلْت : وَهَذِهِ الْأَقْوَال بِمَعْنًى وَالْأَوَّل يَعُمّهَا ; إِذْ هِيَ شَرَف كُلّهَا , وَالْكِتَاب شَرَف لِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ السَّلَام ; لِأَنَّهُ مُعْجِزَته , وَهُوَ شَرَف لَنَا إِنْ عَمِلْنَا بِمَا فِيهِ , دَلِيله قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( الْقُرْآن حُجَّة لَك أَوْ عَلَيْك )] تفسير ابن كثير .
وإننا من مُجمل تفسيرات العُلماء لمعنى قوله تعالى: {فيهِ ذِكْركُم}, يتبين لنا أن القرآن العظيم كتابٌ جامعٌ لِما يتشرفُ بهِ الناس من ذكرِ اسمِ أو صفةٍ أو حالٍ أو مَنْزِلة , وذكر الناسِ في القرآن شرفٌ وصيت لهم كفاراً كانوا أو مؤمنين لأنهُ كلامُ الله المُباشر كما نزل به الروح الأمين, ويأتي هذا الذكر متوافقاً مع حالة المذكور من الإساءة أو الإحسان , فإذا ذَكرَ اللهُ إبليس وفرعون اتبعَ ذكرهم باللعن والسَخَط والنار , وإذا ذكر آدم وذُريتهُ الصالحين اتبع ذكرهم بالرضا والتوبة والجنة.
قال تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ 43 وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ 44} سورة الزُخرف.
ولقد كان القرآن يتنزل على النبي –عليه الصلاة والسلام- بذكر شرفه وآله وأصحابه المؤمنين, وفي بيان أحوالهم وصفاتهم وشؤونهم الحياتية والأخروية.
ولقد كان غير واحد من المسلمين أبانَ نزول الوحي يُمني نفسهُ أن يُنزِلَ الله فيه آيةً تبشرهُ وتثني على فعلهِ , فإنها أغلى شهادة, وأعظم ذكراً, وأرفع وسام, , قرآناً من عند الله الرحمَن يُتلى أناء الليل وأطراف النهار.
 بينما كان الكافرين والمنافقين يحذرون ويخافون أن يقرأ عليهم الرسول – عليه الصلاة والسلام- قرآناً يفضح خبثهم ونواياهم السيئة, ويبشرهم بالعذاب والجحيم, قال تعالى :{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ 64 وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ, قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ 65 لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ 66} سورة التوبة.     
  
وإن الاسم مشتقٌ من سموْت, لأنهُ تنويهٌ ورفعة (3), وليس من تنويهٍ ورفعةٍ أكبر من أن يجعل الله للناس في كلامه وقرآنه ذكراً لهم بأسمائهم وكُناهم المُباشرة, خاصةً الأنبياء والصالحين منهم الذي يستحقون الثناء والتكريم من الله عز وجل, والذين كتب الله لهم النصر وحُسن العاقبة في الدنيا والآخرة, على الرغم من تكذيب الناس لهم وذمهم والسُخرية منهم ومن أتباعهم.
قال تعالى: { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ 212} البقرة.
وقال تعالى : {مُحَّمَدٌ رَسُولُ اللهِ والَّذينَ مَعَهُ أشدَّاءُ عَلى اٌلكُفَّار رُحَماءُ بَينهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتغُونَ فَضْلا من الله وَرضْواناً سيمَاهُمْ في وُجُوههم منْ أثَر السُّجُودِ ذَلك مَثلُهُمْ في التَوْراة وَمثَلُهُمْ في الإِنْجيل كَزَرْع أخْرج شَطْئهُ فَازَرَهُ فَاستغْلظَ فَاسْتَوَى على سُوقِهِ يُعْجبُ الزُّرَّاع لِيَغيظَ بِهِمُ اٌلكُفُّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصّالَحِاتِ منْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً 29} سورة الفتح.   
وقال تعالى: {واذكر في الكتابِ مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقيا 16} مريم.
وقال سبحانه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا 83} الكهف.

وأما الكفار والفاسقين فإن ذكر الله لهم في كتابه بأسمائهم وكُناهم فيه تنويه لما كانوا عليه من مكانةٍ وجاهٍ وثراء في حياتهم الدنيا, ومن ناحيةٍ أُخرى فإن في هذا الذكر تقريعٌ لهم, وفضح لجرائمهم وفسادهم وسوء عاقبتهم في الدنيا والآخرة.
قال تعالى : {تَبَتْ يدآ أبي لهبٍ وتب 1 ما أغنى عنهُ مالُهُ وما كسب 2 سيصلى ناراً ذاتَ لهب 3} المسد.
وقال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ 4} القصص.
وقال جل في عُلاه: { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ 76} القصص.

وبالإضافة إلى ذكر بعض الناس في كتاب الله بأسمائهم وكُناهم, فقد نوه سبحانهُ إلى أُناس ٍ آخرين وذكرهم بأعمالهم وصفاتهم وقصصهم, دون ذكر أسمائهم وألقابهم المباشرة, والأمثلة على مثل هذا النوع من الذكر والعظة كثيرة في آيات القرآن, منها على سبيل المثال لا الحصر, قوله تعالى: { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا 11 وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَّمْدُودًا 12 وَبَنِينَ شُهُودًا 13 وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا 14} المدثر.
وهذا المذكور والمنوه إليه في هذا السياق هو (الوليد بن المغيرة) المخزومي, أحد رؤساء قُريش, وقد نزل في شأنه آياتٌ أخرى من القرآن, منها قوله تعالى: {وقالوا لولا نُزِلَ هذا القرآنُ على رجل ٍ من القريتين ِ عظيم 31} الزخرف.
ومن الأمثلة على هذا التنويه الضمني لبعض الصالحين قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} [259,البقرة].
القول المشهور عند كبار المفسرين أن هذا الرجل هو (العُزير) عليه السلام, رجل صالح من بني إسرائيل, والقرية هي (بيت المقدس).
وهكذا فإن كتاب الله قد حَفل بذكرٍ مباشر لأسماء بعض الأعلام والقُرى والأقوام وغيرها, بالإضافة إلى ذكرٍ ضمني للبعض الآخر, وهؤلاء الأعلام المذكورين هم من سالف الزمان, أو من الزمان الموافق لعهد تنزُل القرآن.
إلا أنهُ وبالنظر إلى موسوعية كلام الله, واستيعابه لشتى العلوم والمجتمعات الإنسانية في كافة الأزمان والأماكن, ماضيها وحاضرها ومُستقبلها, فإنهُ من غير المُستبعد أن نجد في الآيات القرآنية المحفوظة والخالدة إلى قيام الساعة, إشارات مجازية وضمنية لعبادٍ آخرين من أعلام الناس وعامتهم, عدا عن أولئك الذين ظهر ذكرهم في الآيات بشكلٍ مباشر أو ضمني, ومن ضمن النطاق الزمني الذي أعقب توقف الوحي واكتمال تنزل القرآن.
وإن هذه الإشارات الضمنية والخفية قد تتفاوت من حيث درجة صحتها, وانطباقها على الشخص المعني بالذكر, وقابليتها للتصديق, وذلك بالاعتماد على كفاءة وقدرة الشخص الذي قام بالاستنباط, ومدى قوة القرائن والدلالات والشواهد التي أيد بها صحة استنباطه.
ومهما كان الاستنباط قريباً أو غريباً, فلا بد أن يكون مَبرراً, وأن لا يكون عشوائياً ومُغرِضاً ومُسيئاً لكلام الله أو للشخص الذي استُنبطت له الإشارة.
وفي هذا السياق وحتى لا يظُن القُراء أنني استحدثتُ نمطاً في استنباط بعض المدلولات القرآنية مما لم يعمل به أحداً من أهل العلم من قبل, [فقد جعل أهل العلم طُرق تفسير الآيات القرآنية على عدة مذاهب, وعرّفوا كل نوعٍ منها وعقبوا عليه, ومن ضمن ذلك تفسير القرآن بالقرآن, وتفسير القرآن بالمأثور من الأحاديث النبوية وروايات الصحابة والتابعين, وأما النوع الذي يوافق ما أشرتُ إليه من الاستنباط فقد أطلق عليه أهل العلم اسم (التفسير الإشاري), وهو تفسير القرآن بغير ظاهره لإشارة خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوف, وقد أقرَ الإمام السيوطي - رحمهُ الله- وهو من أكابر العلماء والمُفسرين مثل هذا النوع من التفسير, و جعل شروط قبوله على ما يلي:
1- أن لا يتنافى مع ما يظهر من معنى القرآن الكريم.
2- أن لا يُدعى أنهُ المُرادُ وحدهُ دون الظاهر.
3- أن لا يكون تأويلاً بعيداً سخيفاً.
4- أن لا يكون لهُ مُعارض شرعي أو عقلي.
5- أن يكون لهُ شاهد شرعي يُؤيُده.] (4).

وإن هذه الإشارات الخفية والغيبية لأسماء وشخصيات بعض الناس في آيات القرآن, وإن كانت لا ترقى إلى اليقين العقائدي كما هو الحال في الذكر المباشر والثابت لبعض الأعلام, إلا أنها بمثابة الظن الذي تُرجحه الشواهد والأدلة العقلية والنقلية التي يسوقها الشخص الذي قام بالاستنباط.
قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ 26} البقرة.
[قال سعيد ، عن قتادة : أي إن الله لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئا ما ، قل أو كثر ، وإن الله حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت قال أهل الضلالة : ما أراد الله من ذكر هذا ؟ فأنزل الله : { إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا }..
..ومعنى الآية : أنه تعالى أخبر أنه لا يستحيي ، أي : لا يستنكف ، وقيل : لا يخشى أن يضرب مثلا ما ، أي : أيّ مثل كان ، بأي شيء كان ، صغيرًا كان أو كبيرًا.
و "ما" هاهنا للتقليل... وقوله : { فَمَا فَوْقَهَا } فيه قولان : أحدهما : فما دونها في الصغر ، والحقارة ، كما إذا وصف رجل باللؤم والشح ، فيقول السامع: نعم ، وهو فوق ذلك ، يعني فيما وصفت. وهذا قول الكسائي وأبي عبيدة ، قال الرازي : وأكثر المحققين ، وفي الحديث : "لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء" (رواه الترمذي في السنن). والثاني : فما فوقها : فما هو أكبر منها ؛ لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة...
فأخبر أنه لا يستصغر  شيئًا يَضْرب به مثلا ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة ، كما لم يستنكف عن خلقها كذلك لا يستنكف من ضرب المثل بالذباب والعنكبوت في قوله : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ } [الحج : 73] ، وقال : { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [العنكبوت : 41].  
قال بعض السلف : إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي ؛ لأن الله تعالى يقول : { وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ }
وقال مجاهد قوله : { إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } الأمثال صغيرها وكبيرها يؤمن بها المؤمنون ويعلمون أنها الحق من ربهم ، ويهديهم الله بها] تفسير ابن كثير.
وكما أن الخالق عز وجل لم يستنكف عن ذكر البعوض والذباب والعناكب وضرب الأمثال بها, على الرغم من صغرها وحقارتها مقارنةً بسائر المخلوقات, فلما قد يستنكف سبحانهُ وتعالى عن ذكر بعض الناس والإشارة إليهم في قرآنه, وذلك من غير الأعلام المعدودين المذكورين في آيات كتابه.
وقد أحببت أن أسوق هذا المثل المُستنبط من آيات القرآن, لعلمي بأن غالبية الناس شأنهم في أنفسهم أحقر من أن يصدقوا بأن لهم في كتاب الله إشارة خاصة, إلا أن أهل التجربة والدراية من الأتقياء والصالحين يؤمنون بوجود مثل هذه الأشياء, ولا يستبعدونها على رحمة الله و واسع علمه وإحاطته بمخلوقاته عظيمهم وحقيرهم شأناً.

مقدمة في المواجهات مع بعض الأعلام والشخصيات
كثيرة هي تلك الأضواء المُسلطة على الشخصيات العامة والمشهورة , حيثُ تقوم القنوات الإعلامية المُختلفة والمُتخصصة بتغطية أغلب نشاطات الفئات والشخصيات التي تدخُل في نطاق تغطيتها الإعلامية , وفي بعض الأحيان تقوم هذه القنوات الإعلامية بإجراء مُقابلات خاصة مع هذه الشخصيات للتعرف على طبائعها الحقيقية وكشف خصوصياتها أمام الجماهير.
مدونة "وليد وقلمه العجيب" ستكون أحد الوسائل التي تسلط الأضواء وتكشف الأوراق , ورغم أنها تعتبر نجم خافت وضئيل مقارنة مع الأجرام الإعلامية الكبيرة من حيث الشهرة ونسبة المُشاهدة , إلا أن لديها أسلوبها الخاص والمتميز في سبر الأغوار واستخراج الحقائق النادرة التي يشُق العقول إليها.
قال الله تعالى في الحديث المأثور :{ ما وسعني أرضي ولا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن النقي التقي الوادع اللين }رواه ابن تيمية في (مجموع الفتاوى).

قيل من الشعر:
 تحسبُ أنك جرمٌ صغير .. وفيك انطوى العاَلمُ الأكبرُ

 وقيل:   
أنت كنـز الدر والياقوت        في لجة الدنيا وإن لم يعرفوك 
محفل الدنيا محتاج إلى         صوتك العالي وإن لم يسمعوك

وكما تعلمون فإن أضواء الإعلام كثيراً ما تتسلط على سطحيات الأمور وظواهر السلوك بالنسبة للشخصيات التي تحاول الولوج إلى عالمها الخاص, مثل : السيرة الذاتية , والحياة العائلية والزوجية , المُمارسات الحياتية اليومية , الهوايات, المرغوبات والمكروهات , الفضائح والإشاعات … الخ , حيثُ يتم أخذ كافة المعلومات على ألسنة الشخصيات المعنية أو أحد المُقربين إليها , وغاية هذه الوسائل الإعلامية هي إتاحة الفرصة للجماهير كي تتعرف عن كثب على تلك الشخصيات والفئات المعروفة والمشهورة من المجتمع, بالإضافة إلى الأهداف الأخرى الربحية والتسويقية للوسيلة الإعلامية نفسها أو للشخصية التي تلقي الضوء عليها.

 أما بالنسبة إلى القلم العجيب فإن الأمر مختلف, حيثُ أن التركيز في مواجهاته وتعاطيه مع الشخصيات المُختارة , سيكون منصباً على المسائل الهامة وبواطن الأمور, والتي يخفى علمها وتستتر معرفتها ليس فقط عن الجماهير, وإنما عن الشخصية المعنية نفسها أيضاً, حيث سيعمل القلم العجيب على الإفادة من بعض المعلومات المتوفرة عبر وسائل الإعلام عن بعض الشخصيات المعروفة, ومن ثم سيقوم بتحليل هذه المعلومات ووضعها تحت المجهر, ليصل في النهاية إلى اللب والجوهر.
والأساليب التي سوف اعتمد عليها في تحليل الشخصية والحدث سيكون من ضمنها ما قمت بتفصيله في الفقرات السابقة عن فنون تأويل الأسماء واستنباط الإشارات من وحي القرآن.
هذا وستشمل مُواجهات القلم العجيب المُنتظرة عدد من الشخصيات من مختلف التخصُصات: الفنية  والإعلامية والدينية والسياسية .. الخ, والغاية من تسليط الأضواء على هذه الشخصيات هي للفت انتباه القراء والشخصيات أنفسهم إلى أنه ثمة هنالك أحداث تدور تحت القشور وبين السطور, وذلك مما لا يمكن إدراكه ورؤيته بالعين المجردة, وإن من مسؤوليات هذه المواجهات هي التقييم الصحيح للشخصية, وإبراز محاسنها أو مساوئها بالرجوع إلى العُرف والدين والمنهاج السليم, حيثُ أنهُ لا يوجد سياسة خاصة في انتقاء الشخصيات, وإنما معظم ذلك قد يتأتى بعفوية ومن باب المصادفة, وبعض الذين قد أكتب عنهم ربما أكون لا أعرفهم أو أتباعهم, باستثناء أنني سمعت أو قرأت خبراً عنهم, فحضرت في ذهني خاطرة دعتني للكتابة عنهم.
وعلى العموم فإنني اَستميح العذر سلفاً من جميع الأشخاص الذين قد أكتب عنهم مقالاً أو فقرةً في مقال, علموا به أم لم يعلموا, راجياً أن تتسع صدورهم لما سأدونه وأنشره عنهم.
وإذا كانت الشخصيات المشهورة والمعروفة تلقي بظلالها على الجماهير على مدى سنوات عديدة وطويلة, والجماهير تقف منها موقف المتابع والمتلقي لكل ما يصدر عنها من تصرفات وأقوال إيجابية أو سلبية, فلا ضير في أن تتحمل هذه الشخصيات فرداً واحداً من الجماهير كتب فيها عدة كلمات أو سطور في مدحها أو نقدها.
قال تعالى : {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ 89} سورة النحل. [وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَهُمْ الْأَنْبِيَاء شُهَدَاء عَلَى أُمَمهمْ يَوْم الْقِيَامَة بِأَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا الرِّسَالَة وَدَعَوْهُمْ إِلَى الْإِيمَان , فِي كُلّ زَمَان شَهِيدٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا ; وَفِيهِمْ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُمْ أَئِمَّة الْهُدَى الَّذِينَ هُمْ خُلَفَاء الْأَنْبِيَاء . الثَّانِي : أَنَّهُمْ الْعُلَمَاء الَّذِينَ حَفِظَ اللَّه بِهِمْ شَرَائِع أَنْبِيَائِهِ .قُلْت : فَعَلَى هَذَا لَمْ تَكُنْ فَتْرَة إِلَّا وَفِيهَا مَنْ يُوَحِّد اللَّه ; كَقُسِّ بْن سَاعِدَة , وَزَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْل الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُبْعَث أُمَّة وَحْده ) , وَسَطِيح , وَوَرَقَة بْن نَوْفَل الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَأَيْته يَنْغَمِس فِي أَنْهَار الْجَنَّة ) . فَهَؤُلَاءِ وَمَنْ كَانَ مِثْلهمْ حُجَّة عَلَى أَهْل زَمَانهمْ وَشَهِيد عَلَيْهِمْ] تفسير القُرطبي.

وفي الختام أرجو من قُراء هذه المقالات أن يهتموا بجوهر هذه الكتابات وأهدافها المنشُودة , وأن ينظروا إليها نظرة علمية نفعية مُجردة عن الظُنون الفاسدة والارتياب غير المُبرر , ولعل أسلوبي الجديد وعدم اشتهاري عند الناس يكون وراء تسرع الكثير من القُراء في رفض هذه الكتابات , ووصفها وصاحبها بأقسى الكلمات, ورميها بالشُبهات , أو لعل سبب هذا الإنكار والتنكُر عند بعضهم يكون مبعثه الجهل والحسد والجُحود.
أسأل الله العلي القدير أن أكون من الذين إذا ما طاش سهمهم عن هدفه فلم يصيب , أن لا يُخطأ ويخيب. 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على خير المرسلين محمد, وعلى آله وصحابته أجمعين.     
       
المراجع
- تفسير ابن كثير.

الهوامش:
1- من مقدمة كتاب (التبيان في آداب حملة القرآن), للإمام أبي ﺯﻛﺮﻳﺎ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺷﺮﻑ الدين ﺍﻟﻨﻮوﻱ الشافعي -رحمه الله تعالى-.
2- لمزيد من المعلومات عن علم الأوفاق راجع المصدر: موقع زهلول الموسوعة العالمية
3- هكذا معناه في معجم (مختار الصحاح), للإمام محمد الرازي, حرف السين, الجذر (سما).
4- مذاهب تفسير القرآن وشروطها, نقلاً عن مقدمة مُصحف مُختصر تفسير الطبري , لأبي يحيا التُجيبي, إعداد ومُراجعة الأستاذ مروان سوار.



فكرة و إعداد : م. وليد أحمد القراعين

   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق