الجمعة، 15 مارس 2013

فتنة الديجيتال العظيمة

  بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
  
أحمد الله تعالى – جل جلاله – وأصلي وأسلم على خاتم أنبيائه وخير خلقه , سيدنا محمد بن عبد الله النبي الأمي , الذي جعل الله له من دعوته حجة على نبوته , وبرهاناً ساطعاً على صدق رسالته , حيث أخبر عن الغيب الماضي فصدق , وأنبأ بالغيب المستقبل فتحقق.
أما بعد ؛ فإنه بالربط  بين العلم الحديث الذي عرفه الإنسان مع ما جاءنا من العلم القديم الذي أوحى به الرحمَن , نستطيع أن نعرف سر الأشياء وحقيقتها, فما هو يا ترى السر في الانعكاسات الخطيرة للتقنيات الحديثة على المجتمع الإنساني عامةً ؟

قال الشاعر: إن عصر العشرين ظنوك عصراً نير الوجه مُسْعِدَ الإنسان ... لست نوراً بل أنت ناراً وظلم منذ جعلت الإنسان كالحيوان.
   
ويتناول هذا البحث ما يُعرض للأمة في هذا الوقت من فتن وتقلبات , خاصةً تلك الفتنة الشعواء التي جرت في دماء الأمة عبر الوسائل والتقنيات الحديثة التي أنتجتها الحضارات الأجنبية, موضحاً بأمثلةٍ ونماذج عملية أسرارها الخفية وآثارها السلبية , ساعياً إلى كشف مساعي الشياطين الحثيثة في فتنة بني آدم عبر هذه الوسائل الحديثة, راجياً من الله الولي الحميد أن يجعل فيه السداد والتوفيق.

المقدمة
تقنيات متنوعة فمن الأطباق اللاقطة (وصورها اللائطة) إلى الخلويات (وكلامها الخلاوي) ثم الانترنت والكاميرات , بإضافاتها المختلفة التي تزيدها فتنةً وإغراءً , تنوع يوازي تنوع وسائل الشيطان في فتنة الإنسان , فدله بغرور إلى التلاعب في هذه التقنيات الصماء , فاتبعه الإنسان الجهول وبدل حروف (التقنيات) وحولها إلى (قينات) - الإماء المغنيات وغير المغنيات- , ينسى فيها كل شيء ويلهث وراء الفاتنات و الفاتكات.
 
قال تعالى :{ قال فبمآ أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم 16 ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين 17} سورة الأعراف . 
تشير الآيات الكريمة إلى أن الشيطان قد قعدَ لابنِ آدم في جميع طُرِقه ,قال قتادة: ((أَتَاهُمْ مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا بَعْث وَلَا جَنَّة وَلَا نَار, وَمِنْ خَلْفهمْ مِنْ أَمْر الدُّنْيَا فَزَيَّنَهَا لَهُمْ وَدَعَاهُمْ إِلَيْهَا, وَعَنْ أَيْمَانهمْ مِنْ قِبَل حَسَنَاتهمْ بُطْأَهُمْ عَنْهَا, وَعَنْ شَمَائِلهمْ زَيَّنَ لَهُمْ السَّيِّئَات وَالْمَعَاصِي وَدَعَاهُمْ إِلَيْهَا وَأَمَرَهُمْ بِهَا, آتَاك يَا اِبْن آدَم مِنْ كُلّ وَجْه غَيْر أَنَّهُ لَمْ يَأْتِك مِنْ فَوْقك لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَحُول بَيْنك وَبَيْن رَحْمَة ربك)) .
وقد وجد الشيطان له في طريق التكنولوجيا الحديثة خيرَ مقعد , أراحَ عليه وأناخ , باضَ فيه وفرَخ , فمنذ اختراع الراديو والتلفون فُتِح مجالٌ جديد لسماع أصوات واستفزازات إبليس الملعون , ثم جاءنا بعد ذلك الفيديو والتلفزيون فتمثل لنا على شاشته أبناء وبنات إبليس الملعون بثوب الخلاعة والمجون , ثم الكاميرات والستلايتات والموبايلات التي فتحت علينا باباً واسعاً للويلات , ونهايةً بالإنترنت والحاسوب الذي أدمن الناس عليه القعود , ومنذ بداية هذه الثورة العظيمة في عالم الصوتيات والمرئيات ونار الفتن لا تزداد إلا تضرماً واستعاراً , ولا يزدادُ الأمرُ إلا شدةً ولا الأدبُ والأخلاقُ إلا إدبارً , لذلك سأُحاول في هذا البحث أن أضع النقاط على الحروف لفضح مخبئ الشياطين ومقعدهم خلف ستار أجهزة الديجيتال الحديثة.

 فتنة الديجيتال
 قال تعالى : {إنها لإحدى الكُبَر 35 نذيراً للبشر 36 لمن شاءَ منكم أن يتقدم أو يتأخر 37} سورة المدثر.

عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : {ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمرٌ أكبر من الدجال} رواه مسلم .

الديجيتال (Digital) كلمة لاتينية تعني نظام رقمي, ويعتبر الديجيتال (التقنية الرقمية) هو الرائد في التطور التقني المذهل والسريع لوسائل الاتصالات والالكترونيات الحديثة بأنواعها وأشكالها المتعددة , والتي تعتبر من أعظم ما اخترعه الإنسان وجعل زمانه الماضي في طي النسيان, وقد أصبحت هذه الوسائل بمتناول كافة شرائح المجتمع, الكبار والصغار , الأغنياء والفقراء , في المدينة والصحراء على حدٍ سواء , وقد ساهم هذا الانتشار الواسع لأجهزة الديجيتال بكافة أشكالها في تغذية ميول النفس الإنسانية الأمارة بالسوء , مما أدى إلى نشوء اضطراب اجتماعي صاحبه فوضى سلوكية وأخلاقية ملحوظة , وتبعهما انهيار سياسي وتسلط للأعداء , وظهرت في الأمة أحوال كريهة المنظر صعبة المراس , وأهوال أليمة المخبر وفتن الأحلاس -الفتن الدائمة- التي لم يسمع بمثلها من قبل.  
 
ولقد دفع عِظم هذه المُخترعات الحديثة وشدة خطورتها على ثقافة الناس وسلوكياتهم , العلماء الاجتماعيين ورجال الدين ودعاة الفضيلة في كافة الأرجاء وخاصةً في الدول الإسلامية, إلى صرف أعنَة العناية لتدارك الاستعمال الشيطاني لهذه الوسائل والأدوات الإلكترونية, التي وصل تطورها إلى حدٍ يصعب معهُ السيطرة عليها وضبط حدود استخدامها.

ولو تأملنا في لفظ كلمة (ديجيتال) هذه الكلمة التي صارت تقترن بجميع الأجهزة الإلكترونية المصنوعة حديثاً, فإننا نلاحظ أنها تواطئ -تشابه- كلمة (دجال), ولو حذفنا حروف (الياء والتاء) من كلمة (ديجيتال) فإننا نقرأها على هذا المنوال (دجال) ونتهجاها (د ج ل) , وهذه الحروف هي المكونة للجذر اللغوي (دَجَل) ومعناهُ كذب وهزل , وهذا هو لسان حال (الديجيتال) الذي خرج إلينا من بلادٍ لا تكاد تعرف الحرام من الحلال, وما تسبب به من فتنٍ وأوْجال.
وتصديقه لمقولة دوام الحال من المُحال, وإذا كان الدجال أعور العين فإن أجهزة الديجيتال قد أبدت العورات لكل عين , فهي مادتها الدسمة التي أدخلتها كثيراً من البيوت , وأطلقت العنان للإنسان ليكسر كل القيود , فصارت أجهزة الديجيتال مرآةً للأعور الدجال , مُمَهدةً الطريق لخروج هذا المحتال , بعد أن ضرب للناس كل الأمثال بالفساد والانحلال .

وقد أخبرنا سيد البشر محمد -عليه الصلاة والسلام وآله البررة الكرام- عن فتنة شر غائب يُنتظر, حيث لا يكاد ينجو أحد من شر هذه الفتنة في نفسه وأهله وولده وماله إلا من عصم الله , تأكلنا أكل النار في الهشيم , وتجري بنا مجرى السيل الجارف وتقطع منا الوتين .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {ما من نبي إلا أنذر أمته الدجال الأعور الكذاب , ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ومكتوب بين عينيه كافر , ثم تهجاها ك ف ر , يقرأه كل مسلم } . أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

وإنه من النادر أن نجد في أحاديث النبي –عليه الصلاة والسلام- تهجي لكلمة من الكلام ولفظها بشكل متقطع, وباعتقادي فإن تهجي النبي -عليه الصلاة والسلام- لكلمة (كفر), ونطقها بشكلٍ مُتقطع (ك ف ر) ليس مجرد صدفة, بل إنهُ يؤكد ما ذهبت إليه في ربطي بين كلمتي (ديجيتال) و (دجال) ومطابقتهما لبعضهما في اللفظ والحال, وذلك أن الديجيتال (النظام الرقمي) هو نظام يستخدم الأرقام كقيم مُستقلة وغالباً ما يُشير إلى نظام العد الثنائي المعتمد على القيمتين (0) و (1), وكما هو معروف فإن الأرقام تختلف عن الحروف بأنها تكتب مُستقلة ومُنفصلة عن بعضها البعض (4321), بينما يمكن دمج الحروف وكتابتها في كلمة واحدة دون فاصل بينها (ك ل م ة = كلمة).
كذلك فإن النظام الرقمي (الديجيتال) يتميز عن الأنظمة الأخرى التماثلية بأنهُ يأخذ القيم في أزمنة متقطعة, والإشارة الرقمية هي إشارة متقطعة تأخذ قيم منفصلة فقط.
وبالتالي فإن تقطيع النبي – عليه الصلاة والسلام- لكلمة (كفر) وفصل حروفها (ك ف ر), يتشابه من حيث الدلالة مع النظام الرقمي (الديجيتال) الذي يستخدم الأرقام والإشارة المتقطعة ويتعامل مع القيم بشكل منفصل, وكأنه –عليه الصلاة والسلام- يريد أن يرسل رسالة إلى أهل الذكر والفكر في هذا الزمان, ينبئهم من خلالها بأن عصر (الدجال) ووقت خروجه واستعار فتنته يتزامن مع العصر الرقمي (الديجيتال) ويواكب تطوره وانتشاره.

ورغم هذا الإثبات والربط اللفظي والعلمي بين (الديجيتال) و (الدجال), إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أن التقنية الرقمية (الديجيتال) والأجهزة التي تدخل في صناعتها هي (الدجال) ذاتهُ, وإنما هذه لعلها تكون مجرد إشارة ولمحة نورانية نبوية تُنبهنا إلى الفتنة المشهودة واليد الشيطانية المُمدودة من خلال هذه التقنيات والأجهزة الصماء, لعلنا نحذر عند استعمال هذه الوسائل الحديثة من الوقوع في مصائد ومكائد الشياطين والدجالين, نعوذ منهم بالله السميع العليم.

الديجيتال القرآني في الوقاية من الدجال الشيطاني
قال تعالى: {الم1} سورة البقرة.
إن هذه الآية ليست كلمة واحدة كما هي مكتوبة ولكنها عبارة عن حروف متقطعة تُقرأ كُلاً على حِدا على النحو التالي:{ألف, لام, ميم}, وهناك نماذج عديدة من سور القرآن الكريم التي تبدأ بمثل هذه الحروف المتقطعة, كقوله تعالى: {ق}, {يس}, {حم}, {المص}, وغيرها.
وقد اختلف المفسرون في الحروف المتقطعة التي في أوائل السور, فمنهم من قال: هي مما استأثر الله بعلمهِ فردوا علمها إلى الله ولم يفسروها, حكاه القرطبي في تفسيره, ومنهم من فسرها واختلف هؤلاء في معناها كلٌ حسب فقههِ واجتهاده.
وفي ظل وصول البشرية إلى ذروة الإنجازات العلمية والصناعية التي تعتمد على التقنيات الرقمية (الديجيتال), وفي ظل الهجمة الشيطانية (الدجالية) الشرسة من خلال هذه الوسائل التقنية على أسماع وأبصار وأفئدة سائر أمم البشرية, فقد اخترتُ أن أفسر بعض هذه الحروف المتقطعة القرآنية التي تُبرْز هذه المكيدة الشيطانية وتقي من شرها أبناء البشرية.

* قال تعالى: {كهيعص 1} سورة مريم.
وتُقرأ هذه الآية على النحو التالي: {كاف, ها, يا, عين, صاد}.  
وتتقاطع هذه الحروف المتقطعة مع الحديث النبوي الشريف الذي رواهُ الإمام مسلم في (صحيحه), عن أبي الدرداء, رضي الله عنه,أنهُ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): {من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصِم من فتنة الدجال}.
وإن أفضل تفسيرٍ لآيات القرآن هو تفسيرها بالقرآن نفسه ثم بأحاديث المصطفى العدنان (عليه وآله الصلاة والسلام), لذلك فإنني سوف أستعين بهذه الوصفة النبوية للوقاية من فتنة الدجال, في فك هذه الشِفرة القرآنية من حروف الديجيتال (الحروف المتقطعة).
وفيما يلي خطوات وإجراءات بيان نقاط التقاطع والتشابه بين حروف آية {كهيعص} وكلمات ومضمون الحديث الشريف:
أولاً: نقوم بقسم ألفاظ حروف آية {كهيعص} من المُنتصف تماماً, بحيث يكون الحرف المتوسط فيها (يا), نصفه الأول (ي) مع القسم الأول, ونصفه الأخير (ا) مع القسم الأخير:
{كهيعص}= {كاف, ها, يا, عين, صاد}
            = {كاف, ها + (يا) + عين, صاد}
            = {كاف, ها, ي} + {ا, عين, صاد}.

ثانياً: سوف نتوقف الآن مع النصف الأول ونجري عليه بعض التعديلات لنستخرج ما فيه من دلالات.
{كاف, ها, ي}: نجري عملية تبديل أماكن بين حرف الألف (ا) الذي في وسط (كاف) وحرف (ھ) الذي في أول (ها), لنحصل على النتيجة التالية: {كهف, اا, ي}. والآن أصبح هذا النصف من {كهيعص} جاهزاً لاستخراج الدلالات المنطوية فيه, على النحو التالي:
* كهف: هو اسم السورة المذكورة في الحديث الشريف أعلاه, وهي السورة التي تأتي في ترتيب سور القرآن الكريم مباشرةً قبل سورة مريم التي في مقدمتها هذه الحروف المتقطعة, ومن أسرار وكرامات (الكهف) أن الله جعلهُ مخبئاً ومبيتاً لِ (حفظ) الفتية المؤمنين الذي فروا من ظُلم وسطوة الكافرين, وعلى رأسهم الملك الكافر مُدعي الإلوهية (دقيانوس).
ومن ناحية أخرى فقد جعل الله (الكهف) سجناً للمسيح الدجال الذي أُثر أنه محبوس ومُقيد بالأغلال في جوف كهف في جزيرة في وسط البحار.
ففي الحديث الطويل,عن عامر بن شرحبيل الشعبي, عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه قال:{... إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميمة الداري كان رجلاً نصرانياً، فجاء فبايع، وأسلم، فحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية، مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً، ثم أرفأوا إلى جزيرة في البحر، حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يذرون ما قبله من دبره.
فقالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة.
قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم، انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق.
قال: لما سمت لنا رجلاً، فرقنا منها أن تكون شيطانة.
قال: فانطلقنا سراعاً، حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً، وأشده وثاقاً، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد.
قلنا: ويلك، ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟.......
قال: ...، وإني مخبركم عني، أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة، هما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحداً منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها "}. أخرجه الإمام مسلم، في صحيحه.

* اا: الألف الأولى هي أول حرف من كلمة (أول), والألف الثانية التي تسبق حرف الياء مباشرة {اا,ي} هي أول حرف من كلمة (آية) وتدل عليها. وهكذا فإننا نحصل من هاذين الحرفين على دلالة كلمتي (أول) و (آية).

* ي: إن الرمز العددي لحرف الياء بحسب قاعدة حساب الجُمل المشهورة هو 10 (عشرة). 

ومع نهاية هذا التفصيل نكون قد استخرجنا من النصف الأول من حروف {كهيعص} دلالات الشق الأول من الحديث النبوي الشريف:
{كاف, ها, ي} = {كهف, اا, ي} = {مَن (حفظ) (عشر) (آيات) من (أول) سورة (الكهف)..}.

ثالثاً: من النصف الثاني من حروف {كهيعص} سوف نستخرج دلالات الشق الثاني والأخير من الحديث النبوي الخطير.
{ا, عين, صاد}: نبقي هذه الحروف على ترتيبها دون تبديل في أماكنها, ولكن نعزل حرف (ص) عن كلمة (صاد) كما يلي: {ا, عين, ص, اد}.والآن أصبح هذا النصف الثاني والأخير من {كهيعص} جاهزاً لاستخراج الدلالات المنطوية فيه, على النحو التالي:
* ا: هذا هو النصف الثاني من حرف (يا) الذي قسمناه في بداية الشرح مناصفةً بين شقي {كه(يا)عص}, وهو حرف (ألف) غير مهموز, وعند كتابتنا للفظ (ألف) بدون همزة فإنها تصبح (الف), وحروف (الف) تتطابق مع الحروف الثلاثة الأولى من كلمة (الفتنة), حيثُ أن أل التعريف في كلمة (الفتنة) هي أل قمرية, حرف اللام (ل) يُكتب فيها ويُُلفظ.
[ا, عين: كذلك فإن حرف الألف (ا) مضافاً إلى لفظ (عين) الذي بعده مباشرة, هو أول حرف من كلمة (أعور) التي تقترن دلالتها الحسية ڊ (العين), وكما جاء في صفة المسيح الدجال فإنه (أعور العين)].    
* عين, ص: إن حرف الصاد (ص) الذي بعد لفظ (عين), كأنهُ هو نفسهُ حرف الصاد (ص) الذي بعد حرف العين (ع) في كلمة (عُصِم), ومعناها وُقِيَ وحُمِيَ.
[ص, اد: كذلك فإن حرف (ص) مع الحرفين الأخيرين اللذان بعده (اد), يُمثلان على الترتيب أول وآخر حروف كلمة (صياد), وقد جاء في بعض الأحاديث النبوية وأقوال الصحابة ما يُشير إلى أن الدجال هو (ابن صياد), وهو رجلٌ يهودي عاش في المدينة المنورة وأسلم في زمن النبي (عليه الصلاة والسلام) وتوفي في زمن التابعين الكرام, وهذه المسألة مثارُ خلاف ولستُ ها هنا في خِضَم مناقشتها وبيانها.
ومن ضمن ذلك ما روي عن محمد بن المنكدر -رضي الله عنه- أنه قال: (رأيت جابر عبد الله يحلف بالله أن ابن صياد الدجال.
قال: فقلت: تخلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم).
أخرجه البخاري ومسلم، في صحيحهما.
وعن نافع، قال: كان ابن عمر، يقول: (واللهِ ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد).
أخرجه أبو داود، في سننه].     
* اد: (الألف والدال) أول حرفين من لفظ (الدجال) ويُدلان عليه, حيثُ أن أل التعريف في كلمة (الدجال) هي أل شمسية لدخولها على حرف (الدال) في أول الكلمة, وحرف اللام (ل) في أل الشمسية يُكتب ولا يُلفظ, والحرف الذي يأتي بعده مُباشرة يُشدد, أي أن كلمة (الدجال) هي كما نلفظها تكون محذوفة (اللام) مُشددة (الدال) على النحو التالي: (ادﱠجال).
ومع نهاية هذا التفصيل نكون قد استخرجنا من النصف الثاني من حروف {كهيعص}, دلالات الشق الثاني والأخير من الحديث الشريف:
{ا, عين, صاد}={ا, عين, صاد}={..(عُصِم) من (فتنة) (الدجال)}.

وأخيراً, فإن ورود هذه الحروف المتقطعة التي دلت على حديث الدجال والوقاية منه في (سورة مريم) ليس بمحض الصُدفةً, وذلك أن سورة مريم مذكورٌ فيها تفاصيل حمل وولادة مريم للمسيح الصدوق عيسى (عليهما السلام), وكما جاء في الأحاديث الصحيحة فإن المسيح ينزل في آخر الزمان ويقتل الأعور الدجال ويُخَلص الناس من فتنته وشروره.

لا شك في أن هذا التحليل للحروف القرآنية المتقطعة {كهيعص} يبدو فيه شيئاً من الغرابة والتكلُف, ولكن هذا لا ينفي ما يتضمنه هذا التحليل أيضاً من إشارات ومعاني تستحق التوقف عندها والتأمل بها.

سِحر الديجيتال
قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا (مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ 102} سورة البقرة.
(الطلاق التكنولوجي) ظاهرة جديدة برزت وانتشرت في عالمنا العربي, وليس المقصود من مُصطلح (طلاق تكنولوجي) هو أنهُ صار بإمكانك طلاق زوجتك من خلال رسالة قصيرة أو زيارة لموقع المحكمة الشرعية الإلكتروني, ولكن هذا المُصطلح يُطلق بشكلٍ عام على حالات الطلاق التي تحدث بسبب التفاعل السلبي لأحد الزوجين مع الأجهزة الإلكترونية الحديثة, وبشكل خاص تلك الفعاليات والبرامج والمواد الرديئة المُنتشرة عبر الوسائل التكنولوجية المختلفة – الستلايت, الموبايل, الكمبيوتر, الإنترنت, .. الخ- والتي يتم استخدامها ومتابعتها من قِبل أحد الزوجين أو كلاهما.
وقد أكدت العديد من الدراسات والإحصائيات التي أجُريت في عدد من الدول العربية على ارتفاع مُعدلات الطلاق فيها على نحو غير مسبوق, وأن نسبة كبيرة من حالات الطلاق تندرج تحت مُصطلح (الطلاق التكنولوجي).
ومن ضمن ذلك, أن يكون الزوج مدمن على المشاهد والصور الإباحية بطريقة تثير اشمئزاز زوجهُ منه, أو أن يكون أحد الزوجين مُغرمْ ببعض المشاهير من أهل الفن والغناء بصورة تثير مشكلة تنتهي بالخلاف والطلاق.
وفي بعض الأحيان يكتشف أحد الزوجين المغامرات العاطفية للطرف الآخر من خلال جهازه المحمول أو كمبيوتره الشخصي أو نشاطاته على بعض المواقع الإلكترونية, وهناك قصص كثيرة معروفة ومنتشرة في مجتمعاتنا نحن بغنى عن ذكرها.
وفي بعض الحالات فإن (الطلاق التكنولوجي) يكون ثمرةً للشكوك والأوهام, دون أن يكون هناك سوء استخدام وذنب حقيقي ارتكبه أحد الزوجان, أو ربما يقوم بعض أعداء الزوجان في استخدام الأدوات التكنولوجية في ضبط وتصوير الزوج في وضعٍ حَرج وغير مرغوب به, ثم يقوم بنشر هذه الصور وإطلاع زوجتهُ عليها للتفريق بينهما.
وإن لم يكن الطلاق هو الثمرة النهائية للنزوات الإلكترونية والنزعات الشيطانية لأحد الزوجين, فإن ما تتسبب به من اهتزاز في الثقة وانهيارٍ في القيم الأخلاقية والاجتماعية الأصيلة من شأنهِ أن يُضعفُ بُنية الأسُرة ويُقوض دعائمها, وهذا من عظيم الفتنة الصادرة عن وسائل التكنولوجيا الحديثة وسحرها الفتاك, والتي إنما تقع بوسواس من شياطين الإنس والجن وتدبيرهم الخبيث, وهؤلاء الشياطين هم جنود (الدجال) وأعوانه من قراصنة وسائل (الديجيتال), وهم الفيروس الذي يتعدى خطرهُ ضرب برمجيات الأداة التكنولوجية إلى ضرب برنامج حياة مستخدم هذه الأداة, وهم من يجب اتخاذ كافة وسائل وبرامج الحيطة والحذر للوقاية من خطرهم الداهم, روى الإمام مسلم من حديث الأعمش عن جابر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: {إن الشيطان يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس فأقربهم عنده منزلة أعظمهم فتنة ، يجيء أحدهم فيقول له ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا فيقول إبليس: لا والله ما صنعت شيئاً, ويجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فَرقتُ بينه وبين أهله قال: فيقربه ويدنيه ويقول: نعم أنت ذاك تستحق الإكرام}.
وما ذاك إلا لإدراك إبليس بأن الأسرة هي نواة المجتمع الإنساني, وأن في تشتيت شملها تنمو بذور الخلاف والقطيعة بين الناس, وتقوى شوكة شياطين الإنس والجن في النيل من ثمار الأسرة وأطفالها الصغار, وجرفهم في دروب الانحراف والضياع, ونجدُ هذا المعنى الشمولي لنتائج النزاع والتفرقة بين الزوجان في بلاغة الشيطان وقوله: {ما تركتهُ حتى فرقتُ بينهُ وبين أهله}, والأهل هم الزوجة خاصة, وكل ما يلتحق بها من أبناء وأصهار وأقارب عامةً, لذا فإن الفِراق لا يقتصر على الزوجة, وإلا لقال الشيطان: (حتى فرقتُ بينهُ وبين زوجه), ولكن فراق الرجل لزوجتهِ يتعداها ليشمل الأبناء وأهل الزوجة وعشيرتها, بل وحتى أهل الزوج وعشيرتهُ في حال كانت الزوجة من عشيرة الرجل وقرابته, أو كان الرجلُ خاطئ ومُتعدي في أسباب فراق زوجته على نحوٍ يجعلهُ منبوذٌ في أهله.

وإن هذه الفتنة التكنولوجية لا تختص فقط بهدم العلاقات الأُسرية وتفريق الأزواج, ولكن شرها يمتد لشمل فئاتٍ ومناحٍ مُجتمعية أخرى مثل العُمال والمُوظفين, حيثُ يتسبب الاستعمال السلبي للأجهزة والبرمجيات التكنولوجية الحديثة خارج إطار العمل بتسريح العاملين من وظائفهم وحرمانهم من لُقمة عيشهم, وذلك عندما يُضيع الموظف وقت العمل في استخدام برامج مثل (المسنجر) و (فيسبوك) وغيرها, أو في إشباع نهمه من المشاهد الإباحية القبيحة خلال أوقات الدوام الرسمي, مما يدفع بمديريه إلى معاقبته وفصله, وللأسف فإن هذه القيود والعقوبات يتم فرضها وتطبيقها غالباً في الدول المتقدمة والشركات الكُبرى, وأما في دولنا العربية وكثيرٍ من مؤسساتنا الخاصة والرسمية فحَدِث ولا حرج, بل إنهُ ربما – من باب الدُعابة- يتم تسريح الموظف الذي لا يتعاطَ مع هذه البرامج والمواد, لاعتباره موظف شديد التحفظ وشاذ عن القاعدة وضعيف التفاعل مع التقدم التكنولوجي.
ورغم أننا لا نمتلك قاعدة تجارية وصناعية راسخة وقوية, إلا أننا نمتلك ثقافة دينية وأخلاقية أصيلة وتاريخية, يجب أن تكون حافزاً ومُحركاً لنا لضبط وتقيد سلوكياتنا ولجم شهواتنا, والذي لا يُقدِر ويحترم ربهُ ورسولهُ هيهات لهُ أن يُقَدر ويحترم رب عملهِ ومسئولهُ.

وإذا كان للسحرة والدجالين أسالبيهم في ابتزاز أموال الناس ومعرفة أسرارهم والولوج إلى خصوصياتهم, فإن لِسَحَرة الديجيتال أسالبيهم في استدراج الناس وإحراجهم وتهديد أمنهم المادي والاجتماعي, وذلك عندما يتم تسجيل أصواتهم وصورهم في ظروف وأوضاع غير لائقة, والأمثلة على ذلك كثيرة وتطال شريحة واسعة من عوام الناس ومشاهيرهم.
وقد تسببت الكاميرات وآلات التصوير بإحراجٍ كبير لمنظمي الحفلات غير المختلطة وخاصةً في منطقة الخليج العربي, وبرزت هذه المشكلة مع ظهور أجهزة الموبايل المتضمنة لتقنية التصوير والتسجيل, والتي يقوم باستخدامها بعض الحاضرات خلسةً في تصوير النساء المتبرجات بالزينة.  

قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 53} سورة الأنفال.     
وإن تطور الأدوات والوسائل التكنولوجية التي فتحت باب الفتنة والشهوات على مصراعيه, لم يَسْلب الناس استقرارهم النفسي والاجتماعي والوظيفي فحسب, ولكنهُ أدى إلى سلبهم وحرمانهم من الكثير من المُتع المُباحة التي كانوا يحصلون عليها مجاناً عبر هذه الوسائل فيما مضى.
وأبسط الأمثلة على ذلك, هو حرمان الشباب والجمهور العربي من المُشاهدة المجانية للبطولات الرياضية العالمية والمحلية, وذلك بعد أن تم شراءها وتشفيرها من قِبل الشبكات التلفزيونية والمحطات الفضائية.
فبعد أن اسْتَحَلت واستباحت شريحة واسعة من المُشاهدين رؤية ما حَرَمهُ الله من أعمال الزنا والفواحش وملئوا أعينهم من متعة المشاهد والصور الإباحية, حُرموا من متعة مُشاهدة ما كان متاحٌ لهم سابقاً من مُسابقات ودورات رياضية شهيرة ومحلية.
ولم تقتصر العقوبة الربانية على الحرمان, ولكنها تعدتها إلى المساواة بين كفتي الميزان, فبقدر ما ملأت الجماهير العربية أسماعها وأبصارها من الطرب والغناء ومشاهد الأجساد العارية واللقطات الإباحية على الشاشات الفضائية, بقدر ما ملأ الله هذه الشاشات بأصوات الصُراخ والبُكاء ومشاهد شلالات الدماء التي تنزف من أجساد أبناء الأمة العربية, وعلى أصداء الليالي الحمراء تأتي الليالي المُظلمة الدهماء, وبعد الفرح ونشوة الشهوات تأتي الأحزان والحسرات.
قال تعالى: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كُفرا وأحلوا قومهم دار البوار 28} سورة إبراهيم.

فبعد أن يُنهي الجناح الاجتماعي لتقنيات الديجيتال (الدجال) مهمتهُ بنجاح في تخريب  الدين وهدم طهارة وأخلاق المجتمعات وإفساد النفوس, يأتي دور الجناح العسكري لهذه التقنيات لتخريب الدنيا وهدم البيوت واقتلاع المزروعات وتخريب الممتلكات وقتل النفوس, وذلك باستخدام الطائرات الحربية والدبابات الأرضية وغيرها من الأسلحة والوسائل الذكية ذات التقنية, وهكذا تتكامل المعادلة الشيطانية من خلال تفاعل كافة عناصر التخريب (التقنية) المعنوية والمادية, وبمساعدةٍ من وسائل (الديجيتال) يتحقق الهدف الأسمى والكبير لكتيبة (الدجال) وهو إفساد دين ودنيا بني آدم وتحويلها إلى أسوء حال.

رؤية مُشتركة بين مُشاهدي (التلي في جن) والجن
استعمل بعض أهل اللغة كلمة (تلفاز) كاسم للآلة, على وزن "مفعال" , وذلك لعلاقة هذه الكلمة الاشتقاقية بكلمة (تلفزيون) إنجليزية الأصل, واستخدم غيرهم كلمة عربية بديلة, ليس لها علاقة لفظية بالكلمة الأصل, هي "الرائي" , وهي اسم فاعل بمعنى اسم المفعول, أي "المرئي" , غير أن "الراني" أدق في الاستعمال من "الرائي" لأن الراني تعني "المسموع المرئي" في آن واحد, أما التسمية الأصلية لهذا الجهاز فهي "Television" التي أُخذ منها بالعربية كلمة (تلفزيون), وهي كلمة إنجليزية معناها التفصيلي هو "خيال الشيء المرئي من بعيد" .
قال تعالى :{يا بني آدمَ لا يفتنكمُ الشيطانُ كمآ أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهما لباسَهُما ليُريَهُما سوءاتِهِمَآ. إنهُ يراكم هو وقَبِيلُهُ من حيثُ لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أوليَآءَ للذين لا يؤمنون 27} سورة الأعراف.
لقد أنعمَ الله على آدم وذريتهُ وأكرمهم بخلافته في الأرض, وجعل الله من البشر الأنبياء والرسل والأولياء الذين يهتدي بنورهم سائر المخلوقات من الجن والحيوان والشجر والحجر, وكما ورد في الآية الكريمة فقد منح الله الجن إمكانية رؤية وسماع بني آدم, بينما ليس للإنسان أن يرى أو يسمع أحاديث الجآن, وإن الغاية الأسمى من رؤية وسماع الجآن للإنسان, هي أن يسمعوا منهم كلام الله ووحيه الذي تتنزلُ به الملائكة على أنبياءه, وليكون نوراً وبُرهاناً وحُجةً لهم أو عليهم, قال تعالى: {قُل أوحي إليَ أنهُ استمعَ نفرٌ من الجنِ فقالوا إنا سمعنا قُرآناً عجباً 1 يهدي إلى الرشدِ فآمنا بهِ, ولن نُشرك بربنا أحداً 2 وأنهُ تعالى جدُ ربنا ما اتخذَ صاحبةً ولا ولداً 3 وأنهُ كان يقولُ سَفِيهُنا على الله شططاً 4} سورة الجن. سفيهنا: جاهِلَنا إبليس اللعين.
ويعتبر جهاز (التلفزيون) مثالاً تقريباً جيداً على قدرة الجن على رؤية الإنسان, دون أن يتمكن الإنسان من رؤيتهم, وذلك أن مُشاهدي شاشات التلفاز يستطيعون رؤية وسماع مَنْ خلف الشاشة, والعكس غير صحيح, وفي هذه الحالة فإن الجآن مثلهم كمَثَل من يشاهد شاشات التلفزيون (التِلِفِ.جن), وبني آدم مثلهم كمثل الذين تذاع أصواتهم وصورهم عبر هذه الشاشات.

والجنُ كما مر معنا في الآيات منهم الصالحين ومنهم الجاهلين وهم الشياطين, والجن الصالح بطبيعة الحال يكونون حريصين على تتبع ومتابعة القنوات والفئات الإنسانية التي يكثُر فيها صالحي البشر وأخيارهم, ليثبُتوا على الحق ويزدادوا نوراً وهُدىً وصلاحاً, وأما الجن الكافر فإنهم يحرصون على تتبُع ومُتابعة القنوات والفئات الإنسانية التي يكثُر فيها فاسدي البشر وأشرارهم, ليتمتعوا بهم ويتعرفوا عليهم, ثُم ليُمِدوهم في غيهم ويستخدموهم في غواية الناس.
   
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, ونستعيذ به سبحانهُ من فتنة الشياطين, وصلى الله على من تفرُ الشياطين من نور وجوههم محمد وآله وصحبه أجمعين.  

شاهد الجزء الثاني أيضاً على هذا الرابط : 

* نُشر لأول مرة في مدونة المسبار السحري بتاريخ 17- 7- 2007
فكرة وإعداد: م.وليد القراعين







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق